العمود الفقرى للنظام الصحى فى خطر
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
عجز أعداد أطقم التمريض يهدد قوة الصفوف الأولى للجيش الأبيض الممرضون والممرضات يحلمون بالهجرة هربًا لمستوى معيشى أفضل النهوض بالتمريض ليس رفاهية.. الدعم النفسى والمعنوى طوق النجاة لاستمرار الممرضين فى أداء عملهم بكفاءة
بين صرخة مولود جديد وهمس مريض يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقف التمريض فى الصفوف الأولى للجيش الأبيض الذى لا يمل ولا يكل فى الدفاع عن حياة المرضى، فلا وقت للراحة ولا مساحة للخطأ فى تلك المهنة التى هى بمثابة العمود الفقرى للمنظومة الصحية بأكملها، بينما يزداد نزيف أطقم التمريض يومًا بعد يوم، وفى السنوات الأخيرة زادت أزمة نقص أعداد الممرضين والممرضات فى المستشفيات الحكومية والخاصة معًا، حيث أصبحت من أخطر المشاكل التى تواجه القطاع الصحى فى مصر.
تشير التقديرات إلى أن مصر تعانى عجزًا يتجاوز 70 ألفًا من أطقم التمريض لعام 2024، ومن المتوقع أن يتزايد العجز خلال عام 2030، وذلك يعنى أن كل ممرضة تعمل اليوم تتحمل عبء اثنتين، فى ظل جداول عمل إضافية مرهقة وأجور لا تكفى لتغطية أبسط احتياجات المعيشة.
تتراوح المرتبات من ٥ إلى ٦ آلاف بعدد ٣٦ ساعة أسبوعيًا بخلاف عدد النوبتجيات والسهر بالمستشفيات الحكومية.
أما فى القطاع الخاص فيوضح العاملون أن نظام العمل أشبه بالنظام الأجنبى، إذ يبلغ عدد ساعات العمل الأسبوعية نحو 48 ساعة موزعة على أربعة أيام فقط، بمرتب يتراوح بين 8 و10 آلاف جنيه شهريًا للحاصلين على البكالوريوس، مع توفير بيئة عمل أكثر تنظيمًا وتقديرًا لدور الممرضين مقارنة بالمستشفيات الحكومية.
فلم تعد الهجرة مجرد حلم لدى الممرضين، بل ضرورة يفرضها الواقع. فبينما لا يتجاوز راتب الممرضة فى المستشفى الحكومى أربعة آلاف جنيه، تعرض بعض الدول العربية والأوروبية رواتب تفوق الثلاثين ألفًا، مع توفير سكن وتأمين صحى وتقدير مجتمعى يليق بدورهم الإنسانى. الفارق لا يُقاس فقط بالأموال، بل بالاحترام.
ورغم محاولات وزارة الصحة زيادة أعداد المقبولين فى كليات ومعاهد التمريض، وتوفير برامج تدريبية لتحسين الكفاءة، يرى كثير من الخبراء أن الأزمة أعمق من مجرد رقم. فالمشكلة لا تكمن فقط فى الأجر، بل فى نظرة المجتمع للمهنة التى كثيرًا ما تُختزل فى صور نمطية مجحفة، وفى غياب مسارات واضحة للتدرج الوظيفى والتطوير المهنى.
يقول عبدالعزيز مهدى، مشرف تمريض بمستشفى جامعة طنطا، «إن أزمة العجز فى صفوف التمريض وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد جميع الخدمات داخل المستشفيات، ونسبة العجز لا تقل عن 70%، وعلى أقل تقدير، غير كده كمان فى سوء توزيع فى بعض الأماكن يعنى فى مستشفيات فيها تكدس، وفى أماكن تانية مفيش ممرضين كفاية أصلا، وده بيخلى الضغط علينا مضاعف».
وتابع «بعد 12 سنة خدمة فى الحكومة، مرتبى 7 آلاف ونص جنيه، وده رقم لا يليق أبدًا بالمجهود اللى بنعمله ولا بساعات الشغل الطويلة. إحنا بنشتغل بالنوبتجيات يوم ورا يوم، وبنكون مسئولين عن أرواح الناس، بس مفيش تقدير حقيقى وبنستحمل الضغط النفسى والبدنى اللى بيشتغل فى التمريض لازم يكون عنده طاقة صبر كبيرة بنقابل كل أنواع الحالات، من ولادة لوفاة، ومفيش راحة ولا دعم نفسى ومع كل ده بنسمع كلام محبط من المجتمع بدل التقدير».
وعلق عبدالعزيز عن هجرة الممرضين للخارج قائلا: «السفر برا أفضل ألف مرة مش علشان الفلوس بس، لكن علشان هناك بيئة العمل أفضل بكتير، والنظام محترم، والمواطن نفسه بيدرك قيمة الممرض وبيتعامل معاه باحترام. هنا لسه محتاجين نغير نظرتنا للمهنة ونفهم إن من غير تمريض مفيش علاج».
