سلط الباحث في شؤون الشرق الأوسط، محمد أوزكان، الضوء على تمدد النفوذ التركي في غرب أفريقيا الفرنكوفونية على حساب فرنسا، مشيرا إلى الانقلابات العسكرية الأخيرة في مالي في أغسطس/آب 2020 ومايو/أيار 2021، وغينيا في سبتمبر/أيلول 2021، وبوركينا فاسو في يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2022، والنيجر في يوليو/تموز 2023.

وذكر أوزكان، في تحليل نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن نفوذ تركيا بغرب أفريقيا تصاعد في العقد الماضي، بدءاً من العلاقات التجارية إلى العلاقات السياسية، ومن التعاون في مجال صناعة الدفاع إلى التعليم والتنمية، ما جعل أنقرة صديقاً حاسماً لأفريقيا الناطقة بالفرنسية.

ويرفض أوزكان الزعم بأن الانقلابات العسكرية هي المسؤولة عن انحدار قوة فرنسا، موضحا أن النفوذ الفرنسي ينحسر في المنطقة منذ فترة طويلة، حتى قبل استيلاء العسكريين على السلطة.

وأضاف أن المشاعر المعادية لفرنسا هي مجرد وسيلة أخرى يستخدمها الانقلابيون لكسب الدعم الشعبي والشرعية، ويمكن أن تساعد في كسب الرأي العام العالمي، من خلال إعطاء الانطباع بأن هذه الدول تستعيد استقلالها عن باريس.

كما أن المشاعر المعادية لفرنسا تمثل واحدة من أهم مجالات الاتفاق بين جميع الفئات الاجتماعية الإقليمية، رغم أن حجمها وشدتها يختلفان من بلد إلى آخر، ومن خلال الاستفادة منها، يضع قادة الانقلابات أنفسهم في مخيلة الجمهور باعتبارهم معبرين عن آمالهم.

حذر دبلوماسي

ويلفت أوزكان إلى أن فرنك الاتحاد المالي الأفريقي، المدعوم من فرنسا والمرتبط باليورو، هو العملة الرسمية لـ 14 دولة أفريقية، بينها: النيجر ومالي والجابون وبوركينا فاسو، وتطالب باريس هذه الدول بالاحتفاظ بنصف احتياطياتها من النقد الأجنبي في الخزانة الفرنسية، مؤكدا أن هذه الرابطة المالية، التي لن تنتهي ببساطة، تسمح لباريس بمواصلة ممارسة نفوذها على الشؤون الاقتصادية والسياسية لبلدان الفرنك الأفريقي.

ونوه أوزكان إلى أن الانتخابات التركية فتحت، في مايو/أيار الماضي، فصلاً جديداً في السياسة الخارجية التركية مع الدول الغربية، حيث يبدو أن الرئيس، رجب طيب أردوغان، لم يعد مهتماً بإغضاب الغرب، بما في ذلك فرنسا، وبالتالي ظلت تركيا بعيدة عن الأضواء نسبيًا عندما يتعلق الأمر بالانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا.

ويلعب أردوغان دور الدبلوماسي الحذر، رغم تحذيره من "التدخل العسكري في النيجر" لاحتمال أن يؤدي إلى "عدم الاستقرار في المنطقة" وطالب بالعودة إلى "النظام الدستوري والإدارة الديمقراطية" في المنطقة.

اقرأ أيضاً

انقلابات أفريقيا.. نفوذ فرنسا يترنح وتركيا تستعد لاستغلال الفرصة

ومنذ أن أصبح هاكان فيدان وزيراً للخارجية التركية، يبدو أن أنقرة تولي المزيد من الاهتمام لجيرانها المباشرين، خاصة سوريا والعراق، والتهديدات الأمنية الكبيرة النابعة من تلك الحدود.

وأثبتت الرحلات والاجتماعات الخارجية المختلفة، التي أجراها فيدان خلال الأشهر الثلاثة الماضية مع مسؤولين من العراق وإيران وأوكرانيا واليونان وبلغاريا وأذربيجان، ذلك بشكل واضح.

