لجريدة عمان:
2025-12-13@12:35:01 GMT

في معنى فساد البحر

تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT

حياة البشر كما أرادها الله، هي من حيث الأصل ابتلاء واختبار للإنسان من حيث كونه إنسانا؛ فالله سبحانه وتعالى هو «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» وهذا الاختبار يعني أن من مقتضيات هذه الحياة البشرية في كل مكان وزمان، أن تكون حياةً لبشر منحهم الله الإرادة والحرية من ناحية، وركب فيهم كذلك غرائز وعواطف مختلفة تنعكس عبرها أعمالهم في توظيف الخير والشر، من ناحية ثانية.

وهكذا فإن حدث خلق الإنسان الأول (آدم) كان قد جر معه حديثا عن أمرين هما من لوازم حياة البشر في هذه الأرض، وهو ما ذكر في القرآن في قول الملائكة قبل خلق آدم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» فالفساد وسفك الدماء هما ظاهرتان ملازمتان لطبيعة الحياة الإنسانية، وهنا يكمن اختبار الإنسان وإرادته الحرة عبر العقل الذي منحه له الخالق، فالابتلاء هدفه جعل الإنسان مختارا في فعل الخير والشر مع إمكان القدرة على فعل الخير والشر في الوقت ذاته.

وسنجد كذلك في آية أخرى من القرآن قوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ». ولعل من الغريب في تفسير هذه الآية أن مفسري القرآن الأوائل من أمثال الطبري، خرجوا في تفسيرها بتأويلات وآراء بدت غريبةً نوعًا ما، كقول بعض المفسرين أن معنى هذه الآية يندرج فيما كان من فساد قبل بعثة النبي، فيما قال آخرون كالمفسر مجاهد «أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر».

صحيح أن كلمة بحر في اللغة العربية تشمل كذلك الأنهار، لكننا اليوم وفي ظل التطور المعرفي والعلمي الكبير للبشرية ندرك تمامًا أن ثمة علاقة مباشرة بين التغيرات المناخية كذوبان الثلوج وفيضانات المحيطات والبحار وبين الاعتداء الجائر أو الاستغلال المبالغ فيه لموارد البيئة الطبيعية.

لقد أدرك البشر اليوم بوضوح خطورة التغير المناخي وتقلباته وما ينتج عنها من كوارث بيئية لم تشهدها البشرية من قبل، كظاهرة «التسونامي» وغيرها من الظواهر، كما أدركوا تمامًا أن لتلك المتغيرات المناخية الخطيرة على حياة البشر في الأرض علاقة عضوية بما يفعله البشر وخصوصا في العالم الصناعي.

وهكذا فإن كيفية نسبة ظهور الفساد في البحر اليوم يمكن فهمها بوضوح في منطوق الآية القرآنية في كونها تدل على أن هناك علاقة مباشرة بين كسب أيدي الناس أي تدخل الإرادة الإنسانية، وبين الفساد في البحر.

إن ظهور الكوارث التي تنتج عن الاستخدام الضار لموارد البيئة الطبيعية أصبحت اليوم من هواجس البشرية المشتركة، فاليوم بات واضحًا أن اهتمام العالم الحديث بقمم المناخ وضرورة الالتزام بالنسب المعقولة في الاستخدام العادل لموارد البيئة الطبيعية، أصبح اهتمامًا يدق ناقوس الخطر؛ لأن نتاج الاستمرار في التجريف الجائر للمجمعات الصناعية على تدمير الطبيعة سينتهي بكوارث عامة للبشر جميعًا.

وما شهدناه مؤخرًا في مدينة درنه الليبية عبر (إعصار دانيال) والكارثة التي أودت بحياة الآلاف هناك نجمت عن انهيار سدين مع موجة الإعصار؛ يجسد بوضوح الكيفية التي تجمع بين الأمرين؛ أي الفساد المباشر الناتج عن الخلل في إحكام بناء السدين وصيانتهما، وكذلك الفساد غير المباشر الناتج عن التغيير المناخي وأثره.

نلاحظ في الآية القرآنية الكريمة أن كلمة الناس فيها دلالة واضحة بأن المقصود في معنى الفساد هو فساد عام وكبير يشترك فيه الناس، فهو ليس فسادًا تقوم به فئة من البشر بل هو فساد نتج لفعل كسب الناس. وهنا سنجد أنه قد يدخل في فعل هذا الفساد المكتسب؛ الأفعال غير المباشرة والتي قد لا يظن الإنسان وهو يزاولها بطريقة مباشرة أنه يفعل شيئًا فاسدًا، فيما الحقيقة التي بدت واضحة اليوم بفعل التطور العلمي والصناعي للبشرية؛ أقرت بأن للإنسان الحديث أثرًا واضحًا ومباشرًا وخطيرًا على التغيرات المناخية عبر المجمعات الصناعية للعالم الحديث.

