جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-03@01:46:11 GMT

صحتك حياتك.. فلا تفرط فيها

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

صحتك حياتك.. فلا تفرط فيها

 

حمد الحضرمي **

خُلق الإنسان في آية إلهية مبدعة، تدل على عظمة الخالق وقدرته التي ليس لها مثيل، وعلى الإنسان أن يُدرك أبعاد نعمة إيجاده من العدم، ومراحل الخْلق التي جاءت أطوارا، وفي كل طور تتجلى حكمة الخالق وعظمته "وقد خلقكم أطوارًا" (نوح: 14) وبعد كل هذه الأطوار أنشأه الله خلقًا آخر في أحسن تقويم، فنفخ فيه الروح فصار إنسانًا حيًّا مفكرًا، بعد ما كان جمادًا "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون: 14).

وقد وهبنا الله نعمة الخْلق وزودنا بالأعضاء المتكاملة والحواس المذهلة، وهذه نعمْ من نعمْ الله علينا التي لا تحصى ولا تُعد، ويتوجب علينا شكر الله وحمده على نعمائه وفضله، والمحافظة على حياتنا وصحتنا لنعيش في صحة وعافية أقوياء، ونعبد الله حق عبادته لنحيا سعداء في الدنيا والآخرة. والصحة ركيزة أساسية من ركائز حياة الإنسان ووجوده؛ فالإنسان الصحيح في جسمه وتجري في عروقه دماء العافية، يستطيع تأدية واجباته العملية؛ لأنه محافظ على صحته ويتمتع بجسم قوي ولياقة بدنية جيدة، ويكون فردًا فعَّالًا ومفيدًا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه، أما الإنسان المريض فتكون حركته ضعيفة وحياته صعبة؛ لأن جسمه الضعيف غير قادر على تحمل الأعباء، ولا يستطيع القيام بواجباته العملية، ويعيش حياة الكسل والخمول، ويحيا حياة بائسة، وحتى نحيا ونعيش حياة الأصحاء السعداء، يتوجب علينا الالتزام التام بالوصايا الطبية، وتطبيق السلوكيات الصحية المفيدة ليكون الإنسان في صحة وعافية وسعادة وسرور.

ويعد الغذاء وهو مصدر الحياة، من أهم الوسائل التي تؤثر في صحة الإنسان، الذي عليه تناول الأطعمة الطبيعية والطازجة مثل الخضروات والفواكه، لأنها تعطي الإنسان كميات كبيرة من الفيتامينات والأملاح المعدنية، وتوفر له الألياف التي تحافظ على فاعلية جهازه الهضمي، وتقلل من خطر الإصابة بأمراض كثيرة. وعلى الإنسان الابتعاد عن الوجبات السريعة لأنها غنية بالدهون، والابتعاد كذلك عن الوجبات المعالجة الجاهزة والأطعمة المعلبة، والتقليل من السكريات والدهون والملح واللحوم، لأن كثرتها تسمم جسم الإنسان وتجعله عرضة للأمراض، ويصبح غير قادرٍ على مُمارسة حياته بالشكل الطبيعي؛ الأمر الذي يُؤثر على حياته وعبادته بشكل خاص.

وعلى الإنسان أن لا يأكل إلّا وهو جائع، وأن يتناول طعامه ببطء، ولا يأكل بسرعة وأن يمضغ طعامه جيدًا، وأن يأكل الطعام بكميات قليلة "لأنَّ المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث "ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه". فعلينا الحرص على ترك مائدة الطعام قبل أن نشبع، لأنَّ كثرة الطعام تؤثر على عملية الهضم وعلى الجهاز الهضمي، وعندها ستصاب بالتخمة والسمنة والمتاعب والمشاكل الصحية. وتجنب ضرر وجبة العشاء خاصة عندما تتناولها في وقت متأخر من الليل، لأنها تشكل خطورة على صحة الإنسان، لأنَّ الغدد الهضمية يتوقف نشاطها أثناء النوم، وتصبح عملية تحلل الأطعمة وهضمها صعبة، كما تؤثر المعدة الممتلئة بصورة سلبية على جهاز الدورة الدموية بشكل عام، وتؤثر بشكل خاص على الأوعية الدموية المؤدية إلى القلب، وعدم إكمال الهضم يُحدث التخمر والغازات، ويكون سببًا في اختلالات خطيرة في نشاط القلب، الأمر الذي يؤثر على صحة وحياة الإنسان.

