في مطار طنجة بوخالف، كانت هناك سيارة تنتظرنا وكان يفصل المطار عن المدينة عشرة كلمترات. كان مدخل المدينة، التي لم أزرها منذ ثماني سنوات، أي منذ 1972، يشكل مشهدا يثير الأسى. لم يكن هناك أي مؤشر أو مظهر يدل على عظمة هذه المدينة العريقة، وعلى الحقبة التي كانت خلالها طنجة مدينة دولية. الطريق المؤدية إلى المدينة ضيقة وخطيرة.

على اليمين، يوجد حي “بني مكادة” الذي لم يكن يحمل ولو ملمحا واحدا من ملامح الترحيب أو الضيافة، وكأنه كان يقول للزائرين: “ارحلوا من هنا. لا يوجد هنا شيء يستحق المشاهدة !”. وعلى اليسار، لم يكن هناك أي شيء باستثناء بعض البنايات المتفرقة المشوهة التي كانت تزيد في تشويه النظام المعماري الملفق الذي تغيب عنه أية لمسة فنية أو جمالية. في وسط المدينة، قرب ساحة الأمم المتحدة، كان المشهد مختلفا. كانت ثمة عمارات قديمة بهندسة مزخرفة، وبجوارها أخرى معاصرة ليس لها أية شخصية أو حضور واضح. لم تكن الهندسة المعمارية على نفس الشاكلة، لكن لم يكن هناك تنافر بينها.


كان صديقي “شرف” يسكن في منزل كبير في عمارة في المدينة. مع مرور السنوات، أصبحت واجهة العمارة تحمل لون الأرض، وصار يشع منها نضج كبير. كان مصعدها الضيق ببابه الأسود وسياجه وصريره، يكشف عن آثار السنين التي فعلت فعلها فيه. كانت مفاصله العليلة قد تركت فيه آثارا واضحة. من خلال الأدرج المبنية بالرخام البارد، كانت تنبعث، بشكل مفارق، حرارة كبيرة. في الطابق الأول، كان باب المنزل مفتوحا على مصراعيه ويقف أمامه “لحسن” وقفة عسكري متأهب، بلباس تقليدي، عبارة عن سروال وصدرية مطرزة وطربوش أحمر. رحب بنا “لحسن”، فشكره “شرف” بواسطة صفعة ودية مصحوبة بكلام غير واضح فيه نوع من الشتائم.
(….)
كان “جليل” قد بدأ العمل منذ فترة قصيرة صحفيا في إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية (في الصورة المقر القديم لإذاعة “ميدي1” داخل فيلا كانت تقع وسط المدينة)، وهي إذاعة جديدة تأسست بشراكة بين المغرب وفرنسا. وكانت هي الإذاعة الأولى ليس فقط في المغرب بل في المغرب الكبير بكامله وفي مناطق أخرى. وهي إذاعة ناطقة بلغتين، بحيث كان المنشط يعلن عن الساعة باللغة الفرنسية ثم تليها أغنية باللغة العربية. كانت الموسيقى على مستوى عال، والأخبار يتم بثها بإيقاع سريع ونشيط يجعلها ممتعة للاستماع. وعلى مستوى الشكل، كانت الإذاعة تشكل قطيعة تامة مع الروتين ومع لغة الخشب التي تميز الإذاعات بالمغرب العربي. كان الصحفيون والمنشطون يبتسمون بل يضحكون على الهواء مباشرة ! وهو ما كان يشكل ثورة حقيقية.
بعد “جليل”، التحق بنا في المنزل “السامري” الذي قيل لي إنه هو اليد اليمنى للمدير العام للإذاعة. ثم التحق بنا “بيير ماري بيرنو” وهو صحفي مشهور وصاحب أجمل صوت في الإذاعة. وكان مرفوقا بـ”جون لوي دومار” الذي بدا لي رجلا طيبا جدا. ثم دخل “المهدي” دخولا مثيرا للانتباه. وكان يتكلم بجرأة كبيرة، ولا يترك أية فرصة ليشاكس زملاءه الفرنسيين وخاصة “جون لوي دومار” بأسلوب فيه الكثير من روح الدعابة. كان “المهدي” إنسانا طريفا يحب الهزل. ثم كانت النساء آخر من انضم إلينا. كانت من بينهن “إيزابيل” الملقبة بـ”مادام شوبير” لأنها مكلفة ببرمجة الموسيقي الكلاسيكية في الإذاعة، وكانت برفقتها فتيات كثيرات. فيهن السمراء والشقراء، والشقراء المزيفة، فيهن الصغيرة والطويلة، النحيفة والثخينة. بحيث كن تناسبن مختلف الأذواق. ولم تكن جميعهن تشتغلن في تلك الإذاعة.

