لأول مرة.. الذكاء الاصطناعي يفوز في الانتخابات!
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
الرؤية- كريم الدسوقي
في مدينة صغيرة هادئة تدعى "شايين" بولاية وايومنغ الأمريكية، تحول حدث انتخابي محلي إلى ما يشبه زلزالًا فكريًا هزَّ العالم بأسره؛ ففي سابقة غير معهودة فاز "مرشح غير بشري" بمقعد في مجلس إدارة إحدى المدارس.
اختار الناخبون برنامج ذكاء اصطناعي يُدعى "لوجيك فيرست" (Logic First) ليكون صوتهم الجديد في صنع القرار، مانحين إياه 52% من الأصوات، وفق ما أورد موقع (Pro Brainrot) الأمريكي.
كانت الحكاية في بدايتها عادية: إعلان انتخابي رقمي مع فيديو ترويجي بسيط، ووعود بإصلاح التعليم، لكن المختلف هذه المرة أن المرشح لم يكن إنسانا، فـ "لوجيك فيرست" هو برنامج حاسوبي تمت برمجته على تحليل البيانات التعليمية واتخاذ القرارات بناء على المنطق والإحصاءات، من دون عواطف أو تحيزات بشرية.
وفي زمن تراجع فيه ثقة كثيرين بالأنظمة التعليمية التقليدية، بدا هذا الطرح مغريا: آلة لا تتعب، لا تتأثر بالضغوط السياسية، ولا تعرف المجاملات أو المصالح الشخصية.
وبمجرد إعلان نتائج التصويت، اشتعل الجدل، وتساءل المحامون إن كان بإمكان كيان رقمي أن يتحمل مسؤولية قانونية، فيما انقسم المعلمون بين من رأى في الأمر "قفزة نحو المستقبل" ومن وصفه بأنه "كارثة إنسانية".
أما أولياء الأمور، فانقسمت مشاعرهم بين الفضول والخوف، إذ لم يتصور أحد أن برنامجًا خوارزميا سيصوت يومًا على سياسات تمس حياة أطفالهم اليومية.
صحيفة "نيويورك بوست" وصفت الحدث بأنه "تجربة تضع الإنسان أمام مرآة ذكائه الاصطناعي"، وسرعان ما انتقل السجال إلى المحاكم، بعدما رُفعت دعاوى لتحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن اعتباره "شخصا قانونيا"، وهل يحق له المشاركة في التصويت؟ وهل يمكن مقاضاته إن أخطأ في قرار يؤثر على طلاب حقيقيين؟
ورغم هذا الجدل، يواصل "لوجيك فيرست" عمله في مجلس المدرسة مؤقتا، إلى حين حسم المحكمة العليا الأمريكية في شرعيته، والمدهش أن أداءه حتى الآن أثار إعجاب بعض أعضاء مجلس الإدارة، إذ يقترح حلولا مبنية على بيانات دقيقة ويقدم تحليلات سريعة تفوق قدرة البشر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي بين الحرية والانحلال
في خضمّ ثورة الذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال محوري: ما الذي يمكن أن يحدث عندما يعرض النموذج الرقمي محتوى لم نعهده من قبل؟ إن الإعلان الأخير من ChatGPT التابع لـOpenAI، بأن المنصة ستُتيِح بدءًا من ديسمبر 2025 للمستخدمين البالغين الموثّقين إنتاج أو التفاعل مع محتوى إيروتيكي (erotica) – إباحي- يُشكّل مفترقاً أخلاقياً وثقافيا.
عندما نفتح باب «الفضاء الرقمي» للمحتوى الإباحي: ما الذي يحصل؟
أعلنت شركة OpenAI أنها ستتيح لمستخدمي ChatGPT البالغين – بعد التحقق من العمر– أن يُنتِجوا أو يتفاعلوا مع المحتويات الإيروتيكية، وهو ما يرفع «عتبة الحماية» التقليدية التي كانت تفصلُ بين ما يعتبر مقبولاً في الذكاء الاصطناعي وما يُعد محظوراً؛ فوفقًا للشركة يجب أن يعامل البالغون كبالغين، بحيث يتمنكنوا من الوصول لأي محتوى حتى وإن كان غير أخلاقي، مؤكدين على أن المنصة تمتلك الآن آليات تحقق وعزل تجعل من الاستخدام محصوراً على البالغين فقط.
لكن الواقع يشير إلى أن الأمر ليس بسيطاً، فالتاريخ التقني والميداني للذكاء الاصطناعي الذي أتاح للمستخدمين العاديين إنشاء محتوى غير أخلاقي– يحمل في طيّاته مخاطر تتعلّق بالخصوصية، والمقاييس الأخلاقية، وتأثيرها على الناشئة والمجتمع. وهو ما راح ضحيته فتيات من قبل في المجتمع المصري بسبب تقنية التزييف العميق والتلاعب بصور الفتيات.
وهنا نكون على أعتاب مجازفة رقمية، حيث قد تُسهّل الآلة الوصول لمحتوى غير أخلاقي، بدون ضوابط مجتمعية أو أسرية أو أخلاقية. هذا التأثير قد يؤدي إلى «تطبيع مفاهيم» كانت بالأمس محسوبة ضمن فضاءات خاصة أو مقيدة. وفي مصر ومعظم الدول العربية يعد الدخول إلى هذه المنصات تهديداً محتملاً لتوازن القيم الاجتماعية؛ فإذ أصبح من السهل الوصول لمحتوى إباحي عبر حوار مع آلة، فربما تتراجع قدرة الفرد على مقاومة الإغراء أو إدراك حدود المحتوى المناسب، مما يقوّض مفاهيم مثل العفة، والاحترام.
وما يجب التأكيد عليه هو أنه حتى لو اقتصر الأمر على بالغين، فإن التحقق الرقمي ليس مضمونا بالكامل. وقد يحدث تسريب أو تقاطع مع قاصرين، ما يفتح الباب لمشاكل قانونية وأخلاقية.
ولذلك يجب علينا أن نضمن أن تعديلاً كهذا لا يُضعف قيم الأسرة، ولا يُسهّل إساءة استعمال الذكاء الاصطناعي، ويمكن تحقيق هذا الأمر من خلال:
تقديم حملات تسهم في زيادة وعي الشباب وتحدد المسموح والمحظور عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي.
الأسرة والمجتمع مدعوّان إلى مواكبة التغير، لا فقط بالرفض، بل بالتحاور، وأن نعلم أبناءنا كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة تحترم كرامتنا، وتتفق مع ديننا الحنيف.
ضرورة تطوير «مصفوفة قيم رقمية» تدمج بين القيم المحلية والممارسات العالمية.
في الختام، إن قرار ChatGPT بالسماح للمحتوى الإيروتيكي للبالغين يُعدّ منعطفاً جديداً في علاقة المجتمعات بالذكاء الاصطناعي، وفي قدرة هذا الأخير على اختراق المحرمات الدينية والثقافية والقيمية. وهو ما يمكن أن يحمل في طيّاته تغيّرات يمكن أن تؤثر على الشباب، وعلى بنية القيم في المجتمع.