ومن النصائح الطبية- التي أبلغتني بها ابنتي الدكتورة فاطمة وأختاها مريم وعائشة الطالبات في كلية الطب- أن الإفطار أهم الوجبات الثلاثة؛ لأنَّ طوال فترة الليل يكون الإنسان نائمًا ومتوقفًا عن الطعام، وعند تناول وجبة الإفطار تتزايد مستويات السكر في الدم، فتمنح المخ دفعة أولية ليعمل بشكل سليم، والرجاء التركيز على وجبة الإفطار خاصة لدى أطفال المدارس والمُراهقين، لأنَّ الدراسات تؤكد أن وجبة الإفطار تدعم الوظائف العقلية، كالاستيعاب والذاكرة والأداء المدرسي وضابط للجوانب النفسية والسلوكية بشكل عام. ومن النصائح أيضًا شرب كمية كافية من الماء، لأنَّ الماء يدخل في العديد من العمليات الحيوية التي تتم في جسم الإنسان، ويُساعد على إبعاد المواد الضارة التي تكونت في الجسد، وكذلك يساعد الكبد والأمعاء على التخلص من المواد الضارة وإبعادها خارج الجسد، فأي نقص من الماء في جسم الإنسان يسبب مشاكل صحية مثل الإمساك والخمول، فالنصيحة أن يشرب الإنسان طوال اليوم على فترات مقدار لترين من الماء (ثمانية أكواب تقريبًا) وأن يشرب لترين آخرين من الماء يوميًا على شكل أطعمة غنية بالسوائل كالخضروات والفواكة، والحرص على شرب كوب من الماء حرارته مقبولة على الريق بمجرد الاستيقاظ، لأنَّ ذلك يساعد على تنشيط الجهاز الهضمي.

ومن النصائح الطبية الحفاظ على التنفس الصحي؛ لأن أي خلل يحدث في نظام تنفسنا يؤدي بنا إلى الضعف والمرض ثم الموت، فالهواء أكثر أهمية من الطعام والماء، لأن حرمان الجسم من الهواء لدقائق معدودات يؤدي إلى الاختناق ثم الموت، فعلينا الحرص على التنفس العميق لأنه المفتاح لتتشبع خلايا جسم الإنسان بالأكسجين. ومن النصائح الطبية أيضًا النوم الصحي، فكن حريصًا على حصول جسمك على قدر كافٍ من النوم خاصة فترة الليل، وأن تكون فترة النوم من 6 - 8 ساعات يوميًا، لأن قلة النوم تسبب لك الإرهاق والضعف وعدم النشاط وفقدان التركيز، والتعب البدني، وعليك الابتعاد قبل النوم عن شرب القهوة والشاي، لأن ذلك يحرمك من النوم العميق، وعليك قبل النوم القيام بآداب النوم الواردة عن نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لتحفظ لك نفسك وتكون نفسك طيبة مطمئنة زكية تساعدك على العمل والذكر وحسن العبادة على أكمل وجه.

ونصيحتي الشخصية لكم أيها القراء الكرام بممارسة الأنشطة الرياضية خاصة رياضة المشي، لأنه من أفضل وأسهل الأنشطة الرياضية التي يمكن القيام بها مهما كان عمر الإنسان، فممارسة رياضة المشي على أقل تقدير نصف ساعة يوميًا، لأن رياضة المشي تحرق دهون الجسم، وتبني العضلات، وتقلل خطر الإصابة من أمراض السكري وهشاشة العظام وتصلبات الشرايين والقلب والسكتة الدماغية، وتخلصك من الضغوط العصبية والنفسية، وتجعل جسمك نشيط وكله حيوية. والنصيحة الأهم البعد كل البعد عن التدخين والشيشة لأنهما آفة العصر، وهما سبب مباشر للمهلكات من المسكرات والمخدرات، التي تهدم صحة الإنسان وتصيبه بالضعف والمذلة والهوان والمرض، فحاولوا يا أيها المدخنون بإرادة قوية التوقف عن ضرر أنفسكم وقتلها، وإيذاء الآخرين "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء: 29) ولا تقل لا أستطيع! أنت قادر بالإصرار والعزيمة والإرادة التوقف عن التدخين بشتى أنواعه وأشكاله لمخاطره الصحية على صحتك وحياتك.

