سواكن.. مدينة الحجر المرجاني وبوابة السودان إلى الحجاز واليمن
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
سواكن مدينة ساحلية في شمال شرق السودان، وهي من أقدم الموانئ التاريخية على البحر الأحمر، وارتبطت منذ العصور القديمة بحركة التجارة بين وادي النيل وبلاد بونت والحجاز واليمن. ازدهرت مكانتها في العصور المملوكية والعثمانية بوصفها ميناء رئيسيا ومحطة للحجاج، فترك ذلك إرثا معماريا فريدا شُيّد أغلبه من الحجر المرجاني.
تقع مدينة سواكن في شمال شرق السودان على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وتبعد عن مدينة بورتسودان مسافة 54 كيلومترا وعن العاصمة الخرطوم نحو 642 كيلومترا غربا. وتضم المنطقة جزيرتين مرجانيتين دائريتين في حوضها الضحل، إحداهما مهجورة تماما، بينما تشكل الأخرى -وهي جزيرة سواكن– مركز المدينة التاريخية المتصل بالبر عبر جسر صناعي.
ويغلب على سواكن مناخ حار وجاف عموما، مع تقلبات موسمية، إذ تتراوح درجات الحرارة بين 26 درجة مئوية في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، وتبلغ ذروتها في يوليو/تموز بنحو 42 درجة. كما تهطل الأمطار في أشهر عدة من العام، ويُعد نوفمبر/تشرين الثاني أكثرها مطرا.
سواكن في اللغة العربية لفظ قريب من السكنى بمعنى الإقامة، ويقال: سكن يسكن فهو ساكن، وسواكن جمع ساكن، كما يُحتمل أن تعني الهدوء والسكينة.
واختلفت الروايات في أصل التسمية، ومن أبرزها ما ذكره الكاتب المصري الشاطر بصيلي، الذي ذهب إلى أن لفظ سواكن من أصل مصري قديم هو "شواخن" ويعني محطة-شوا. وشوا هو اسم مملكة إسلامية بالحبشة (1063-1279).
ووفق رأي بصيلي، فإن تحول كلمة شواخن إلى شواكن أو سواكن يعود إلى خلو لغات البجا من حرف الخاء الذي غالبا ما يُقلب كافا أو هاء في بعض لهجاتها.
وتوجد رواية أخرى ذات طابع أسطوري تقول إن اسم سواكن مشتق من لفظ "سجون" الذي حُرف بمرور الزمن إلى سواجن ثم سواكن. وتربط الرواية المكان بسجون يُقال إن الملك سليمان عليه السلام كان يودع فيها الجن والعصاة والمجرمين.
ويرى آخرون أن الاسم عربي الأصل ومشتق من كلمة "السوق"، ويستدلون على ذلك بوصول مهاجرين من شبه الجزيرة العربية إلى المنطقة واستقرارهم في الضفة المقابلة لموقع سواكن، حيث ازدهر النشاط التجاري هناك.
إعلانوتحول الاسم -وفق هذا الرأي- من سواقٍ أو أسواق إلى سواكن. ويدعم هؤلاء هذا الطرح بالاسم الذي يطلقه شعب البجا على سواكن وهو "أوسوك" ومعناه السوق في اللغة البجاوية.
ويشكل البجا السكان الأصليين للمنطقة، إلى جانب مجموعات عربية ومحلية أخرى. وقد استقطبت سواكن عبر تاريخها الطويل تجارا من اليمن والحجاز ومصر وشرق أفريقيا، مما أكسبها طابعا متعدد الثقافات.
التاريخوفقا لمصادر مختلفة، فإنه لا يُعرف تاريخ تأسيس مدينة سواكن بدقة، لكن شواهد أثرية تدل على أن المنطقة كانت مأهولة منذ القدم.
ويُعتقد أن قدماء المصريين، منذ عهد الأسرة الخامسة (حوالي 2494-2345 قبل الميلاد)، استخدموا سواكن محطة في طريقهم إلى بلاد بونت في شرق أفريقيا لجلب الذهب واللبان، كما ارتبط ذكرها بالنشاط البحري والتجاري لليونانيين والبطالسة في العصر البطلمي.
وفي القرن الثامن الميلادي، ورد اسم سواكن في مؤلفات الرحالة العرب وعلماء الجغرافيا، وكانت تمر بها أسر أموية هاربة إلى مصر بعد مقتل الخليفة مروان بن محمد (آخر خلفاء بني أمية في المشرق) سنة 750 ميلادية. كما ارتبطت المدينة بنقاط التبادل التجاري على ضفاف النيل، ومر بها الحجاج المسيحيون في طريقهم إلى بيت المقدس.
