في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/أيلول الحالي، أعلن (1) وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتشاك إبرام صفقة لشراء 486 قطعة من وحدات الإطلاق والتحميل لأنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة والشهيرة باسم "هيمارس" (HIMARS) التي تُنتجها شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية، على أن تبدأ عمليات التسليم عام 2025. الجدير بالذكر أن هذه ليست الاتفاقية الأولى من هذا النوع، فقد تسلمت بولندا في مايو/أيار الماضي الدفعة الأولى من صفقة سابقة تخص "هيمارس" كذلك، حيث اشترت البلاد 18 راجمة في صفقة قُدِّرت بنحو 414 مليون دولار.

"هيمارس" هي راجمة صواريخ مثبتة على شاحنة تزن خمسة أطنان، ويمكنها إطلاق ستة صواريخ موجَّهة دقيقة في تتابع سريع، مع فترة إعادة تحميل تصل إلى 5 دقائق فقط، وفي حين يصل مدى الصواريخ المعتاد إلى نحو 80 كم، فإن بإمكان المنظومة أيضا إطلاق صواريخ تكتيكية من النوع "إم جي إم-140 أتاكمز" يصل مداها إلى 300 كم.

وقد بيَّنت وزارة الدفاع البولندية أن الصفقة تشمل ربما ما هو أهم من ذلك، وهو الاستحواذ على تكنولوجيا الصاروخ الذي تستخدمه أنظمة "هيمارس"، ما يعني نية مستقبلية لإنتاج تلك المنظومة، وهذا التصريح وحده يستحق بعضا من التأمل، إذ يُعَدُّ "هيمارس" واحدا من أنظمة المدفعية الصاروخية الأكثر تقدما في العالم.

يكفي أن نعرف مثلا أن الأوكرانيين امتلكوا منها 18 قطعة فقط حتى الآن، وكان هذا العدد فعالا في التصدي للهجوم الروسي في دونباس، وساهم في إجبار موسكو على الانسحاب من خيرسون، وتمكنت هذه المنظومة في عدة أشهر فقط بداية من يونيو/حزيران 2022 من ضرب أكثر من مئة موقع روسي مهم، ونجحت في تعطيل خطوط الإمداد الروسية، ودمرت المخازن وقوات المدفعية المتمركزة على بُعد نحو 50 كيلومترا خلف الخطوط الروسية (2).

إنفاق تاريخي

لكن ما سبق ليس إلا قمة الجبل الثلجي فقط. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وبينما كانت البلاد تحتفل باستقلالها عن الاتحاد السوفيتي، قال (3) رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي: "يجب أن يكون الجيش البولندي قويا بحيث لا يضطر إلى القتال بسبب تلك القوة"، مشيرا إلى خطة تقودها البلاد بينما تُكتب هذه الكلمات لتصبح القوة العسكرية رقم واحد في كل أوروبا بحلول نهاية هذا العقد.

في الواقع، إن خطة بولندا طموحة لدرجة أن الرجل نفسه كان قد صرح في مطلع العام الحالي أن بلاده ستزيد إنفاقها العسكري (4) إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، في قفزة يظنها البعض خطيرة بالنسبة للاقتصاد البولندي، ويظن البعض الآخر أنها ضرورية خاصة مع النمو الاقتصادي البولندي المرتفع مؤخرا مقارنة بكل دول أوروبا التي واجهت أقوى الاقتصادات بها أزمات كبرى بعد الوباء والحرب.

صرح رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي أن بلاده ستزيد إنفاقها العسكري إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، في قفزة يظنها البعض خطيرة بالنسبة للاقتصاد البولندي. (غيتي)

وإلى جانب ذلك فإن حاجة بولندا إلى الأمن على الحدود الأوكرانية بعد الغزو الروسي لا تحتاج إلى الكثير من التفكير، والواقع أن المشهد الأوروبي بل والعالمي يتغير في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد غيرت كثير من الدول مثل سويسرا وألمانيا واليابان بل ونيوزيلندا من عقيدتها العسكرية لتصبح في المجمل أكثر تحفزا لعدو قادم، وبالتبعية أكثر احتياجا إلى تطوير قواتها المسلحة.

