عندما حلَق منطاد تجسس صيني فوق الولايات المتحدة في فبراير(شباط) الماضي، حاول وزير الدفاع الأمريكي بسرعة الاتصال بنظرائه في بكين، دون رد على الإطلاق على اتصالات البنتاغون لعدة ساعات.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتجاهل فيها العسكريون وصناع السياسة الصينيون، اتصالات الخط الساخن الأمريكية أثناء توتر متفاقم، ولكنها كانت الجزء الأخير من نمط تصرف خطير ينطوي على خطر تدهور العلاقات الصينية الأمريكية، حسب  الباحث رونان مينبرايز، المدرس المساعد بجامعة وارويك البريطانية.

وفي تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، يرى مينبرايز المرشح للحصول على الدكتوراه حيث تتركز أبحاثه على الاستخبارات، والسياسة الخارجية الأمريكية، والأمن الدولي، أن أي خط ساخن، مجرد جزء صغير من الذخيرة الدبلوماسية لأي دولة، لكنه يمكن أن يكون الأكثر أهمية في أوقات الأزمات. فالخطوط الساخنة تتيح لصناع السياسات التحدث بسرعة، ومباشرة، وبناء الثقة الشخصية بين رؤساء الدول وهم يتباحثون حول بؤر التوتر بصورة ثنائية.

Hotline Diplomacy is No Cold War Relic https://t.co/EBXcsC4qeS via @TheNatlInterest

— Nino Brodin (@Orgetorix) September 17, 2023

كما أن هذه الخطوط الساخنة مهمة لتوفير التفاصيل، والتوضيح، والتفسيرات، فتعزز التفاهم وتساعد في تجنب المفاهيم الخاطئة العرضية لنوايا الطرف الآخر. وباختصار،  يمكن أن تكون عنصراً أساسياً لإدارة المخاطر، وتجنب التصعيد، والحفاظ على الأمن الدولي.

وفي الحقيقة، يؤكد تاريخ دبلوماسية الحرب الباردة أهمية الخطوط الساخنة. فبعد الدراما الخطيرة لأزمة الصواريخ الكوبية في 1962، التي استغرقت الرسائل فيها، ساعات لتصل إلى متلقيها، دشنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بتعقل خطاً ساخناً لنقل الرسائل المكتوبة بسرعة بين عاصمتيهما.

ولم يستطع الخط الساخن بين واشنطن وموسكو استئصال توترات المستقبل لكنه كان كابحاً أساسياً للحيلولة دون تصدع العلاقات. وعبر العقود الثلاثة الموالية،أثبت أهميته عدة مرات.

فأثناء حرب الأيام الستة في يونيو(حزيران) 1967، كانت واشنطن وموسكو تتبادلان الرسائل عبر الخط الساخن مع تطور القتال في الشرق الأوسط. وتضمنت الرسائل تطمينات من السوفييت بأنهم يحاولون حل النزاع دبلوماسياً، وتوضيح إدارة جونسون مناورات الأسطول السادس.

وعندما اندلع القتال في المنطقة بعد سنوات قليلة في حرب يوم الغفران 1973، أظهر الخط الساخن مرة أخرى أهميته، كما فعل خلال العديد من توترات الحرب الباردة الأخرى في العالم.

ويقول مينبرايز: "علينا في الأزمات الدولية اعتبار الخطوط الساخنة روابط دائمة لا يمكن الاستغناء عنها بين الدول المتناخرة، وليست مجرد مخلفات لا لزوم لها من بقايا الحرب الباردة المنتهية. وتوضح مناقشات الخط الساخن الماضية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أن من المهم الحفاظ على الاتصال بين بكين وواشنطن في الوقت الحالي".

وأوضح "الخطوط الساخنة متوفرة بين الولايات المتحدة والصين على المستويات التنفيذية والعسكرية. وبسبب خبرة الإدارات الأمريكية المختلفة الطويلة في القرن الـ 20، فإنها تعتبر الخطوط الساخنة عنصراً دبلوماسياً حيوياً وتلجأ لاستخدامها أثناء الأزمات المعاصرة، مع الصين أو غيرها من الدول المنافسة استراتيجياً".

ورغم أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تجنبت حتى الآن أي تصعيد مع الولايات المتحدة، فإنها في كثير من الأحيان لم ترد على الاتصالات الهاتفية خلال العقود القليلة الماضية.

وتجاهلت بكين المحاولات الأمريكية للاتصال أثناء مذبحة تيانانمن في 1989، وأجرت إدارة بوش 12 اتصالاً أثناء حادث جزيرة هاينان في 2001، لم ترد الصين على أي منها.

وتكرر الأمر في أحداث الأخرى، إذ رفض شي جين بينغ وغيره من صانعي السياسة الصينيين اقتراحات لإجراء مناقشات أكثر حيوية عبر الخط الساخن.

بعد اجتماع #مالطا.. #البيت_الأبيض: مناقشات صريحة وبناءة مع #الصين https://t.co/FhsY1bcA0f

— 24.ae (@20fourMedia) September 18, 2023

وأشار المحللون إلى أن المسؤولين الصينيين يشكون في سبب رغبة القادة الأمريكيين استخدام الخطوط الساخنة، ويعتبرونها مجرد وسيلة من الولايات المتحدة لتضفي خلسة وضعاً طبيعياً على عمليات لها في منطقة المحيطين الهندي والهادىء.

