لجريدة عمان:
2025-11-07@06:32:48 GMT

الحرب.. العنوان الدائم لمعاناة الشعوب عبر الزمن

تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT

في بداية، دعونا نقف دقيقة صمت وحداد على أرواح الأبرياء الذين قضوا نحبهم في حروب العالم عبر التاريخ، دقيقة ليست تقليدا دوليا فحسب، وإنما نمط إنساني، ثم بعد ذلك لنترحم سويا على أرواح أولئك الذين سقطوا في حروب العالم، سواء الجنود في ميادين القتال أو المدنيين في مساكنهم.

"الحرب" مصطلح يحمل الكثير من المفردات والآلام والجروح، والفقر والجوع وكل علامات البؤس البشري، ومهما حاولنا أن نستَنطِق شهادات الناجين من "الحروب الماضية" فإننا لن نستطيع أن نجملها في سطور معدودة أو كلمات يسيرة، لكن الغريب في أمرها أن المتنازعين يخرجون جميعا "خاسرين"، حتى القطب الذي يشعر بأنه الأقوى ويدّعي النصر يعي في قرارة نفسه الهزيمة.

إن الإحصائيات التي تخرج علينا بأرقام القتلى والجرحى والمصابين بعاهات مستديمة، إنما هي "نزيف إنساني" لا يمكن العبور على رفاته بسهولة، فكلما طال أمد الحرب، كانت الخسائر فادحة في كل شيء، وعلى مر الزمن كانت هناك حروب ضروس استنزفت أرواح الملايين من البشر، ودمرت الأخضر واليابس، ولا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم، رغم توالي السنين الطويلة، فهي أيضا حاضرة في أذهان الشعوب، وأماكن حدوثها معروفة لدى العالم أجمع، أما تأثيرها على الأحياء فهو باقٍ حتى اللحظة، كُتبت على صفحات الزمن بمداد الدم القاتم، وتركت حزناً لا تنطفئ شموعه مع الوقت.

في بعض الدول، هناك مقابر جماعية يشوبها صمت مطبق، رغم أن أقدام الزوار إلى تلك المقابر لا تنقطع في كل عام، هناك آلاف الجنود يرقدون في توابيتهم الخشبية تحت الثرى، باقون في ذاكرة أحبّتهم رغم تحلل أجسادهم، والبعض الآخر دُفن قبل أن يُعرف عن هويته شيء، لذا آثرت بعض الدول إقامة نصب تذكاري لذلك "الجندي المجهول" الذي أصبح غائبا عن الحياة وحاضرا فيها، وربما هو تخليد لأرواح سقطت في ساحات الموت، ودُفنت بدون وداع أو استدلال على أسمائهم.

في عالم اليوم، هناك حروب تشتعل، ومدن تُدمّر، وأرواح تُزهق، وجرحى لا ينامون من شدة الألم، وأوصال مقطعة، ووجوه مشوهة، وقبور مفتوحة، وأجنة ماتت قبل أن تخرج إلى الحياة، والسؤال: متى ينقطع هذا النزيف الإنساني؟

في أوقات الحرب، تتجلى المشاهد المشينة في أبشع صورها، مشاهد الموت تحيط بالجميع من كل ناحية، والدمار للمباني والتهجير للسكان، أمران يعرضان قائمة طويلة من أوجاع البشر المعذبين في الأرض، أصوات مخنوقة تبعث من تحت الركام، صرخات الألم تخفت مع الوقت إلى أن تنقطع عن الوجود، أطفال يتجرعون مرارة الفقد ويعانون زمناً من أمراض نفسية وجراح لا تنتهي، أما كبار السن فقد أعياهم المسير في طرقات غير آمنة، يسيرون كغيرهم من الفارين من قذائف الموت، أبعد ذلك نسأل: ما الذي تفعله الحروب بالبشر؟

سؤال يتبعه جواب مرعب، مشاهد تُدمي لها القلوب كل يوم، وألم يعتصر خلايا سائر الجسد المسجى على وجه الأرض، في أماكن متفرقة يشهد العالم بعينيه الواسعتين كيف تتناثر جثث الأبرياء من أطفال ونساء ورجال على قارعة الطرقات وفي المنازل التي تُهدم على رؤوس أصحابها.

أما يكفي هذا العالم ذلك الشقاء الذي تجلبه الحروب؟ أما آن للعالم أن ينتبه إلى الأخطار الأخرى التي تحيط به ويكفّ عن تسليح المعتدين؟ وإلى متى يظل السلام العالمي مجرد صوت يخرج من أبواق مصطنعة لا تعرف معنى السلام والأمان، في مؤتمرات تبدأ كما تنتهي؟

في واقعنا العربي، كانت غزة وما زالت تفاصيل مأساتها الإنسانية قائمة على قدميها، ينشد العالم لها السلام، لكن العدو لا يريد لها ذلك، في كل مرة يعاود قصفها بسلاح مدمر، ثم ينفض عن نفسه تهمة الإبادة متعللاً بمعطيات وهمية، هذه الحرب الغاشمة التي تجاوز مداها أكثر من عامين أودت بحياة الآلاف من الأبرياء، لذا لا تتعجب إذا كانت "غزة" تختزل كل مشاهد العذاب الإنساني في العصر الحديث، فكل المشاهد التي تراها في الصور أو عبر التلفاز ما هي إلا جزء يسير من مأساة أكبر مما تتوقع.

حرب غزة سكاكين تقطع أوردة الناظر إلى حالهم من قريب أو بعيد، لم يجعل المعتدي مجالاً للسلم أو فتح مساحة للأمان أمام الأبرياء، فغزة اليوم باتت مدينة أشباح وخراب ودمار ومستقبل مجهول، وقنابل موقوتة قد تنفجر في وجه كل راغب في الحياة من جديد.

الحرب لن تنطفئ يوما طالما كان هناك معتدٍ ظالم، وضحية "لا حيلة لها" سوى الصبر، إنها حرب الإبادة الإنسانية التي تغزو العالم، وفكر الهيمنة على مجريات الحياة يستبق عليه القوى العظمى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

لبنان يفرج عن هانيبال معمر القذافي بعد احتجازه لعقد من الزمن

لبنان يفرج عن هانيبال معمر القذافي بعد احتجازه لعقد من الزمن

مقالات مشابهة

  • لبنان يفرج عن هانيبال معمر القذافي بعد احتجازه لعقد من الزمن
  • تحديات معقّدة تعطّل عودة الحياة الطبيعية في غزة
  • الضويني: الأزهر يعد بلا منازع القبلة التي يقصدها كل باحث عن الوسطية
  • ماذا نعرف عن التصويت الذي قد يجعل إيلون ماسك أول تريليونير أو يدفعه للرحيل عن تسلا؟
  • 108 أعوام على وعد بلفور: شهادة ميلاد الظلم ودم فلسطين الذي لن ينكسر
  • بالخريطة التفاعلية.. حجم الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية بقطاع غزة
  • منظمات إغاثة إنسانية : المساعدات التي تصل غزة ضئيلة للغاية
  • رحيل ديك تشيني.. صانع حرب العراق ومهندس القرن الأمريكي
  • جوتيريش: هناك 700 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع حول العالم