وحتى نحيا ونعيش حياة صحية طيبة كريمة، علينا الحرص والمحافظة على صحتنا وحياتنا ولا نفرط فيها لأنها ملكُ أيدينا، ونبذل الجهود الكبيرة حتى نتمتع بأبصارنا وأسماعنا وأبداننا، لأننا مسؤولون عنها ولا نملكُ غيرها، لنعيش حياة كلها صحة وعافية وسعادة وسرور. وتبقى صحة أجسامنا ونظافتها وطهارتها بأيدينا وتقع على عاتقنا، حتى نقي أنفسنا من الأمراض والعاهات والأسقام، وإذا أتعبتك يا أيها الإنسان الآلام والأوجاع، وشعرت بأن المرض جعل حياتك رمادية اللون، وكرهت العيادات والمستشفيات ومراجعة الأطباء، فتذكر بأن الله هو الشافي، الذي يشفي ويعافي كل أمراض عباده، فكم مرة مرضنا، فمن الذي شافانا وعافانا، أليس الله ؟ لأن الله هو الرحيم العليم الحليم الشافي بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم يا شافي أنعم بشفائك ورحمتك على كل روح ضعيفة وجسد منهك، وقلب متعب، ولأنك الله الشافي فلا خوف ولا قلق.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ثلاثية الوجود.. ودعاوى الإلحاد

إنَّ الإيمان بالله -رغم اختلاف معتقداتنا نحن البشر فيه- راسخ في ضمائرنا؛ فالملحد المنكر لوجود الله - في البُعد الفلسفي- لا يختلف عنا - نحن المؤمنين - في إقراره بقوة مُوجِدة ومُنظِمة لهذا الكون العظيم، ولكنه أنكر الله واستبدل به أسماء مادية.

لقد طفق الملحد يؤول هذه القوة؛ قيومية الوجود المستقرة في نفسه بضروب مِن التأويل، فتارةً يستجدي العقل فلا يسعفه، وتارةً يلجأ إلى العلم فلا يجد فيه بغيته، ولا يلبث أنْ يستدعي تاريخ مبتدأ الإنسان؛ فيعلل به إلحاده، وأخيرًا.. يسبح في بحر التشريح البيولوجي للحيوان؛ ومنه الإنسان، فيتعسف في استنطاقه، ولست هنا مفندًا تأويلات الملحد، وإنَّما أتأمل حالةً مِن العلاقة بين الإنسان والكون وخالقهما، أزعم أنَّها تستوقف العاقل في رحلته المحدودة على الأرض، وكثيرًا ما تبلغ به مبلغ القلق الوجودي.

لقد كان الإنسان وكان الله حاضرًا في قلبه، فلا قلب خالٍ مِن وجود خالقه، ليس رأيًا أراه وحدي، ولا يقينا منعقدا به قلبي فحسب.. بل إقرار أقر به الإنسان منذ وجد وأينما وجد.

هناك ثلاث حقائق متلازمة: الله والإنسان والكون، إنَّها عَمَد الوجود، فلو زالت إحداها لانهدم صرحه، أقر المؤمن بها، وأنكر الملحد إحداها، فلا أدري أين قرار نفسه في هذه الحياة؟! هذه الحقائق الوجودية كنه إدراكها العقل. فالعقل.. وعينا به أنفسنا وعرفنا به ربنا وأدركنا به الكون مِن حولنا، وهو قاضٍ بوجود الله، وقاضٍ كذلك بعدله. وإنَّ العدل هو الميزان الذي تركّب عليه الوجود، وهو ما استلزم الجزاء الأخروي وأوجب الإيمان به، فلا يجوز في العقل أنَّ الكون المركَّب على ميزان القسط ينجو فيه الظالم بظلمه، وألّا يُنصَف المظلوم مِن ظالمه، مما استلزم - عقلا - أنْ نؤمن بالحساب الأخروي؛ وهذه ليست حجة الإيمان فحسب.. بل حجة الفلسفة، وقد محّصها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (ت:1804م) ببرهان العقل؛ لا بحجة الدين. وأما الدين فحجته الفطرة؛ وهي أرسخ في اليقين عندي.

أوجبت العقول الإيمان بالله، واختلفت في كيفية انغراسه فطرةً في النفس، ومتى حصل الانغراس؟ وليس المقام هنا تحقيق الرأي الأصوب مِن آراء لا يكاد العد يحصيها، فكما قال المتصوفة: الطرق إلى الله بعدد أنفاس البشر. فقصد المقال هو النظر في بعض دعاوى التي يرددها الملحد.

