«عروس المتوسط» في أغاني سيد درويش.. من «غزل البحر» إلى بطولات نادي الاتحاد
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
«يا ماريا يا مسوسحة القبطان والبحرية.. يا مسوسحة القبطان وجننتينا يا بنت يا حلوة جننتينا.. يا بنت يا حلوة.. ولا تنسينا وبالله ردى علينا»، كلمات صاحبتها أنغام سيد درويش تغازل الإسكندرية وكأنها فتاة تعشقها، تنقل المستمع إلى عالم خاص من الإبداع بلحن أغنية «البحر بيضحك والله للخفة وهى نازلة تتدلع تملا القلل.
يقول ستيفانو ميلاد، فنان سكندرى، إن سيد درويش نجح فى أن يكون المعبر الأول عن الذوق الشعبى المصرى، فألحانه عن الحب وأحلام الاستقلال وبواعث الحركة الوطنية وحتى كرة القدم: «نادى الاتحاد الرياضى مشهور فى كل الدنيا.. الكورة دب يا سيادى لها لعيبة بالعنية»، لينجح فنان الشعب فى ربط جمهور الإسكندرية بزعيم الثغر نادى الاتحاد السكندرى، ورغم تلحينه الأغنية قبل وفاته، إلا أنها انتشرت أكثر فى العام 1926 أى بعد وفاته بنحو 3 سنوات تزامناً مع حصول نادى الاتحاد على أولى بطولاته «كأس الملك فاروق».
وأضاف الفنان السكندرى لـ«الوطن» أن أغنية نادى الاتحاد تميزت بكونها قصة تحوى كلمات تتراقص على أنغام فنان الشعب، فتقول: «ساعة ما ياخدها حودة بالرجل أو بالراس.. يا ويل اللى قدامه تلاقيه واقف محتاس.. يشوط الكورة تزمر تقول عليها رصاص.. مفيش منه فى أوروبا لاعيب صحيح يتباس»، ويختتم الأغنية بفرحة الفوز التى توالت بعد وفاته بحصد نادى الاتحاد السكندرى بـ6 كؤوس: «ده رب كريم ونصرنا وطلعنا يا ناس فايزين.. وتمت والله فرحتنا فليحيا الرياضيين».
وأكد أنه قد أطلق مبادرة لتقديم أغان على كورنيش الإسكندرية للمارة بشكل مجانى بهدف الطرب، مشيراً إلى أن المارة كانوا يطلبون منهم سماع أغانى سيد درويش وهو ما يعكس ارتباط الإسكندرية بفنان الشعب، مختتماً: «مجرد ما الناس كانت تشوفنا بنغنى وفى ضهرنا البحر، كان أول حد ييجى فى دماغهم هو سيد درويش، ودى بتبين إن زى ما البحر رمز إسكندرية فسيد درويش رمز الإبداع السكندرى».
ذلك الإبداع جعل الكاتب الأمريكى إدوارد لويس، فى كتابه «سيد درويش والموسيقى العربية الجديدة»، يشيد بما أنجزه للموسيقى العربية واصفاً ما فعله بمثابة معجزة تليق بعصره وشعبه، ليرحل «درويش» ويحيا فنه فى نفوس شعبه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيد درويش كوم الدكة فنان الشعب نادي الاتحاد السكندري نادى الاتحاد سید درویش
إقرأ أيضاً:
المزيريب.. نحيب المياه الغائرة وأطلال بحيرة كانت عروس الجنوب السوري
درعا- وأنت تنطلق من مدينة درعا باتجاه الريف الغربي، وبعد أن تسير 11 كيلومترا في طريق تحفّه أشجار الكينا من جانبيه وكأنها صبايا واقفة بشموخ للترحاب بك، تصل بك الدرب إلى حيث كانت بحيرة "المزيريب" تلمع كمرآةِ عروس، وأمواجها الرقراقة تداعب النسائم المسائية التي تمر على وجوه المصطافين فتنعشهم بقبلاتها، وتفيض بمائها لتروي العطاش في محافظتين كاملتين درعا والسويداء.
لكن يصدمك أن البحيرة التي كانت ميدانا لأنواع الأسماك الوفيرة غدت بستانا مزروعا بمحاصيل الخضراوات الموسمية. فأين هي البحيرة التي كانت روح المكان؟ لا تجد إلا الأطلال ولا تسعفك القصائد وأنت واقف تملؤك الغصة وأنت تراها قد أفلت عن الدنيا.
في السنوات الأخيرة، كانت البحيرة تعاني ما يشبه النزاع، فكانت تجف صيفا لكنها تعود إلى الانبثاق من قلب الأرض مع الشتاء الذي يغذي ينابيعها، لكنها اليوم ما عادت كذلك وكأنك تسمع نحيبها على إعلان وفاة بحيرة كانت ذات يوم ملاذا للصيادين، ومزارا للمتنزهين، ومصدرا للري والشرب، فطويت صفحتها وأعلن عن وفاتها المؤسفة.
