لجريدة عمان:
2025-11-05@19:09:31 GMT

رئيسة إيرلندا الجديدة وجرأتها في قضية غزة

تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري

كان مشهدًا غير مألوف، عندما احتفل فلسطينيون على وسائل التواصل الاجتماعي بنتيجة الانتخابات الرئاسية في إيرلندا. لكن هذا ما حدث بالفعل عندما حققت المستقلة كاثرين كونولي، النائبة البرلمانية المعروفة بدعمها القوي للقضية الفلسطينية، فوزًا كاسحًا في الانتخابات.

بعد أكثر من عامين على ما يصفه كثيرون بـ«إبادة إسرائيلية جماعية» في غزة، ومع استمرار الجيش الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين رغم اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، لم يكن مستغربًا أن تحتل غزة موقعًا بارزًا في الحملات الانتخابية في بلدٍ عُرف تاريخيًا بتعاطفه مع الفلسطينيين.

ومع وضوح فوز كونولي، عبّر مؤيدو فلسطين حول العالم عن أملهم بأن تستخدم هذه المرأة الهادئة، ذات الحضور القوي والكلمة الحادة، منصبها الجديد لإيصال صوتها إلى الساحة الدولية.

لكن الأمر ليس بتلك السهولة. فإيرلندا جمهورية برلمانية، ورئيسها يؤدي دورًا رمزيًا في الغالب، بلا سلطة سياسية حقيقية. بل يُنتظر من الرئيس ألا يُدلي بتصريحات مثيرة للجدل وألا يتحدى الحكومة القائمة. بعبارة أخرى، يُفترض أن يكون الرئيس «لطيفًا» ويكتفي بالمراسم.

إلا أن هذا النموذج تغيّر إلى حدٍّ ما عندما تولّت ماري روبنسون الرئاسة عام 1990، كأول امرأة وأصغر من شغل هذا المنصب في تاريخ البلاد. قبلها، كان المنصب يُمنح عادةً للرجال من المخضرمين في الحزب الحاكم «فيانا فايل»؛ وظيفة مريحة بعد التقاعد، مزيج من مصافحات رسمية، ولعب الغولف، ورحلات بروتوكولية حول العالم.

كانت روبنسون مختلفة تمامًا. محامية ومناضلة قديمة من أجل العدالة الاجتماعية، جاءت إلى الرئاسة محمّلة بالأفكار والمبادئ والطموحات. ورغم إدراكها أن سلطتها محدودة، قالت إنها تستمد «شرعية أخلاقية» من كون الرئيس يُنتخب مباشرة من الشعب لا يُعيّن.

جعلت من الدفاع عن حقوق المرأة والتواصل مع الجاليات الإيرلندية في الخارج رسالتين أساسيتين في عملها. ولم تخشَ إثارة الجدل، فقد صافحت الزعيم الجمهوري جيري آدامز، الوجه العلني السابق للجيش الجمهوري الإيرلندي، خلال زيارتها إلى بلفاست، رغم اعتراض وزير خارجيتها ووسط عاصفة من الانتقادات.

على الساحة الدولية، تركت روبنسون بصمة قوية. أصرت على زيارة الصومال أثناء مجاعته عام 1992، رغم تحفظ الحكومة، لتصبح أول رئيس دولة يزور البلاد في تلك الأزمة، وقدمت بعدها خطابًا مؤثرًا انتقد فيه تخلّي الغرب عن مسؤولياته.

وسرعان ما أصبحت «وجه أيرلندا وصوتها» في العالم، وغادرت منصبها بأعلى نسبة تأييد في التاريخ بلغت 93%. تحوّلت إلى رمز أخلاقي لشعبها، وهو النموذج الذي قد تسعى كونولي إلى محاكاته في توجهها نحو القضايا الدولية، وخاصة فلسطين.

وفي بلدٍ ظلّ تاريخه السياسي حبيس الحزبين الوسطيين منذ الاستقلال، تُعدّ آراء كونولي متطرفة حقّا. فهي مناهضة لحلف الناتو، وتتهم الاتحاد الأوروبي بالنزعة العسكرية والإمبريالية، وترى أن إيرلندا لا يمكنها الثقة بحلفاء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وكانت انتقاداتها لواشنطن صريحة ومباشرة، وهو ما يعدّ من المحرمات السياسية في دبلن، نظرًا للعلاقات الوثيقة بين البلدين ووجود نحو ألف شركة أمريكية تعمل في إيرلندا.

عام 2018، شاركت كونولي في وفد رسمي زار سوريا بموافقة حكومة بشار الأسد، وهو ما أثار جدلًا واسعًا. لاحقًا أكدت أنها لم تدعم النظام، لكنها انتقدت العقوبات الغربية التي «تصيب المدنيين أولًا»، مستشهدة بتقارير منظمة الصحة العالمية.

لكن أكثر ما يميز كونولي هو صراحتها في الدفاع عن فلسطين. فقد وصفت إسرائيل بأنها «دولة إرهابية ترتكب إبادة جماعية»، وغالبًا ما شوهدت في البرلمان الآيرلندي وهي ترتدي وشاحًا بألوان العلم الفلسطيني. كانت أيضًا خطيبة مؤثرة في المظاهرات المؤيدة لغزة.

وعن حركة حماس، قالت بوضوح: «هي جزء من نسيج الشعب الفلسطيني»، مؤكدة أن تحديد من يشارك في مستقبل غزة ليس شأنًا غربيًا. وأضافت في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية: «أنا من بلدٍ يعرف معنى الاستعمار، وأتحفظ بشدة على أن نملي على شعبٍ آخر كيف يدير شؤونه».

