مشاهد حصدت ملايين المشاهدات لاستغاثة سودانيين بالفاشر.. ما حقيقتها؟
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
بينما تعيش مدينة الفاشر أيامها الأكثر دموية منذ اندلاع الحرب في السودان، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من مقاطع الفيديو المؤثرة التي حصدت عشرات ملايين المشاهدات، وأثارت تعاطفا واسعا حول العالم.
وتظهر أغلب هذه المقاطع نساء وأطفالا سودانيين يطلقون استغاثات مبكية من الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي شهدت خلال الأيام الأخيرة نزوح أكثر من 65 ألف شخص من أصل نحو 260 ألفا كانوا في المدينة قبل الهجوم الأخير، بينما لا يزال عشرات الآلاف بداخلها.
كما توثق مقاطع الفيديو التي حظيت بتفاعل واسع صراخ نساء يوجهن مناشدات عاجلة إلى العالم، ومطالبات بوقف الحرب وإنقاذ المدنيين من الانتهاكات المروعة والهجمات الوحشية التي تعرضوا لها عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
يا الله… أيُّ وجعٍ تحمله أمٌّ سودانية تنادي العالم بصوتٍ مبحوح:
"أنقذوا أولادي!"
ولا مجيب، سوى صدى يذوب في صمتٍ مخزً
جاعت قلوبهم قبل أجسادهم وتكسّر في عينيها رجاءُ الحياة
أمٌّ لا تريد سوى لقمة ونسمة أمان
لكنها تصرخ وسط عالمٍ فقد إنسانيته#السودان_يُباد #السودان_المنسي pic.twitter.com/E0Krvlla98
— {R} صـقـر الـرافــديـن (@D83R6) November 3, 2025
ويظهر في أحد المقاطع امرأة مسنة تقول بحرقة "أين أنتم يا مسلمين؟ نحن نموت من الجوع، لا أكل ولا مياه، والأطفال جعانين، والناس تسقط في الشوارع".
مشهد يقطع القلوب: أمّ سودانية أمام أنقاض وتدمير، تصرخ باكيةً بحثًا عن نجاة أطفالها من القتل والجوع. لا تتركوا هذا النداء يمرّ بصمت — شاركوا، تبرّعوا إن استطعتم، وعلّقوا لدعم الحملة الإنسانية. صوتكم قد يصنع فرقًا. ???????? pic.twitter.com/K0ekv3HKw2
— شكير بوشعيب ⚡️????????⚡️ (@RC14eY5WNLMpb13) October 31, 2025
وفي مقطع آخر، تبكي طفلة سودانية بملابس رثة وهي تردد "نحن هنا في الفاشر نعيش في جحيم، لا أكل ولا ماء ولا دواء، يا عالم ويا مسلمين أنقذونا".
طفلة سودانية تستغيث !
الاعراب و المتأسلمين والعالم كله سبب نكبتهم .
لعنت الله وبطشه بمن كان السبب ????????pic.twitter.com/l6gh6389tZ
— Rana (@Rana1083466) November 3, 2025
أما المقطع الثالث، فتداوله ناشطون على أنه يظهر شابا سودانيا يبكي بحرقة، بسبب إحراق المنازل وعدم قدرة الأطفال على الحركة من شدة الجوع، مختتما حديثه بالقول "نحن في السودان نموت ببطء".
@cartoon.style5#trending #fyp #سودان #سودانيز_تيك_توك_مشاهير_السودان #tiktok
♬ original sound – SoulNotes
وتفاعل الناشطون بشكل واسع مع هذه المشاهد بتعليقات وعبارات مؤثرة، مثل "هناك ألم ولوعة وقلب مفجوع مما يجري من خوف وجوع وتصفية للأبرياء العزل بالسودان"، و"أي وجع تحمله أم سودانية تنادي العالم: أنقذوا أولادي ولا مجيب"، و"امرأة سودانية تناشد العالم بدموعها لإنقاذهم من المجازر التي ترتكب بحقهم".
