ثورة طبية.. زرع إلكتروني يعيد القدرة على القراءة للمكفوفين
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
أظهرت نتائج التجربة أن 84% من المشاركين تمكنوا من تمييز الحروف والأرقام والكلمات باستخدام الرؤية الاصطناعية في عين كانت عمياء سابقاً.
في خطوة طبية غير مسبوقة، تمكن مرضى فقدوا بصرهم بسبب الضمور البقعي المرتبط بالعمر من استعادة القدرة على القراءة بفضل زرع إلكتروني مبتكر للعين، مصحوب بنظارات الواقع المعزز.
التجربة الأوروبية التي قادها باحثون من جامعة لندن (UCL) ومستشفى Moorfields Eye Hospital أثبتت نجاح هذه التقنية، وفتحت باب الأمل أمام ملايين المرضى حول العالم.
رؤية بعد سنوات من العمىيعاني مرضى الضمور البقعي الجاف من تدهور تدريجي في البقعة ، وهو الجزء من الشبكية المسؤول عن الرؤية المركزية الحادة. مع الوقت، تموت الخلايا الحساسة للضوء، ما يؤدي إلى تشويش الرؤية وفقدان القدرة على القراءة، وصولًا إلى العمى الكامل في بعض الحالات. وفي المرحلة المتقدمة من المرض، والمعروفة باسم الضمور الجغرافي (Geographic Atrophy – GA)، تتحلل البقعة المركزية بالكامل، تاركة فقط رؤية محيطية محدودة.
وأظهرت نتائج التجربة، المنشورة في المجلة الطبية الجديدة لجراحة العيون (The New England Journal of Medicine)، أن 84% من المشاركين تمكنوا من التعرف على الحروف والأرقام والكلمات باستخدام الرؤية الاصطناعية في عين كانت عمياء سابقًا، فيما تمكن المشاركون من قراءة خمس أسطر من مخطط الرؤية القياسي، بعد أن كان بعضهم غير قادر على رؤيته قبل العملية.
Related النساء القرغيزيات يقبلن على جراحة تجميل العيونتحالف "العيون الخمس" يجتمع في بريطانيا أول إنسان يصاب بديدان العيون "ثيلازيا غولوسيا" التي تصيب الماشية زرع PRIMA: ثورة في علاج العمىيعد زرع PRIMA أول طريقة لاستعادة القدرة على القراءة في عين كانت عمياء.
فخلال العملية الجراحية للزراعة، يقوم الجراح أولًا بإزالة المادة الهلامية الطبيعية داخل العين، وهي خطوة تسمى استئصال الزجاجية (vitrectomy). بعد ذلك، تُزرع رقاقة صغيرة جدًا، بحجم بطاقة SIM، تحت مركز الشبكية. لاستعادة الرؤية، يرتدي المريض نظارات خاصة مزودة بكاميرا وفيديو متصلة بحاسوب صغير على الحزام، مع خاصية تكبير الصورة. تلتقط الكاميرا المشهد المحيط وتنقله إلى الرقاقة، التي تحول الصور إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر الشبكية والعصب البصري إلى الدماغ، ليتم تفسيرها على شكل رؤية يستطيع المريض استخدامها للقراءة.
انعكاس على حياة المرضىتحدثت شيلا إيرفين (Sheila Irvine)، إحدى المشاركات في التجربة، عن تجربتها قائلة: "قبل الزرع، كان الأمر أشبه بوجود قرصين أسودين في عيني، مع تشويه في الأطراف. كنت شغوفة بالقراءة وأردت استعادة ذلك. رؤية الحرف الأول بعد العملية كانت تجربة مثيرة للغاية. ليس من السهل تعلم القراءة مرة أخرى، لكن كل ساعة تدريب تزيد من قدرتي على التعلم."
ولم يقتصر دور الجهاز على القراءة، بل ساعدها على ممارسة الألغاز والكلمات المتقاطعة، بينما استخدمه مشارك فرنسي للتنقل في مترو باريس، ما يوضح إمكانيات الجهاز في تطبيقات أكثر تعقيدًا من مجرد القراءة.
آفاق مستقبلية للطب العينييتم تطوير جهاز PRIMA System من قبل Science Corporation (science.xyz)، المتخصصة في واجهات الدماغ والحاسوب والهندسة العصبية. الجهاز عبارة عن زرع لاسلكي تحت الشبكية يعمل بالطاقة الشمسية، ويرافقه نظارات خاصة تسقط ضوء الأشعة تحت الحمراء على الزرع، الذي يعمل كلوحة شمسية مصغرة، بسماكة تبلغ 30 ميكرومتر، أي نصف سمك شعرة الإنسان. ميزة التكبير تمنح المرضى القدرة على تكبير الحروف، ويزرع تحت الخلايا الشبكية الميتة، ولا يعمل إلا عند تشغيل النظارات والحاسوب المحمول.
