بوابة الوفد:
2025-10-30@21:48:51 GMT

أدب الاختلاف

تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT

يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: «إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (أخرجه البخارى)، فالفُجْرُ فى الخصومة من أخص صفات المنافقين.

 

وقد علمنا ديننا الكريم الصفح والعفو والإعراض عن الجاهلين فقال سبحانه: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» (الحجر: ٨٥)، وقال سبحانه: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (الأعراف: ١٩٩)، وحتى فى حالة الاضطرار إلى الهجر فليكن هجرا جميلا بلا أذى، حيث يقول الحق سبحانه: «وَاصْبِرْ عَلَىمَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا» (المزمل: ١٠). 

ولم يكن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم سبابا ولا لعانا ولا فاحشا فى قول أو فعل، فقد أخرج الإمام البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال: «لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبَّابًا، ولَا فَحَّاشًا، ولَا لَعَّانًا»، وأخرج عن عبدالله بن عمرو رضى اللّه عنهما أنه قال: «لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وكانَ يقولُ: إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا»، وأخرج الإمام مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالَ: «إنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً»، فمن أحبّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اتّبع هديه وعمل بسنته. 

ثم إن القرآن الكريم يبين لنا أننا محاسبون على كل لفظ وكلمة، يقول سبحانه: «مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(ق: ٢٨)، ولما سأل سيدنا معاذ بن جبل سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟» قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم:»ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ فى النَّارِ على وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم» (أخرجه الترمذى والنسائى)، ويقول الشاعر: 

احفظ لسانك أيها الإنسان 

لا يلدغنك إنه ثعبان 

كم فى المقابر من قتيل لسانه 

كانت تهابه لقاءه الشجعان 

ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِى لها بالًا يَهْوِى بها فى جَهَنَّمَ» (اخرجه البخارى).

فما أحوجنا إلى العفة فى القول، وفهم أدب الاختلاف دينيا كان أم سياسيا، والتعامل مع الأمور بعقلانية وموضوعية، بعيدا عن الشتم والسباب وقذف الأعراض، والخروج عن نقد القول إلى ازداء قائله أو إرهابه، أو تسليط كتائب المخالفين له لنهش عرضه وربما سفك دمه، فالحجة تواجه بالحجة لا السباب، والفكر يواجه بالفكر لا سفك الدماء طالما أن صاحبه لم يحمل سلاحا ولم يروع آمنا. 

لقد دعانا ديننا الحنيف إلى استخدام العقل واحترامه ونهانا عن العصبية المقيتة العمياء وعلمنا أدب الحوار فى مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأمرنا أن ندعو إلى الله عز وجل على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة وإذا اضطررنا إلى المحاججة، فبالتى هى أحسن، يقول الحق سبحانه: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَن ُإِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل: ١٢٥)، ويقول سبحانه: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّه ِعَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (يوسف: ١٠٨).

 

الأستاذ بجامعة الأزهر

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رؤية أدب الاختلاف نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ذ ا ح د ث ك ذ ب وإذ ا صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

حكم سفر المرأة بدون محرم لحضور المؤتمرات

المرأة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الأصل في سفر المرأة أن تسافرَ مع ذي مَحرم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» متفق عليه.

حكم سفر المرأة بمفردها:

على أنَّ بعض الفقهاء من المالكية وغيرهم قد أجاز لها السفر وحدها إذا كان الطريق آمنًا، وكانت الديار التي تذهب إليها آمنةً؛ لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «فإنْ طالتْ بكَ حياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِيْنَةَ -المرأة- ترْتَحِلُ مِن الحِيرةِ حتى تطوفَ بالكعبةِ، لا تخافُ أحدًا إلا الله» أخرجه البخاري.

وفي رواية الإمام أحمد: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِن الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ».

سفر المرأة:

وعلَّلوا النهي في الحديث الأول بحالة خوف الطريق وعدم الأمن، ويمكن الأخذ بهذا القول لما فيه من التيسير والسعة، إلا أن ذلك مرهون بموافقة زوجها إن كانت ذات زوج، أو بموافقة وليها إن لم تكن متزوجة.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ -المرأة- مِن الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ» رواه أحمد، ويشترط موافقة وليِّها.

حكم مشاركة المرأة في العمل السياسي والاجتماعي

وأوضحت دار الإفتاء أن عمل المرأة مباحٌ ما دام موضوعُه مباحًا ومتناسبًا مع طبيعة المرأة، والعمل في الاستشارات المجتمعية لا مانع منه أيضًا؛ لكونه من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرجل والمرأة فيه سواء؛ قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71].

عمل المرأة :

وكذلك الحال بالنسبة للعمل السياسي وفي المجالس الشورية والنيابية؛ لا مانع منه شرعًا ما دام متوافقًا وطبيعتها الخاصة ولا يكرُّ على حياتها العائلية وكان في إطار الأحكام والآداب الشرعية والأعراف التي تحفظ للمرأة كرامتها.

مشروعية عمل المرأة في الإسلام:

وعمل المرأة حق من حقوقها، ولكل واحد الحق في ممارسة ما شاء من أنواع الأعمال المشروعة؛ ليُحَصِّل نفقتَه وينفع مجتمعه ويمكنه العيش بكرامة. والشريعة الاسلامية لم تُفَرِّق بين المرأة والرجل في هذا الحق؛ فقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُم﴾ [البقرة: 198].

وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: طُلِّقَتْ خالتي، فأرادت أن تَجُدَّ نخلها؛ أي تحصد تمر نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «بلى فجُدِّي نخلك، فإنك عسى أن تَصَدَّقِي، أو تفعلي معروفًا».

مقالات مشابهة

  • حكم مصافحة المصلين بعد الصلاة شرعًا
  • حكم سفر المرأة بدون محرم لحضور المؤتمرات
  • معنى اللعن وحكمه في القرآن الكريم والسُنة
  • هل يصح أداء العمرة عن الغير
  • حكم تأخير الحج مع الاستطاعة
  • دعاء الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى
  • أذكار الصباح.. اللهم صل وسلم على نبينا محمد
  • دعاء رقية المريض من القرآن الكريم
  • علي جمعة: وسَّع لنا سيدنا النبي أمرَ الحياة لأن الإسلام لكل زمانٍ ومكان وأمرنا بعدم الاختلاف