امرأة سودانية تقول بمرارة:
"أقسم بالله، نحن بشر مثلكم… لم نعد قادرين على العيش.
أطفالنا جياع، لا ماء ولا دواء.
أرجوكم، ساعدونا بالله عليكم." pic.twitter.com/P2FPMA0xem
— الرادع التركي ???????? (@RD_turk) November 4, 2025
ورصد فريق "الجزيرة تحقق" مشاركة مئات الحسابات في إعادة نشر هذه المقاطع منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على منصة "إكس"، باستخدام كلمات مفتاحية متنوعة في عمليات البحث داخل المنصة.
ولم تكن منصة "تيك توك" بعيدة عن المشهد، فعند استخدام الكلمات المفتاحية نفسها أظهرت نتائج البحث عشرات الفيديوهات التي تزعم أنها التُقطت حديثا من داخل السودان، وتوثق معاناة المدنيين في مدينة الفاشر.
وبعد إخضاع هذه المقاطع لتحليل بصري دقيق، تبين وجود تشوهات في أغلبها، مثل عدم تناسق الأجسام والظلال، وظهور المنازل ببنية معمارية تختلف عن تلك المعروفة في السودان، إلى جانب استخدام مؤثرات بصرية متطابقة في معظم المقاطع.
إعلانكما كشفت أداة متخصصة في كشف الزيف العميق أن جميع الفيديوهات المتداولة مولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ يظهر في بعضها شعار تطبيق "سورا" (Sora) لشركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) المتخصصة في توليد الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي، ما يؤكد أنها ليست مقاطع حقيقية.
وتوصل فريقنا إلى المصادر الأصلية لهذه المقاطع، فتبين أن مجموعة من الحسابات على منصة "تيك توك" خصصت محتواها خلال الأسابيع الأخيرة لإنتاج مقاطع مولدة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، تتناول الأوضاع الإنسانية في السودان، دون أن تُظهر أشخاصا حقيقيين كما زعم ناشروها.
وبتتبع نشاط هذه الحسابات، اتضح أنها تركز على المحتوى الإنساني العاطفي المصحوب بمؤثرات صوتية حزينة، وتظهر نساء وأطفالا في مشاهد مصطنعة بغرض إثارة المشاعر وجذب التفاعل.
وتجاوزت بعض هذه المقاطع 60 مليون مشاهدة خلال أسابيع قليلة على حساب واحد فقط من بين هذه الحسابات، مما ساهم في انتشار المشاهد سريعا ومنحها مصداقية لدى كثير من مستخدمي المنصة.
ورغم أن المشاهد المتداولة صُنعت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن ذلك لا يلغي حقيقة الأوضاع المأساوية التي تشهدها مدن سودانية عدة، لا سيما مدينة الفاشر.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجّه دعوة عاجلة إلى الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للتعاون مع مبعوثه الخاص والعمل على التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الصراع، مطالبا المجتمع الدولي بوقف تسليح ودعم المقاتلين، ومحذرا من أن استمرار ذلك "يزيد الوضع البائس سوءا".
وحاليا، باتت قوات الدعم السريع تسيطر على كل ولايات إقليم دارفور الخمس غربا من أصل 18 ولاية بعموم البلاد، بينما يسيطر الجيش على أغلب مناطق الولايات الـ13 المتبقية بالجنوب والشمال والشرق والوسط، بما فيها العاصمة الخرطوم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات بالذکاء الاصطناعی مدینة الفاشر هذه المقاطع فی السودان pic twitter com تیک توک
إقرأ أيضاً:
أين الجثث؟ مصير مجهول لضحايا مجزرة المستشفى السعودي بالفاشر
دارفور- في أحد أركان مخيم النزوح بمدينة طويلة، 68 كلم غربي الفاشر عاصمة شمال دارفور، تجلس السيدة فاطمة عبد الله على قطعة قماش مهترئة، ترتدي ثوبا خفيفا مغبّرا، وتحدّق في الأرض بصمت ثقيل.