وأكد الدكتور ماهي موقيت (Mahi Muqit)، أستاذ مشارك في معهد طب العيون بجامعة لندن ومستشار شبكية وزجاجية في Moorfields Eye Hospital، أن هذه التقنية تمثل "بداية حقبة جديدة في تاريخ الرؤية الاصطناعية، حيث أصبح بإمكان المرضى المكفوفين استعادة رؤية مركزية ذات معنى، ما يحسن حياتهم ويعزز استقلاليتهم وثقتهم بأنفسهم".
وأضاف: "هذا الجهاز يمثل خطوة مهمة للأجهزة الطبية في مجال العيون، خصوصًا أنه لا يوجد علاج معتمد للضمور البقعي الجاف، وأراه مستقبلًا لعلاج حالات متعددة في العين".
قاد التجربة عالميًا الدكتور فرانك هولز (Frank Holz) من جامعة بون، بمشاركة مرضى من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وهولندا. وتمثل هذه النتائج خطوة أساسية نحو اعتماد الجهاز رسميًا وتسويقه عالميًا، ما يمنح ملايين المرضى فرصة جديدة لاستعادة القدرة على القراءة بعد سنوات من العمى.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: دونالد ترامب إسرائيل حركة حماس غزة روسيا دراسة دونالد ترامب إسرائيل حركة حماس غزة روسيا دراسة قراءة تحاليل طبية دراسة دونالد ترامب إسرائيل حركة حماس غزة روسيا دراسة سوريا الصحة فرنسا بنيامين نتنياهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
إقرأ أيضاً:
تواكُلُ المعارضة التونسية على الغرب.. إعادة إنتاج العجز في خطاب جديد
ترتفع الأصوات في تونس في نهاية العام 2025 ضد قيس سعيد إلى حد استعادة الشعار العظيم "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكن مع أصوات الداخل نرى عيون المعارضة ترنو إلى الغرب وتنتظر خيرا من مقال هنا وتصريح هناك، فقيادة الصف الأول الغربية لم تنبس بكلمة. وهذا الأمل في إسناد غربي نسميه بلا مورابة" العاهة السياسية المستديمة للمعارضة. فكلما عجزت المعارضة عن خلق التغيير من الداخل، رفعت رأسها نحو الخارج، نحو الغرب تحديدا، طلبا للخلاص. هذا السلوك ليس طارئا ولا وليد لحظة قيس سعيّد، بل هو متجذر في عقل المعارضة تجذر العادة. فالمعارضة حين ترغب في ربح الوقت ترنو خارج الحدود، كأنّ الديمقراطية وجبة جاهزة يأتي بها "ديلفيري".
ما نراه في تونس هذه الأيام هو فصل جديد من هذه الرواية القديمة، رواية التعويل على الضمير الغربي المتخيّل، الذي تُعزى إليه صفات لم يثبت يوما أنه تبناها فعلا (نصير الديمقراطية وحامي الحريات والداعم لانتقال سياسي متوازن). غير أن الوقائع تكشف دوما عن مفارقة مدهشة، هذا الغرب الذي تراهن عليه المعارضة التونسية هو ذاته الذي يُبقي قيس سعيد في موقعه، لا تعاطفا مع مشروعه السياسي، بل لأن له فائدة وظيفية محددة في زمن عولمي تتقدّم فيه الحدود على الإنسان، والأمن على الحرية، والمصلحة على المبادئ. لقد أصبح سعيد بعد ترتيباته مع إيطاليا حارسا أمينا لبوابة أوروبا الجنوبية؛ رجلا يُقدّم للغرب ما يريده من مثله (لن يعبر الأفارقة البحر)، وما دام هذا الالتزام قائما، سيظل الرجُل مقبولا، مهما ارتجّت المؤسسات الديمقراطية وتداعى البناء من الداخل.
المعارضة التونسية: وهن القدرة ورومانسية الاستعاضة.
