لجريدة عمان:
2025-06-29@15:10:50 GMT

في معنى فساد البحر

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

حياة البشر كما أرادها الله، هي من حيث الأصل ابتلاء واختبار للإنسان من حيث كونه إنسانا؛ فالله سبحانه وتعالى هو «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وهذا الاختبار يعني أن من مقتضيات هذه الحياة البشرية في كل مكان وزمان، أن تكون حياةً لبشر منحهم الله الإرادة والحرية من ناحية، وركب فيهم كذلك غرائز وعواطف مختلفة تنعكس عبرها أعمالهم في توظيف الخير والشر، من ناحية ثانية.

وهكذا فإن حدث خلق الإنسان الأول (آدم) كان قد جر معه حديثا عن أمرين هما من لوازم حياة البشر في هذه الأرض، وهو ما ذكر في القرآن في قول الملائكة قبل خلق آدم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» فالفساد وسفك الدماء هما ظاهرتان ملازمتان لطبيعة الحياة الإنسانية، وهنا يكمن اختبار الإنسان وإرادته الحرة عبر العقل الذي منحه له الخالق، فالابتلاء هدفه جعل الإنسان مختارا في فعل الخير والشر مع إمكان القدرة على فعل الخير والشر في الوقت ذاته.

وسنجد كذلك في آية أخرى من القرآن قوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ». ولعل من الغريب في تفسير هذه الآية أن مفسري القرآن الأوائل من أمثال الطبري، خرجوا في تفسيرها بتأويلات وآراء بدت غريبةً نوعًا ما، كقول بعض المفسرين أن معنى هذه الآية يندرج فيما كان من فساد قبل بعثة النبي، فيما قال آخرون كالمفسر مجاهد «أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر».

صحيح أن كلمة بحر في اللغة العربية تشمل كذلك الأنهار، لكننا اليوم وفي ظل التطور المعرفي والعلمي الكبير للبشرية ندرك تمامًا أن ثمة علاقة مباشرة بين التغيرات المناخية كذوبان الثلوج وفيضانات المحيطات والبحار وبين الاعتداء الجائر أو الاستغلال المبالغ فيه لموارد البيئة الطبيعية.

لقد أدرك البشر اليوم بوضوح خطورة التغير المناخي وتقلباته وما ينتج عنها من كوارث بيئية لم تشهدها البشرية من قبل، كظاهرة «التسونامي» وغيرها من الظواهر، كما أدركوا تمامًا أن لتلك المتغيرات المناخية الخطيرة على حياة البشر في الأرض علاقة عضوية بما يفعله البشر وخصوصا في العالم الصناعي.

وهكذا فإن كيفية نسبة ظهور الفساد في البحر اليوم يمكن فهمها بوضوح في منطوق الآية القرآنية في كونها تدل على أن هناك علاقة مباشرة بين كسب أيدي الناس أي تدخل الإرادة الإنسانية، وبين الفساد في البحر.

إن ظهور الكوارث التي تنتج عن الاستخدام الضار لموارد البيئة الطبيعية أصبحت اليوم من هواجس البشرية المشتركة، فاليوم بات واضحًا أن اهتمام العالم الحديث بقمم المناخ وضرورة الالتزام بالنسب المعقولة في الاستخدام العادل لموارد البيئة الطبيعية، أصبح اهتمامًا يدق ناقوس الخطر؛ لأن نتاج الاستمرار في التجريف الجائر للمجمعات الصناعية على تدمير الطبيعة سينتهي بكوارث عامة للبشر جميعًا.

وما شهدناه مؤخرًا في مدينة درنه الليبية عبر (إعصار دانيال) والكارثة التي أودت بحياة الآلاف هناك نجمت عن انهيار سدين مع موجة الإعصار؛ يجسد بوضوح الكيفية التي تجمع بين الأمرين؛ أي الفساد المباشر الناتج عن الخلل في إحكام بناء السدين وصيانتهما، وكذلك الفساد غير المباشر الناتج عن التغيير المناخي وأثره.

نلاحظ في الآية القرآنية الكريمة أن كلمة الناس فيها دلالة واضحة بأن المقصود في معنى الفساد هو فساد عام وكبير يشترك فيه الناس، فهو ليس فسادًا تقوم به فئة من البشر بل هو فساد نتج لفعل كسب الناس. وهنا سنجد أنه قد يدخل في فعل هذا الفساد المكتسب؛ الأفعال غير المباشرة والتي قد لا يظن الإنسان وهو يزاولها بطريقة مباشرة أنه يفعل شيئًا فاسدًا، فيما الحقيقة التي بدت واضحة اليوم بفعل التطور العلمي والصناعي للبشرية؛ أقرت بأن للإنسان الحديث أثرًا واضحًا ومباشرًا وخطيرًا على التغيرات المناخية عبر المجمعات الصناعية للعالم الحديث.