لم تحمل معها شيئا من منزلها في مدينة الفاشر سوى ما كانت ترتديه لحظة الفرار، ولا تزال تنتظر خبرا عن ابنها علي، الذي نُقل إلى المستشفى السعودي قبل سقوط المدينة، ولم يُعرف له مصير منذ ذلك الحين.
تقول فاطمة بصوت متهدج للجزيرة نت "كان مصابا في ساقه، قالوا إن حالته مستقرة. ثم سمعنا أن المستشفى قُصف، وأن من فيه تمت تصفيتهم. لا نعرف إن كان حيا أم دُفن مع من دُفنوا".
قتل جماعي
كان المستشفى السعودي آخر ملاذ طبي للمدنيين بعد انهيار معظم المرافق الصحية في مدينة الفاشر، وتحول في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى ساحة قتل جماعي، وفقا لشهادات أطباء وبيانات من منظمات حقوقية وطبية.
وفي بيان لشبكة أطباء السودان، أكدت أن "قوات الدعم السريع اقتحمت المستشفى السعودي، وقتلت بدم بارد كل من وجدت من مرضى ومرافقين، وممن قُتل أطفال ونساء، دون أي اعتبار للقوانين الإنسانية أو الأخلاقية".
جريمة موثقةوصفت وزارة الصحة السودانية ما حدث بأنه "جريمة إبادة جماعية"، مشيرة إلى أن نحو 460 مريضا كانوا داخل المستشفى وقت الهجوم، ولم يُعثر على أي منهم بعد ذلك.
الممرض السابق في المستشفى "س.م.ع"، فرّ إلى مدينة طويلة قبل يومين من الهجوم، لكنه علم من بعض زملائه الذين لجأوا إلى إحدى القرى شبه الآمنة، أن المستشفى شهد قصفا متكررا قبل أن تقتحمه قوات الدعم السريع وتبدأ بإطلاق النار داخل غرف المرضى.
ويضيف للجزيرة نت "علمت لاحقا أنهم قتلوا الجميع دون استثناء. لم يُسمح لأحد بالخروج، ولم تُسلّم أي جثة لذويها".
وفي مخيمات النزوح، تنتظر عشرات الأسر خبرا عن أحبائها الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفى. ولا توجد جثث لهم، ولا قبور، ولا شهادات وفاة. فقط صمت، وألم، وانتظار.
إعلان دفن غامضتقول عائشة محمد، وهي أرملة وأم لطفلين، للجزيرة نت "زوجي كان يعاني من نزيف داخلي بسبب شظايا القصف، نقلناه إلى المستشفى السعودي قبل أسبوع من سقوط الفاشر، ثم اختفى. لا نعرف إن كان ميتا، أم أُخذ إلى مكان آخر، أم دُفن دون أن نعلم". وتضيف "أريد فقط أن أعرف أين جثته. لا أطلب شيئا سوى أن أدفنه بيدي".
ومع انقطاع الاتصالات تماما عن مدينة الفاشر، تباينت الروايات حول مصير المرضى الذين كانوا داخل المستشفى، فبعض النازحين تحدثوا عن دفن جماعي في محيط المنشأة، في حين تشير مصادر طبية إلى أن الجثث نُقلت في عربات عسكرية إلى وجهات مجهولة.
تحقيق عاجليقول عبد الله إسماعيل، وهو ناشط إغاثي وصل إلى طويلة قبل أيام، إن ما جرى داخل المستشفى السعودي يتجاوز حدود الانتهاك، ويستدعي تحقيقا دوليا عاجلا.
ويضيف إسماعيل للجزيرة نت "لدينا شهادات من مرافقين فرّوا قبل ساعات من الهجوم، تؤكد أن المرضى كانوا أحياء، وأن بعضهم كان ينتظر إجراء عمليات جراحية. ثم اختفوا جميعا، ولم يُعثر على أي جثة".