لم تكن بحيرة المزيريب مجرد مسطح مائي بطول كيلومترين وعرض نصف كيلومتر، بل كانت نبض حياة كاملة، ومثلت موردا إستراتيجيا لمحافظة درعا، فكانت الدخل السياحي الأكبر إلى جانب بصرى الشام، كما مثلت واحة للتوازن البيئي المانع من هجوم التصحر الناعم على الأرض الحورانية.
كما كانت الخزان الذي يسقي البشر والحيوان والأرض في عموم المنطقة، وكانت تصل مياه ينبوعها الرقراق الصافي -الذي كان من أعذب مياه الشرب في سوريا كلها- إلى محافظة السويداء عبر مشروع رسمي لري وجر المياه تم إنجازه بداية تسعينيات القرن الماضي.
وكأن هذا المشهد فيه تجسيد للسياسات المجحفة التي أنهكت البلاد من النظام السابق، ففي الوقت الذي كانت تشرب فيه السويداء مياه ينابيع المزيريب العذبة، كانت البلدة محرومة من الشرب من ينابيعها فيسقى أهلها من آبار ارتوازية حفرتها مؤسسة الريّ لتقديم مياه الشرب للبلدة، وكانت هذه الآبار لا تكفي حاجتهم وعرضة للجفاف المستمر فكان ينطبق على البلدة بأجلى صورة قول طرفة بن العبد:
إعلانكالعيس في البيداء يقتلها الظّما.. والماء فوق ظهورها محمولُ
تحولات جذريةمنذ عام 2011 ومع انطلاقة الثورة السورية، شهدت بحيرة المزيريب تحولات جذرية بسبب انهيار المؤسسات الحكومية وانشغال النظام بمؤسساته في قمع الشعب الثائر.
وأخذ الماء يفر منها كما لو أنه يعلن الإضراب عن الخدمة مشاركا في ثورة مرت عليها سنون بالغة القسوة، فانخفض منسوب المياه تدريجيا، حتى دخلت البحيرة في مرحلة النزاع منذ صيف 2017، فتحولت إلى مشهد موسمي هش لا يستمر حضوره إلا في الربيع ولا يمتد إلا على مدى بضعة أسابيع.
ولست بحاجة إلى جهد كبير في التفتيش عن السبب، فأكثر من 4 آلاف بئر حُفرت عشوائيا في محافظة درعا، تجاوز أكثر من 200 منها الخطوط المغذية مباشرة لأم النبع التي تغذي بحيرة المزيريب، وكل هذا كان حفرا بلا أدنى تخطيط، أزاح عروق الماء عن مساراتها، وشق باطن الأرض بحثا عن قطرة من أجل سقاية المزارع المحيطة بالبلدة من كل جانب غير آبه بعواقب الجفاف، فكانت كمن قتل الأم للحفاظ على حياة الجنين فقطع الحبل السري عن الجنين فماتا معا.
ويقول موظف سابق بمديرية الري إن الحفر العشوائي قطع شرايين البحيرة، وغيّر خريطة التغذية الجوفية، فماتت المزيريب عطشا، وبدل حفر البئر بترخيص بعد دراسة تأثيراته من حيث موقع البئر وغزارتها، أصبح غصن زيتون يهتز في يد "خبير شعبي" هو البوصلة الوحيدة لتحديد موضع الحفر دون إدراكٍ لفداحة العواقب.
مخاطر الآبارمع تراجع المياه وجفاف النبع؛ توقفت محطات الضخ وجفت الحقول وأُجبر المزارعون على اللجوء لبدائل مكلفة، فلك أن تتخيل أن تكلفة تشغيل مضخة بئر واحدة لا تتم إلا بوقود يُباع بأسعار فلكية، فالبئر التي كانت منقذا مؤقتا، تحولت إلى عبء دائم، وأداة أخرى في مسلسل استنزاف المخزون المائي والمالي للناس.
وعلى ضفاف بحيرة المزيريب كانت الحركة التجارية مزدهرة، فترى صيادي السمك، وباعة المثلجات والآيس كريم والسمك، وأصحاب القوارب الحديدية والبلاستيكية قد وجدوا جميعا في البحيرة مصدرا للرزق. أما اليوم، فالمحال خاوية على عروشها، والسمك يُستورد من الساحل أو من أرياف حماة حيث نهر العاصي، ولا سياحة تزين الربيع بصخب العائلات والأطفال.
إعلانإن مأساة بحيرة المزيريب ليست سوى مرآة لواقع المياه في سوريا بأكملها، فما يجري هناك، جرى لينابيع وبحيرات أخرى في المحافظة. فلم تعد بحيرة العجمي موجودة ولا شلالات تل شهاب وزيزون بقي لها أثر، ويجري الأمر كذلك بصمتٍ في ينابيع حماة، وفي سهول الغاب، وعلى ضفاف الفرات.
وما لم تُصغ الآذان لنداء الأرض، وما لم تُردم الآبار المخالفة وتُعاد هيكلة إستراتيجيات إدارة الموارد، فإن الخطر القادم أعظم، فالماء ليس مجرد مورد، إنه الحياة. وبحيرة المزيريب شاهد عدل على ذلك.