أكد الدكتور يوسف عامر، رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ، أن علاقة المسلم بالكون من حوله لها أبعاد مهمة لا بد من حضورها في ذهن كل مسلم حتى يعلم حقيقة رسالته ومسئوليته التي سيسأل عنها أمام الله تعالى، فكل مكلف منا مسئول كما بين هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».

وأضاف عامر خلال كلمته في مؤتمر "قضايا المناخ والبيئة في ضوء الفقه الإسلامي والقانون" بكلية الشريعة والقانون بدمنهور، أن من أول هذه الملامح التي ينبغي أن يعيها المسلم أن الإنسان خليفة لله تعالى في أرضه، فهو مسئول عن صلاحها ورعايتها، يسير فيها وفق مراد الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، والله سبحانه وتعالى قد سخر له الكون {الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (12) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

وأكد رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشيوخ، أن إحياء هذه الأمور في نفوس المسلمين ونشر هذه الثقافة الأصيلة في الناس، هو ضمانة كبرى لعدم الإفساد في البيئة والكون، وهو واجب العلماء والدعاة، وهو التوصية الأولى لهذا المؤتمر الكريم.

ولفت إلى أن إذا نظرنا إلى التاريخ البشري سنجد أن حضارة المسلمين التي امتدت قرونا متطاولة عبر الزمان، وترامت أرجاؤها عبر المكان، لم يلق الكون منها أذى حسيا أو معنويا، ولا تلوثا في الخلق أو في الخلق، ونجد حضارة أخرى أمدها أقصر، ورقعتها أصغر، لاقى الكون منها ويلات وبوائق! والسبب في هذا يكمن في النموذج المعرفي لكل منهما.

ولفت إلى أنه ينبغي على العلماء المتخصصين أن يبينوا للناس كيف تحدث الشرع الشريف عن القضايا العصرية كالحفاظ على البيئة والمناخ، والتنمية المستدامة وغيرها...، حتى لا يترسخ في نفوس الناس وعقولهم بطريقة غير مباشرة انبتات الصلة بين الدين والدنيا.

وطالب رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، العلماء المتخصصون في التفسير وعلوم السنة النبوية ببناء كشافات ومسارد علمية تكشف كنوز القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا يحتاج بالطبع إلى إدراك عميق لقضايا الواقع بصورة علمية دقيقة، ونظر عميق يستنبط ما في الوحيين الشريفين من علوم، وهذا واجب أهل كل عصر، وتوجيه الدراسات العليا والأبحاث المتخصصة إلى تناول مثل هذه القضايا تناولا علميا عميقا، بالتنسيق مع العلماء المتخصصين في المجالات العلمية الأخرى، حتى تكون الرسائل العلمية عندنا مساهمة حقيقية في التقدم والازدهار وبناء الحضارة.

ودعا إلى ضرورة وضع خطة دعوية مكثفة من خلال المساجد والمؤسسات العلمية المختلفة، وبين الفئات الاجتماعية المختلفة تبين طبيعة فهم المسلم للكون، وما يترتب على هذا الفهم العميق من إصلاح وعدم إفساد، ونشر ثقافة التربية على فقه النظر في مآلات [عواقب] الأمور، حتى يخرج جيل يراعي أبعاد ما وراء حاضره، وما بعد حياته الدنيا، بهذا نسهم في بناء حضارة نافعة للعالم كله، وبهذا يستعيد المسلمون ريادتهم.

ونوه إلى أنه ينبغي أن يراعي العلماء والدعاة بيان أن هذه القضايا المعاصرة كلها أمور أصيلة في هذا الدين وليست دخيلة عليه، وأن المسلم معني بها مسئول عنها محاسب عليها، وهذا وجه من وجوه فهم الدين وتجديد خطابه.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المسلم المناخ المساجد العلماء

إقرأ أيضاً:

عندما يكون هناك «خداع بصري وتلوث صوتي»!

بدر بن صالح القاسمي

أحتاج في بعض الأحيان إلى حالة صمت طويلة، وإلى سكون أشبه بجمود نفسي وعقلي من أجل أن أستوعب ما يأتي به بعض البشر أو بالأحرى ما يروجونه من أفكار مسمومة وحديث لبق منمق، لكنه عبارة عن «خداع بصري وتلوث صوتي» لا يسمن ولا يغني من جوع.

عندما أستفيق مما أنا فيه، أشرع في صب أعمدة الأسئلة في مكانها الصحيح، هل الذين يدعون معرفة كل شيء في هذا الوجود هم أشخاص عقلاء مثل بقية البشر أم أن حديث الوهم والخداع الذي يلفظونه بألسنتهم الطويلة، يأتي من أدمغة غسلت تماما من أي فكر مستنير؟! في بعض الأحيان أعلن ما بيني وبين نفسي، أن ثمة خطأ بشريا يرتكبه البعض عندما يدعون الناس إلى الاستسلام والتخلص من كل طاقتهم وتحطيم إرادتهم بأيديهم، معربين لهم عن ثقتهم بأن «الحياة ليس بها مستقبل»، وبأن الذي منحهم الله إياه من نعم، عليهم التخلص منه وأن يذروه بعيدا عنهم لأنهم «سيموتون»!.