هكذا فيما أدرك المفسرون القدامى معنى ومراد الآية من فساد البشر في البر بوضوح، استشكل عليهم معنى فساد البحر، مع أن الآية الكريمة نسبت فساد البحر أيضًا للناس، ليدركه الإنسان الحديث اليوم بوضوح في المعنى العام التي بات معروفًا اليوم في كون فساد البحر هو من نتائج الاستنزاف الجائر لموارد البيئة الطبيعية الذي ينتج الكوارث المناخية كذوبان الثلوج والفيضانات والأعاصير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حیاة البشر فساد ا

إقرأ أيضاً:

فايروسات قاتلة في خفافيش الصين… هل بدأ سيناريو الجائحة الجديدة؟

أثار اكتشاف علمي جديد في الصين قلقًا عالميًا متصاعدًا، بعد أن عثر باحثون على فيروسات جديدة في الخفافيش، يعتقد أنها تحمل خصائص قادرة على إصابة البشر والتسبب في أمراض خطيرة تشمل التهابات دماغية حادة وأمراضًا تنفسية قد تفضي إلى الموت، في سيناريو يعيد إلى الأذهان بدايات جائحة "كوفيد-19".

وحللت الدراسة التي أجراها فريق من "معهد يونان لمكافحة الأمراض المتوطنة والوقاية منها" عينات من كلى 142 خفاشًا جمعت من 10 أنواع مختلفة خلال فترة امتدت أربع سنوات، واستخدم الباحثون فيها تقنيات متقدمة للتسلسل الجيني. وقد أسفر التحليل عن اكتشاف 22 فيروسًا، بينها 20 فيروسًا لم تُسجَّل من قبل.

وأكثر ما أثار قلق العلماء هو رصد نوعين جديدين من فيروسات "هينيبا"، وهما وثيقا الصلة بفيروسي "نيباه" و"هيندرا" المعروفين بقدرتهما القاتلة للبشر. فقد سُجلت معدلات وفيات بفيروس نيباه تتراوح بين 35% و75%، ويُسبب التهابات دماغية وأعراضًا تنفسية حادة، بينما تسبب فيروس هيندرا سابقًا في وفاة أطباء بيطريين وظهور حالات قاتلة بين البشر والخيول.


وقد وجدت هذه الفيروسات في خفافيش الفاكهة من نوع Rousettus leschenaultii، التي تعيش بالقرب من القرى وبساتين الفاكهة في مقاطعة "يونان". وبما أن هذه الفيروسات تنتقل عبر البول أو اللعاب، يحذّر العلماء من خطر انتقال العدوى إلى الإنسان عبر الفواكه الملوثة أو المياه.

وأكد الباحثون في دراستهم أن هذه النتائج "تبرز الحاجة المُلِحّة لمزيد من التحليل الميكروبي الكامل لأعضاء الحيوانات البرية، لفهم خطر انتقال الأمراض من الخفافيش للبشر بشكل أدق"، وأضافوا أن الخفافيش "تُعد مستودعًا طبيعيًا لمجموعة كبيرة من الفيروسات التي سبق أن انتقلت إلى الإنسان، كما حدث في تفشي فيروس كورونا وإيبولا ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)".

وفي سياق متصل، حذر عالم الفيروسات البارز، إدوارد هولمز، من مخاطر مزارع الفراء في الصين، التي تضم أنواعًا من الثدييات كالمنك، وتُمثّل بيئة مثالية لانتقال الفيروسات بين الحيوانات ومنها إلى البشر. هولمز وصف تربية الفراء بأنها "إحدى أكثر الطرق ترجيحًا لبدء جائحة جديدة"، داعيًا إلى إغلاق هذا القطاع عالميًا.

هذه التحذيرات تؤكد مرة أخرى أن العالم لا يزال يعيش تحت تهديد دائم من فيروسات ناشئة، وأن التعامل غير الحذر مع الحياة البرية قد يدفع البشرية نحو جائحة جديدة.

مقالات مشابهة

  • فايروسات قاتلة في خفافيش الصين… هل بدأ سيناريو الجائحة الجديدة؟
  • الفساد يطيح بوزير يوناني و3 نواب
  • خبير تركي يوجه تحذيرًا هامًا بعد زلزال فجر اليوم.. الأنظار تتجه نحو هذه المنطقة
  • كفر السنابسة تودع شهداء لقمة العيش.. قرية ترتدي السواد وتعلم معنى التكافل في وجه الفقد
  • هل يحصل نتنياهو على عفو رئاسي من تهم الفساد التي تلاحقه؟
  • طقس اليوم السبت 28 يونيو 2025: شديد الحرارة على معظم الأنحاء وشبورة مائية صباحًا
  • يسري جبر يشرح معنى حديث لا حسد إلا في اثنتين
  • إيران: الإصرار على زيارة مواقعنا النووية “لا معنى له وخبيث”
  • محكمة إسرائيلية ترفض طلب نتنياهو إرجاء محاكمته بتهم فساد
  • «حراك سوق الجمعة» يدعو إلى مظاهرة اليوم في ميدان الشهداء بطرابلس