كتب - خليل بن أحمد الكلباني

في خطوة تشريعية تعكس توجه وزارة العمل نحو تنظيم سوق العمل والعلاقة التعاقدية بين العامل وأرباب العمل، أصدرت وزارة العمل اللائحة التنظيمية الخاصة بالعمالة المنزلية، في محاولة لسد فراغ قانوني طالما أثار إشكالات اجتماعية واقتصادية. وتأتي هذه اللائحة لتشكل إطارًا قانونيًا واضحًا يحفظ حقوق العامل وصاحب العمل على حد سواء، ويعزز مبدأ الشفافية والمسؤولية في إدارة واحدة من أكثر قطاعات العمل حساسية وتأثيرًا في المجتمع.

وقد أثار صدور اللائحة الجديدة تفاعلاً واسعًا بين المختصين والمواطنين، حيث اعتبرها خبراء القانون نقلة نوعية في التشريعات العُمانية، في حين أبدى عدد من المواطنين تحفظاتهم بشأن بعض بنودها التي يرون أنها قد تفرض أعباء إضافية على الأسر.

خبراء قانون: اللائحة خطوة إصلاحية تعزز العدالة وتسد فراغًا تشريعيًا طال انتظاره

وأكد داوود بن سليمان الهنائي، مدير الدائرة القانونية بوزارة العمل، أن اللائحة التنظيمية جاءت لتسد فراغًا تشريعيًا طالما شكل عبئًا على وزارة العمل والمجتمع معًا، إذ كان التعامل مع قضايا العمالة المنزلية في السابق يعتمد على الاجتهادات الفردية والتفسيرات المختلفة، ما أدى إلى تفاوت في فهم الحقوق والواجبات بين صاحب العمل والعاملة ومكتب الاستقدام.

وأوضح أن الوزارة حرصت على أن تكون اللائحة الجديدة مرجعًا قانونيًا واضحًا وشاملاً ينظم العلاقة بين الأطراف كافة، ويحدد المسؤوليات والالتزامات بدقة وشفافية.

وبحسب الهنائي، فإن من أبرز ما تضمنته اللائحة هو إلزام صاحب العمل بتوثيق العقود رسميًا، وتحديد ساعات العمل والإجازات الأسبوعية والسنوية، وتوفير التأمين الصحي والإجازات المرضية، وكذلك ضمان تسليم الأجور في مواعيدها المحددة، كما أوجبت اللائحة على صاحب العمل إنشاء ملف خاص بالعامل يتضمن تفاصيل العقد وسجل الأداء.

وأشار إلى أن الوزارة لا تنظر إلى اللائحة بوصفها أداة رقابية فحسب، بل تراها إطارًا يوازن بين الكرامة الإنسانية للعامل المنزلي وحق الأسرة العُمانية في الحصول على خدمة مستقرة وآمنة، مشددًا على أن نجاح التجربة مرهون بالتعاون المستمر بين الوزارة والمكاتب والمجتمع.

كما أوضح أن إعداد اللائحة جاء ثمرة لتشاورات موسعة مع عدد من الجهات ذات العلاقة، منها وزارة الخارجية وغرفة تجارة وصناعة عُمان ووزارة التجارة وترويج الاستثمار وشرطة عُمان السلطانية ووزارة التنمية الاجتماعية واتحاد العمال واللجنة العُمانية لحقوق الإنسان، بهدف مراعاة مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.

وأضاف: إن اللائحة تراعي المواءمة مع المؤشرات والمعايير الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، وتمنح جميع الأطراف مساحة من العدالة والإنصاف في حال نشوء أي خلاف أو نزاع.

نقلة نوعية في التشريعات العُمانية

من جانبه، أشار المحامي والمستشار في قانون العمل نايف بن خالد القري إلى أن صدور هذه اللائحة كان أمرًا ضروريًا بالنظر إلى التحديات التي تواجه طرفي علاقة العمل في الواقع، مؤكّدًا أن هذه اللائحة تعتبر مرتبطة ومكملة للوائح الأخرى المرتبطة بذات الموضوع، مثل اللائحة المنظمة لمكاتب استقدام القوى العاملة الصادرة بالقرار الوزاري رقم ١/٢٠١١ واللائحة المعنية ببلاغات ترك العمل والصادرة بالقرار الوزاري رقم ٢٧٠/٢٠١٨، إذ أن هذه اللوائح معًا تشكل المنظومة القانونية المنظمة لهذا الموضوع.

