الأثر المالي لمشروعات التعدين سيظهر تدريجيًا خلال السنوات القليلة القادمة

◄ زيادة حجم الاستثمارات مدفوعة بثقة المستثمرين في بيئة الأعمال العمانية

◄ العمل على تعزيز التصنيع والمعالجة محليا بدلا من تصدير المواد الخام

المعادن الصناعية في عمان تشكل موارد استراتيجية للأسواق الإقليمية والدولية

◄ قطاع التعدين يشكل أحد أعمدة التنويع الاقتصادي في رؤية "عُمان 2040"

◄ التمهيد لإطلاق مشاريع تعدينية واعدة تعزز القيمة المضافة وتفتح مجالات التصنيع المحلي

 

الرؤية- سارة العبرية

أكد المهندس سعود بن خميس المحروقي مدير عام المعادن في وزارة الطاقة والمعادن، أن قطاع التعدين في سلطنة عمان يشهد حراكًا نوعيًا غير مسبوق؛ إذ جرى منح 24 منطقة امتياز تعديني تعمل فيها شركات محلية ودولية على تنفيذ المسوحات الجيولوجية والدراسات الجيوفيزيائية والتحاليل المخبرية لتحديد الجدوى الاقتصادية الدقيقة لكل موقع.

وقال المحروقي- في حوار خاص لـ"الرؤية"- إن هذه العمليات تشكل الأساس العلمي الذي تُبنى عليه دورة التعدين الحديثة، وهي مرحلة ضرورية قبل الانتقال إلى الاستخراج والمعالجة، مشيرًا إلى أن هذا التوجه يُعد استثمارًا طويل الأمد في البيانات الموثوقة والاستدامة، ما يجعل المشاريع القادمة أقل مخاطرة وأكثر مردودًا. ولفت إلى أن الأثر المالي الكبير لمشروعات التعدين سيبدأ في الظهور تدريجيًا خلال السنوات القليلة المقبلة، مع بدء الإنتاج التجاري في مشروعي النحاس مثل الواشحي والغيزين ومشاريع إنتاج خامات المنجنيز والكروم واللاتريت والبوتاش والمشاريع الصناعية المرتبطة بها، والتي ستسهم في رفع القيمة المضافة للقطاع ومضاعفة مساهمته في الناتج المحلي خلال المدى المتوسط. وأضاف أنه على الرغم من أن مساهمة أنشطة التعدين واستغلال المحاجر في الناتج المحلي الإجمالي لا تزال عند حدود 0.6%، إلا أن هذه النسبة لا تُعبّر بدقة عن الصورة الكاملة لأنها تُمثل إنتاج الخام قبل عمليات المعالجة والتصنيع.


 

ويبيّن المحروقي أن المرحلة الحالية تتميز ببناء منظومة متكاملة تشمل التشريع والبيئة التنظيمية والاستثمارية؛ إذ تُظهر الأرقام زيادة مطردة في حجم الاستثمارات، مدفوعة بثقة المستثمرين في البيئة التشريعية واستقرار السياسات، مشيرًا إلى أن قانون الثروة المعدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (19/2019) أسس إطارًا حديثًا لإدارة الثروات المعدنية، في وقت تمثل فيه الموانئ الرئيسية في صحار والدُقم وصلالة نقاط قوة مهمة في سلسلة الإمداد، وسط توقعات بتحول التركيز من تصدير المواد الخام إلى التصنيع والمعالجة محليًا، بما يعزز القيمة الاقتصادية والصناعات الوطنية المرتبطة بالمعادن.

وذكر مدير عام المعادن في وزارة الطاقة والمعادن أن القطاع ينتقل اليوم من مرحلة "الاستكشاف" إلى مرحلة "التمكين الاقتصادي"، مع بناء سلسلة إمداد معدنية متكاملة تبدأ من المسح الجيولوجي وتنتهي عند التصدير عبر الموانئ، موضحا أن القطاع لم يبلغ بعد ذروة إمكاناته لكنه يسير بثبات نحوها، مدعومًا بإرادة سياسية واضحة ورؤية اقتصادية بعيدة المدى.

وقال المحروقي إن سلطنة عُمان تمتلك تنوعًا جيولوجيًا فريدًا يجعلها من الدول القليلة التي تمتلك سلسلة واسعة من الخامات ذات الجدوى التجارية، ومن أبرزها النحاس؛ إذ شهد العام 2024 عودة قوية للإنتاج بعد انقطاع دام 12 عامًا، مع تطوير مناجم جديدة في المضيبي والخابورة وصحار، إضافة إلى العمل على تطوير منجم ينقل عبر شركة مزون للتعدين، وصولًا إلى تصدير أول شحنة من مركزات النحاس في مايو 2024.