ومنذ بداية الهجرات العربية وحتى منتصف القرن الـ13، ظلت سواكن قرية صغيرة يعيش فيها البجا وجماعات محلية أخرى، مع نشاط بحري محدود.
ازدهرت سواكن في القرن الـ15 بعد تدمير ميناء عيذاب على الساحل الغربي للبحر الأحمر، في منطقة مثلث حلايب بين السودان ومصر، وذلك على يد السلطان المملوكي سيف الدين برسباي. ومع انهيار عيذاب، أصبحت سواكن الميناء الرئيسي على السواحل الأفريقية للبحر الأحمر، ومحطة عبور مهمة لحجاج بيت الله الحرام.
وفي القرن الـ16، خضعت سواكن للسيطرة العثمانية، وأصبحت مركزا إداريا لحكمهم على مدن الساحل السوداني. غير أن ازدهارها لم يدم طويلا، إذ شهدت المدينة تراجعا ملحوظا نتيجة تضييق الحركة التجارية وتزايد التهديدات الأوروبية في البحر الأحمر.
وفي القرن الـ17 أصبحت سواكن قاعدة عسكرية للحملة العثمانية على اليمن، ثم أُجِرت للوالي محمد علي باشا في القرن الـ19 مقابل جزية سنوية. وقد زاد عدد سكانها من البجا والعرب والتجار القادمين من مصر واليمن والهند وبلدان أخرى، لكنها تدهورت تدريجيا بعد استكمال السيطرة البريطانية والمصرية على السودان.
وفي نهاية القرن الـ19، استخدم البريطانيون المدينة مركزا لقواتهم، ثم شرعوا في بناء ميناء جديد في بورتسودان بداية القرن الـ20، ما أدى إلى نزوح السكان وفقدان سواكن أهميتها التجارية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المدينة شبه مهجورة، محتفظة بآثار حضارتها البحرية والتجارية القديمة.
تمتاز مدينة سواكن بتراث معماري فريد تشكل عبر قرون من النشاط التجاري والبحري، وتضم بقايا منازل وآثار من القرون الوسطى شُيدت بالحجر المرجاني وزُينت بالخشب المنقوش، مما يجعلها واحدة من أغنى المناطق الأثرية في شرق أفريقيا. ومن أبرز معالم سواكن:
إعلان جزيرة سواكن (المدينة الأثرية)المركز التاريخي للمدينة، وهي جزيرة مرجانية انهارت مبانيها وتحولت إلى أطلال تُجسد تاريخا بحريا ازدهر قرونا طويلة. بُنيت مبانيها بطراز معماري فريد يجمع بين التأثيرات التركية والمملوكية والبريطانية، ومعظمها مكون من طابقين أو ثلاثة، ومشيدة بالحجر المرجاني الأبيض ذي الشرفات الواسعة والنوافذ الكبيرة.
كانت الجزيرة ميناء طبيعيا بارزا، يتوغل فيه لسان بحري نحو الداخل ليتكون حوض محمي بطوق من الشعاب المرجانية. وقد زارها عدد من الرحالة والمؤرخين مثل ابن بطوطة وصمويل بيكر، وكذلك قادة وزعماء أبرزهم الخديوي عباس حلمي والجنرال البريطاني اللورد إدموند ألنبي.
وقد ارتبطت الجزيرة بأساطير محلية عديدة، أبرزها قصة "سوا-جن" التي تزعم أن الجن هم من شيدوا مبانيها العملاقة، إضافة إلى الحكايات الشعبية عن قطط سواكن ذات العيون اللامعة التي تضيء الليل، وهي أساطير أسهمت في تعزيز جاذبيتها السياحية.
وشهدت الجزيرة اهتماما كبيرا بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها في ديسمبر/كانون الأول 2017، إذ أعلن عزم بلاده دعم عملية ترميم المدينة الأثرية، وهو ما لاقى تأييدا من السلطات المحلية.
الجزر والشعاب المرجانيةتضم المدينة أيضا جزيرة الحجر الصحي الواقعة على بعد 5.8 كيلومترات من سواكن، وكانت تستخدم قديما مركزا للحجر الصحي للقادمين بحرا، إضافة إلى جزيرة الرمال التي تبعد حوالي 32 كيلومترا وتُعرف بشواطئها ومواقع الغوص القريبة منها.
وتمثل سواكن إحدى أغنى مناطق البحر الأحمر بالشعاب المرجانية، ومن أبرزها شعاب داموث والمدخل وقاض إيتود وبيرنس، وتجذب هواة الغوص لما تتميز به من جمال وتنوع بيولوجي.