خلق الله الكون أطوارًا، والتطور سنة تحكم الكون بأسره؛ مِن أجرامه الضخمة حتى ذراته الدقيقة، وكان الإنسان واسطة عقد الكون وزينة وجوده، فلما استوى خِلقةً؛ بدنًا ونفسًا وعقلاً، نفخ الله فيه مِن روحه: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:29]، وهو سجود بمعنى الانقياد له؛ انقياد أساسه العقل وقوامه العلم ومساره الحرية. نتج عن النفخة الإلهية ثلاثة عناصر، ميزت الإنسان عن الحيوان: الإيمان والخُلُق والوعي. لقد اختلف الناس في أديانهم لكنهم أقروا بالله. وتباينوا في الالتزام بالأخلاق، واتفقوا بأنَّ أخلاق الخير حسنة وأخلاق الشر قبيحة. والناس جميعهم يتحركون بوعي؛ ومَن لم يكن واعيًا فمجنون.

وبعد؛ فأحصر ما برّر به الملاحدة إنكارهم وجود الله في ثلاث دعاوى:

- الخوف مِن الطبيعة: يرى أصحاب هذه الدعوى؛ أنَّ الإنسان في بدائيته واجه مخاطر قوى الطبيعة كالأعاصير والحرائق والثلوج، ولم يكن له حينها قدرة على مواجهتها.. بل ولا قدرة على إدراك طبيعة هذه القوى، وكان يتصور أنَّها تفعل ما تريد؛ بأقوى مما يفعل هو ويريد. ولأنَّه أدرك بأنَّ كثيرًا منها يأتي متعاقبًا خلال فصول السنة، ظن أنَّها تمتثل لما تأمرها به الأجرام السماوية، فلجأ إلى عبادتها.

ولكي ترضى عنه وتكف غضبها فعليه التقرب إليها بالصلوات والنُذُر والطقس والأضاحي، وأشاد لها المعابد وأقام لها الأنصاب والأصنام، وحج إليها، ومِن هذه المعبودات نشأ في وهمه وجود خالق أعلى للوجود.

إنَّ هذه الدعوى اجترحها بعض علماء الإناسة، ولا دليل علمي عليها. فعندما اكتشف الإنسان أنَّها أجرام طبيعية؛ تجري وفق نواميس كونية كلية، لا علاقة لها بـ«قوة ما ورائية»؛ لماذا لم يكف عن عبادته إياها؟ لقد استمر في عبادته حتى يومنا هذا، رغم التطور العلمي الهائل.

إنَّ دعوى الخوف مِن الطبيعة مع عدم ثبوتها علميًا؛ افتراض لا يملك سندًا مِن الترابط المنطقي، ورمي بمسلّمة وجودية راسخة في النفس في قعر اللامبالاة. ولماذا انتقل الإنسان مِن عبادة الأجرام المتشخَّصة إلى عبادة إله غير المُدرَك؟! فمِن المفترض عندما يبطل «سحر» الآلهة الجرمية؛ ألا يثق الإنسان بإله غير مُدرَك. المنطق يقول: إنَّ الإيمان بالله حقيقة كامنة في النفس؛ منغرسة فيها مَن خارجها؛ أي أنَّها مَن نفخة الروح الإلهية.

- الخوف مِن الموت: شكّل الموت هاجسًا وجوديًا للإنسان، وهذا أمر تفرضه طبيعته النفسية وحالته البيولوجية، لكي يحافظ على نوعه. وقد استغل منكرو وجود الله هذه الفطرة في الإنسان، وقالوا: لخوف الإنسان مِن الفناء وتعلقه بالبقاء؛ اخترع الإيمان بإله ترحل إليه «أرواح الميتين» ليكتب لها أو لأصحابها الخلود الأبدي.

وأقول: رغم أنَّ الخلود حقيقة تتبدى بصور مختلفة في معتقدات الأديان، إلا أنَّها ليست هي الدافع للإيمان بالله، وإنَّما هو العكس؛ فعندما آمن الإنسان بالله؛ آمن بأنَّه قادر حكيم وعادل رحيم، وهذه القدرة والرحمة والعدل استدعت إيمانه بالجزاء، ومع ذلك؛ ليس كل الناس يعتقدون بالجزاء الأخروي.. بل ليس كلهم يعتقدون بضرورة تحقق العدل، ورغم ذلك.. فكلهم يؤمنون بالله؛ وإنْ اختلفوا في تسميته ووصفه.