هكذا فيما أدرك المفسرون القدامى معنى ومراد الآية من فساد البشر في البر بوضوح، استشكل عليهم معنى فساد البحر، مع أن الآية الكريمة نسبت فساد البحر أيضًا للناس، ليدركه الإنسان الحديث اليوم بوضوح في المعنى العام التي بات معروفًا اليوم في كون فساد البحر هو من نتائج الاستنزاف الجائر لموارد البيئة الطبيعية الذي ينتج الكوارث المناخية كذوبان الثلوج والفيضانات والأعاصير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حیاة البشر فساد ا

إقرأ أيضاً:

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أي وضع حقوقي في تونس؟

حذر حقوقيون تونسيون، من الوضع "الخطير" الذي باتت تشهده الحقوق والحريات في تونس، خلال السنوات الأخيرة وذلك بالنظر للاستهداف الكبير للمعارضين والصحفيين والمدونيين، وتسليط المرسوم عدد 54 على رقاب كل من يتكلم ويعبر عن موقفه بحرية وخاصة من يخالف السلطة.

واعتبر الحقوقيون، في ندوة صحفية الأربعاء، بالتزامن مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن الحقوق تعيش "وضعا صعبا للغاية" ما يستوجب الدفاع عنها بكل قوة مهما كلف الأمر، مطالبين السلطات بالبلاد باحترام الحقوق وفتح حوار جدي لأن في ذلك ضمانة للجميع دون استثناء.

وضع صعب
وقال عميد المحامين التونسيين بوبكر بالثابت: "وضع حقوق الإنسان صعب جدا في تونس، وهو بعيد عما يخطه الإعلان العالمي وما تسنه النصوص الوطنية والقوانين وحتى التراتيب".

وأكد بالثابت في تصريح لـ "عربي21"،"ضمانات الدفاع والمحاكمة العادلة غائبة، هناك عديد الممارسات التي تنسف عناصر المحاكمة العادلة ونحن نعيشها تقريبا يوميا كمحامين وخاصة في القضايا التي يحاكم فيها عدد من منظورينا".

ويقبع بالسجون عدد بارز من المحامين من ذلك عبير موسي ،نور الدين البحيري، رضا بالحاج، غازي الشواشي، عصام الشابي، نجيب الشابي والعياشي الهمامي..

وشدد على "إن إحالة حقوقيين و إعلاميين وسياسيين على معنى قانون الإرهاب، أمام محاكم غير مختصة، أمر ترفضه معايير حقوق الإنسان والقانون" لافتا إلى أن "هناك أحكام قاسية تصدر ومخالفة لما نتدارسه اليوم وهو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".




يشار إلى أنه وخلال الأشهر الأخيرة، قد تواترت الأحكام القضائية بتونس  ضد عدد من المعارضين السياسيين في ملفات  مختلفة أبرزها "التآمر1"،"التآمر2" وتراوح مجموع أحكام كل قضية مئات السنين ما شكل صدمة عند الرأي العام وخاصة الحقوقي.

وأضاف"هناك تضييق على عدد من المساجين خلال الزيارات ونقلتهم من السجون بعيدا عن المحاكم التي يحاكمون فيها"مشددا"كل هذا فيه مس من الحقوق الأساسية والإنسانية التي نص عليها القانون ولذلك نحن نقول إن حقوق الإنسان بتونس تعيش ظروفا خاصة جدا".

وأكد "المحاماة تناضل من أجل القانون وأبدا ومطلقا لن تسكت عن مخالفة القانون كلفنا ذلك ما كلفنا" مطالبا، "نحن نتابع الأوضاع وندعو السلطة إلى فتح حوار حقيقي حول ما نطالب به لأن سيادة القانون فيه سلامة لجميع الأطراف بما في ذلك السلطة الموجودة".



المرسوم السيف
بدوره قال نقيب الصحفيين التونسيين زياد الدبار: "واقع الحقوق صعب للغاية وخاصة على مستوى الحريات الصحفية وفي ظل المرسوم عدد 54 الناسف لكل الحقوق".

وفسر في تصريح خاص لـ "عربي21"،"المرسوم تسبب في سجن عديد الصحفيين وحتى مواطنيين،اليوم عندما نتكلم عن الحرية الصحفية نتكلم عن ممارستها فهي باتت صعبة بالنظر لإقصاء الصحفيين من تغطية الندوات الكبرى وكذلك التفريق بين من هو صحفي في القطاع العام والخاص".

وتابع أن "كل صحفي ناقد للسلطة ولا يعجبها موقفه يتم منعه من التغطية بالمحاكم وهو تضييق ممنهج"، مؤكدا أن "الخطاب الرسمي يتبنى الحقوق والحريات والواقع بعيد البعد عن ذلك".

جدير بالذكر أن عددا من الصحفيين يقبعون بالسجون منذ سنوات ومحالون طبقا للمرسوم عدد 54،كما يحاكم عدد من السياسيين طبقا لنفس المرسوم.

وتنص المادة 24 من المرسوم عدد 54 لسنة 2022 الصادر في 13 سبتمبر/ أيلول ،على عقوبة "السجن مدة 5 أعوام وبغرامة قدرها 50 ألف دينار (نحو 16 ألف دولار) كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان".

مقالات مشابهة

  • في اليوم العالمي للفساد..المحصلة في ليبيا!
  • ثقافة الفيوم تنظم لقاءات توعوية لتعزيز وعي الطالبات بالمدارس
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
  • البيئة: ثلاث مواقع غوص صناعية لإنقاذ شعاب البحر الأحمر.. معركة بين الإنسان والطبيعة
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ما هو وضعها في تونس؟
  • عندما يقصى الضحايا.. لا معنى لأي حوار في ليبيا
  • ما معنى تخفيض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس؟
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أي وضع حقوقي في تونس؟
  • اعتقال الرئيس البوليفي السابق في قضية فساد