 

تنويه:

تقدم جريدة “اليوم 24” مقتطفات من ترجمة كتاب “طنجة – حبيبتي” للصحفي المغربي الكبير الراحل عمر سليم. الكتاب الذي سبق أن صدر بالفرنسية في 2006 هي سيرة ذاتية روائية كما كان يحلو للراحل تسميتها. ويمكن اعتبارها بمثابة رسالة حب وعشق كبيرين إلى طنجة التي عاش فيها لمدة طويلة قادما من باريس، وإلى مهنة الصحافة و”للكلمة الجميلة والمناسبة” le bon mot في اللغة الفرنسية التي عشقها حتى النخاع. (ترجمة محمد مستعد)

كلمات دلالية سيرة طنجة حبيبتي عمر سليم ميدي1

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: سيرة طنجة حبيبتي عمر سليم لم یکن

إقرأ أيضاً:

اتحاد طنجة يتقدم بشكوى رسمية ضد الزمالك بسبب عبد الحميد معالي

أكد عصام الطالبي، نائب رئيس نادي اتحاد طنجة والمتحدث الرسمي، أن النادي المغربي تقدم بشكوى رسمية ضد نادي الزمالك على خلفية أزمة اللاعب عبد الحميد معالي.

وأوضح الطالبي في مداخلة مع الإعلامية سهام صالح ببرنامج الكلاسيكو على قناة أون، أن أبواب اتحاد طنجة ما تزال مفتوحة أمام اللاعب كونه أحد أبناء النادي، إلا أن الإدارة لم تتواصل معه بعد احترامًا للعقود والقوانين.

وأضاف: "معالي لم يحصل على مستحقاته من 4 شهور، لكنه معنوياته مرتفعة، وليس سيئًا، وما زال هناك عقد قانوني لأن فسخ العقد كان من طرف واحد".

وأشار الطالبي إلى أن اتحاد طنجة لم يتلقَّ أي مستحقات من الزمالك منذ شهر أغسطس الماضي، مضيفًا: "قدمنا شكوى، لكن لا أستطيع الإعلان عن التفاصيل المالية لأن الأمر رسمي وأنا مسؤول".

واختتم المتحدث الرسمي حديثه قائلاً: "نتمنى أن يتم حل الأمور وديًا، لكننا بالفعل تقدمنا بشكوى ضد الزمالك".

مقالات مشابهة

  • مغامرة عُمان تنتهي.. تأهل المغرب والسعودية من مجموعة الموت بكأس العرب
  • عبد الحميد معالي يغادر إلى المغرب بعد فشل تسوية مستحقاته مع الزمالك
  • غيدي المدينة الكينية التي خبّأتها الغابة ونسِيَها الزمن
  • اتحاد طنجة يتقدم بشكوى رسمية ضد الزمالك بسبب عبد الحميد معالي
  • آلاف المغاربة يتظاهرون في طنجة دعمًا لغزة
  • سقوط فتاة في حفرة بشارع الإذاعة والتلفزيون في عمان 
  • إذاعتا صنعاء وسام إف إم تنالان درع طوفان الأقصى من الجهاد الإسلامي
  • “الجهاد الإسلامي” تُكرم إذاعتي صنعاء – البرنامج العام وسام إف إم بدرعي “طوفان الأقصى”
  • تولى منصب الإفتاء بقرار جمهوري.. سيرة فضيلة الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل
  • خالد سليم يزور مستشفى الناس ويدعم الأطفال في أجواء من البهجة والإنسانية (صور)