إن السؤال المركزي هنا ليس حول مواقف الغرب، بل في بنية المعارضة نفسها؛ لماذا تلجأ إلى الخارج كلّما عجزت عن الفعل الداخلي؟ يبدو أنّ المشكلة أعمق من اللحظة السياسية الراهنة، إنها مشكلة القدرة على التنظيم الاجتماعي لا القدرة على الخطابة. لقد عايشتُ المعارضة التونسية فوجدتها بارعة في البيانات، تتقن صياغة التوسل والرجاء، لكنها لم تملك أبدا القدرة على بناء شبكات اجتماعية تعبّئ الجمهور المسكين، فتحوّل غضبه وخيباته إلى وقود معركة سياسية منصفة. إنّها معارضة تتقن الكلام في المصادح أكثر مما تتحرك في الشارع، معارضة تُنتج مواقف ولا تصنع وقائع، تُقيم حجتها على النص لا على القوة الاجتماعية.
وهنا تتجلى المفارقة، المعارضة تطلب دعما خارجيا بينما لم تقم بواجبها الداخلي، وكأنها تجهل الوظيفة الأولى للسياسة أن تبني كتلة اجتماعية حيّة قبل أن تطلب شرعية أو دعما من الخارج. لدينا قناعة تزداد رسوخا ونحن نتابع تحركات المعارضة التونسية المشتتة، إن السياسة ليست خطابة وشعارات في مظاهرات ميكروسكوبية بل توازن قوة على الأرض. من لا يمتلك الناس، لن يمتلك التاريخ، ولن يسمعه الغرب إلا بقدر ما يخدم مصالحه. وامتلاك الناس/ الشارع طريقه مكشوفة، ولكن المعارضة تتعامى عنها وتنتظر النجدة.
التاريخ يعيد نفسه بلا خجل
من حقبة بورقيبة إلى حقبة بن علي والآن مع قيس سعيد؛ يتشابه المشهد وإن تغيّرت الوجوه. هذا لا يشير فقط إلى فشل سياسي، بل إلى عجز بنيوي في الخيال الاستراتيجي للمعارضة؛ وكأنها لا تتعلم من التاريخ لأنها لا تعتبره مصدر معرفة، بل خزانا للندب والعويل. إنّ السلوك السياسي الذي لا يتغير أمام الخيبة المستمرة، لا يسمى إصرارا أو مبدأ، بل يسمى مرضا معرفيا. المعارضة التونسية لا تكفّ عن تكرار الرواية نفسها بانتظار نتيجة مختلفة؛ وهذه علامة كلاسيكية على أن الوعي السياسي لم يُجرِ نقدا جذريا لذاته، النقد الذي يتجاوز التكتيك إلى سؤال البنية لماذا لا نُنتج قوة؟ لماذا نُعلّق فشلنا على الخارج ثم ننتظر منه النجدة؟
الغرب ليس نبيا ديمقراطيا بل قوة مصلحة
تُهمل المعارضة التونسية معادلة بسيطة في وضوحها مفادها أنّ الغرب ليس ذاتا أخلاقية بل جهاز مصلحي، والديمقراطية ليست مبدأ مطلقا عنده، بل سلعة، وأداة، وخطاب جاهز للاستخدام حين تنسجم نتائجه مع مصالحه الاستراتيجية. وما دامت تونس اليوم تؤدي وظيفة حراسة الحدود، فهي شريك لا عبء، وشريك لا يزعج إلا عندما يتجاوز دوره. بل يمكن القول بوضوح، تونس في هذه اللحظة ليست دولة، بل سياج بشري يحمي أوروبا من الجنوب. هذه الحقيقة التي تعرفها المعارضة جيدا، لكنها تتغافل عنها لأنها تفضّل التعلّق بأمل خارجي هلامي بدل مواجهة سؤالها الأصعب: كيف تصنع قوة في الداخل؟
الغرب لا يتدخّل لإسقاط سعيّد لأن إسقاطه يفتح حدودا، يعيد حركة الأفارقة نحو البحر، يخلق فوضى سياسية قد تجبر أوروبا على تحمل ما لا تريد. لذلك، فدعم الديمقراطية في تونس بلغة المصالح ليس أولوية، الأولوية الغربية هي الاستقرار الأمني ومنع الهجرة غير النظامية، وهي أدوار يقوم بها قيس سعيد دون كلفة كبيرة على الشركاء الأوروبيين. لماذا يتخلى الغرب عنه إذن؟ ومقابل ماذا؟
إنّ السياسة في النسخة الغربية ما بعد 2015 واضحة جدا، الحدود أولا، ثم نرى. ومن يضمن الحدود يضمن الدعم، ومن لا يضمنها، لن تنفعه الصور في مؤتمرات المعارضة ولا المقالات التي تُنشر في جريدة لوموند.