لا أعتقد بأن حتمية الموت هي من يجب أن تدفعنا نحو اعتزال كل شكل من أشكال الحياة، وأعتقد بأن مثل هذه النداءات مضللة وإن كان أصحابها ينعقون فوق كل شجرة وحجر، الحياة لم توجد من أجل جلب التعاسة للبشر، بل هي أرض خصبة للعمل والجد والاجتهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم توضع الموازين ويثاب المجد ويعاقب المخطئ، أما حتمية الموت فهي الحقيقة التي لا مناص منها وهي القدر الذي يلاقيه كل البشر والكائنات الحية الأخرى، فلما نرمي كل شيء على هذه الحقيقة أي «الموت»!.

تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من المقاطع الصوتية والمرئية لبعض الأشخاص الذين يدعون المعرفة بالحياة، ويدعون الناس إلى التراخي والاستسلام للقدر المحتوم، بل يطالبونهم بان يكبلوا أنفسهم بالأغلال والأصفاد، ويصطفون في طابور انتظار لحظة خروج الروح.

الموت هو اللحظة التي لا نعرف متى ستأتي لاي شخص منا، أما الترويج للأفكار السوداء فهي فعل شيطاني لا يمت للواقع بصلة، وما الذين يرفعون أصواتهم ويدعون المعرفة ويلبسون ثوب النصح والإرشاد ما هم إلا زوابع تأتي وتذهب مع الوقت!.

والبعض يهرف بما لا يعرف، يفتي في كل الأمور دون وعي أو يقين أو دراية علمية أو دينية، يصدحون ليل نهار فقط من أجل أن يتابعهم الملايين، ويتأثر بحديثهم الناس، يجدون في البحث عن «ضحايا» يصغون إلى تخاريفهم ومسرحياتهم الهزلية.

منذ فترة زمنية ماضية سمعنا عن شخص فارق الحياة، ثم اكتشف أمره بأنه أنفق كل ما كان يملك من مال، تاركا أبناءه في عوز ومشقة وبلاء، لكنه لم يترك الدنيا مديونا لأحد، بل ترك أبناءه يطلبون العون والمساعدة من الآخرين!.

عندما بحث الأبناء عن أموال أبيهم التي كان يدخرها على مدى سنوات طويلة، اكتشفوا أن ثمة شخص «أفتى له بأن الإنسان يعذب على المال الذي يتركه بعد موته حتى وإن كان حلالا»، وعليه صدق الرجل حديثه، وقام بإنفاق كل ما يملك لوجه الله، ولم يترك شيئا لأولاده!.

وهذا الذي أفتى بهذه الفتوى، نسي ما ورد في السيرة النبوية الشريفة: فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: «يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنه لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بشطره ؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» متفق عليه.

قرأت ذات مرة حديثا يقول: «الدنيا لا تستحق أي حرب نفسية سواء كانت مع نفسك أو مع أي شخص آخر، لأنها تتقلب من لحظة إلى أخرى، صحتك قد تخونك واحبابك سيتركونك لا محالة، لا يوجد ضمان لا يشي ولو لدقيقة واحدة، فالأحوال كلها تتبدل في ثوان معدودة، لذا لا داعي مطلقا لإشعال الصراعات في حياتك»..، كلام جميل، ولكن هذا ليس معناه أن يتخلى الإنسان عن أي رابط يربطه بالحياة، ويلقي بكل الهزائم على القدر أو الآخرين.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، فمكابدة الحياة ليس معناها الاستسلام والانهزام من مواجهة الأزمات والصعوبات، ولكن طالما أن الانسان لا يزال على قيد الحياة عليه بالعمل، وأن يصارع رغباته ونزواته من أجل أن يخرج من دار الفناء إلى دار القرار آمنا مطمئنا.

هناك الكثير من الحقائق التي لا يتحدث عنها الناس، بل يركزون على نقطة سواء واحدة، يلفون حولها الحبال غليظة، وينصبون المشانق في رقاب البسطاء، يخرجوهم من رحلة الكفاح والنجاح إلى طرق المظلمة التي لا ترى فيها شمسا ولا قمرا.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: حسبنا الله ونعم الوكيل ذكر يهز الكون ويكفي العبد ويطمئن قلبه
  • عندما يكون هناك «خداع بصري وتلوث صوتي»!
  • إتصالات مكثفة قبل جلسة الحكومة بشأن حصرية السلاح وبوادر أزمة في الأفق
  • مفتي الديار اليمنية يوجه نداءً تاريخياً لعلماء الأمة: أفتوا بوجوب الجهاد نصرةً لغزة
  • الشيخ نعيم قاسم: لن نقبل أن يكون لبنان ملحقاً لكيان العدو الإسرائيلي ولو اجتمع علينا الكون كله
  • قيادي بـ«مستقبل وطن»: تحركات مكثفة للحزب في الخارج استعدادًا لانتخابات الشيوخ
  • لقاء للعلماء والخطباء في عمران لمناقشة المستجدات في ظل الجرائم الصهيونية في غزة
  • عمران .. لقاء للعلماء والخطباء يناقش المستجدات الراهنة في غزة
  • الرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّة.. شِفَاءٌ يُرْتَجَى أَمْ مَكَاسِبُ تُجْتَنَى
  • علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية وعلى المسلم أن يتوب ويتسامح مع نفسه والآخرين