وفي حين أن لذلك لا يعني ضمناً أن تركيا تفقد اهتمامها بالمناطق البعيدة، فإن حقيقة أنها لم تظهر اهتماماً كبيراً بالبلدان الأفريقية، في قمة بريكس التي انعقدت الشهر الماضي في جوهانسبرج، لها دلالة واضحة، بحسب أوزكان.  

أولوية إقليمية

فالسياسة الخارجية التركية تعطي الأولوية للقضايا الإقليمية الملحة، بما في ذلك الإرهاب وأمن الحدود والحرب في أوكرانيا لإبراز صورة أكثر استقرارًا وتأثيرًا في سياسة عالمية متغيرة ومضطربة.

وفي العقد الماضي، أصبحت علاقات تركيا مع غرب أفريقيا متعددة الأوجه والطبقات، خاصة على الصعيد الاقتصادي والعسكري والسياسي، كما أن لها مستويات مختلفة من التعاون العسكري مع عدد من دول غرب أفريقيا، بما في ذلك تعليم وتدريب العسكريين.

 ولمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية للتطرف العنيف في غرب أفريقيا، تدير وكالة التعاون والتنسيق التركية مشاريع في عدد من البلدان، بما في ذلك السنغال وتشاد والنيجر وتوغو، ولديها 22 مكتب تنسيق منتشرة في جميع أنحاء القارة.

وتعتبر تركيا جهة فاعلة ذات أهمية متزايدة في تزويد غرب إفريقيا بالمعدات الدفاعية، ووقعت اتفاقيات إطارية عسكرية تغطي التدريب والتعاون الفني والعلمي مع أكثر من 30 دولة أفريقية، بما في ذلك دول منطقة الساحل، لكنها لا تحل بالضرورة محل موردي الأسلحة الحاليين، بل تخلق لنفسها مساحات جديدة.

وهنا يشير أوزكان إلى أن صراع أنقرة مع وجود حركة جولن في دول أفريقيا على دعم متزايد، منذ الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016، وكان إغلاق المدارس التابعة للحركة من أبرز القضايا التي أثارها أردوغان في اجتماعاته مع الزعماء الأفارقة منذ عام 2016.

وتتمتع حركة جولن بقاعدة قوية في أفريقيا الفرنكوفونية، ولكن منذ الانقلاب الفاشل عام 2016، تم إغلاق مدارسها أو تسليمها إلى مؤسسة المعارف التركية، وهي مؤسسة حكومية تدير المدارس نيابة عن تركيا في الخارج.

وتدير المؤسسة الآن مدارس في 26 دولة عبر أفريقيا، بما في ذلك النيجر وتشاد والجابون والكاميرون ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج وغينيا.

ويلفت أوزكان أن دعم هذه الدول لأنقرة خلال انقلاب عام 2016، بينما اتبعت العديد من الدول الغربية والدول الأفريقية الناطقة باللغة الإنجليزية نهج الانتظار والترقب، يعني أن أفريقيا الناطقة بالفرنسية يُنظر إليها على أنها حليف مخلص في نظر دوائر الأمن والسياسة الخارجية التركية.

ويخلص الباحث في شؤون الشرق الأوسط إلى أن قادة الانقلابات الأفريقية قد يتبنون الخطاب المناهض للإمبريالية لكسب الدعم، لكن لا تركيا، ولا أي دولة أخرى، قادرة حتى الآن على القيام بدور فرنسا في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك، لم تبد تركيا أي اهتمام بالقيام بمثل هذا الدور، وبدلاً من ذلك، تفضل أنقرة تعميق علاقاتها مع دول غرب إفريقيا بطريقة منخفضة المستوى، دون التورط في السياسة الداخلية لدول الانقلابات.