لكن بولندا تمضي كما يبدو إلى ما هو أعمق من ذلك، أنفقت البلاد ما يعادل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش في عام 2022، وهي في هذا الوضع كانت ثالث أعلى نسبة بين دول حلف الناتو، بعد اليونان بنسبة 3.76%، والولايات المتحدة بنسبة 3.47%، بعد هذه القفزة ستصبح بولندا لا شك في المركز الأول، وستظل عند هذا المركز لفترة ليست بقصيرة، خاصة أن هناك نية لدى البولنديين لزيادة الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العقد المقبل.

سادة السماء

يتضح ما سبق في نية بولندا شراء أهم وأقوى القطع التقنية العسكرية على الإطلاق وضمها لقواتها، مثلا ستحصل البلاد إلى جانب "هيمارس" على نحو 600-700 بطارية من نوع "كي 9 ثاندر" (K9 Thunder) بموجب اتفاقية أعلن عنها في مارس/آذار 2023 (5)، وهي مدافع هاوتزر كورية الصنع بعيار 155 ملم، توفر قوة نيران ومدى فائقين مقارنة بأنظمة المدفعية الأخرى، ويمكنها إطلاق أنواع مختلفة من الذخيرة، بما في ذلك الذخائر شديدة الانفجار والذخائر العنقودية.

مدفع هاوتزر "كي 9 ثاندر" الكوري الجنوبي عيار 155 ملم (شترستوك)

أضف إلى ذلك أن هذه المدافع يكون تركيبها على هياكل مجنزرة، مما يسمح لها باجتياز التضاريس الصعبة والمناورة بفعالية في ساحة المعركة، وبسرعة قصوى تصل إلى 67 كم/ساعة، ومع تقنيات متقدمة مثل أنظمة التحكم الرقمية في الحرائق ومساعدات الملاحة وأنظمة الاتصالات، حازت هذه القطعة التقنية على قبول واسع على مستوى العالم، حيث صُدِّرت إلى العديد من البلدان نظرا لأدائها وموثوقيتها.

ولا يقف الأمر عند المدفعية فقط، فقد طلبت بولندا 32 مقاتلة متعددة المهام من طراز "إف 35 أ" (F-35A) بموجب صفقة قيمتها 4.6 مليارات دولار مع الولايات المتحدة، تمتلك بولندا حاليا 48 طائرة مقاتلة من طراز "إف-16″، لكن وزير الدفاع البولندي قال في سبتمبر/أيلول الحالي إن القوات المسلحة البولندية بحاجة إلى سربين إضافيين على الأقل من الطائرات المقاتلة متعددة المهام.

من المقرر (6) تسليم أول دفعة طائرات "إف-35" إلى القوات الجوية البولندية في عام 2024. نتحدث هنا عن مقاتلة جيل خامس متعددة المهام ذات المقعد الواحد والمحرك الواحد مخصصة لأداء مهام التفوق الجوي والهجوم في جميع أحوال الطقس، وتُعَدُّ واحدة من أفضل المقاتلات في العالم كله بهذا النطاق، إلى جانب أنها قادرة على خوض الحرب الإلكترونية عبر إمكاناتها الواعدة في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.

مقاتلة من طراز "إف 35 أ" (F-35A) (الأناضول)

تمتلك طائرات الجيل الخامس ميزتين أساسيتين في مقابل طائرات الجيل الرابع، وهما القدرة العالية على التخفي، والقدرة التقنية الدقيقة على تحسس محيطها واستشعار أوامر الطيار القابع داخلها بدقة شديدة، وإعطائه البيانات عن محيط الطائرة لحظيا، الأمر الذي يُسهِّل المناورة بها إلى حدٍّ كبير، إلى جانب قدرات حاسوبية متقدمة تتدخل فيها آليات الذكاء الاصطناعي. في مواجهة مباشرة، من المرجح بشكل كبير أن تنتصر "إف 35 أ" على أيٍّ من رفيقاتها في الجيل الرابع، وهي بالطبع كابوس طائر بالنسبة إلى الأهداف البحرية والبرية.

