صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-28@09:42:12 GMT

كيف يخرج السودان من هذا النفق؟

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

كيف يخرج السودان من هذا النفق؟

كيف يخرج السودان من هذا النفق؟

عثمان ميرغني

أيام معدودة وتكمل حرب السودان شهرها الخامس، وما زلنا منشغلين في السجال الذي أوصل البلد إلى هذا الوضع البائس. كل طرف يرمي بالمسؤولية على الآخر، والكل غارق حتى اللحظة في سجال مَن أطلق الرصاصة الأولى، والانقسامات ولغة الإقصاء تستفحل بينما معاناة السودانيين تشتد.

لا أحد من الأطراف المتصارعة يريد أن يعترف بأن الكل يتحمل المسؤولية في إشعال هذه الحرب وأسهم في الظروف التي قادت إليها.

السودان في هذا المفترق لا يحتاج إلى المزيد من الجدل البيزنطي، ولكي تتحرك الأمور إلى الأمام للخروج بالبلد من هذا النفق المظلم، لا بد من تجاوز هذه المساجلات، والبحث عن حلول تنهي الحرب أولاً، وتسهل عودة الحياة بشكل شبه طبيعي في هذه الظروف الحالكة، لتتركز الجهود بعد ذلك في العمل على كيفية تحقيق توافق وطني عبر مؤتمر جامع يضع خريطة طريق للانتقال الديمقراطي، وكيف يُحكم السودان، وكيف يحل مشاكله المزمنة.

لا بد من الإقرار بأن الفترة الانتقالية السابقة فشلت لأنها جمعت في مكوناتها تناقضات كثيرة، ولم تجد حلولاً للخلافات التي عصفت بها، وبالتالي فإن الحديث عن استئنافها وكأن شيئاً لم يكن، يبدو ضرباً من الخيال، لأن الحرب غيّرت المعادلات وعمّقت الخلافات. السودان يحتاج إلى مسار جديد يجنّبه مزالق الفترة الماضية، حتى لا نعيد إنتاج الفشل.

لتحقيق هذا المسار لا بد للأطراف المتصارعة أن تتخلى عن طموحاتها في حصص السلطة خلال أي فترة انتقالية جديدة. فلا المكون العسكري يستطيع أن يستأثر بالسلطة ويجد القبول الكافي لتحقيق أي استقرار، ولا المكون المدني سيكون قادراً على إقناع الناس بأنه يستطيع قيادة فترة انتقالية ثانية في ظل الخلافات والتناقضات والصراعات المستمرة، إضافة إلى أنه فقد الكثير من رصيده السابق بسبب ملابسات الحرب وما أحدثته من استقطاب وفرز في الآراء والمواقف.

لا أحد يستطيع الادعاء بأنه يملك شرعية أو تفويضاً شعبياً للحكم وقيادة البلد في فترة انتقالية جديدة. ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 أسقطت نظام عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني، لكنها لم تمنح تفويضاً مطلقاً في الحكم لأي جهة. كان المأمول أن تشكل حكومة مدنية من المستقلين تقود البلد في فترة انتقالية قصيرة تهيئ للانتقال الديمقراطي وانتخاب حكومة بتفويض شعبي وشرعية انتخابية. ومن دون الخوض في تفاصيل باتت معروفة للناس، فقد أدت مماحكات السياسيين وخلافات المدنيين والعسكريين إلى وأد الثورة وأحلامها وشعاراتها، وقادت البلاد إلى المهلكة الراهنة.

لهذا نحتاج اليوم إلى بداية مختلفة، ومسار جديد يعيد ترتيب الأولويات والأدوار. الانتقال الديمقراطي مهم ولكنه ليس بالضرورة أولوية المواطن في هذه الظروف. فالناس يريدون نهاية الحرب واستعادة الأمن الذي يكفل لهم العودة إلى منازلهم، واستئناف مظاهر الحياة المتعطلة، والبدء في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وهو كثير بكل المعايير. هذه يفترض أن تكون نقطة الانطلاق لأي فترة انتقالية جديدة ستحتاج بالضرورة إلى توافق بين الأطراف المختلفة المعنية. هذا التوافق لا يمكن أن يحققه إلا السودانيون أنفسهم إذا وضعوا مصلحة البلد فوق أي مصالح أخرى حزبية أو ذاتية.

