بوابة الوفد:
2025-11-07@06:35:49 GMT

(الهمة… مقام الوعى بين ضعف الجسد وقوة الإيمان)

تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT

الهمة يا صديقى العزيز ليست مجرّد طاقةٍ أو اندفاع عابر فى الجسد، بل هى قبس من نور الله (عز وجل) فى الإنسان، يوقظه من غفوته، وينبهه إلى أن وجوده فى هذه الحياة لم يكن عبثًا، بل لرسالةٍ ساميةٍ ينبغى أن يترك أثرًا فيها قبل أن يرحل.

الهمة هى أن تسمع نداء فى داخلك، يدعوك إلى العلوّ كلّما حاولت الأرض أن تُثقل خطاك.

هى أن تسابق فى ميادين الخير، كما قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، وقال أيضًا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}.

فالهمة أن تؤمن أن كل لحظة من عمرك فرصة لأن تكون أقرب إلى الله (عز وجل)، وأن العمل مهما بدا صغيرًا، فإن النية العالية ترفعه إلى السماء. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب معالى الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها»، فالهمة العالية من محبة الله، والركون إلى الدون من صفات الغافلين.

وتأمل كلام سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) حين قال: (لا تُصَغِّروا هِمَمَكُم، فإنِّى لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عن مَعالى الأُمورِ مِن صِغَرِ الهِمَّةِ)، فهو يعلم أن القعود عن المعالى مرض الروح، وأن الهمة إذا ضعفت ماتت معها الإرادة.

إن الهمة ليست اندفاعًا مؤقتًا، بل مقامٌ من مقامات السالكين، لا يناله إلا من صدق فى طلب الحق، واستشعر قوله صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز»، فهى دعوة إلى الجمع بين القوة فى السعى، والتوكل على الله، وترك العجز والكسل.

وانظر إلى سيدنا أبى بكر الصديق (رضى الله عنه)، سابق الأمة إلى كل خير، لا يُغلب فى عزيمة، ولا يُدرك فى تضحية، حتى قيل فى حقه: (ما سبقكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشىء وقر فى قلبه)، أى بالإخلاص والهمة الصادقة.

الهمة هى استمرار السعى مع الإصرار والعزيمة، وارتفاع النفس فوق همّ المادة، وارتقاء الروح رغم صعوبات الطريق. وإذا سكنت الهمة قلبك، رأيت التعب لذة، والابتلاء نعمة، والطريق إلى الله أقصر مما ظننت، لأن الله قال عن عباده المخلصين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ}.

إن الهمة العالية يا صديقى العزيز لا تُستمد من الجسد، بل من الإيمان، ومن معرفة الله حق المعرفة.

هى أن ترفض حياة القعود، وأن تقول كما قال سيدنا يعقوب (عليه السلام) وهو بين الألم والرجاء: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ}. ثم لم ييأس حتى جمع الله شمله بيوسف.

هى أن تحمل يقين سيدنا موسى (عليه السلام) عند البحر، حين قال قومه: « إنا لمدركون» فقال بثبات الهمة: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّى سَيَهْدِينِ}.

فالهمة هى أن تسير فى طريقك وإن قلّ الرفاق، وأن تثق أن الوصول وعدٌ لمن صدق، لأن الله (جلّ جلاله) لا يخذل من عزم وتوكل عليه.

وهذه نفوس العلماء التى كانت مناراتٍ فى الهمة؛ قال الإمام الشافعى: (مَنْ أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم)، فالعلم عنده ثمرة الهمة، والطريق إلى الرفعة فى الدارين.

أما سيدنا عمر بن عبد العزيز فكان يقول: (إن لى نفسًا تواقة، تاقت إلى الزواج فنلته، ثم إلى الإمارة فنلتها، ثم إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسى إلى الجنة).

فتأمل كيف لا تهدأ الهمة حتى تبلغ غايتها فى رضوان الله (عز وجل).

فاللهم ارزقنا همةً تعلو فوق الأهواء، وتثبت عند البلاء، وتجعلنا من أهل المسارعة فى الخيرات، ومن أصحاب النيات العالية، الذين يعملون لك وحدك لا رياءً ولا سمعة، واهدِنا يا ربّ إلى ما تحبّ وترضى.

 

رئيس الإدارة المركزية لشئون القرآن بالاوقاف

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

رسالة الوعى.. الركيزة الأساسية للحفاظ على الأمن القومي

فى عالم تتداخل فيه القوى وتتصارع المصالح، لم تعد أدوات الحفاظ على الأمن القومى تقتصر على الجيوش والعتاد الحربى فحسب، بل أصبح «الوعى» هو السلاح الاستراتيجى الأهم فى معركة البقاء والريادة.

ومن هذا المنطلق، يبرز «الصالون البحرى المصرى» ليس كمنصة ثقافية، بل كمشروع وطنى متكامل هدفه الأساسى الوعى والحفاظ على مقدرات مصر ومكانتها الإقليمية والدولية.