وإلى جانب ما سبق فإن الطائرة تتمكن بسهولة من جمع ودمج وتوزيع المعلومات أكثر من أي مقاتلة في التاريخ، مما يمنح المشغلين ميزة حاسمة على جميع الخصوم، خاصة أنها تتمكن من العمل بشكل تعاضدي مع أية منظومة قتالية دون عوائق.

الأقوى من كل شيء

وعلى الأرض، فإن بولندا قد تسلمت في يونيو/حزيران 2023 الدفعة الأولى من دبابات أبرامز التي طلبتها من الولايات المتحدة (7)، لتصبح أول دولة أوروبية تقوم بتشغيل هذه المركبات. وفي يوليو/تموز 2021، أعلنت بولندا عن شراء 250 دبابة أبرامز مقابل 4.7 مليارات دولار، وبعد عام واحد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وافقت بولندا على شراء إضافي لـ116 دبابة مستعملة من طراز أبرامز والمعدات المصاحبة لها في عقد بقيمة 1.4 مليار دولار. (إلى جانب ما يمتلكه البولنديون بالفعل من دبابات ليوبارد الألمانية الشبيهة ويصل عددها إلى 200).

"أبرامز إم 1" (M1 Abrams) هي الآن واحدة من أثقل الدبابات في الخدمة، حيث تزن نحو 62 طنا متريا (ثقل الدبابة علامة تميز)، وهي حاليا الدبابة القتالية الرئيسية لجيش الولايات المتحدة، تستخدم الدبابة مدفعا رئيسيا أملس من نوع "راينميتال" (Rheinmetall) بعيار 120 ملم، وتحمل أكثر من 40 طلقة للبندقية الرئيسية، وتستخدم عادة نوعين رئيسيين من الذخيرة: طلقات خارقة للدروع، وأخرى متعددة الأغراض.

"أبرامز إم 1" هي واحدة من أثقل الدبابات في الخدمة (غيتي)

جُهِّزت أبرامز بدرع "شوبهام" متطور يوفر دفاعا قويا ضد الطلقات الخارقة للدروع والأسلحة المضادة للدبابات، ما يعطيها نقطة تفوق في المعارك على الأرض. أضف إلى ذلك أن خزانات الوقود والذخيرة تكون في حجرات منفصلة لحماية الطاقم من خطر انفجار ذخيرة الدبابة في حالة تلف الخزان.

وإلى جانب ذلك كان وزير الدفاع البولندي قد وقَّع ثلاثة عقود في أغسطس/آب الماضي مع المجموعة البولندية للأسلحة المملوكة للدولة لشراء 700 مركبة مدرعة من أنواع مختلفة، بقيمة نحو 250 مليون دولار (8)، عادة ما تنتشر المركبات المدرعة مع الدبابات على الأرض لتتعامل مع المشاة وتحيّد صواريخهم المضادة للدبابات والخارقة للدروع، والدبابات تخترق الثغرات في خطوط العدو لدعم دخول المدرعات في المقام الأول. كل هذا ولم نتحدث عن إعلان بولندا في مارس/آذار الماضي عن نيتها للحصول على 1400 من مركبات المشاة القتالية البرمائية من طراز "بورسوك" محلية الصنع.

وبالطبع فإن ما سبق يحتاج الجنود إلى إدارته، وتمتلك بولندا خطة لذلك أيضا، حيث ترغب البلاد في تجنيد نحو 150 ألف جندي إضافي خلال العقد المقبل، الأمر الذي سيرفع عدد الجنود الكلي للجيش البولندي (9) إلى 300 ألف جندي بحلول عام 2035، من خلالهم ستتمكن البلاد من بناء 6 فرق مدرعة، وهي وحدات عسكرية قائمة بذاتها ومجهزة بمزيج من دبابات أبرامز والمدرعات السالف ذكرها والمشاة والمدفعية والمهندسين ووحدات الدعم الأخرى، ومُصمَّمة للعمل في مجموعة متنوعة من البيئات القتالية، وهي قادرة على المشاركة في العمليات الهجومية والدفاعية.