هناك قطاع واسع ممن يرون ألا تمتد الفترة الانتقالية أكثر من عامين إلى 3 أعوام، ومن واقع التجربة الماضية، فإن الخيار الأفضل أن تكون الحكومة مدنية من التكنوقراط المستقلين من أصحاب الخبرة الإدارية في مجالاتهم، لتسيير الأمور وتكون أولويتها الاقتصاد وإعادة الإعمار، على أن تكون رئاستها لشخصية وطنية توافقية.

يتولى الجيش في هذه الفترة مسؤولية الأمن والدفاع من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن مهماته أيضاً تنفيذ مسألة دمج قوات الحركات المسلحة وفقاً للضوابط والإجراءات وخلال أمد زمني لا يتجاوز أمد الفترة الانتقالية.

المرحلة الانتقالية الجديدة تتطلب حل مجلس السيادة، بعد أن تجاوزته الأحداث، وعصفت به تناقضات المواقف من الحرب. ويمكن تشكيل مجلس مستشارين من خمسة أو سبعة أشخاص، يضم مدنيين وعسكريين متقاعدين، يكون عوضاً عن مجلس السيادة وتكون مهمته تقديم المشورة للحكومة الانتقالية في الموضوعات السياسية والاقتصادية والأمنية والعلاقات الخارجية. وجود هذا المجلس سيرد على مسألة انفراد الجيش بالقرار في هذه الظروف الصعبة والمفصلية، وسيساعد في توسيع المشاركة والرؤية.

فترة انتقالية في ظل هذه الظروف تحتاج أيضاً لمفوضيات بمسؤوليات محددة تساعد الحكومة وتعمل تحت إشرافها، منها على سبيل المثال لا الحصر:

– مفوضية شؤون الإغاثة والعمل الإنساني تشرف على تنسيق وتوزيع الإغاثة سواء كانت غذائية أو دوائية أو ما يتصل بها، وتضمن إيصالها إلى المتضررين.

– مفوضية لشؤون إعادة الإعمار يشمل عملها تأهيل البنى التحتية المتضررة، واستعادة الخدمات الأساسية، وبحث موضوعات تعويض المتضررين.

– مفوضية الشؤون الصحية وإعادة تشغيل وتأهيل القطاع الصحي المنهار.

– مفوضية التعليم ومهمتها تنسيق إعادة ترميم وتأهيل المؤسسات التعليمية المتضررة للاستعجال باستئناف التعليم في مختلف مراحله.

– مفوضية السلام ومهمتها مراجعة اتفاقية جوبا ورفع التوصيات بشأنها للحكومة الانتقالية ومجلس المستشارين.

– مفوضية الدستور وتضم خبراء قانونيين لوضع مشروع دستور يعرض لاحقاً على البرلمان المنتخب، واستفتاء شعبي.

– مفوضية الانتخابات لوضع قانون الانتخابات والنظر في لوائح الناخبين والاستعانة بجهات دولية لترتيبات انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة بنهاية الفترة الانتقالية.

الفترة الانتقالية تتطلب أيضاً انخراط القوى المدنية والسياسية في حوار وطني شامل لتحقيق التوافق المطلوب للبدء في بحث التأسيس لسودان جديد، وكيف يحكم، وكيف يتجنّب كل الخيبات والمزالق والمظالم والصراعات التي أفضت به إلى هذه النقطة الحالكة.

هناك مقترحات وأوراق عدة متداولة يمكن الاستفادة منها لبلورة رؤية لحكومة انتقالية وتحقيق التوافق الوطني الذي يضع البلد على سكة الاستقرار. لكن المهم والعاجل الآن أنه لا يمكن ربط انتهاء الحرب بالبدء في إعادة تشغيل الدولة السودانية، وإعادة المرافق العامة، والخدمات الأساسية، وتشكيل حكومة لتسيير شؤون البلد. فخسائر وتداعيات استمرار انهيار الأوضاع المعيشية، والصحية، والتعليمية، والخدماتية، لا تقل فداحة عن خسائر الحرب ذاتها.

