جولات سياحية مرعبة على المصحات العقلية المهجورة بأمريكا.. لها جمهورها
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- افتتحت مصحة "Pennhurst" لأول مرة في العام 1908، تحت اسم المؤسسة الشرقية لضعاف العقول والمصابين بالصرع، ومع مرور الوقت، أصبحت سيئة السمعة بسبب سوء معاملة المرضى جسديًا وذهنيًا.
وفي العام 1968، كانت موضوع تحقيق تلفزيوني على قناة NBC بعنوان "Suffer the Little Children"، كشف عن الإهمال القاسي الذي تعرض له المقيمون هناك.
واليوم، تحولت المنشأة السابقة في بلدة سبرينغ سيتي، على بعد حوالي 48 كيلومترًا من وسط مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، إلى مزار سياحي مروّع. فبعد عقود من مغادرة آخر المرضى، يستطيع الزوار الانضمام إلى "تحقيقات خارقة للطبيعة" تستمر حتى الثانية صباحًا.
تعد هذه الظاهرة مثالًا على ما يُعرف بـ "السياحة المظلمة"، وهي نوع من السياحة يزور فيه الأشخاص أماكن اشتهرت بتاريخها المظلم. ولم تكن "Pennhurst" المصحة الوحيدة التي تجذب عشّاق الأماكن المسكونة أو المثيرة للرعب.
وفي ولاية ويسكونسن، تحوّل مستشفى مقاطعة شيبويغن للمجانين السابق إلى "مصحة شيبويغن المسكونة"، حيث تُقام بيوت رعب موسمية يؤدي فيها ممثلون متنكّرون أدوارهم المخيفة، كما تُنظّم جولات بإشراف فريق "صيّادي أشباح فُوكس فالي" المحلي.
وفي ميشيغان، أُعيد إحياء مستشفى Eloise للأمراض النفسية بعد إغلاقه العام 1981، ليصبح الآن "مصحة Eloise"، مزيجًا من بيت رعب وغرفة هروب ذات طابع نفسي. ويمكن لعشّاق الظواهر الخارقة استخدام أجهزة كشف الأشباح بحثًا عن الأرواح العالقة بين جدرانه المتشققة والمغطاة بالغرافيتي القاتم.
وفي مدينة ويستون بولاية فرجينيا الغربية، يقصد السياح مصحة Trans-Allegheny، التي عملت من 1864 حتى 1994، سعياً وراء "الإثارة"، حسبما تقول المرشدة أليسا هيل، التي تقود الجولات هناك.
وتقول هيل:"لقد أصبحت نوعًا من تجربة لا بد من خوضها مرة في العمر،ربما لم يرَ الناس شيئًا خارقًا من قبل، لكنهم يريدون ذلك.. يريدون الشعور بتلك الإثارة".
وكغيرها من المرشدين السياحيين، تمتلك هيل العديد من الحكايات المرعبة الخاصة بها. فهي تتذكر ليالي ساكنة بلا رياح، حين أُغلقت الأبواب فجأة، ومواقف سمعت فيها طرقًا غامضًا على الجدران. وشاهدت هيل أخيرًا، ظلًا على شكل إنسان يعبر ذهابًا وإيابًا عبر شبكة ليزر مسلطة على الحائط. وقد مرّت بلحظات كثيرة شعرت فيها، هي وضيوفها، بأنهم لم يكونوا وحدهم داخل المبنى.
وتضيف: "لا أعرف حقًا كيف أفسر ذلك، أظن أن هذا ما يجعله أمرًا خارقًا للطبيعة.. إنه ببساطة غير قابل للتفسير".
التاريخ المفاجئ لـ"سياحة المصحات" في أمريكاقد يتفاجأ الزوار الباحثون حول الإثارة اليوم عندما يعلمون أن زيارة هذه المصحات كانت في الماضي تجربة مبهجة، لا مرعبة، بالنسبة لبعض الناس.
ففي أواخر القرن التاسع عشر، كان بإمكان المسافر الذي يتصفّح نسخة العام 1872 من دليل السفر "Miller’s New York As It Is"، أن يجد إلى جانب أوصاف المتاحف والفنادق، معلومات عن جولات سياحية في مصحة Bloomingdale للأمراض العقلية التي أُنشئت العام 1821 وكانت حينها فرعًا من مستشفى نيويورك.