والأمر الأكثر خطورة هو أنهم يعتقدون أنه يمكنهم تحقيق ميزة استراتيجية بتجنب مناقشات الخط الساخن والغموض الذي يمكن أن يخلقه ذلك. ولكن بغض النظر عن الاختلافات في الرأي، توضح الحرب الباردة أن إدارة الأزمات بصورة ثنائية لا تزال أمراً أساسياً.

ويقول مينبرايز: "في ظل استمرار تزايد القلق على مصير تايوان، وبحر الصين الجنوبي،  على الولايات المتحدة أن تواصل الضغط على قيادة الحزب الشيوعي لزيادة سرعة الرد على الاتصالات الهاتفية. وأن يكون من المهم للسياسة الخارجية الأمريكية الآن إقامة حوار أكثر فعالية عبر الخط الساخن مع بكين. وعلى المسؤولين الأمريكيين توضيح أن الغموض الذي يسعى القادة الصينيون لتحقيقه أثناء أي أزمة أمر خطير".

وفي ختام تقريره أضاف مينبرايز "في ظل تزايد آليات الذكاء الاصطناعي وانتشار المعلومات المضللة، أصبح من المحتمل للغاية التفسير الخاطئ لتحركات بحرية أو حوادث تجسس معينة. ويمكن أن يؤدى الافتقار للاتصالات إلى انزلاق خطير نحو مواجهة عسكرية أو نووية. وفي مناخ جغرافي سياسي بدأت فيه التهديدات الذرية تتكرر مرة أخرى، ستجد بكين وواشنطن أن التحدث معاً هو أفضل حل".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الصين أمريكا الولایات المتحدة الحرب الباردة الخط الساخن یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الحرب التجارية: فرنسا تدعو إلى خفض التصعيد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

دعت فرنسا أمس الجمعة إلى خفض التصعيد بشأن الرسوم الجمركية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عقب تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض رسوم إضافية بنسبة 50% على المنتجات الأوروبية، مؤكدةً في الوقت نفسه أن الاتحاد الأوروبي مستعد "للرد" على هذه القرارات.

وكتب الوزير الفرنسي المكلف بشؤون التجارة الخارجية، لوران سان مارتين، عبر منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي، أن تهديدات ترامب الجديدة بزيادة الرسوم الجمركية لا تُجدي نفعًا خلال فترة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. 

وأضاف "نحافظ على النهج نفسه؛ ألا وهو خفض التصعيد، لكننا مستعدون للرد" في ذات الوقت.

وعاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجمعة الماضية إلى شن الحرب التجارية العالمية، بتهديد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية إضافية، مستهدفًا أيضًا شركة أبل لأول مرة. 

وقد أدت تصريحات ترامب عبر شبكة “تروث سوشيال” إلى هبوط أسواق الأسهم الأوروبية على الفور، ولاسيما أسهم السلع الفاخرة والسيارات في باريس.

وفي رسالته، أعرب الرئيس الأمريكي عن نفاد صبره إزاء المفاوضات التجارية الحالية مع الاتحاد الأوروبي، والتي قال إنها "لا تفض إلى أي شيء". 

ورفضت المفوضية الأوروبية التعليق في هذا الصدد، وأشار متحدث باسمها إلى أنه كان من المقرر إجراء محادثة هاتفية أمس الجمعة بين مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، وممثل التجارة للبيت الأبيض، جيميسون جرير، قبل تصريحات دونالد ترامب.

وكان البيت الأبيض يعتزم في البداية فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على المنتجات الأوروبية، لكنه قرر بتعليق تطبيقها لمدة 90 يومًا لإتاحة الوقت لإجراء المفاوضات. 

ومن المفترض نظريًا أن تنتهي مهلة تعليق هذه التعريفات في مطلع يوليو المقبل. 

وكان سيفكوفيتش قد أجرى عدة محادثات مع مسؤولين أمريكيين، بما في ذلك وزير الخزانة، سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، لكن دون إحراز تقدم حقيقي حتى الآن.

طباعة شارك فرنسا الرسوم الجمركية الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة

مقالات مشابهة

  • الحكومة والخطوط الليبية تكذبان “واشنطن آي” بشأن واقعة 400 مليون دولار
  • الحرب التجارية: فرنسا تدعو إلى خفض التصعيد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة الأمريكية ترفع رسميًا العقوبات الاقتصادية عن سوريا
  • توقعات باستمرار محادثات تجارية بين واشنطن وبكين
  • البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من الولايات المتحدة الأمريكية
  • ترامب يهدد بفرض رسم جمركي 25% على آبل ما لم تصنع هواتف آيفون في الولايات المتحدة
  • ثلاثة ألغام دبلوماسية تهدد بانفجار مفاوضات واشنطن وطهران.. تفاصيل
  • مسلسل وأفلام زوجة خالد يوسف و عمر زهران وسرقة الألماظ.. لا إفراج ولا صلح ولا تنازل ..ومرتضي منصور على الخط الساخن
  • بكين ترد على تصريحات واشنطن حول "التهديدات الفضائية"
  • بينها دول عربية وغربية... إدانة دبلوماسية واسعة لإسرائيل بعد إطلاق النار على وفد رسمي في الضفة الغربية