فعلى سبيل المثال، نجد أن فترة الضمان التي يمكن من خلالها إعادة أو استبدال عاملة المنزل منصوص عليها في اللائحة الخاصة بمكاتب الاستقدام، كما تضمنت اللائحة المنظمة لبلاغات ترك العمل الضمانات الخاصة بصاحب العمل في حال هروب العاملة أو العامل من العمل.

وأوضح القري أهمية وجود عقد عمل مكتوب بما يحقق مصلحة الطرفين على حد سواء، فكما يتضمن العقد حقوق العامل، فإنه من الممكن أيضًا أن يتضمن حقوق صاحب العمل، لا سيما تلك المتعلقة بحالات إخلال العامل وعدم تقيده بمدة العقد.

وأشار كذلك إلى أن نصوص اللائحة لا تصب في مصلحة العامل فقط، بل تحمي أصحاب العمل أيضًا، إذ توفر لهم سندًا قانونيًا واضحًا يمكن الرجوع إليه عند الإخلال بالعقد أو في حال الهروب أو رفض العمل، وهو ما يخلق توازنًا عادلاً في العلاقة المهنية.

وأضاف القري أن نجاح تطبيق اللائحة لن يتحقق دون نشر الوعي القانوني والمجتمعي، داعيًا إلى تعزيز ثقافة احترام العقود والحقوق المتبادلة، ومؤكّدًا أن أي تشريع مهما كانت دقته لا يحقق أهدافه ما لم يكن مصحوبًا بإدراك مجتمعي يرسخ مبدأ العدالة المتبادلة.

مواطنون: بعض بنود اللائحة قد تشكل تحديًا للأسر

من جانبها، قالت المواطنة حنان بنت عبدالرزاق: "تنص اللائحة على منح العامل راحة أسبوعية مدفوعة الأجر، وهذا يؤدي إلى إرباك في مهامها اليومية بسبب طلب الإجازات والخروج من المنزل، ما يؤثر على جودة العمل، خاصة أن معظم الأسر العُمانية تستقدم العاملة لتربية الأطفال، لذا هناك تخوف من انشغالهن خارج المنزل وهو ما سيؤثر سلبًا على أدائهن في العمل، إضافة إلى ما قد ينتج عن تبعات تواجدهن خارج مسؤولية أرباب العمل، وفي حين كانت العاملة تقضي وقت استراحتها في المنزل أو الخروج والتنزه مع الأسرة".

كما أوضحت أن أكثر ما لفت انتباهها أن "العامل يأخذ إجازة سنوية بأجره الشهري لا تقل عن 21 يومًا عن كل عام"، وهذا لا يتناسب مع احتياجات الأسر العُمانية، ما قد يدفع العامل إلى إلزام صاحب العمل بمنح الإجازة سنويًا، خاصة عاملات المنازل ومربيات الأطفال.

وفي جانب الرعاية الصحية، تتطلع الأسر إلى استقطاع جزء من المبالغ التي يقدمها أرباب العمل لمكاتب استقدام العاملة لتوفير التأمين الصحي، بحيث يستفاد منها خلال فترة الإقامة، ولا يتكبّد صاحب العمل تكاليف الاستقدام المبالغ فيها، والتي لا تشمل التأمين الصحي.

وأضافت: "أعتقد أن الإجراءات الجديدة ستزيد من تعقيد عملية الاستقدام، حيث قد تلجأ الكثير من الأسر العُمانية إلى إلغاء فكرة الاعتماد على العمالة المنزلية، والبحث عن بدائل أكثر تيسيرًا وسهولة بعيدًا عن التعقيدات".

من جانب آخر، قال المواطن سالم بن حمود البراشدي: "إن اللائحة التنظيمية الجديدة، وإن كانت تجذب القوى العاملة في هذا الجانب، إلا أنها تعتبر مجحفة وغير عادلة بالنسبة لأرباب العمل".

