يخلص التحليل إلى أن الولايات المتحدة تقف أمام خيار استراتيجي بين نموذج يقوم على الهيمنة الدائمة ومنطق الأزمات، ونموذج بديل يعتمد على الاستقرار المشترك، تكون السعودية فيه دولة مركزية.

نشر موقع "The Media Line" تحليلًا موسعًا حول زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، مشيرًا إلى أن المظاهر الاحتفالية في الحديقة الجنوبية، من الفرق العسكرية وصفوف الأعلام الأميركية والسعودية، غطّت خلفها محادثات أعمق بكثير من جولة تقليدية حول صفقات السلاح.

ووفق التحليل، اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي خطوة حاسمة لإعادة صياغة ميزان القوى في الشرق الأوسط، ووضع الرياض في مركز هندسة أمنية جديدة تتجاوز أطر السياسة الأميركية التقليدية.

السعودية مركز الثقل في بنية إقليمية جديدة

يفيد التحليل بأن المحادثات بين الجانبين لم تقتصر على التعاون العسكري، بل شملت اتفاقات دفاعية واسعة، وإمكانية حصول السعودية على مقاتلات الجيل الخامس F-35، وتجهيزات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، والتعاون النووي المدني، إضافة إلى بحث شروط التطبيع المحتمل مع إسرائيل.

وينقل "The Media Line" عن الدكتور هشام الغانم، الباحث في مؤسسة "كارنيغي"، قوله إن المشهد في واشنطن لا يمكن فهمه كسلسلة صفقات منفصلة، بل كـ"محاولة جادة لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط"، معتبرًا أن "السعودية تقف في مركز هذا التحوّل وتسعى إلى سلام حقيقي واستقرار وتنمية شاملة".

الرئيس دونالد ترامب والسيدة الأولى ميلانيا ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال عشاء بالبيت الأبيض، الثلاثاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في واشنطن. Alex Brandon/Copyright 2025 The AP. All rights reserved نماذج القوة المتقابلة: السعودية وإسرائيل وإيران

وفق الغانم، تمثل السعودية وإسرائيل وإيران ثلاثة نماذج مختلفة للقوة الإقليمية. فالسعودية تسعى إلى إغلاق دوائر عدم الاستقرار، بينما يقوم النموذج الإسرائيلي على التفوق العسكري الدائم وبيئة إقليمية هشّة، في حين يعتمد النموذج الإيراني على الميليشيات التي تضعف الدول من الداخل. ويرى الغانم أن مستقبل النظام الأمني الجديد سيُحكم عليه بناءً على دعمه للنموذج السعودي أو إبقائه المنطقة رهينة لدوائر الأزمات.

صفقة "F-35": تحوّل في الهندسة الدفاعية

يوضح التحليل أن إعلان الرئيس الأميركي المضي في بيع مقاتلات "F-35" للسعودية يمثّل خطوة غير مسبوقة، إذ تجنّبت الإدارات السابقة هذا المسار حفاظًا على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. ويرى الغانم أن المقاتلات الجديدة ليست مجرد إضافة للأسطول السعودي، بل عنصر يعيد صياغة طبقات الردع، خصوصًا بعدما أظهرت الحرب الإسرائيلية–الإيرانية في حزيران/يونيو 2025 أن امتلاك الجيل الخامس يعني القدرة على اختراق الدفاعات وضرب البنى الاستراتيجية من دون إنذار فعلي. ويحذّر الغانم من أن توسع شبكات إيران من الصواريخ والمسيّرات والوكلاء يجعل غياب قدرات مماثلة لدى الرياض ثغرة استراتيجية، ويؤكد أن دخول السعودية "نادي F-35" سيجعل أي استهداف لبنيتها التحتية مكلفًا للغاية.

Related رسالة إيرانية "غامضة" قبيل لقاء بن سلمان وترامب.. هل تتحرّك الدبلوماسية السعودية في قلب العاصفة؟ترامب يستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيضترامب يُعلن التوصل إلى اتفاق دفاعي مع السعودية.. وبن سلمان: سنرفع استثماراتنا إلى ترليون دولار الصين في قلب الحسابات الأميركية

ينقل "The Media Line" عن الخبير سيريل ويدرسهوفن أن واشنطن تنظر إلى صفقة "F-35" بوصفها جزءًا من منافستها مع الصين بقدر ما هي عنصر من عناصر التوازن الإقليمي. ويرى أن الصفقة تهدف إلى ربط الرياض بشكل أعمق بالولايات المتحدة ومنعها من توسيع تعاونها الدفاعي مع بكين أو موسكو، سواء في التكنولوجيا العسكرية أو في قطاع الذكاء الصناعي. ويقول إن الولايات المتحدة تستخدم المسار النووي بالطريقة نفسها للحد من الحضور الصيني في المشاريع الحيوية داخل المملكة.

التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل.. اختبار جديد

يرى التحليل أن صفقة "F-35" تشكل اختبارًا مباشرًا لمفهوم التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، الذي تضمنه واشنطن منذ التسعينيات. وينقل الموقع عن الغانم أن تجاوز هذا الخط مشروط بضمانات سعودية تتعلق بحماية التكنولوجيا من الوصول إلى الصين، وقبول مستوى عالٍ من الاندماج العملياتي مع الولايات المتحدة، وإطار إقليمي يضمن أن صعود القوة السعودية يهدف إلى تقييد إيران ووكلائها لا إلى تهديد إسرائيل. ويضيف ويدرسهوفن أن إسرائيل ستعارض الصفقة علنًا لكنها ستبحث سرًا عن سبل الاستفادة منها في سياقات إقليمية مرتبطة بغزة ولبنان وسوريا.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يغادر البيت الأبيض بعد لقائه بالرئيس دونالد ترامب، الثلاثاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، في واشنطن. Alex Brandon/Copyright 2025 The AP. All rights reserved عوائق عديدة أمام إتمام الصفقة

ينقل التحليل عن جاستن ألكسندر وجود عائقين تاريخيين أمام بيع "F-35" لدول المنطقة: الحفاظ على التفوق الإسرائيلي، والمخاوف من التجسس الصيني. ويشير إلى أن صفقة الإمارات، التي وُقّعت في الأيام الأخيرة من إدارة ترامب الأولى، تم تعليقها لاحقًا بسبب هذه المخاوف، ويرى أن السعودية قد تواجه المسار نفسه. لكنه يشير أيضًا إلى أن تقدم الولايات المتحدة نحو مقاتلة الجيل السادس "F-47" قد يمنح إسرائيل تفوقًا كافيًا يسمح بتمرير صفقة "F-35" للرياض.

الملف النووي: طموح سعودي تحت رقابة دولية

يشدد التحليل على أن التعاون النووي المدني يمثل ركيزة ثانية في المحادثات. ويرى الغانم أن السعودية بحاجة إلى مزيج طاقة يتوافق مع طموحاتها الصناعية، وأن الطاقة النووية ضمن رقابة صارمة تشكل خيارًا منطقيًا.

ويشير إلى أن الرياض تتجه نحو نموذج شفاف قائم على التعاون مع واشنطن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مسار مغاير للتجربة الإيرانية السرّية أو النموذج الإسرائيلي غير المعلن. ويرى ويدرسهوفن أن المخاطر تبقى محدودة طالما بقيت واشنطن منخرطة بشكل مباشر.

بين سردية "سباق التسلّح" والواقع

يستعرض التحليل رأي ألكسندر الذي يشكك في وجود سباق تسلّح فعلي في المنطقة، معتبرًا أن الكثير من المشتريات الخليجية تحمل بعدًا رمزيًا أكثر من ارتباطها بصراع وشيك، مشيرًا إلى تراجع الإنفاق العسكري السعودي في 2024 و2025. لكن الغانم يرى أن الزيادات الأخيرة موجهة لسد فجوات تراكمت لسنوات، وأن السعودية تبني منظومة ردع تشمل القوة الجوية الحديثة، والدفاعات الصاروخية، والبنية السيبرانية، وربط هذه القدرات بالشبكات الخليجية والإقليمية.

التطبيع.. بند ملازم لجميع المحادثات

يرى الغانم أن التطبيع لا يمكن أن يكون "جائزة" لإسرائيل أو ثمنًا لصفقة أسلحة، بل مسارًا مشروطًا بثلاث ركائز: طريق واضح نحو دولة فلسطينية قابلة للحياة، وترتيبات أمنية تحافظ على البيئة الإقليمية، واستراتيجية لإعادة إعمار غزة والضفة تعتمد على مؤسسات دولة فاعلة. ويشير ألكسندر إلى أن السعودية ثابتة في موقفها، وأن التطبيع غير ممكن في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية.

أي نموذج للشرق الأوسط؟

يخلص تحليل "The Media Line" إلى أن الولايات المتحدة تقف أمام خيار استراتيجي بين نموذج يقوم على الهيمنة الدائمة ومنطق الأزمات، ونموذج بديل يعتمد على الاستقرار المشترك، تكون السعودية فيه دولة مركزية. ويرى الغانم أن نجاح أي اتفاق مرتبط بترسيخه داخل المؤسسات الأميركية وبوجود آليات تنفيذ واضحة.