الحصون والبوابات التاريخيةتقع معظم هذه المعالم في منطقة القيف، وتشمل بقايا سور المدينة وآثار الحقبتين العثمانية والبريطانية. ومن أهمها بوابة اللورد هربرت كتشنر -المعروفة ببوابة شرق السودان- إضافة إلى حصون مهاجر وأبو الهول وطوكر والسودان والأنصاري واليمني. وتمثل هذه الحصون شواهد على مراحل النفوذ المتعاقبة في المنطقة.
متحف هدابأكبر متحف في شرق السودان، وقد أسسه محمد نور هداب، أحد أعلام سواكن. يضم مقتنيات تاريخية تمثل عصورا مختلفة من تاريخ المدينة، تشمل قطع الأثاث والأزياء والصور والوثائق القديمة.
ويحتوي المتحف على مقتنيات تعود للأمير عثمان دقنة، أحد أبرز قادة الثورة المهدية في شرق السودان، من بينها الزي الذي كان يرتديه ووثائق من تلك الحقبة. كما يعرض نماذج من العمارة التقليدية وفنون سكان سواكن وشرق السودان.
آثار أخرىتشمل بقايا المباني القديمة في الجزيرة والساحل، وهي عمارة مميزة شُيدت من الحجر المرجاني وتعكس الازدهار الذي شهدته سواكن عبر التاريخ، ومن أبرزها:
قصر التاجر محمد علي الشناوي المبني بالنمط المصري. منزل خورشيد أفندي. مبنى الجمارك القديم. مبنى البنك الأهلي المصري. المسجد الشافعي.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات شرق السودان سواکن فی فی القرن فی شرق
إقرأ أيضاً:
وول ستريت جورنال: السودان يعرض على روسيا أول قاعدة بحرية لها في أفريقيا
كشفت مصادر سودانية لصحيفة وول ستريت جورنال أن الحكومة في الخرطوم عرضت على روسيا إقامة أول قاعدة بحرية لها في القارة الأفريقية على ساحل البحر الأحمر، في تطور جيوسياسي لافت قد يغير موازين القوى في واحد من أهم الممرات التجارية البحرية في العالم.
وبحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين سودانيين، فإن العرض يشمل منح موسكو موطئ قدم دائم على البحر الأحمر، ما يتيح لأسطولها إعادة التزود والتموين والإصلاح في موقع استراتيجي يطل على طرق تجارة أساسية تربط بين آسيا وأوروبا. وإذا تم الاتفاق، ستكون هذه القاعدة أول حضور بحري رسمي لروسيا في أفريقيا، ومن أبرز نقاط ارتكازها خارج المحيطات التقليدية لنفوذها.
مكسب استراتيجي لموسكو… وقلق أمريكي متزايدوترى دوائر غربية أن القاعدة البحرية المقترحة قد تمثل مكسبًا مهمًا لروسيا، التي تسعى منذ سنوات إلى تعزيز حضورها العسكري والاقتصادي في أفريقيا، لكنها واجهت منافسة شديدة من الصين وضغطًا متواصلًا من الولايات المتحدة.
أما واشنطن، فتنظر إلى التطور باعتباره «مقلقًا للغاية»، إذ تخشى من إمكانية استخدام روسيا لهذه القاعدة لتهديد حركة التجارة العالمية أو لعرقلة الوجود البحري الأميركي والغربي في البحر الأحمر، خاصة في ظل التوترات الراهنة في المنطقة وارتفاع أهمية الممر المائي كبديل لمسارات مهددة في البحر الأسود.
البحر الأحمر… ساحة تنافس عالميويمنح الموقع المحتمل للقاعدة روسيا نفوذًا مباشراً على واحد من أهم الشرايين البحرية في العالم، حيث تمر نسبة كبيرة من التجارة الدولية، إضافة إلى قربه من مضيق باب المندب شديد الحساسية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه الساحل الغربي للبحر الأحمر تنافسًا حادًا بين قوى عالمية عدة، بينها الولايات المتحدة والصين وتركيا، إلى جانب القوى الإقليمية.
ورغم أن السودان كان قد ناقش المشروع نفسه مع موسكو في السنوات الماضية، فإن الحرب الحالية والانقسامات الداخلية جعلته أكثر اعتمادًا على الدعم الخارجي، ما قد يفسر إعادة إحياء العرض الروسي.
وحتى الآن، لم تؤكد موسكو توقيع اتفاق نهائي، فيما تشير مصادر سودانية إلى أن المحادثات لا تزال جارية، وقد تتضمن حوافز اقتصادية وعسكرية تقدمها روسيا مقابل منحها الامتياز.
وفي حال إتمام الصفقة، فإنها ستشكل نقطة تحول جديدة في التوازنات البحرية الدولية، وستثير موجة من ردود الفعل الغربية، خصوصًا من واشنطن التي تسعى لمنع خصومها من إقامة موطئ قدم عسكري على الممرات البحرية الحيوية للقارة الأفريقية.