ولفت إلى استمرار العمل على تطوير صناعات تحويلية لإنتاج الفيروكروم، مبينا أن المعادن الصناعية مثل الجبس والحجر الجيري والسيليكا والدولوميت والملح الصناعي والجابرو وغيرها تشكل موارد استراتيجية للأسواق الإقليمية والدولية.

وتابع المهندس سعود المحروقي قائلًا إن قطاع التعدين يشكل أحد أعمدة التنويع الاقتصادي في رؤية "عُمان 2040" بعد أن أصبح رافدًا للصناعات الوطنية، خاصة النحاس المستخدم في تقنيات الطاقة النظيفة، والكروم في الصناعات المعدنية، والجبس والحجر الجيري في مواد البناء والكيماويات، مضيفا أن سياسة وزارة الطاقة والمعادن ستمهد لإطلاق مشاريع تعدينية واعدة تُعزز القيمة المضافة وتفتح مجالات جديدة للتصنيع المحلي، مع تكامل الجهود التشريعية واللوجستية التي تجعل عُمان حلقة محورية في سلاسل إمداد المعادن الإقليمية.

وأشار المحروقي إلى أن دخول مشاريع المعالجة والتسويق حيز التنفيذ سيقود مرحلة نمو فعلي تنعكس على الناتج المحلي وفرص التوظيف، مؤكدًا أن التعدين أصبح قصة تحول اقتصادي متكامل يدعم تقليل الاعتماد على النفط.

وأوضح المحروقي أن "الطاقة والمعادن" تعمل بالتعاون مع وزارة العمل على تنفيذ استراتيجية متكاملة لتعمين الوظائف في قطاع التعدين، تشمل تحديد نسب تعمين مستهدفة، وإطلاق برامج تدريبية متخصصة، وإحلال الكفاءات الوطنية تدريجيًا في الوظائف الفنية والإدارية، مضيفا أن المشاريع الكبرى مثل الواشحي والغيزين ستوفر مئات الوظائف المباشرة، إضافة إلى فرص غير مباشرة في الخدمات والمناولة والنقل، كما أن هناك استراتيجية لتعزيز التعمين تشمل وظائف جديدة أو الإحلال في الوظائف التي يمكن شغلها بعمانيين، خاصة الوظائف الفنية.

وتحدث المحروقي عن التحديات التي تواجه المستثمرين، وعلى رأسها تعدد الجهات وتأخر الردود على طلبات الموافقات التعدينية، إضافة إلى عدم التناغم بين بعض الجهات الحكومية في الاشتراطات والمعايير، ما يسبب تأخرًا في إصدار التصاريح والمزايدات، كما السلطنة تحديات مرتبطة بتوفر البنية الأساسية المصاحبة لعمليات التعدين في بعض مناطق التحجير البعيدة أو ذات التضاريس الصعبة، ما يتطلب استثمارات إضافية في الطرق وخدمات النقل والطاقة والمياه.

وبيّن أن هذه التحديات بدأت بالتراجع بفضل الإصلاحات الإدارية عبر المنصة الوطنية الموحدة للتعدين "منصة طاقة"، التي تهدف إلى تسريع دورة الترخيص وتوحيد الإجراءات، لافتا إلى أن تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص يمثل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية؛ إذ تسعى وزارة الطاقة والمعادن إلى فتح مجالات أكبر للمستثمرين المحليين والعالميين لتطوير مشاريع كبرى تحقق القيمة المضافة.

وأشار المحروقي إلى أن الوزارة تتعامل مع تذبذب أسعار المعادن بسياسة متوازنة تجمع بين التحوط الاقتصادي والتخطيط طويل الأمد؛ إذ0 تم تفعيل قرار إنشاء شركة وطنية لتسويق المعادن لتوحيد قنوات التسويق وتحديد أسعار عادلة ومستقرة، ما يعزز ثقة المستثمرين ويقلل أثر التقلبات السوقية إلى فرص لتعظيم العائد الوطني.

وحول نظرته عن الإجراءات لتقليل الأثر البيئي لعمليات التعدين وضمان استدامة الموارد المعدنية للأجيال المُقبلة، أكد المحروقي أن وزارة الطاقة والمعادن تولي البعد البيئي في قطاع التعدين أهمية قصوى، إدراكًا منها بأن استدامة الموارد هي الضمان الحقيقي لاستمرارية النمو الاقتصادي، وبالتنسيق مع الجهات المختصة في هذا الجانب يُلزم على الشركات بإجراء دراسات تقييم الأثر البيئي قبل بدء أي نشاط تعديني، مع مراقبة دورية تضمن التزامها بمعايير الصحة والسلامة البيئية وإعادة تأهيل المواقع بعد انتهاء التشغيل.