يقول أحد العاملين بالتمريض رفض ذكر اسمه «إحنا اللى بنقف على الولادة وبنقف على الوفاة، بنشوف أول نفس وآخر نفس، ومع ذلك محدش شايف تعبنا، إحنا المهنة الوحيدة اللى اتشوّهت سمعتها بسبب إن أى حد ممكن يدخلها إحنا اللى كنا جايبين فوق ٩٠٪ فى الثانوية العامة، وندرس خمس سنين عشان نشتغل فى تمريض، وفى الآخر نتساوى بأى حد دخل دورة سنتين ودفع فلوس، ويبقى اسمه كمان أخصائى تمريض، نقيبة التمريض بدل ما تدافع عننا وتدى كل واحد حقه، فتحت الباب لأى حد يدفع ويدخل المهنة. طب فين العدالة؟ إحنا بنتعب ونتعلم ونذاكر، والمفروض كلية التمريض تبقى كلية قمة زى الطب، مش باب مفتوح لأى حد.
شوفوا بره بيحترموا التمريض إزاى. إحنا مش ضد حد، بس مش عدل اللى درس ٥ سنين يتساوى مع اللى درس سنتين. مطلبنا بسيط: الغوا البرامج المكثفة لخريجى الكليات الأخرى، وعلى الأقل اللى اتخرج منها مايتعيّنش معانا فى الحكومى، لأن ده ظلم واضح».
وعلقت أخرى «المرتب مش مجزى نهائى. إحنا علينا ٤٨ ساعة شغل فى الأسبوع، شوفى كام ساعة فى الشهر، وفى المقابل الموظف اللى قاعد على مكتب بيشتغل ٦ ساعات وبيقبض ضعفنا، العجز فى التمريض بقى صعب، ومفيش حد بيشيل الشغل غيرنا كل الأماكن اللى فيها نقص بيبعتوا لها تمريض يساعد، كأننا الحل السحرى لكل حاجة».
وتابعت: «سيبك من دا كله، إحنا أقل فئة فى المجتمع محدش بيقدر تعبنا ولا بيدينا حقنا لا شكر ولا تقدير ولا حتى مرتب زى الناس، وفوق دا كله الناس دايما شايفانا وحشين وبيتكلموا علينا مع إن محدش يقدر يتحمل الشغل اللى إحنا بنعمله على الأقل برا الممرض بيحترموا مادياً ومعنوياً، إحنا هنا إلى الله المشتكى».
وبين من يتمسكون بالبقاء داخل الوطن رغم الظروف، ومن قرروا حمل حقائبهم والسفر إلى المجهول، تبقى الحقيقة واحدة: أن التمريض هو العمود الفقرى لأى نظام صحى، وأن استمرار نزيف كوادره يهدد استقرار المستشفيات وقدرتها على تقديم خدمة طبية آمنة وكريمة للمريض.
وفى هذا الجانب قال الدكتور صلاح محمد سفير التمريض بمصر إن النقابة كانت قد سجلت منذ نحو عامين ما يقرب من 300 ألف ممرض وممرضة، ويشمل هذا الرقم من سافروا للعمل بالخارج، ما يجعل من الصعب تحديد حجم العجز الحقيقى محليًا، لكن المؤكد أن هناك نقصًا واضحًا فى الكوادر داخل المستشفيات.
وأوضح أسباب العجز فى أعداد التمريض بين ضعف الحوافز المادية وانخفاض الأجور مقارنة بحجم الجهد والمسئوليات، فضلًا عن غياب الدعم المعنوى والتقدير المجتمعى، الصورة السلبية المنتشرة عن المهنة فى الاعلام ما يقلل من إقبال الشباب على دراستها.
وأكد أن أحد أخطر أسباب تشويه المهنة وزيادة العجز الحقيقى هو انتشار أكاديميات التمريض غير المرخصة التى تستقبل خريجى التعليم الفنى أو الصناعى وتمنحهم شهادات تمريض رغم أن العاملين بها ليسوا مؤهلين علميًا لممارسة المهنة، مؤكدا أن هذه المراكز لا تتبع نقابة التمريض ولا أى جهة أكاديمية معتمدة، ومع ذلك تمنح الملتحقين بها ما يسمى بـ«كارنيه مساعد تمريض» ما يسمح لهم بالعمل فى بعض المستشفيات الخاصة دون تأهيل علمى أو ترخيص مهنى.
وحذر سفير التمريض من أن هذه الممارسات لا تهدد فقط مكانة الممرضين المؤهلين، بل تمثل خطرا مباشرا على حياة المرضى، مشيرا إلى وقوع حوادث طبية مؤسفة بسبب جهل بعض العاملين غير المؤهلين بأساسيات التمريض.
وشدد على ضرورة تشديد الرقابة على المستشفيات الخاصة، والتأكد من أن جميع العاملين فى مجال التمريض مرخص لهم رسميا من نقابة التمريض، لضمان سلامة المرضى.
وأضاف أن الممرض فى مصر يدرس خمس سنوات كاملة أربع سنوات دراسية وسنة امتياز، إلا أنه لا يجد التقدير المناسب سواء فى المرتب أو فى المعاملة، مشيرًا إلى أن هذه الظروف دفعت كثيرين إلى الهجرة الداخلية نحو القطاع الخاص أو الهجرة الخارجية إلى دول توفر رواتب أعلى وتقديرًا أفضل لدور التمريض فى المنظومة الصحية.
ويؤكد أن الممرض هو العنصر الوحيد الذى يقف عند لحظتى الميلاد والوفاة، فهو الشاهد على بداية الحياة ونهايتها، ما يجعل دوره الإنسانى والمهنى لا يقل أهمية عن دور الطبيب، بل يتكامل معه فى الحفاظ على حياة الإنسان وراحته.
ويرى أن حل الأزمة يبدأ من اعتبار ملف التمريض ملفا اقتصاديا بحتا تستثمر فيه الدولة مثلما تفعل فى أى قطاع إنتاجى، من خلال تطوير البنية التعليمية والتدريبية للمهنة، وزيادة الأعداد المؤهلة وفق معايير جودة حقيقية. كما يقترح تنظيم هجرة الممرضين للخارج بشكل مقنن، على طريقة دولة الفلبين التى تحول الكوادر الطبية المهاجرة إلى مصدر مستدام للعملة الصعبة دون أن تفقد الدولة كوادرها بالكامل.
ويختتم سفير التمريض حديثه بالتأكيد على أهمية توفير الدعم النفسى والمعنوى للممرضين، باعتباره طوق النجاة لاستمرارهم فى أداء عملهم بكفاءة، مشددًا على أن النهوض بمهنة التمريض ليس رفاهية بل ضرورة لضمان استقرار النظام الصحى وتحقيق العدالة بين جميع الطاقم الطبى.
قال الدكتور محمد مبروك دكتور الأطفال وحديثى الولادة إن مهنة التمريض هى الذراع الحقيقية للطب فى كل مكان، مؤكدا أن «الطب وحده يصبح مجرد حبر على ورق دون وجود التمريض».
وأوضح أنه من المستحيل أن تعمل أى مستشفى بكفاءة دون طاقم تمريض قوى ومدرب، فالممرض هو العمود الفقرى للعمل الطبى اليومى، مشيرا إلى أن أسباب العجز فى أعداد التمريض متعددة، يأتى فى مقدمتها ضعف الرواتب وقلة التقدير، إلى جانب ما يتعرض له الممرضون من تجريح وسخرية فى بعض وسائل الإعلام والدراما.
ولفت إلى أن تحسين وضع التمريض يبدأ من منحه راتبًا يكفى احتياجاته، وتوفير بيئة عمل تحترمه، مع تعزيز الوعى المجتمعى بأهمية المهنة ودورها الحيوى فى المنظومة الصحية، إلى جانب العمل على تصحيح الأفكار المغلوطة عن المهنة، مؤكدًا أن التمريض هو الذراع التى يعتمد عليها الطب، وبدونها لا تكتمل المنظومة الصحية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لمستوى والمعنوى العمود الفقرى العجز فى إلى أن
إقرأ أيضاً:
نشأت الديهي: حزين بسبب الوضع في سوريا وحذاري من التطاول على مصر
أعرب الإعلامي نشأت الديهي، عن استيائه من التوغلات الإسرائيلية في الداخل السوري أمام صمت الإدارة السورية، منتقدًا تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع ضد مصر.
وقال نشأت الديهي خلال تقديم برنامجه "بالورقة والقلم" المذاع عبر فضائية "TeN"، مساء الاثنين، "أنا في حالة ضيق شديد لهذه التوغلات الإسرائيلية في الداخل السوري أمام صمت الإدارة السورية أنا بتكلم على سوريا والشعب السوري والدولة السورية الجيش الأول السوري الذي كنا دولة واحدة معه".
وأضاف نشأت الديهي: "التوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا وليس الجولان أصبح خبرا عاديا، والتطاول على مصر وإحنا نسكت علشان نسيب كل واحد يأخذ فرصته كاملة وإحنا لا نرد لأننا كبار أوي وإحنا نترفع ونتسامى وعارفين أننا كبار بلدنا كبيرة ورئيسنا رئيس محترم ودايما يقول هو أنا عمري تطاولت على حد أو شتمت حد إحنا بنشتغل".
وتابع "ولكن في الإعلام ممكن أن نرد الصاغ صاعين ونفضح هؤلاء ولكن لدينا قليل من الحكمة ومزيد من الصبر لأجل الغالي نتحمل ولكن إلى حين، أي حد يتطاول علينا مش هقوله عيب لأنه لا يعرف العيب ولكن حذاري من التطاول على مصر من أي دولة".
وأردف "إحنا أكبر وأعظم ولكن من الممكن الرد عليه والرد سيؤلم ولكن لا نريد الدخول في سجالات، ولكن قليل الأدب نعلمه الأدب إحنا علمنا ناس كتير ولكن معرفناش نربيهم، أنا لا أتدخل في الشأن السوري ولكن نفسي أشوف الجولان محررة زي سيناء، وأي حد يتطاول على مصر حذاري إحنا ممكن نخربش".