وأضاف: "أعتقد أن الاشتراطات في اللائحة الجديدة، سوف تستدعي من الأسر التفكير مليًا في كيفية الحصول على الخدمات ذات الجودة العالية وبأقل الأسعار، كما ستضطر إلى إعادة دراسة أولويات الحياة وتقسيم الأعمال المنزلية بين أفراد الأسرة، بما يمكنهم من إمكانية التخلي عن خدمات تلك العمالة الوافدة".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اللائحة الجدیدة وزارة العمل صاحب العمل الع مانیة

إقرأ أيضاً:

وزارة العمل تنظم لقاء تعريفيا حول المرحلة التجريبية لبرنامج "صاحب العمل الموثوق"

نظّمت وزارة العمل، اليوم، لقاء تعريفياً لشركات القطاع الخاص، حول المرحلة التجريبية من برنامج "صاحب العمل الموثوق"، بحضور سعادة الشيخة نجوى بنت عبدالرحمن آل ثاني، وكيل وزارة العمل.

ويُعد البرنامج إحدى مبادرات الوزارة الاستراتيجية لتعزيز الامتثال المؤسسي، وترسيخ المصداقية في سوق العمل، وتحفيز بيئة العمل المستدامة، بما يتماشى مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.

وقدم مسؤولون من الوزارة، خلال اللقاء، عروضاً توضيحية وتفصيلية حول برنامج صاحب العمل الموثوق، ومعايير اختيار الشركات المؤهلة للمشاركة في المرحلة التجريبية للبرنامج، والتي تشمل المساهمة الفاعلة في جهود التوطين، والامتثال لقوانين العمل والهجرة، والالتزام بنظام حماية الأجور، والامتثال الضريبي، والشفافية في تسجيل بيانات القوى العاملة، كما تم تقديم شرح تفصيلي للشركات حول نظام النقاط الذي يعتمد عليه البرنامج لتقييم أهلية الشركات، والمزايا الممنوحة، والتسهيلات الإدارية المقدمة لها.

ويهدف برنامج "صاحب العمل الموثوق"، إلى تسريع الإجراءات الإدارية للشركات الملتزمة بأهداف خطة التوطين، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، ورفع مستوى الامتثال العام من خلال توفير حوافز تشمل مرونة في تأشيرات العمل، والاستفادة من عمليات الموافقة الأسرع والمبسطة لتوظيف الموظفين الأجانب، بالإضافة إلى تحسين التواصل والتعاون بين أصحاب العمل والحكومة والهيئات التنظيمية، مما يضمن تفاعلات أكثر سلاسة وإدارة أفضل للقوى العاملة.

وسيتم اختيار الشركات المشاركة في البرنامج بعناية فائقة، بناء على معايير محددة، تشمل الامتثال التنظيمي والوضع القانوني، وحماية حقوق العمال، والشفافية في عمليات التوظيف والكفالة القانونية، وستُمنح هذه الشركات فرصة الاستفادة المبكرة من مزايا البرنامج، لتكون في طليعة الجهات الرائدة في ممارسات التوظيف المسؤولة.

وتعمل وزارة العمل على تطوير برنامج "صاحب العمل الموثوق"، بالتعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في الجهات الحكومية، مع استمرار التوسّع في الشراكات، بما يضمن التكامل مع استراتيجيات التنمية الوطنية الثالثة، ورؤية قطر الوطنية 2030، والتنفيذ المرن للبرنامج في مراحله المقبلة.

مقالات مشابهة

  • تنسيقية العمل الوطني: استمرار العبث القانوني يهدد مفهوم الدولة الحديثة
  • وزارة العمل تنظم لقاء تعريفيا حول المرحلة التجريبية لبرنامج "صاحب العمل الموثوق"
  • اتحاد العمال يناقش واقع المرأة العاملة في القطاع الخاص
  • قانون العمل الجديد .. ضوابط التعيين في القطاع الخاص
  • ترخيص مسبق ومراقبة صارمة.. قانون العمل الأهلي ينظم دور الإيواء الأطفال
  • لا تعويض لمن ترك العمل بإرادته.. القانون يُحدد شروط استحقاق إعانة البطالة
  • المسكوت عنه مكمن الغضب عن اللائحة التنظيمية لعمل عمال المنازل
  • المنتدى الاقتصادي العالمي: الإمارات ضمن الدول الأكثر استعداداً لوظائف المستقبل
  • تقاضي وكالات التشغيل نسبة لا تتجاوز 1% من أجر العامل في السنة الأولى فقط