وتشرفت بحضور الاحتفالية التى نظمها الصالون البحرى المصرى بذكرى انتصارات حرب اكتوبر المجيدة، حيث شهد الاحتفالية نخبة من قيادات مصر الوطنية أبرزهم الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس أمناء الصالون البحرى المصري، والفريق أحمد خالد، محافظ الإسكندرية، واللواء وليد عطية، مساعد قائد القوات البحرية نيابة عن قائد القوات البحرية، ولفيف من الوزراء والقيادات التنفيذية وأعضاء الصالون البحرى من الإسكندرية والقاهرة وبورسعيد.

الصالون البحرى المصرى هو مبادرة ثقافية وفكرية طموحة، تتبنى فكرة «الثقافة البحرية» كمدخل لتعزيز الانتماء والوعى المجتمعى، لا يقتصر دور الصالون على تنظيم ندوات أو محاضرات تقليدية، بل يقدم نفسه كمنصة شاملة تجمع بين الأدب، والفن، والتاريخ، والعلوم الاستراتيجية.

يمثل الصالون البحرى نموذجاً فريداً لـ «السلطة الناعمة» التى تخدم الأمن القومى الصلب، وتتجلى رسالته فى تعزيز الوعى من خلال المحاور التالية:

ربط التاريخ بالحاضر لبناء المستقبل:

يستحضر الصالون أمجاد مصر البحرية عبر العصور، من الأساطيل الفرعونية والتجارة فى العصر البطلمى، إلى دور البحرية المصرية فى حروب العصر الحديث.

هذا الربط يخلق إحساساً بالاستمرارية التاريخية والمسؤولية تجاه تراث بحرى عريق، مما يعزز الدافع الوطنى للحفاظ على هذا التراث وتطويره. إنه تذكير بأن مصر كانت، ولا تزال، دولة بحرية بامتياز.

خلق لغة وطنية موحدة:

عبر أنشطته المتنوعة التى تجذب المثقفين، والإعلاميين، والشباب، والعسكريين، يعمل الصالون على خلق لغة مشتركة حول قضايا الأمن القومى البحري. فهو يحول المفاهيم الاستراتيجية والعسكرية من مصطلحات نخبوية إلى خطاب مجتمعى يمكن للجميع مناقشته والدفاع عنه.

 هذه «السيمفونية» الجماعية، كما يُرمز لها، تزيد من تماسك النسيج المجتمعى فى مواجهة الحملات الإعلامية والمغالطات التاريخية التى تستهدف مصالح مصر.

دعم صناعة القرار عبر المعرفة:

بفضل الحوارات المتخصصة والدراسات التى يقدمها، يصبح الصالون منبراً لتقديم رؤى وأفكار قد تساهم فى دعم صانعى القرار، إنه يجسّد مفهوم «المراكز الفكرية» أو التى تثرى النقاش العام بتحليلات موضوعية، مما ينعكس إيجاباً على دقة وكفاءة السياسات الوطنية المتعلقة بالبحر.

مواجهة حرب المعلومات والتضليل:

فى عصر الصراعات الهجينة، أصبحت المعلومات سلاحاً خطيراً. يقدم الصالون رواية مصرية أصيلة مدعومة بالحقائق التاريخية والعلمية، لمواجهة محاولات تشويه الوعى أو طمس الحقائق حول حقوق مصر، وهو بذلك يحصن العقل الجمعى المصرى ويجعله منيعاً أمام حملات التضليل.

خاتمة:

الصالون البحرى المصرى هو أكثر من مجرد فكرة ثقافية عابرة؛ إنه تجسيد لفلسفة متطورة تدرك أن جبهة الوعى هى الجبهة الأهم فى معارك الأمم، إنه يستثمر فى أغلى رأس مال وطني: العقل البشرى والروح المعنوية للشعب.

بجعله قضايا الأمن القومى جزءاً من الأدب والفن والحوار المجتمعى، لا يقتصر الصالون على «إعلام» المواطن بما يحدث، بل ينتقل به إلى مرحلة «الفهم» ثم «الانتماء» ثم «الفعل».

وهو بهذا المعنى، يُعد ركيزة أساسية فى بناء «الحصانة الوطنية» الشاملة، التى تجعل من كل مواطن حارساً أميناً لحدود وطنه وثرواته، ليس بسلاح، بل بوعى راسخ وإيمان راسخ بأن البحر هو مستقبل مصر ومصدر قوتها.

 

مقالات مشابهة

  • تعرف على فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة
  • الإفتاء: قصة وأد سيدنا عمر بن الخطاب لابنته في الجاهلية باطلةٌ
  • رسالة الوعى.. الركيزة الأساسية للحفاظ على الأمن القومي
  • الفرق بين الموت الدماغي والموت الحقيقي وأيهما تترتب عليه الأحكام الشرعية
  • دعاء قيام الليل للرزق وقضاء الحاجة.. احرص عليه ستندهش من عطاء الله
  • خصوصية جبل الطور حتى يتجلى الله تعالى عليه
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • عالم أزهري: إكرام السياح واجب شرعي وأخلاقي يعكس حقيقة الإيمان
  • إصابة شاب باعتداء مستوطنين عليه في رمون شرق رام الله