* نقلاً عن الشرق الأوسط

الوسومالحرب الحرية والتغيير الدعم السريع السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة حكومة انتقالية عثمان ميرغني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب الحرية والتغيير الدعم السريع السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة حكومة انتقالية عثمان ميرغني الفترة الانتقالیة فترة انتقالیة هذه الظروف فی هذه

إقرأ أيضاً:

السودان.. مطالبات بتحقيق دولي حول "الكيماوي"

دعا تحالف القوى المدنية السودانية "صمود" إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في الاتهامات الموجهة للجيش باستخدام أسلحة كيمائية، وكافة الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف ابريل 2023، وأكدت سعيها للحشد لمنبر تفاوضي لايقاف الحرب التي أدت الى مقتل نحو 150 الف شخص حتى الآن.

 

وسط قلق متزايد بشأن الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب الحالية والتي شملت اعتقالات وتصفيات وعمليات قتل واسعة خارج إطار القانون، دانت "صمود" هجمات قوات الدعم السريع على البني التحتية والانتهاكات الوحشية التي قامت القوات المسلحة والقوات المتحالفة معها فى حق المدنيين فى مناطق متفرقة تدور فيها عمليات تبادل للسيطرة.

 

 وبعد يومين من فرض الولايات المتحدة الاميركية عقوبات على السلطة القائمة في بوىتسودان، طالب التحالف المدني بتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق فى كافة الجرائم و الانتهاكات المرتكبة خلال الحرب، بما في ذلك الاتهامات الموجهة للقوات المسلحة باستخدام أسلحة كيميائية.

الحل السياسي
أكدت "صمود" تبنيها رؤية لمبادئ حل سياسي شامل يقوم على وحدة السودان والمواطنة المتساوية القائمة على الفصل التام بين الانتماء الديني للمواطنين والدولة.

وشدد التحالف العريض على أنه يعطي أولوية قصوى لإيقاف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية المتصاعدة التي نجمت عنها.

وكشفت "صمود" عن جولة إقليمية ستقوم بها قيادة التحالف لحشد الجهد الإقليمي والدولي لتنشيط المنبر التفاوضي لأطراف الحرب من أجل التوصل لوقف إطلاق النار.

 

 وأوضحت "إيقاف الحرب لم يعد مجرد مطلب سياسي بل أصبح النداء الأكثر الحاحا في وجدان السودانيين الذين أنهكتهم الحرب بالموت و الجوع و التشرد والنزوح".

وتعهدت "صمود" بالتواصل مع كافة الأطراف لإطلاق عملية سياسية عبر مائدة مستديرة تقود إلى توحيد المواقف لإيقاف الحرب و تضع لبنات انهائها بمخاطبة جذور الأزمة التاريخية كمدخل أوحد لتحقيق الاستقرار.

وفشلت حتى الآن 10 مبادرات دولية لإيقاف الحرب، في ظل اتهامات متزايدة لمجموعات متحالفة مع الجيش بعرقلة جهود الحل السلمي.

جدل الشرعية
انتقد التحالف المدني سعي السلطة القائمة في بوىتسودان لتحقيق الشرعية والتنافس عليها بتشكيل حكومات بواسطة الدعم السريع وحلفائه، وقالت إن ذلك لا يخاطب الأولويات ولا يستجيب إلى احتياجات السودانيين في الداخل والخارج من أمن و غذاء و استعادة مقومات الحياة المدنية.

وفي حين تقول قوات الدعم السريع ومجموعات متحالفة معها في تحالف "تاسيس" إنها تقترب من تشكيل حكومة، أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الأسبوع الماضي تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء، لكنه لم يتسلم مهامه حتى الآن.

مقالات مشابهة

  • حول قضية الأسلحة الكيميائية والعقوبات الأمريكية
  • جبريل ابراهيم: مشروع حكم السودان بـ”القوة الجبرية” انتهى
  • السودان بين أقدام الفيلة-الحرب، والمصالح الدولية، والتواطؤ الصامت
  • أمريكا وحريق السودان.. كلمات تُقال وحفنة دولارات
  • السودان وفروقات الوعي السياسي
  • الحرب على كرسي السلطة الخالي
  • الفاضلي: عدم الانزلاق لمرحلة انتقالية جديدة بأي ثمن هو مربط الفرس
  • السودان.. مطالبات بتحقيق دولي حول "الكيماوي"
  • وهم اسمه السودان !
  • الفكرة لا تموت: تأملات في تشظي الدولة واستدعاء الوطن