ولدعم تلك الفرق تنوي بولندا الحصول على 8 بطاريات باتريوت (10) ضمن صفقة مع الولايات المتحدة بقيمة 15 مليار دولار أُعلن عنها في يونيو/حزيران 2023، وهو نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأساسي للجيش الأميركي، صُمِّم في البداية بوصفه نظاما مضادا للطائرات، لكن النسخ الأحدث منه قادرة على الاشتباك مع الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والذخائر المتسكعة (الدرون الانتحارية) وحتى الطائرات المقاتلة.

يُعَدُّ باتريوت واحدا من أكثر أنظمة الدفاع الجوي الأميركية تقدما، تصل صواريخه إلى ارتفاع أقصاه 24200 متر، ويسير بسرعة 5022 كيلومتر/ساعة، وإلى جانب ذلك توفر مجموعة الرادار الخاصة بمنظومة باتريوت القدرة الدقيقة للكشف عن الأهداف وتتبعها، يصل مدى نظام الرادار إلى 100 كيلومتر، ويمتلك القدرة على تتبع ما يصل إلى 100 هدف في وقت واحد، ويمكن أن يوفر بيانات توجيه لما يصل إلى تسعة صواريخ في آنٍ واحد.

عملاق أوروبا العسكري القادم؟

ولغرض المقارنة، فإن دولا مثل فرنسا وألمانيا تمتلك فقط فرقتين مدرعتين، أما بريطانيا فتمتلك واحدة فقط، في مقابل 6 فرق من هذا النوع تطمح بولندا لبنائها كما أسلفنا، ستجد أن هذا الفارق واضح في كل التجهيزات البولندية على كل المستويات، وما تحدثنا عنه في هذا التقرير ليس إلا أمثلة عن بعض العلامات المميزة في سيل من الصفقات البولندية لتحديث كل وحدات الجيش بقيمة إجمالية تجاوزت 130 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم، يجري الأمر بسرعة شديدة وعجيبة لدرجة أن بحثا قصيرا ستُجريه في أي وقت عن أخبار بولندا لا بد أن يخرج بصفقة عسكرية تمت خلال الأيام القليلة السابقة لهذا التاريخ!

ومع كل هذا التطوير العسكري المتعجل ما زال السؤال قائما لا شك: هل حقا نحن أمام مارد أوروبا الجديد؟ رغم أن بولندا لا تمتلك الكثير من القوة الناعمة في أوروبا، فإنها تعمل حاليا إلى جانب التطوير العسكري على تقوية تحالفاتها الموجودة بالفعل إلى جانب كونها عضوا بالاتحاد الأوروبي، فمثلا تُمثِّل مجموعة فيشغراد، وهي تحالف ثقافي وسياسي وعسكري لأربع دول في وسط أوروبا، وهي التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا، فرصة كبيرة للبولنديين لخلق مكانة في المنطقة.

أما مبادرة البحار الثلاثة، وهي منتدى يضم ثلاث عشرة دولة في الاتحاد الأوروبي تمتد على طول المحور الشمالي الجنوبي من بحر البلطيق إلى البحر الأدرياتيكي والبحر الأسود في وسط وشرق أوروبا، تنظر بولندا إلى مبادرة البحار الثلاثة على أنها منظمة سياسية وليست مجرد منتدى اقتصادي، وتتوقع أن تكون كتلة موحدة لدول أوروبا الوسطى والشرقية تُمثِّل رادعا واعدا ضد أي محاولات للتوغل الروسي (11).

كل هذا ولم نتحدث بعد عن الفيل الوحيد الكبير في الغرفة، وهو غزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي بشَّر فور حدوثه بتحوُّل (12) جيوسياسي كبير في أوروبا ينقل مركز ثقل حلف شمال الأطلسي من فرنسا وألمانيا إلى دول مثل بولندا وجيرانها في منطقة البلطيق، والواقع أن التحركات البولندية لتطوير قدراتها العسكرية لا بد أنها مرتكزة على تلك النقطة بشكل رئيس، بل ربما كانت بولندا تنتظر تلك اللحظة!