وتابع قائلًا: "تعمل الوزارة بالتعاون على العمل على دمج التقنيات الحديثة في عمليات التعدين، مثل أنظمة الرصد الفوري، هذه الإجراءات تواكب التحولات العالمية نحو التعدين المستدام، وتُسهم في الحفاظ على الصحة والبيئة في المواقع التي تحتضن الأنشطة التعدينية".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جامعة أسيوط تحقق طفرة في تصنيف "شنغهاي العالمي".. وتتصدر المركز الأول محليًا في هندسة التعدين

أعلن الدكتور أحمد المنشاوي، رئيس جامعة أسيوط، عن تحقيق الجامعة إنجازًا جديدًا على مستوى التصنيفات الدولية، وذلك بظهور وتواجد الجامعة ضمن تصنيف شنغهاي الدولي للتخصصات العلمية لعام 2025 في 7 مجالات علمية متميزة، إلى جانب حصولها على المركز الأول مصريًا في مجال هندسة التعدين.

وأوضح التقرير الصادر حول التصنيف أن جامعة أسيوط جاءت ضمن الفئة من 200- 300 عالميًا في كل من هندسة التعدين والعلوم البيطرية، كما حققت الفئة من 300- 400 عالميًا في تخصصات علوم الرياضيات، وعلوم وتكنولوجيا الغذاء، والعلوم الصيدلانية، والعلوم الزراعية. كما جاءت الجامعة ضمن الفئة 400- 500 عالميًا في تخصص الهندسة الكيميائية.

وأشاد الدكتور أحمد المنشاوي بما حققته جامعة أسيوط من تقدم ملحوظ على مستوى التصنيفات الدولية، مؤكدًا أن هذا الإنجاز يعكس جودة التعليم والبحث العلمي، ويعزز من مكانة الجامعة بين المؤسسات الأكاديمية الرائدة عالميًا. وأضاف أن تقدم الجامعة جاء ثمرة لجهود كبيرة بذلها أعضاء هيئة التدريس والباحثون والطلاب، مؤكدًا على استمرار الجامعة في تطوير برامجها البحثية والتعليمية ودعم الابتكار والإبداع بما يسهم في خدمة المجتمع وتنمية الوطن.

وفي السياق نفسه، أوضح الدكتور جمال بدر، نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، أن ظهور جامعة أسيوط في هذا العدد من التخصصات العالمية يعكس قوة منظومتها البحثية، واهتمام الجامعة المستمر بتحسين جودة النشر العلمي وزيادة التعاون الدولي، إلى جانب تطوير البنية التحتية الداعمة للبحث العلمي.

كما أشار الدكتور عمر ممدوح شعبان، مدير مكتب التصنيف الأكاديمي الدولي بالجامعة، إلى أن تصنيف شنغهاي يعتمد على عدد من المعايير الدقيقة، من أبرزها: نسبة العلماء ذوي الاستشهادات العالية (20%)، وعدد الأبحاث المدرجة في قواعد بيانات Clarivate (20%)، وعدد الأبحاث المنشورة في مجلتي Nature وScience (20%)، إلى جانب مؤشر التوازن بين أعضاء هيئة التدريس في مختلف قطاعات العلوم (10%). مشيرًا إلى أن استمرار الجامعة في هذا المسار يعزز من فرص تقدمها في النسخ المقبلة من التصنيف.

وتؤكد هذه النتائج على أن جامعة أسيوط ماضية في تنفيذ استراتيجيتها نحو تعزيز حضورها في مختلف التصنيفات العالمية، من خلال دعم الباحثين، وتوسيع الشراكات الدولية، وتوفير بيئة علمية متطورة تواكب المعايير الأكاديمية العالمية.

مقالات مشابهة

  • اجتماع ليبي مغربي لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري في الرباط
  • حكومة الوحدة تبحث التعاون الاقتصادي والإصلاح المالي مع وزارة الخزانة الأمريكية في واشنطن
  • في أكثر من 14 محافظة.. وزارة العمل تعلن عن عدد ضخم من الوظائف
  • الزيارة الناجحة التي شغلت العالم بنتائجها المبهرة : شراكة استراتيجية بملامح المستقبل... دلالات نتائج زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن
  • الخريسات يبحث مع بنك الإعمار الألماني تقدم مشروع “الوظائف الخضراء”
  • تدشين مشاريع التمكين الاقتصادي لـ 150 أسرة في قفلة عذر بعمران
  • قطاع الطاقة والمعادن يرسّخ دوره في الاقتصاد العماني
  • جامعة أسيوط تحقق طفرة في تصنيف "شنغهاي العالمي".. وتتصدر المركز الأول محليًا في هندسة التعدين
  • الإمارات وألمانيا تنظّمان منتدى لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة