إثيوبيا.. الملء الجائر والجار الحائر
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
د. محمد عبد الحميد/ أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية
كلما أقدمت إثيوبيا على ملء سدها المنشأ على أرض بني شنقول السودانية، كلما إقتربت من هدفها الأساسي وهو السيطرة على مياه النيل الأزرق والتحكم في منبعه، وجلعت السودان ومصر يقتربان من حافة التسليم بالأمر الواقع حال الإنتهاء من إنتصاب السد واستوائه منشأة كاملة التصرف والتصاريف.
كان ملء إثيوبيا للسد هذا الموسم 2023م هو الأكثر توفيقاً بالنسبة لها رغم شح الأمطار الواردة، وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي احمد بحبور طاغي في تغريدة له عبر منصة إكس بقوله :(إنه لمن دواعي سروري أن أعلن الانتهاء بنجاح من عملية الملء الرابع والأخير لسد النهضة) فقد أقبلت على الملء ولم يصك أذنيها تلك الصرخات اليائسة التي كان يطلقها السودان على لسان وزير الري السابق والتي كان يقول فيها :(إن إحجام إثيوبيا عن مد السودان بالبيانات لا يُمكّنه من التحكم في خزاناته الواقعة في أسفل السد. وأنه لا يعرف الوارد الذي ستطلقه إثيوبيا أو ستخزنه). غابت حتى هذه الصرخة الواهنة على وقع أصوات البنادق والمدافع التي تمزق فضاءات الخرطوم وتلفعها بالأسى وفرط الحيرة فيما يجري من إحتراب.. وأجبرت حكومتها المركزية عن الإزورار عن مركزها وبذلك لم تعد تلك الصرخة المجروحة تأن بالشكوى من جدول أعمال الملء... فقد أقدمت أثيوبيا على الملء الرابع لا تلوي على أحد.
و بغض النظر عما يمكن أن تخلفه عملية الملء من أضرار، فقد تمكنت أثيوبيا هذا العام ووفقاً لإستراتيجيتها من حجب الفيضان الذي ظل ينتظم السودان عبر القرون لأول مرة في تاريخه، وأخذت مزارعي الجروف الحيرة فيما جرى للنيل، فلم يجدوا إلا أخباراً تتسرب على وقع أصداء واهنة بإرادةٍ أكثر وهناً وخوراً من أن إثيوبيا قد أقبلت على تحقيق مصالحها دونما اعتبار لما قد يترتب على ذلك من مخاطر. ودونما اعتبار لما تم التعاهد عليه في إتفاق مبادئ الخرطوم للعام 2015م. ولعل في خطوة إثيوبيا الأخيرة ما يُمكِن أن يُعد جرس إنذار (ثاني) بعد ذلك الذي دقّ في كل العام 2020م وترددت أصداؤه في كارثة ماحقة أغرقت ولايات النيل الأزرق والجزيرة والخرطوم ونهر النيل حيث أن المياه التي وردت من إثيوبيا لم يتم التحكم فيها فأضطرب نظام تشغيل السدود السودانية فأحدث ذلك الفيضان المشهور.. وبذلك تكاملت أمام أعين الملأ في السودان الآن المستوى الكارثي لهذا السد في حالتي زيادة الوارد من الأمطار وقلتها.. وفوق ذلك كله قلة حيلة الحكومة السودانية وحيرتها إزاء
هذه المخاطر المحدقة والتي تُعد الي الآن في طور المقدمات لكارثة حقيقية تُنذر إما بغرق السودان النيلي، أو تعطيشه بعد أن تتحكم أثيوبيا في منبع النيل عقب الانتهاء من تشييد السد. فمن منظور علم الحد من مخاطر الكوارث انتقل مؤشر تقييم مخاطر السد من حالة الاحتمالية Probability لمخاطر كارثية Catastrophic فبحسب هذا التقييم يجب أن ينتفض أهل السودان من حالة السُبات التي يغطون فيها غطيط أهل الكهف، ليقظة تامة ليتداركوا ما سيتبقى لهم من سودان ما بعد الحرب.
وقد تكاملت الأثافي الثلاثة عندما تفاجأ أهل السودان والمتابعين لقضية السد بوجود وفد سوداني حضر مفاوضات القاهرة في 27 يوليو 2023م ولم يعلم أحد أن صوتا ما ظهر لهذا الوفد عكس تلك المأساة من غياب الفيضان فقد تناقلت الأخبار فقط أن المفاوضات قد ضمت الجانب السوداني أما ماذا طرح الوفد وما هي استراتيجية تفاوضه وهل اعترض على سلوك إثيوبيا على الإقبال على الملء الجائر الذي قامت به هذا الموسم، فذلك ما لم يتردد في الإعلام لأنه في الغالب لم يتردد صداه في قاعة المفاوضات.
د.محمد عبد الحميد
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
قاعدة فلامنجو السودانية تحت النار.. والسر في رسالة استخباراتية
قال الباحث في العلاقات الدولية، محمد صادق، إن قنوات التلجرام الأوكرانية تداولت فديوهات وصور توثق الضربات التي شنتها قوات "الدعم السريع" على قاعدة "فلامنجو" البحرية مطلع شهر مايو هذا العام"، مضيفا أن المنشور حمل رسالة معناها أن الإستخبارات الأوكرانية تحذر موسكو بوضوح، وتحاول أن توصل لهم فكرة أنه لايوجد مكان آمن للروس من هجماتهم حتى في أفريقيا، وأنهم مستعدون للتصدي لهم في أي مكان.
وأضاف صادق، أن قاعدة "فلامنجو" البحرية تعتبر واحدة من القواعد العسكرية الرئيسية في السودان، وهي تابعة للقوات البحرية السودانية، إذ تقع القاعدة في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر، وكانت لها دور كبير في تأمين المياه الإقليمية السودانية وتعزيز القدرات البحرية للبلاد، حيث تم تأسيس قاعدة "فلامنجو" في أوائل السبعينات، وهدفها كان دعم مهام القوات البحرية في مواجهة أي تهديدات محتملة، وتشمل تجهيزاتها مرافق حديثة للسفن والغواصات، مما يجعلها نقطة استراتيجية مهمة في المنطقة.
تفاهم روسي-سوداني بشأن قاعدة بحرية... والبرلمان غائبوتابع صادق، أنه في أواخر شهر فبراير العام الجاري، توصلت روسيا والسودان إلى تفاهم متبادل بشأن قضية بناء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، حسب ما أفاد وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف، عقب ختام مباحثاته في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، موضحا أنه في الـ28 من مايو هذ العام، أكد رئيس الوفد السوداني في الاجتماع الدولي لقضايا الأمن في موسكو، عباس محمد بخيت أن الاتفاق بشأن إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان بحاجة إلى برلمان منتخب للمصادقة عليه.
وأكمل أن رئيس الوفد السوداني قال في تصريحات لوكالة "نوفوستي" على هامش مشاركته بالاجتماع: "كان هناك اتفاق (بشأن القاعدة العسكرية الروسية) منذ وقت النظام السابق، وهذا الاتفاق ينتظر التوقيع والمصادقة عليه من قبل البرلمان إلا أنه منذ سقوط النظام السابق في 2019 لا يوجد برلمان منتخب للموافقة على الاتفاق.. ونحن نتطلع إلى تشكيل برلمان سوداني منتخب عقب انتهاء الحرب، ومن خلاله نتطلع لتحقيق مصالح السودان".
دعم روسي مقابل التمركز البحريواستطرد: "الاتفاقية تُسهم في تحسين علاقات السودان الدولية، وتعزيز قدرات الجيش السوداني حال حصوله على دعم فني ولوجستي مقابِل استضافة القواعد، فضلاً عن أن مثل هذه القواعد من شأنها تعزيز الأهمية الجيواستراتيجية للسودان، لافتا إلى أنه بموجب اتفاق القاعدة البحرية الروسية فقد برزت معطيات عن أن موسكو تتعهد بدعم قدرات الجيش السوداني.
وتطرق إلى أن "الجيش السوداني في حاجة ماسّة إلى الأسلحة والذخائر وقطع الغيار لطائراته المقاتلة روسية الصنع وأن تقديم قاعدة بحرية لروسيا في المقابل هو الخيار الأفضل، لافتا إلى أن القاعدة ليست بعيدة عن أنشطة القوى الكبرى، وخاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وبالتالي، فإن الضربات التي وجهتها قوات "الدعم السريع" تأتي في سياق صراعات أكبر، وكما أشارت الأنباء، فإن التحذيرات الأوكرانية تعكس المخاوف من توسع النفوذ الروسي حتى في مناطق بعيدة مثل أفريقيا.
وأكد أن مالي في أواخر العام الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وأرجعت ذلك إلى إقرار مسؤول أوكراني رفيع بضلوع بلاده في معركة أسفرت عن مقتل جنود ماليين ومقاتلين من مجموعة فاغنر الروسية وقتها، وحذت النيجر حذر مالي، حيث قطع المجلس العسكري في النيجر العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بعدها بيومين على خطوة مماثلة اتخذتها مالي المجاورة، متهمة كييف بدعم جماعات مسلحة، قتلت العشرات من جنود الجيش المالي ومجموعات فاغنر الروسية الخاصة.
وأشار إلى أنه جاء في بيان متلفز للمتحدث باسم المجلس العسكري أمادو عبد الرحمن أن حكومة جمهورية النيجر، بتضامن تام مع حكومة مالي وشعبها، تقرر "بكامل سيادتها" قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا "بأثر فوري"، حيث كان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد صرّح، في فبراير الماضي، بأن "بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظمهم من المتخصصين التقنيين".
وأشار إلى أن المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، كان قد كتب عبر صفحته على فيسبوك، العام الماضي، بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار الأوكران يقدمون الدعم لقوات "الدعم السريع" بدعوة من حميدتي، وأنه بحسب يفلاش فإن "كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا، والسودان هو أحد هذه الدول، وتحديداً مع قوات الدعم السريع".
كما لفت إلى أن موقع "إنتليجنس أونلاين" نشر تقريراً حول طلب المخابرات الأوكرانية المساعدة والدعم من فرنسا لمحاربة النفوذ الروسي المتنامي في أفريقيا.