تواصل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران إحكام قبضتها على القطاع المصرفي والمالي في مناطق سيطرتها، عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات التي يصفها خبراء الاقتصاد بأنها محاولة منهجية لخنق النشاط المالي المشروع، ودفع المؤسسات المصرفية نحو الهجرة من صنعاء، ما يعمّق عزلة الميليشيا عن النظام المالي الإقليمي والدولي.

وفي أحدث خطوة، وجّه البنك المركزي الخاضع للحوثيين في صنعاء جمعية الصرافين بإيقاف التعامل مع شركة جمعان للصرافة، بدعوى ارتكاب مخالفات لتعليمات البنك. وسارعت جمعية الصرافين، الخاضعة بدورها لسيطرة الجماعة، إلى تعميم القرار على جميع شركات ومنشآت الصرافة وشبكات التحويل المحلية، مؤكدة أن الخطوة تأتي تنفيذًا لتعليمات "مركزي صنعاء" الهادفة ـ بحسب زعمها ـ إلى "تنظيم سوق الصرافة والحد من المخالفات المالية".

لكن مصادر مصرفية واقتصادية ترى أن القرار جزء من حملة أوسع تستهدف فرض سيطرة مطلقة على حركة الأموال وإخضاع السوق المالية لرقابة أمنية مباشرة من أجهزة الجماعة. فمنذ مطلع أكتوبر الجاري، أصدر "مركزي الحوثيين" قرارات مماثلة بإيقاف التعامل مع ثلاث منشآت وشركتين للصرافة وشبكة تحويلات مالية، قبل أن يسمح لاحقًا لبعضها بالعودة للنشاط بعد "تصحيح أوضاعها"، في إشارة إلى الخضوع الكامل لإملاءات الجماعة وشروطها.

ويرى محللون ماليون أن مثل هذه الإجراءات تضعف الثقة في النظام المصرفي في مناطق الحوثيين وتدفع رؤوس الأموال إلى الهجرة نحو المحافظات المحررة، حيث يعمل البنك المركزي في العاصمة عدن بسياسات نقدية أكثر شفافية وتحت إشراف دولي. ويؤكد الخبراء أن الحوثيين يحاولون عبر هذه السياسة "تجفيف مسارات السيولة" وإجبار المؤسسات المالية على العمل في بيئة مغلقة، ما يسهّل لهم مراقبة التدفقات النقدية وتوجيهها لخدمة تمويل مجهودهم الحربي.

ويحذر مختصون من أن هذه الممارسات لن تؤدي فقط إلى مزيد من الانكماش المالي في صنعاء، بل ستسهم في انقسام فعلي للقطاع المصرفي اليمني إلى نظامين متوازيين، أحدهما خاضع للحوثيين وآخر للسلطة الشرعية، بما يهدد وحدة النظام المالي ويعقّد أي محاولات مستقبلية لإعادة التوحيد الاقتصادي. كما يصف بعض المراقبين هذه الإجراءات بأنها شكل من أشكال “العقاب المالي الجماعي”، إذ تُستخدم القرارات الاقتصادية كأداة لإخضاع رجال الأعمال والمؤسسات التي لا تلتزم بتوجيهات الجماعة.

وبحسب التقارير الصادرة عن خبراء اقتصاديين محليين، فإن أغلب شركات الصرافة المستقلة في صنعاء غير التابعة أو الموالية للميليشيات باتت تفكر في نقل نشاطها أو تجميده، نتيجة القيود المتزايدة وعمليات الابتزاز المالي التي تمارسها الأجهزة الحوثية، الأمر الذي يهدد بانهيار الدورة المالية في العاصمة وارتفاع معدلات البطالة بين العاملين في هذا القطاع الحيوي.

وفي الوقت الذي تبرّر فيه الميليشيا قراراتها بأنها "إجراءات تنظيمية"، يرى المختصون أن الهدف الحقيقي هو إحكام السيطرة على حركة التحويلات المالية من وإلى صنعاء، خصوصًا تلك المرتبطة بالمساعدات الإنسانية والأنشطة التجارية، بما يسمح للجماعة بالتحكم في موارد العملة الصعبة وتوجيهها لخدمة مصالحها العسكرية والسياسية.

هذه الممارسات تضع الحوثيين في مواجهة مباشرة مع الأنظمة المصرفية الإقليمية والدولية، وتعمّق من عزلتهم المالية والسياسية، ما يهدد بانهيار أوسع في البنية الاقتصادية لمناطق سيطرتهم، خاصة في ظل تراجع الإيرادات، وتقلص المساعدات الدولية، وازدياد الضغط الشعبي بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

معامل الأسمنت تخنق بادوش وبيئة نينوى تتحرك قضائياً (صور)

معامل الأسمنت تخنق بادوش وبيئة نينوى تتحرك قضائياً (صور)

مقالات مشابهة

  • بوتين وأردوغان: محاولات الاستيلاء على الأصول الروسية ستقوض النظام المالي الدولي
  • «أم القرى» تنشر نص الموافقة على مشروع نظام الرقابة المالية
  • وقـفـات ومسـيـرات قـبـلـيـة في صـنـعـاء تُـجـسّـد الـجـهـوزيـة الـقـتـالـيـة الـعـالـيـة
  • معامل الأسمنت تخنق بادوش وبيئة نينوى تتحرك قضائياً (صور)
  • وقفات وفعاليات مسلحة في كافة المحافظات تأكيداً على الجهوزية القتالية
  • أبناء عزلة الشهيد القائد في صنعاء الجديدة يؤكدون الجهوزية والاستنفار لمواجهة العدوان
  • «أسبوع ابوظبي المالي» يسلط الضوء على التكنولوجيا المالية والشؤون القانونية وحل النزاعات
  • القائم بأعمال وزير الاقتصاد يشدد على تنفيذ قرارات مقاطعة البضائع الأمريكية وتوفير البدائل
  • جدل بشأن مشروع الفجوة المالية والقضاء يطالب المصارف بكشوفات حسابات مفصّلة
  • مشاركون في «أسبوع أبوظبي المالي 2025» لـ«الاتحاد»: أبوظبي أنموذج عالمي في قيادة التحولات المالية