في الحقيقة، إن خطط بولندا لتطوير جيشها سابقة للغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها تسارعت وتضخمت بسببه لا شك إلى مستوى قياسي، وكانت الحكومة تطمح بقوة إلى تعزيز المكانة العسكرية للبلاد بأي ثمن رغم كل الانتقادات، وبالتالي فإن ما فعله الغزو الروسي هو أنه بشكل أو بآخر برَّر كل ما فعلته بولندا وما ستفعله مستقبلا.

نتحدث هنا عن دولة قُمعت على مدى مئات الأعوام وتغيرت حدودها بكثافة نادرا ما يمكن أن تراها في هذا العالم، احتُلَّت وقُسِّمت أكثر من مرة وسقط اقتصادها مرات متتالية، وأخيرا باتت تمتلك واحدا من أقوى الاقتصادات في العالم مع حكومة قومية متشددة وعدو هائل بات واقفا الآن على حدودها الشرقية، فما الذي يمكن أن ننتظره من هذه التركيبة الفريدة؟

__________________________________________________

مصادر

1- Poland to buy 486 HIMARS launchers from Lockheed Martin 2- Ukraine: What are Himars missiles and are they changing the war? 3- Meet Europe’s coming military superpower: Poland 4- Poland to ramp up defense budget to 4% of GDP 5- Polish Army Receives 12 Additional K9 Thunder Self-Propelled Howitzers 6- Once Inspired By F-35, Now Korean KF-21 Boramae ‘Challenges’ US Stealth Fighter For Polish Air Force Deal 7- Poland receives first Abrams tanks from US 8- Poland inks deals for armored vehicles 9- Poland said its army will soon be the strongest in Europe. But is that possible? 10- US approves $15 billion in Patriot and missile defense upgrades for Poland 11- Poland’s Perspective on the Three-Seas-Initiative 12- How Poland became the new ‘center of gravity’ in Europe

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی الولایات المتحدة الدفاع البولندی الغزو الروسی إلى جانب من طراز أکثر من

إقرأ أيضاً:

نيويورك تايمز: عندما تصبح الحرب لعبة يديرها الذكاء الاصطناعي

في تقييم معمّق للمشهد العسكري العالمي، يحذر مجلس تحرير صحيفة نيويورك تايمز من أن العالم مقبل على مرحلة جديدة تتقاطع فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية والروبوتات المتقدمة وأنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل لتعيد رسم حدود الأمن القومي.

ويفتتح المجلس مقاله بمشهد لافت من اجتماع عُقد في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ. فبعد انتهاء الغداء، شوهد أحد مرافقي شي وهو يرش جميع الأسطح التي لمسها الزعيم الصيني، حتى بقايا الحلوى.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس تستعرض قائمة الأسلحة الأميركية لدى إسرائيلlist 2 of 2صحف عالمية: أكثر من 40 ألف فلسطيني بغزة يعانون من إصابات بالغةend of list

واستنتج المسؤولون الأميركيون الذين شاهدوا ما حدث أن الغرض من ذلك كان إزالة أي أثر للحمض النووي للرئيس الصيني، في خطوة فهمها المسؤولون الأميركيون على أنها تعكس قناعة بكين بأن خصومها قد يحاولون جمع مادته الجينية وتطوير مرض يستهدفه شخصيا.
وقال أحد الحاضرين: "هذه هي الطريقة التي يفكرون بها، وهي أنه يمكن تصنيع مرض لا يصيب إلا شخصا واحدا".

 

 

تعميق الشك والخوف

بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين حضروا ذلك اللقاء، كانت هذه اللحظة بمثابة "خاتمة رصينة" للقمة، حيث تسلّط الضوء على أنه حتى مع استمرار الدبلوماسية، فإن وتيرة التغيير التكنولوجي تعمق الشك والخوف بين الجانبين، وتعيد تشكيل الجغرافيا السياسية.

