بيت آل غبّان.. ذاكرة مدينة القصير التي قاومت الملح والسنين | عمره أربعة قرون ونصف
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
في الركن الشرقي من مدينة القصير، بعيدًا عن ضجيج الشوارع الحديثة، ينهض بيت آل غبّان كأنه يقبض على خيطٍ من الماضي ليمنع الزمن من محو ذاكرة مكان وُلد على طرق القوافل البحرية والحجّاج العابرين نحو الحجاز. هنا، تتداخل رائحة الخشب العتيق مع ملوحة البحر، ويعبر النسيم من بين مشربياتٍ صيغت بدقة تكشف حسًا معماريًا يدرك معنى الظل والخصوصية في مدينةٍ تعرّفت مبكرًا على التجارة والبحارة والأغراب.
هذا المبنى، الذي يقارب عمره أربعمئة وخمسين عامًا، ليس مجرد منزل عائلة مرموقة في تاريخ القصير؛ بل سجلّ مفتوح يروي ما كانت عليه الحياة في ميناء ازدهر زمن الدولة العثمانية، حين كان البحر الأحمر طريقًا استراتيجيًا للحركة الاقتصادية والدينية.
الدكتور ياسر خليل، الباحث في تاريخ المدن الساحلية وأحد أبناء القصير، يرى في المكان “مختبرًا حيًّا” لفهم طبيعة التعايش مع البيئة قبل دخول الكهرباء وتكييف الهواء. ويشرح:
«مكوّنات البيت ذاتها هي دليل على عبقرية البناء المحلي؛ حجرٌ مستخرج من جبال المدينة، وخشب قادر على الصمود أمام الملوحة، ونوافذ خشبية مثقّبة تعمل كمصفاة للهواء وضابط للضوء. سقوف متينة، وبهو فسيح يتوسط الطابق الأرضي يتحكم في توزيع البرودة نهارًا، ودرج يلتف بزوايا محسوبة تمنح الصعود هدوءًا وهيبة».
كما يقدّمه مصطفى سبّاق، أحد المهتمين بالتراث المحلي، أشبه بكتاب عمراني:
ثلاثة طوابق تتعالى فوق فناء مركزي، غرف متعددة الاستخدام، “مقعد” واسع لاستقبال الضيوف والمسافرين، مخازن ومناور حركة هواء، وشرفات خشبية بارزة تواجه الشمس وتحتوي الضوء. وهو يربت على المفتاح النحاسي الكبير قائلاً بابتسامة: «الأبواب القديمة لا تُفتح بالقوة، بل بالمعرفة. لكل خشبة هنا ذاكرة».
يُجمع خليل وسبّاق على أن قيمة بيت آل غبّان تتجاوز جمالياته؛ فهو شاهد على نمط اجتماعي واقتصادي تشابكت فيه العائلة مع الميناء، والبيت مع الطريق التجاري، والزائر مع أهل الدار.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه المدن الساحلية على ناطحات زجاجية معاصرة، يذكّر هذا البيت أهله بأن الحجارة أيضًا يمكن أن تتحدث.
تحت الظلال التي ترسمها المشربيات، يلمع خط دقيق في أحد أحجار الزاوية يشير لاهتزازٍ قديم هدأ مع الوقت. على الأبواب، آثار ملوحة تروي صراعًا طويلًا مع الريح، بينما يرنّ القفل عند المساء كأنه يعلن موعد صمت البيت وبدء حراسة الليل.
بيت آل غبّان ليس قطعة متحف مغلقة داخل إطار زجاجيبيت آل غبّان ليس قطعة متحف مغلقة داخل إطار زجاجي، بل صفحة نابضة من ذاكرة القصير. وإذا أُحسن إدراجه ضمن مسار تراثي يشمل القلعة التاريخية والسقالة والبيوت القديمة، قد يتحوّل إلى نقطة عبور جديدة للزوار، حيث يُسمع التاريخ لا عبر كتب، بل من خلال خشبٍ يئن، وحجرٍ يبرد، وبابٍ لا يزال يفتح على الحياة.