وتابع "ما حدث ليس فقط تصفية جماعية، بل طمس متعمد للأدلة. لم يُترك أثر، لا سجلات، لا قبور، لا صور. وكأنهم لم يكونوا هناك أصلا".
ويختم حديثه بالقول "هذه جريمة موثّقة، لكن العالم يرفض أن يرى. نحن بحاجة إلى فرق تحقيق تدخل الميدان للكشف عن مصير هؤلاء الضحايا.
عن المجازر في الفاشر
صور الأقمار الصناعية فضحت الكارثة في السودان!
مدينة الفاشر بقت صندوق موت حرفيا- متحوطة بسور ترابي ٩ قدم، لا دخول ولا خروج.
قوات الدعم السريع ماشية بيت بيت، بتعدم عائلات كاملة.
حتى المرضى في المستشفى السعودي اتقتلوا في سرايرهم!
صور من الفضاء بتبين تجمعات جثث…
— Abdel Hamid Ahmed Hamdy (@ahamdyos) November 2, 2025
صمت دوليورغم فداحة الجريمة، لم يصدر حتى الآن أي موقف حازم من المجتمع الدولي، في حين أعربت منظمة الصحة العالمية عن "فزعها الشديد" من التقارير، لكنها لم تحدد الجهة المسؤولة بشكل مباشر.
وفي بيان رسمي صدر في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدانت منظمة الصحة العالمية بشدة ما ورد في التقارير عن مقتل أكثر من 460 مريضا ومرافقيهم، واختطاف 6 من العاملين الصحيين (4 أطباء وممرضة وصيدلاني) من داخل مستشفى الولادة السعودي في الفاشر.
وأضاف البيان أن المستشفى كان آخر مرفق طبي يعمل جزئيا في المدينة المحاصرة، وقد تعرض لـ4 هجمات خلال شهر واحد، كانت آخرها في 28 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وأسفرت عن المجزرة الكبرى.
كما أشار إلى أن النظام الصحي في الفاشر انهار بسرعة تحت وطأة العنف والحصار والجوع، وأن مصير الموظفين العاملين في 3 منظمات غير حكومية لا يزال مجهولا.
وطالبت المنظمة الدولية بعد انتهاك حرمة مرافق الرعاية الصحية كما كفلها القانون الإنساني الدولي، مؤكدة أن ما جرى يمثل انتهاكا صارخا للمعايير الإنسانية.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، نفى الناطق باسم التحالف السوداني التأسيسي (تأسيس) علاء الدين نقد الله، وقوع أية جرائم داخل المستشفى السعودي في الفاشر. وقال إن المستشفى كان يُستخدم من قبل القوات المشتركة كموقع عسكري مؤقت، وليس كمرفق طبي في تلك الفترة.
إعلانوأضاف نقد الله أن مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُظهر "ما قيل إنها عمليات تصفية داخل المستشفى مفبركة ومُنتجة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي"، داعيا إلى التحقق من مصادر هذه المواد قبل اعتمادها كأدلة.
ومن ناحيتها، تقول الناشطة الحقوقية هالة عبد الكريم إن ما حدث في الفاشر ليس حادثا معزولا، بل جزء من نمط ممنهج. وشددت على أن "تصفية المرضى داخل منشأة طبية محمية دوليا هو انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف". وقالت للجزيرة نت "نحن بحاجة إلى لجنة تحقيق دولية، وإلى محكمة تلاحق من ارتكبوا هذه المجازر".
وفي مخيم طويلة، لا تزال فاطمة عبد الله تنتظر، لا تملك هاتفا، ولا صورة لابنها، ولديها ذاكرة مثقلة بالوجع فقط، وأمل ضئيل بأن تعرف يوما ما حدث له.
تقول وهي تمسح دموعها بطرف ثوبها "إن مات، أريد أن أعرف أين دُفن. وإن كان حيا، أريد أن أراه. لا أريد أن أموت وأنا لا أعرف مصير ابني".