فمنذ عصور الحروب التي تطورت من العربات إلى القوس والنشّاب وصولا إلى القنبلة النووية، بقي التطور العسكري مرتبطا بالاكتشاف العلمي.

أسرع تقدم في التاريخ

يؤكد المقال أن البشرية تشهد حاليا ما قد يكون "أسرع تقدم في التسلح على الإطلاق". فالحرب الحديثة تتطور بسرعة تتجاوز المعدلات التقليدية.

ويشير الخبراء إلى العديد من التقنيات الناشئة المرعبة، فهناك الآن أسراب من الطائرات المسيّرة القادرة على العمل في تناغم لرصد الأهداف والقضاء عليها دون تدخل بشري، وأسلحة سيبرانية متقدمة تشلّ حركة القوات المسلحة وتُغلق شبكات الكهرباء وتدمر البُنى الحيوية لدولٍ بأكملها، وأسلحة بيولوجية يصممها الذكاء الاصطناعي لاستهداف أشخاص ذوي بصمة جينية محددة.

إعلان

بعض هذه التقنيات لا يزال في طور النظرية، لكنّ كثيرا منها يقترب سريعا من الاستخدام العملي. فالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وعلم الأحياء التركيبي بدأت تعيد تعريف آليات الحرب نفسها.

وبينما تتفوق الولايات المتحدة في بعض المجالات، لا سيما في الذكاء الاصطناعي بفضل ريادة قطاعها الخاص، فإن الصين وروسيا تستثمران بكثافة في الجامعات والمختبرات والمنشآت العسكرية لدمج الاكتشافات الجديدة مباشرة في جيوشهما.

مسؤول سابق في البنتاغون أعرب عن اعتقاده أن السرعة التي تتطور بها الحروب ستتجاوز قريبا قدرة البشر على السيطرة عليها

دعوة إلى تحول جوهري

ولمواكبة سباق التسلح بين الدول في القرن الحالي، ينصح مجلس تحرير الصحيفة الحكومة الأميركية، أن تُظهر "إرادة سياسية وتنسيقا وطنيا بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات البحثية". وهذا-في رأيه- يستلزم تحولا جوهريا في نهج وزارة الحرب (البنتاغون)، وتوسيع مبادرات تمويل البحث العلمي، وإشراك القطاع الصناعي الخاص في المهمة.

ويقارن المجلس هذا الوضع بما حدث في الحرب العالمية الثانية، عندما سبقت العلوم الأميركية نظيرتها الألمانية في تطوير السلاح الذري، وفازت بالحرب بفضل التعاون بين المسؤولين الحكوميين الأميركيين والباحثين الأكاديميين والشركات الخاصة.

وتعتبر الحاجة إلى هذا التعاون ماسّة، خاصة في الذكاء الاصطناعي، نظرا لأن هذه التكنولوجيا ذات الآثار العميقة على الأمن القومي قد طوّرها القطاع الخاص في المقام الأول، وليس الحكومة.

والأهم من ذلك، يحث مجلس التحرير على أن يخضع هذا التعاون لإشراف صارم من الكونغرس والمحاكم لضمان أنه يخدم المصلحة العامة، وليس مصلحة أي شركة أو إدارة واحدة.

برنامج مافن

ويستعرض المقال أمثلة على التحول الجاري داخل الجيش الأميركي، حيث تقود وكالة الاستخبارات الجغرافيا المكانية الوطنية، جهود تطوير نظام الاستهداف العسكري بالذكاء الاصطناعي المعروف باسم برنامج "مافن".

ويُجمع هذا البرنامج كميات هائلة من البيانات من الأقمار الصناعية وطائرات التجسس بكفاءة ويحللها، ويحدد مواقع راجمات الصواريخ وتشكيلات الجنود والسفن، ويضع علامات على المواقع المحظور استهدافها مثل المستشفيات.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز، إن برنامج "مافن" ساعد في توجبه ضربات أميركية في العراق وسوريا واليمن، وفي عمليات أوكرانية ضد روسيا.