ثم أليس الملاحدة كغيرهم قد يهبون أنفسهم لتحقيق قضية يؤمنون بها، دون أنْ يهابوا الموت؟ فأين ذهب الخوف منهم؛ أم أنَّهم مِن جنس غير البشر، أم أنْ الإلحاد اختراع متأخر؟! فالإيمان بالله وإنكاره قديم قدم الإنسان، والفارق أنَّ الملحد ينكر وجود الله مع إيمانه بـ«قوى مادية» يُؤَوِل بها وجود الكون وقيوميته، لا تختلف عن «القوى الأسطورية» التي آمن بها الإنسان القديم؛ إلا في الاسم فحسب.

- تفسير المجهول: يذهب أصحاب هذه الدعوى إلى أنَّ الإنسان في نشأته الأولى واجهته ألغاز الحياة: مِن أين أتى الكون؟ وكيف وُجِد؟ وما مآله؟ وكيف تحدث الظواهر الطبيعية؟ فلمّا لم يجد لها جوابًا ماديًّا اتجه إلى الإيمان بإله خالق لها ومدبر لأمرها.

لعل أصحاب هذا الرأي يتصورون بأنَّ أبواب العلم فتحت بالأمس القريب، ولمّا يَقُرّ في عقول الناس؛ حتى يُطِير منها الإيمان بالله، ألا يعلم هؤلاء أنَّ العلم بدأ يشق سبيله مع بدء تعقّل الإنسان، تختلف أدوات العلم؛ ولكنه باستمرار يثير الأسئلة بقلق مُجهِز على المسلّمات.

كان الإنسان.. فكانت الأسئلة وحضرت الأجوبة بأدوات زمانهما، التي ليس لنا أنْ نقلل مِن شأنها لكوننا تطورنا في مراتب العلم وانكشاف المجهول، لو قُدِّر أنْ تصل إلينا معارف أقدم إنسان لمَا وجدنا اختلافًا كبيرًا بين تفكيرنا وتفكيره في النظر إلى القضايا الوجودية، والشاهد على هذا أساطير الأولين ومقولات الفلاسفة وأسفار النبيين ومعثورات الآثاريين، عند تحليل فحواها نجد ما تذكره مِن قضايا المجهول والمعلوم الكبرى هي ذاتها الموجودة الآن، وإنَّما الفرق في تفاصيلها وأسلوبها.

ثم إنَّ العلم نفسه - الكاشف للجهل - لم يقل إنَّه قادر على نفي وجود الله، وكل الجَهد أنْ قال بعضهم بأنَّ العلم لا يُثبِت وجود الله ولا ينفيه. وهذا يُتفهَّم؛ بكون الإيمان حقيقة نفسية وليس إثباتًا علميًا.

وأخيرًا.. لجأ بعض الملاحدة إلى الاستدلال بـ«نظرية التطور»، حيث رأوا فيها الدليل المُفحِم لإنكار وجود الله، باعتقاد أنَّ الكون قد تطور وفق نظام لا يحتاج إلى منظِّم، وهذه دعوى لها مقام آخر للحديث عنها.

مقالات مشابهة

  • ماذا يقول السامع عند قول المؤذن الصلاة خير من النوم؟.. اعرف رأي الفقهاء
  • أستاذ بالأزهر يوضح أعظم الأحاديث التي بينت كيف يكون الإنسان راقيا
  • ثلاثية الوجود.. ودعاوى الإلحاد
  • إسباغ الوضوء على المكاره وفضل استخدام الماء الدافئ في الشتاء
  • خالد بن زايد: عيد الاتحاد مناسبة وطنية نستحضر فيها مسيرة العطاء والنهضة
  • علاج الكوابيس المزعجة.. 7 سنن نبوية قبل النوم تحميك من شر الشياطين
  • لو بتعاني من الأرق ردد 4 آيات هتنام على طول
  • عالم بـ الأوقاف: الالتزام بالقرآن يحوّل حياة الإنسان إلى حالة من الطمأنينة
  • تعرف على الأحاديث التي تبيّن فضل الصدق وثماره
  • أوقات يستحب فيها الصلاة على الرسول الكريم