وجاء في دليل السفر: "إنّها تحتلّ موقعًا بالغ الجمال والرُقي"، مشيرًا إلى أن حدائقها كانت مزدانة بأشجار الأرز والزهور. وكان يُرحّب بالزوار لزيارة المبنى الرئيسي للمصحة، حيث يمكنهم الاستمتاع بإطلالة بانورامية تعد من أجمل المناظر في المدينة.
وأضاف الدليل أن "أسلوب العلاج المقدم للمصابين البؤساء هناك يعتبر من أكثر الأساليب تنويرًا وإنسانية وعقلانية".
وفي العام 1880، أشار كتاب آخر بعنوان "The Englishman’s Illustrated Guide Book to the United States and Canada" إلى أن زيارة إحدى مصحات نيويورك "ستكافئ السائح أو المحسِن خير مكافأة".
هذا التصوّر كان يعكس واقعًا تاريخيًا. وفي القرن التاسع عشر، بدأت المصحات بالظهور في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، في طفرة عمرانية جاءت نتيجة تغيّر الفهم السائد للمرض النفسي.
قالت جينيفر بازار، نائبة مدير المتحف الوطني لعلم النفس بمركز كامينغز لتاريخ علم النفس في جامعة أكرون:"بحلول القرن التاسع عشر، أصبح يُنظر إلى المرض النفسي على أنه مرض.. وأي مرض كان يُعتقد حينها أنه قابل للعلاج".
وأضافت: "هذا الفهم للمرض النفسي باعتباره مرضًا قابلًا للعلاج كان عاملًا رئيسيًا في الطريقة التي بُنيت بها هذه المؤسسات، والسبب وراء إنشائها".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: رحلات صحة نفسية غرائب
إقرأ أيضاً:
"باترسون".. تجمع فلسطيني بأمريكا لا يغيب عنه مآسي غزة
نيوجيرسي - ترجمة صفا
على بعد آلاف الأميال غربًا عن غزة، يعيش آلاف الفلسطينيين في مدينة باترسون التابعة لولاية نيوجيرسي الأمريكية ولا يغيبون عن المآسي التي تحدث لقطاع غزة.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا عن الجالية الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة في مدينة باترسون وارتباط الجالية بمشاهد الإبادة اليومية للتي تقع في القطاع.
في الشارع الرئيسي، الذي يُطلق على جزء منه اسم شارع فلسطين، في مدينة باترسون بولاية نيوجيرسي، والتي تضم واحدة من أكبر الجاليات الفلسطينية في البلاد، كان لدى ناصر سلمان قاعدتان: لا تبكِ علنًا، ولا تبكي أمام رجل. ثم سافر إلى غزة، حيث عمل لمدة شهر ممرضًا في مستشفى شهداء الأقصى ورأى عائلات تُقصف في خيامها، وشاهد أطفالًا يستشهدون.
بعد أشهر من عودته إلى الولايات المتحدة، جلس سلمان في مخبز بمسقط رأسه، باترسون، نيوجيرسي، يروي قصصًا عن فترة وجوده في غزة.
لكنه أجهش بالبكاء؛ فيما جلس بجانبه صديقه، زاهد رحمن، الذي ترك هو الآخر عمله كممرض في نيوجيرسي للعمل في مستشفيات غزة.
مدّ رحمن يده ومسح على عنق صديقه. وسرعان ما امتلأت عيناه بالدموع.
"لم أبكِ أمام أحد قط"، قال سلمان، 37 عامًا، الذي يعيش الآن في كليفتون، نيوجيرسي. "نظرتي للعالم لن تكون هي نفسها أبدًا".
باترسون هي منذ زمن طويل مركز الجالية الفلسطينية الكبيرة والمزدهرة في نيوجيرسي. تقع على بُعد 15 ميلاً غرب مانهاتن، وقد تبدو في بعض الأماكن وكأنها بلدٌ قائمٌ بذاته، وخاصةً في حي جنوب باترسون، حيث يكثر الناطقون بالعربية، وترفع العديد من المحلات التجارية الأعلام الفلسطينية، وقد أُعيد تسمية جزء من شارعها الرئيسي رسميًا باسم "شارع فلسطين".