وقد دفع هذا النهج الذي يعتمد على البرمجيات في الحروب، البنتاغون إلى الاعتماد بشكل كبير على القطاع الخاص وفي طليعته شركات مثل "بالانتير" و "أندرويل".

منافسة شرسة

في الوقت ذاته، يحقق خصوم أميركا تقدما سريعا خاصا بهم. فقد نشرت الصين لقطات فيديو لما يبدو أنه اختبار لطائرة روبوتية مرافقة. كما تستخدم روسيا تكنولوجيا رخيصة وفعالة، مثل المسيرة الروسية " في تو يو" (V2U) التي استولت عليها القوات الأوكرانية، والتي يمكنها تعقّب الأهداف والانقضاض عليها دون أي توجيه بشري، رغم أنها مكوّنة من قطع تجارية بسيطة.

غير أن مجلس تحرير نيويورك تايمز يحذر من أن اعتماد الولايات المتحدة على أنظمة "فائقة التطور" يجعلها أكثر هشاشة أمام الهجمات السيبرانية والتشويش وتعطيل الأقمار الصناعية، وهي مجالات تركز عليها الصين بشدة.

ويستشهد المقال في هذا السياق بتصريح لروبرت وورك، نائب وزير الدفاع الأميركي السابق، الذي قال فيه إن "كل نظام اتصالات لدينا تغطيه أجهزة تشويش صينية… ويسأل قائدهم: كيف أحطم الشبكة القتالية الأميركية؟".

التهديد الأخطر

لكن التهديد الأخطر -بحسب المقال- يتمثل في تلاقي الذكاء الاصطناعي مع البيولوجيا. فقد حذرت شركتا "أوبن إيه آي" و "أنثروبيك" من أن الذكاء الاصطناعي قد يُمكّن أفرادا عاديين من تصميم مسببات أمراض فتاكة. وقد أظهر طلاب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مدى سهولة ذلك عندما استخدموا روبوتات محادثة لإعداد وصفات لأربعة فيروسات وبائية خلال ساعة واحدة فقط.

إعلان

ودعا مجلس تحرير نيويورك تايمز واشنطن إلى قيادة الابتكار ووضع القيود بصياغة معاهدات للحد من انتشار الأسلحة الذاتية التشغيل، وتشديد الرقابة على المواد البيولوجية، وإعادة الاستثمار طويل الأمد في الجامعات، وفرض رقابة على تصدير الشرائح المتقدمة للذكاء الاصطناعي.

وقد أعرب مسؤول سابق في البنتاغون عن اعتقاده أن السرعة التي تتطور بها الحروب "ستتجاوز قريبا قدرة البشر على السيطرة عليها". ولمنع ذلك، تنصح الصحيفة أميركا بأن تربح سباق الأسلحة الذاتية وفي الوقت نفسه تقود العالم نحو السيطرة عليها.

مقالات مشابهة

  • أوروبا تتخذ قرارا صارما تجاه روسيا.. وموسكو تحذر من عواقبه الوخيمة
  • أوروبا تجمد 210 مليارات يورو من أصول روسيا وموسكو تحذر من عواقب وخيمة
  • عملاق الأسمنت اليوناني “تيتان” يستحوذ على “تراسيم” التركية مقابل 190 مليون دولار
  • الأمين العام لحلف الناتو يحذر: روسيا قد تهاجم إحدى دول الحلف خلال خمس سنوات
  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • ألمانيا تتهم روسيا بشن هجوم سيبراني استهدف نظام ملاحتها الجوية
  • فضل الدعاء للمريض.. كيف تصبح دعوتك سببًا في الشفاء؟
  • الناتو يحذر من حرب كبرى مع روسيا ويدعو أوروبا للاستعداد الفوري
  • روسيا تحذّر أوروبا من "رد حازم" في حال مصادرة أصولها المجمدة
  • نيويورك تايمز: عندما تصبح الحرب لعبة يديرها الذكاء الاصطناعي