كارثة "لحوم الوقيع" تهدد صحة المواطنين في كفر الشيخ

تظل مكافحة تجارة اللحوم النافقة معركة مستمرة تتطلب يقظة دائمة من الأجهزة الرقابية البيطرية والتموينية، ودوراً لا يقل أهمية للمستهلك في الوعي بمخاطر الشراء من مصادر مجهولة أو لحوم بأسعار مغرية بشكل غير منطقي . 

إن حماية المواطنين في كفر الشيخ، وغيرهم، تبدأ من ختم المجزر الرسمي الذي يمثل الضمانة الوحيدة لسلامة الغذاء والأمن الصحي العام .

على الرغم من الجهود الرقابية المكثفة التي تبذلها أجهزة محافظة كفر الشيخ لمكافحة الغش التجاري، تظل ظاهرة "تجار اللحوم النافقة" أو "تجار الوقيع" سيفاً مسلطاً على صحة المستهلكين، خصوصا في المناطق الأقل حظاً. 

يقوم "تجار الوقيع" أو "تجار الموت" بشراء الماشية التي نفقت أو التي شارفت على النفوق بأسعار رمزية جداً من أصحاب المزارع والمربين، لتجنب خسارتهم الكاملة، يتم نقل هذه الجثث خلسة إلى مناطق نائية أو عشوائية حيث تُذبح في ظروف غير صحية تماماً، وتُختم بأختام مزورة لإيهام المستهلكين بأنها لحوم صالحة ومفحوصة بيطرياً.

رأي طبي

للتعرف على خطورة تناول لحوم المواشي الميتة، التقينا الدكتور مصطفى شكري الأستاذ في كلية الطب البيطري جامعة كفرالشيخ، والذي أكد أن تناول لحوم الحيوانات النافقة ليس مجرد غش، بل هو كارثة صحية وبائية. 

بمجرد موت الحيوان، تسقط جميع آليات الدفاع والحصون المناعية، فتغزو الجراثيم والبكتيريا التي كانت محصورة داخل الأمعاء والمعدة جميع أنسجة اللحم وتسري في الدم المحتبس . 

هذه اللحوم تصبح بيئة خصبة لنمو سلالات بكتيرية خطيرة مثل السالمونيلا والإي كولاي، وقد تكون الحيوانات قد نفقت بسبب أمراض وبائية مثل الحمى المتموجة أو أمراض تسبب تليف الكبد أو الفشل الكلوي . 

تناولها يمكن أن يسبب للإنسان أمراضاً مزمنة وخطيرة تبدأ بالتسمم الغذائي الحاد، وقد تصل إلى الأمراض الوبائية المستوطنة، بل والوفاة في بعض الحالات، حيث أن بعض هذه السموم البكتيرية لا تتأثر بالطهي الكامل . 

المطاعم والبهارات القاتلة

وأوضحت رحمة عصام الشيح بجامعة كفرالشيخ بأن المطاعم ومحال الوجبات السريعة غير الملتزمة، هدفاً رئيسياً لـ "تجار الوقيع"، حيث يتم تمرير هذه اللحوم بكميات كبيرة وبأسعار أقل بكثير من أسعار المجازر الرسمية، يقوم هؤلاء التجار بفرم اللحوم النافقة، أو بيعها على هيئة مكعبات صغيرة أو متبلة سلفاً، لدمجها في منتجات يصعب فيها الكشف عن جودة اللحم الأصلي .

و أشارت رحمة إلى أن المطاعم تعتمد حيلة على استخدام كميات مفرطة من البهارات والتوابل القوية، مثل الفلفل الأسود الحار، والكمون، وخلطات الثوم والبصل المركز، في صناعة أطباق مثل الكفتة، أو الحواوشي، أو الشاورما، أو البرجر . 

وأكدت رحمة عصام الشيح أن هذه البهارات لا تعمل فقط على إخفاء أي رائحة كريهة أو زنخة قد تصدر عن اللحم الفاسد، بل تقوم أيضاً بإخفاء التغيرات اللونية التي تطرأ على اللحم نتيجة الفساد وتكوُّن البكتيريا، مما يضلل المستهلك تماماً ويجعله يتناول وجبة مليئة بالسموم دون إدراك، وتجد هذه اللحوم طريقها كذلك إلى مصانع منتجات اللحوم المجهولة التي تعتمد على خلطها بالدهون ومكسبات الطعم واللون لإعادة تدويرها .

قلق متزايد ومطالب بالردع

في جولة سريعة بين أسواق مدينة كفر الشيخ، عبر المواطنون عن قلقهم الشديد من هذه الظاهرة التي تستغل ظروفهم الاقتصادية .

قال أحمد السيد موظف نحن نعتمد على الرقابة الحكومية، لكن نسمع دائماً عن ضبطيات في الحامول أو دسوق.. هذا يجعلنا نشك في كل قطعة لحم نشتريها، على المحافظة أن تكشف بالأسماء عن هؤلاء التجار حتى نبتعد عن محلاتهم .

وأضافت أم محمد ربة منزل بعض اللحوم تُباع بأسعار أقل بكثير من السعر الرسمي، وعندما نسأل الجزار يقول إنها عروض، لكن بعد سماع أخبار اللحوم النافقة، أصبحت أخاف وأفضل الشراء من منافذ الحكومة أو المجازر المعروفة، حتى لو كان السعر أغلى قليلاً . 

وطالب علي العجمي صاحب محل بقالة  بتشديد العقوبات لا يكفي تحرير محضر وغرامة، يجب أن تكون العقوبة بالسجن لسنوات طويلة مع مصادرة المحل لمن يتاجر بصحة الناس، الغرامة يدفعها التاجر من أرباح يوم واحد ويعود لجريمته .

الطب البيطري : خط الدفاع الأول 

تعتبر مديريات الطب البيطري بمحافظة كفر الشيخ، بالتعاون مع مباحث التموين، هي خط الدفاع الأول والأهم لمواجهة هذه الظاهرة،ويتركز دور الطب البيطري في عدة محاور حاسمة أهمها الفحص الدقيق في المجازر و يتمثل الدور الوقائي الأهم في الإشراف الكامل على المجازر الحكومية. 

يقوم الأطباء البيطريون بفحص الحيوان قبل الذبح "الكشف الظاهري" للتأكد من خلوه من أي أعراض مرضية أو حمى، وفحصه بعد الذبح "الكشف الباطني" للتأكد من سلامة الأعضاء الداخلية مثل الكبد والكلى والرئتين والطحال والغدد الليمفاوية وخلوها من أي حويصلات طفيلية أو درن أو أمراض مشتركة قد تنتقل للإنسان .

يعمل الأطباء البيطريون على توعية المربين بخطورة بيع المواشي النافقة، وتوعية الجزارين بضرورة الالتزام بالذبح داخل المجازر الرسمية التي تقدم خدمة الذبح بأسعار زهيدة جداً لضمان سلامة المنتج وختمه بالختم الحكومي الموثوق .

الرقابة الميدانية 

تقوم المديريات المختصة بتسيير حملات تفتيشية مستمرة ومفاجئة على محلات الجزارة والأسواق، وفي الطرق النائية للكشف عن عمليات الذبح غير المرخصة.

 

المصدر: بوابة الوفد