التواكل السياسي: بنية نفسية قبل أن يكون خيارا استراتيجيا
يمكن فهم هذا التواكل من زاوية سوسيولوجية أيضا المعارضة التونسية (كغيرها من معارضات عربية يقيم كثير منها في عواصم الغرب نفسه ويحظى باللجوء السياسي) لم تتربّ في حضن الثقة الشعبية، بل في حضن المثقفين والصحافيين والدوائر النخبوية. إنها تعيش داخل الفضاء الرمزي أكثر من الفضاء الاجتماعي، لذلك، حين تكتشف عجزها عن التعبئة، تبحث عن سند بديل. الخارج هنا ليس فقط خيارا سياسيا، بل تعويضٌ نفسي عن غياب القدرة الداخلية. الخارج يُشعرها بأنها لا تزال فاعلا، حتى ولو كان الفعل ورقيا، لغويا، رمزيا.
هذا ما يفسّر ازدهار البيانات، والندوات، والرسائل الموجهة للأصدقاء الديمقراطيين ولمنظمات حقوق الإنسان. المعارضة تصنع حدثا لغويا، لا حدثا سياسيا، تكوّن حضورا خطابيا بديلا عن حضورها الميداني، إنها تُراكم الكلمات لأنها لا تملك الأرض.
الأسباب التي جاءت بسعيّد لا تزال قائمة
لا يبدو المشهد التونسي اليوم غريبا إذا ما استُحضر عمق الانقسام التاريخي داخل المعارضة نفسها. فالأسباب التي جاءت بقيس سعيّد إلى الحكم لم تتغير، بل ما تزال تُنتج أثرها بهدوء. هذه معارضة ممزقة على أسس استئصالية، تحكمها ذاكرة الصراع أكثر مما يحكمها وعي المصلحة العامة. إنّ التيار الحداثي أو اليساري لا يزال يعتبر الإسلاميين كيانا رجعيا ظلاميا لا يُعقد معه ميثاق ولا تُكتب معه صفحة جديدة، حتى وإن كان هذا الرفض يكلّف البلاد انسدادا سياسيا طويلا. لقد أسقطوا حكومة النهضة حين كانت فرصة التعايش ممكنة، ثم شكرهم الغرب بجائزة نوبل للسلام مكافأة على تحويل الخصومة السياسية إلى قاعدة استقرار شكلي. لكن الثمن الحقيقي لهذا الانتصار كان غياب القدرة على الحكم بعد ذلك، وغياب القدرة على المعارضة أيضا.
إنّ الخلل لا يكمن فقط في قصر نظر الغرب أو مصلحته، بل في عجز النخبة التونسية عن تجاوز ثنائيات ما قبل الدولة الحديثة. فالمعارضة التي أطاحت بالإسلاميين بالأمس -بدل أن تُفاوضهم وتُهذّبهم داخل اللعبة الديمقراطية- هي المعارضة نفسها التي تحاول اليوم إسقاط قيس سعيّد دون أن تغيّر أدواتها ولا تصورها للآخر السياسي. إنها تخوض معركة جديدة بذات المنطق القديم (استبعادٌ بدل ائتلاف، قطيعة بدل بناء، إقصاء بدل تعلّم من التاريخ). وهكذا يستمر الوضع من عاش على الاستئصال مات به، ومن رفض الشريك اليوم لا يجد من يشترك معه غدا.
لذلك يمكن القول إنّ سعيّد ليس شذوذا في المسار السياسي، بل نتيجة طبيعية لانكسار توافقي لم يلتئم. هو ابن الفراغ، ابن القطيعة، ابن تلك اللحظة التي فضّل فيها الجميع الانتصار الأيديولوجي على الحلّ السياسي. وما لم تتغير بنية الوعي داخل المعارضة أي داخل المجتمع فإنّ تونس لن تنتج بديلا، بل ستبدّل ألوان الأزمة فقط. فالحكم قد يتغيّر، لكن المنطق المُنتِج للأزمة باقٍ كما هو.
ربما لا تحتاج البلاد اليوم إلى بيانات جديدة بقدر حاجتها إلى عين نقدية تُبصر الجرح لا السكين فقط، إلى معارضة تُصلح ذات بينها قبل أن تحلم بإصلاح السلطة. فإنّ من لم يُجد صياغة تحالف يُحسن فقط صياغة عريضة احتجاج، وإن لم يحدث التحوّل في بنية التفكير، فسيتغيّر الأشخاص وسيبقى الجوهر كما هو يعيد إنتاج نفسه بثبات هندسي لا يفاجئ إلا من لا يقرأ التاريخ.