هنا، يظل المفتاح في يد أهل المكان، لتبقى الحكاية قابلة للامتداد، ولتبقى القصير مدينة تقرأ تاريخها بصوت الحجر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اخبار البحر الاحمر مدينة القصير مرسى علم محافظة البحر الاحمر محافظ البحر الاحمر
إقرأ أيضاً:
«القاتل الصامت على مائدتك».. كيف يُدمّر الملح الأبيض القلب والدماغ دون أن تشعر؟
يعد الملح الأبيض عنصرًا أساسيًا لا تخلو منه أي وجبة، إلا أن الإفراط في تناوله يمثل خطرًا صحيًا كبيرًا قد لا يلاحظه الكثيرون.
كيف يهاجم الملح الجسم بصمت؟وقد صنفته منظمة الصحة العالمية كأحد أهم أسباب الوفاة المبكرة المرتبطة بالنظام الغذائي عالميًا، إذ يعمل في صمت على الإضرار بالقلب والدماغ والكلى والعظام مع مرور الوقت.
ويشير خبراء التغذية إلى أن أخطر ما في الملح أنه لا يسبب أعراضًا فورية، ما يجعل تراكم تأثيراته داخل الجسم يتم ببطء ودون تحذير، ومن أبرزها :
- زيادة ضغط الدم وإرهاق القلب
عندما يزداد استهلاك الصوديوم، يحتفظ الجسم بالماء للحفاظ على توازن السوائل، مما يؤدي إلى:
ارتفاع ضغط الدم
زيادة العبء على القلب والشرايين
ارتفاع خطر الجلطات والسكتات الدماغية
- تدمير الكلى بمرور الوقت:
ارتفاع الصوديوم يضع ضغطًا إضافيًا على الكلى مما يزيد احتمالية حدوث الفشل الكلوي.
- فقدان الكالسيوم وهشاشة العظام:
تؤكد أبحاث حديثة أن الملح الزائد يتسبب في فقدان الكالسيوم عبر البول، وهو ما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام.
الدليل العلمي: نصف ملعقة أقل قد تنقذ حياتك
وكشفت دراسة من Harvard Health أن تقليل الملح بمقدار نصف ملعقة صغيرة يوميًا فقط قد يخفض خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 25%.
وتوضح الدراسة أن الخطر الأكبر لا يأتي من الملح المضاف للطهي فقط، بل من الملح المخفي داخل:
الجبن الجاهز
المقرمشات
الصلصات
الخبز الأبيض
المعلبات
وفقًا لتقارير نُشرت في مجلة Nature Neuroscience، أن الوجبات الغنية بالملح تقلل من تدفق الدم إلى الدماغ، وتؤدي إلى ضعف القدرات الإدراكية والذاكرة، ووقد ترتفع معها مخاطر الإصابة بالخرف
كما أفادت التقارير، بأن الصوديوم الزائد بداخل الملح يؤثر على وظائف الخلايا المناعية، مما يجعلها أضعف في مواجهة الالتهابات.
وتشير Mayo Clinic إلى أن الأطفال أكثر حساسية للملح الزائد، خاصة مع الانتشار الكبير للوجبات السريعة، وقد يؤدي الإفراط المبكر في الصوديوم إلى:
ـ ارتفاع ضغط الدم في سن صغير
ـ زيادة فرص الإصابة بأمراض القلب لاحقًا
والكمية المسموح بها للأطفال يجب ألا تتجاوز 2 جرام صوديوم يوميًا (أقل من نصف ملعقة ملح).
ـ استخدام الأعشاب: الزعتر، الروزماري، الكمون
ـ إضافة عصير الليمون لنكهة أفضل
ـ طهي الطعام في المنزل للتحكم في الكميات
ـ اختيار منتجات مكتوب عليها قليل الصوديوم
ـ تجنب إضافة الملح بعد الطهي مباشرة.
ـ تقليل المخللات والصلصات الجاهزة.
ـ شرب ماء كافٍ لطرد الصوديوم الزائد.
ـ تذوّق الطعام قبل إضافة الملح.
ـ الابتعاد عن الوجبات السريعة قدر الإمكان.
هل يمكن الاستغناء عن الملح تمامًا؟
لا، يحتاج الجسم نحو 1.5 جرام يوميًا فقط. المشكلة في تجاوز هذا الحد.
ويعتبر الفرق بين الملح الوردي بسيط جدًا، وجميع الأنواع تحتوي على الصوديوم.. والاعتدال هو الحل، وهناك بعض العلامات تشير إلى تناولك الكثير من الملح: العطش المستمر – تورم الأطراف – صداع – ارتفاع الضغط.