ويؤكد أن الشرق الأوسط يدخل فصلًا جديدًا تضع السعودية في مركزه، وأن الملفات المرتبطة بـF-35 والتعاون النووي والتطبيع ستحدد شكل النظام الإقليمي لسنوات طويلة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل أوكرانيا دونالد ترامب غزة ثلوج جنوب أفريقيا إسرائيل أوكرانيا دونالد ترامب غزة ثلوج جنوب أفريقيا إيران السعودية الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل إسرائيل أوكرانيا دونالد ترامب غزة ثلوج جنوب أفريقيا إيران روسيا فرنسا الذكاء الاصطناعي جمهورية السودان متحف الولایات المتحدة العهد السعودی محمد بن سلمان الشرق الأوسط أن السعودیة السعودیة فی فی واشنطن إلى أن

إقرأ أيضاً:

فورين بوليسي: الاتفاق الأمني بين السعودية وأمريكا يُهدّد واشنطن بصراعات جديدة

يمانيون |
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرًا تحليليًا سلّط الضوء على الاتفاق الأمني العسكري المرتقب بين الولايات المتحدة والسعودية، معتبرةً أن هذه الخطوة تمثل أكبر مقامرة استراتيجية في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.

التقرير يوضح أن الاتفاق لا يساهم في تعزيز مصالح المواطنين الأمريكيين بقدر ما يعزز نفوذ الشركات الأمريكية الكبرى، مشيرًا إلى أن هذه الصفقة قد تضع واشنطن في موقف يعرضها لصراعات غير مرغوب فيها.

ويلفت التقرير الانتباه إلى أن عودة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة تُعدّ تحولًا سياسيًا هامًا، حيث كان يُنظر إليه كـ”منبوذ” بعد جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.

إلا أن بن سلمان عاد اليوم إلى واشنطن وهو يحمل وعودًا باستثمارات سعودية ضخمة تصل إلى 600 مليار دولار في مختلف القطاعات الأمريكية، مقابل ضمانات أمنية أمريكية.

وفي حديثه عن الأزمة التي تسببت في عزلة بن سلمان، يشير التقرير إلى انسحاب المسؤولين الأمريكيين من مؤتمرات الرياض، وفرض إدارة ترامب عقوبات على 17 شخصًا متورطين في الجريمة، إلى جانب تعهدات الرئيس جو بايدن في حملته الانتخابية بوقف بيع الأسلحة للسعودية.

ومع ذلك، عاد بايدن ليعزز العلاقة مع الرياض في 2022 بسبب أهمية المملكة كأكبر مستورد للأسلحة الأمريكية ولحسابات النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج.

ويعتبر التقرير أن التحالف الأمريكي-السعودي قد استعاد زخمًا مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، حيث اتسمت العلاقات مجددًا بصيغة “حماية عسكرية مقابل التزامات مالية واستثمارية ضخمة”.

لكن التقرير يبرز الجانب المظلم في هذا التحالف، مشيرًا إلى أن النظام السعودي يظل استبداديًا، مع غياب المشاركة السياسية الحقيقية، وتسجيل 322 عملية إعدام في 2025، معظمها لأجانب.

ويؤكد التقرير أن الشركات الأمريكية هي المستفيد الأكبر من الصفقة، في حين يتحمل الشعب الأمريكي التكلفة العسكرية والدبلوماسية لهذه الاتفاقية.

كما تحذر “فورين بوليسي” من أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في صراعات جديدة لا مصلحة لها فيها، ما يزيد من تعقيد موقفها العسكري والدبلوماسي في الشرق الأوسط.

وفي ختام التقرير، تشير المجلة إلى أن هذا الاتفاق الأمني قد لا يعزز الاستقرار في المنطقة كما يُروج له، بل قد يقود إلى تعميق التوترات ويدفع الولايات المتحدة إلى مواجهة صراعات غير مرغوبة.

مقالات مشابهة

  • هآرتس: إسرائيل غير قادرة على المنافسة في الشرق الأوسط الجديد لترامب
  • أقوى الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط في العام 2025 (إنفوغراف)
  • قوى الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط في العام 2025 (إنفوغراف)
  • عمرو أديب: اللي عمله ولي العهد السعودي في 48 ساعة بواشنطن هيبان أثره على السعودية في 48 سنة
  • فورين بوليسي: الاتفاق الأمني بين السعودية وأمريكا يُهدّد واشنطن بصراعات جديدة
  • الاحتلال يتوقع من الولايات المتحدة الحفاظ على تفوقه العسكري بالشرق الأوسط
  • تريليون دولار تعتزم السعودية استثمارها في أميركا فما أبرز القطاعات؟
  • ولي العهد السعودي يتطلع لتطوير مسار الاستثمار مع واشنطن .. وترامب: نعمل لجعل تحالفنا أكثر قوة
  • هند الضاوي: الاتفاقيات بين واشنطن والرياض تعزز خطط التنمية السعودية