ويُذكر أن الرئيس المنتهية ولايته مايكل دي هيغينز كان أيضًا من أبرز المنتقدين لإسرائيل، إذ وصف اتهام المنتقدين لسياساتها بـ«معاداة السامية» بأنه «افتراء معيب». ورغم ذلك بقي شعبيًا للغاية. لكن كونولي تتحدث بصراحة أكبر، وهذا ما يزعج أنصار إسرائيل في الغرب، كما يتضح من بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل.

ورغم أن الحكومة الأيرلندية اتخذت موقفًا نقديًا واضحًا من تل أبيب، وكانت أول دولة غربية تصف هجومها على الفلسطينيين بأنه «إبادة جماعية»، إلا أن كونولي والعديد من الناشطين يرون أن الحكومة لم تذهب بعيدًا بما يكفي، فمشروع القانون الخاص بحظر التجارة مع الشركات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي طال انتظاره، ما زال يثير الخلاف، إذ تسعى الحكومة لتعديله بحيث يشمل السلع فقط دون الخدمات.

ستكون كونولي مضطرة للتوقيع على قوانين لا تتفق معها، وقد أكدت أنها ستحترم الدستور وتفعل ذلك «دون تردد». لكنها قالت أيضًا إنها ستلتزم بواجبها الدبلوماسي حتى في أصعب المواقف. فحين سُئلت عن استقبالها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تتهمه علنًا بتمويل «الإبادة في غزة»، قالت: «سأستقبل أي شخص تدعوه حكومتنا إلى البلاد، فهذا جزء من عملي. إن كان اللقاء بروتوكوليًا فسأرحب به، أما إن كان الحديث عن الإبادة، فذاك أمر آخر».

ورغم أن موضوع غزة قد لا يُطرح في مثل هذا اللقاء، فإن كلماتها تلك أثارت قلق السياسيين الوسطيين الذين يخشون أن تُحدث توترًا في علاقات أيرلندا مع الغرب.

ومع أن إيرلندا دولة صغيرة، فإنها لطالما تجاوزت وزنها السياسي في تأثيرها العالمي. لذا، فإن موقع الرئيس الآيرلندي، رغم رمزيته، يتيح منصة دولية يمكن أن تستثمرها كونولي لتوصيل صوت الفلسطينيين.

ولا أحد يستطيع التنبؤ تمامًا بما ستكون عليه السنوات السبع المقبلة من ولايتها، لكن شيئًا واحدًا مؤكدا، وهو أن كاثرين كونولي سياسية صاحبة مبدأ، لا تخشى الجدل ولا التبعات. ويبدو أنها ستسير على نهج ماري روبنسون في جعل الرئاسة منبرًا أخلاقيًا لقضايا العالم، وعلى رأسها غزة. وإن فعلت، فسيكون غالبية الشعب الإيرلندي معها بكل تأكيد.

باري مالون، صحفي مستقل ومؤلف النشرة الإخبارية (بروكسيميتيز) أي مسافات قريبة.

الترجمة عن موقع ميدل إيست آي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أحمد موسى: افتتاح المتحف المصري الكبير يجسد نظرة العالم الجديدة لمصر كدولة آمنة ورائدة

أكد الإعلامي أحمد موسى أن الاهتمام العالمي والمشاركة الدولية الواسعة في افتتاح المتحف المصري الكبير يعكسان كيف أصبح العالم ينظر إلى مصر بصورة مختلفة تمامًا، باعتبارها دولة ذات حضارة عظيمة ومكانة آمنة ومستقرة.

وأوضح موسى، خلال تقديمه برنامج “على مسئوليتي” على قناة صدى البلد، قائلًا: “العالم لما يجيلك النهاردة، دا معناه إيه؟ لما يجيلك 79 وفد رسمي من مختلف دول العالم، يبقى أنت كده جايب العالم كله عندك”، مشيرًا إلى أن هذا الحضور الدولي الضخم هو دليل واضح على احترام العالم لمصر ومكانتها المتصاعدة على الساحة الدولية.

وأضاف موسى: “نشعر بالفخر والحب لما نرى العالم كله بيتكلم عن مصر.. بلد قوية، آمنة، وتستحق الإعجاب”، مؤكدًا أن هذا التواجد الكبير من الوفود الرسمية يعبر عن الثقة الدولية في الدولة المصرية وقيادتها وشعبها.

واختتم موسى حديثه بالتأكيد على أن ما يحدث اليوم ليس مجرد حضور دبلوماسي، بل هو شهادة عالمية على أمن مصر واستقرارها وريادتها الحضارية في المنطقة والعالم.

طباعة شارك أحمد موسى صدى البلد المتحف المصري الكبير استقرار مصر

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسى ينتصر
  • رغم نفيها| التفاصيل الجديدة في قضية سارة خليفة.. ماذا كشف تقرير المعمل الكيميائي؟
  • الحكومة الإسرائيلية تهاجم أول عمدة مسلم لنيويورك وتدعو اليهود للهجرة إلى إسرائيل
  • تهديدات ترامب و«الصليبية الجديدة» في إفريقيا
  • مصطفى بكري يكشف حقيقة تصريحاته بشأن «الحكومة الجديدة»!
  • خاص│ الإمارات تُغلق مركزا إسلاميا في إيرلندا بتزوير وأوامر من دبي (وثائق)
  • عن قضية الشاب إيليو أبو حنا... ماذا أكّد الرئيس عون؟
  • الرئيس الكوري الجنوبي السابق يمثل أمام المحكمة في قضية التمرد
  • أحمد موسى: افتتاح المتحف المصري الكبير يجسد نظرة العالم الجديدة لمصر كدولة آمنة ورائدة