وبحسب تقرير الصحيفة، يرتبط هذا المجتمع ارتباطًا مباشرًا بل ومؤلمًا في كثير من الأحيان، بالحرب في غزة.
فقد عاش العديد من سكان باترسون وضواحيها في غزة أو الضفة الغربية قبل هجرتهم إلى الولايات المتحدة. ولا يزال الكثيرون منهم على اتصال بأقاربهم هناك، الذين أرسلوا لهم على مدار العامين الماضيين سيلًا متواصلًا من الرسائل النصية والصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر سقوط القنابل، والمنازل المدمرة، والمدنيين الجرحى أو الشهداء، والعائلات النازحة التي تبحث عن المأوى والطعام.
وبعد مرور عامين، اغتنم أفراد الجالية الفلسطبنية في نيوجيرسي الفرصة التي أتاحها وقف إطلاق النار الهش للتفكير في الكيفية التي غيرتهم بها الحرب في غزة.
وُلد دياب مصطفى في جيرسي سيتي، وقضى طفولته في الضفة الغربية، ثم عاد إلى نيوجيرسي للدراسة الجامعية وتكوين أسرة. قال إنه عندما بدأ العدوان على غزة عام ٢٠٢٣، كان يستيقظ كل صباح، ويفتح هاتفه، ويشاهد مقاطع فيديو على يوتيوب من غزة تُصوّر آخر هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي ثم ينتقل إلى إنستغرام وتيك توك، ويقضي يومه في مشاهدة صور مأساوية ودموية.
لكن سرعان ما يشعر بالأسى في النهاية، حيث قرر مصطفى التوقف عن متابعة الأخبار. سجّل خروجه من جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي، وحذفها من هاتفه.
يذكر أن مصطفى رئيس مجلس إدارة المركز المجتمعي الفلسطيني.
ويقول: "لا أستطيع فعل أي شيء للحفاظ على سلامة عائلتي في الضفة الغربية. لذلك أصبحتُ مهووسًا بالتأمل. لم أعد أرغب في رؤية القتل بعد الآن".
شاهد رحمان، المنحدر من عائلة هندية ونشأ في جيرسي سيتي، مقاطع فيديو من حرب غزة قم بدأ بإعادة نشرها ثم قرر الانخراط شخصيًا، حيث ترك عمله كممرض في مستشفى روبرت وود جونسون الجامعي في نيو برونزويك، نيوجيرسي، وسافر مرتين إلى غزة، وعمل في كل مرة كممرض متطوع في مستشفيات مختلفة في القطاع.
ومثل صديقه سلمان، قال إنه رأى هو الآخر عائلات نازحة تُقصف في خيامها. ورأى أيتامًا حفاة القدمين ممددين على الأرض قرب قبور آبائهم.
وعندما عاد إلى نيوجيرسي، كان منزله الجميل وسيارته الفخمة قد فقدا جاذبيتهما. ذهب إلى متجر ميسي، واشترى لأول مرة بنطالاً وقميصاً بأزرار. ارتدى هذا الزي عندما ذهب إلى واشنطن العاصمة للضغط على أعضاء الكونغرس لدعم وقف إطلاق النار في غزة.
لسنوات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تجسست شرطة نيويورك على المسلمين في نيوجيرسي، مما أثار الخوف في المجتمع، وفقًا لرائد عودة، صاحب صالون فلسطين لتصفيف الشعر في جنوب باترسون. بعد سنوات من إلغاء برنامج المراقبة، حيث بدأ المسلمون في باترسون بإثبات وجودهم علنًا وأُعيدت تسمية الشارع الرئيسي بشارع فلسطين في مايو 2022.
ثم تسارعت وتيرة ذلك بعد بدء حرب غزة، حبث رفعت العديد من المحلات التجارية المحلية الأعلام الفلسطينية خارج متاجرها، ورسمت مشاهد من التاريخ الفلسطيني على جدرانها.