اقرأ أيضاً

تركيا تستدعي سفير باريس احتجاجا على الدعاية السوداء ضدها في فرنسا

المصدر | محمد أوزكان/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تركيا فرنسا أفريقيا الفرانكفونية غرب أفریقیا فی المنطقة بما فی ذلک إلى أن عام 2016 فی غرب

إقرأ أيضاً:

دبلوماسي تركى : لا توجد حاليًا أي شروط لحل النزاع الأوكراني

صرح مصدر دبلوماسي في أنقرة بأنه لا توجد حاليا أي شروط مسبقة لاستئناف عملية مفاوضات إسطنبول لحل النزاع الأوكراني، وتركيا لا ترى أي استعداد من الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

 

جاء ذلك وفقا لتصريحات المصدر إلى وكالة "نوفوستي"، حيث تابع: "لاستئناف المفاوضات، هناك حاجة إلى شروط مسبقة. في الوقت الحالي لا توجد هذه الشروط، أما بالنسبة للمبادرات، فإن السيد الرئيس رجب طيب أردوغان يؤكد في كل فرصة استعداد تركيا لأي وساطة. لكننا الآن لا نرى أي استعداد للأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات".

 

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال في وقت سابق إن تركيا تراقب الوضع في أوكرانيا عن كثب، وتدعو الأطراف للعودة إلى المفاوضات. ووفقا له، فإن فرص نجاح مبادرات السلام الأحادية الجانب في أوكرانيا دون مشاركة روسيا ضئيلة.

 

وكان رئيس فصيل حزب "خادم الشعب" الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي، وعضو لجنة الأمن القومي والدفاع والاستخبارات، ديفيد أراخاميا، قد قال في البرلمان الأوكراني إن العمليات العسكرية في أوكرانيا كان من الممكن أن تنتهي في نهاية نوفمبر، ربيع 2022، لكن السلطات الأوكرانية لم توافق على حياد البلاد. وبعد مفاوضات مع الجاب الروسي في إسطنبول، دعا رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون كييف إلى عدم التوقيع على أي شيء مع روسيا و"القتال فقط".

 

في فبراير، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلته مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، إن المفاوضات مع أوكرانيا، عام 2022، كانت على وشك الانتهاء، ولكن بعد انسحاب القوات الروسية من كييف، "أسقط" الجانب الأوكراني جميع الاتفاقات، وحظر زيلينسكي التفاوض مع روسيا قانونا، بإصداره مرسوما بهذا الصدد. وقد صرح بوتين مرارا وتكرارا بأن روسيا لم ترفض أبدا المفاوضات.

 

ويدعو الغرب روسيا إلى المفاوضات، التي تبدي موسكو استعدادها لها، ولكن في الوقت نفسه يتجاهل الغرب رفض كييف المستمر للدخول في حوار. في السابق، صرح الكرملين بأنه لا توجد الآن أي متطلبات مسبقة لانتقال الوضع في أوكرانيا إلى الاتجاه السلمي، والأولوية المطلقة بالنسبة لروسيا هي تحقيق أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة، وفي الوقت الحالي، لا يمكن تحقيق ذلك إلى من خلال الوسائل العسكرية. وكما ذكر الكرملين، فإن الوضع في أوكرانيا يمكن أن يتحرك نحو الاتجاه السلمي، شريطة أن يؤخذ في الاعتبار الوضع الفعلي والحقائق الجديدة.

مقالات مشابهة

  • وفد صندوق النقد الدولي يصل تركيا
  • لماذا كان سلطان السامعي أول من كشف عن شبكة التجسس المزعومة وليس المشاط؟ ..دبلوماسي يتساءل
  • تركيا ترحب بقرار مجلس الأمن بشأن غزة وتثني على حماس
  • دبلوماسي تركى : لا توجد حاليًا أي شروط لحل النزاع الأوكراني
  • برلماني سابق: على تركيا الاحتياط من صعود اليمين المتطرف
  • إيران: المحادثات مع مصر مستمرة على أعلى مستوى دبلوماسي
  • العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيير
  • مصدر دبلوماسي: باكستان تقاطع مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا
  • "وول ستريت جورنال": السعودية والولايات المتحدة تقتربان من إبرام اتفاقية دفاعية
  • وزير الخارجية التركي يزور روسيا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول "بريكس"