هل لا تزال فلسطين قضية العرب المركزية؟
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
طَرْحُ هذا السؤال في السياق العربي الراهن لم يعد ترفًا فكريًا أو نقاشًا نظريًا؛ بل بات ضرورة مُلحَّة تفرضها وقائع الواقع المؤلم؛ فعندما يتعرض الشعب الفلسطيني لأبشع صور القتل الجماعي، والتجويع، والعقاب الجماعي، في ظل صمت دولي وتواطؤ إقليمي، يُصبح من الطبيعي إعادة طرح السؤال: هل لا تزال فلسطين القضية المركزية للعرب؟
لطالما كانت فلسطين، عبر التاريخ، بوابة الصراع مع المشروع الصهيوني العالمي، وتجسَّدت فيها أطماع استعمارية واستيطانية، كما شكَّلت نقطة التقاء الشعوب العربية حول هدف مُشترك يجسد تطلعاتها في التحرُّر، والوحدة، والعدالة الاجتماعية.
ومن نافلة القول إن معظم الأنظمة العربية قد فقدت إما قدرتها أو رغبتها في تمثيل الإرادة الشعبية؛ فتحولت العلاقة بين الجماهير العربية وفلسطين إلى علاقة وجدانية أكثر منها سياسية. وبات المواطن العربي العادي أكثر وعيًا بمأساة الشعب الفلسطيني واستعدادًا لتقديم الدعم، ولو بالكلمة والموقف الرمزي، أكثر من صانع القرار الرسمي. وفي ظل البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المُسيطِرة، والتي لا تسمح بولادة مواقف وطنية مُتقدِّمة، بات واضحًا أن هذه البنية -المتماهية مع قوى الهيمنة الإمبريالية- أصبحت جزءًا من المنظومة الرأسمالية العالمية. ومن هنا، فإن هذا التكوين الطبقي، ما لم يُستبدل ببديل شعبي ديمقراطي يُعيد الاعتبار للإنسان والحرية والسيادة، فإن فلسطين -ومعها سائر القضايا الاجتماعية والاقتصادية- ستبقى حبيسة خطاب شكلي خالٍ من الفعل الحقيقي.
التعامل مع القضية الفلسطينية لا يمكن أن يُختزل في بيانات الإدانة أو يُرهَن بحسابات الأنظمة المرتبطة بمراكز القوى الإمبريالية المعادية؛ إذ تمثل فلسطين اختبارًا حقيقيًا لمعنى الوطنية، التي تتجاوز الوثائق الرسمية والانتماءات الشكلية، إلى انتماءٍ أخلاقي وسياسي لقيم الحرية والعدالة. ومن هذا المنطلق، فإن الالتزام بالقضية الفلسطينية يُعد مقياسًا دقيقًا لصدق الانتماء الوطني. أما حين تتحول الانتماءات الوطنية إلى هويات ورقية تتحكم بها الأنظمة وتوزعها وفقًا لمصالحها، فإننا نكون أمام تفريغ كامل للمضمون الحقيقي للهوية والانتماء الوطني.
ومن هنا، فقد آن الأوان للشعوب العربية أن تستعيد هويتها وانتماءها وكرامتها، وأن تُعيد تموضعها في هذا المشهد المأساوي الراهن، من خلال الانتقال من موقع التلقي السلبي إلى موقع الفعل الواعي والمنظم. ولن يتحقق ذلك إلّا عبر بناء قوى اجتماعية وسياسية جديدة، تحمل مشروعًا تحرريًا حقيقيًا، يتجاوز الأنظمة القائمة التي أثبتت التجربة فشلها، رؤيةً ومسؤوليةً؛ فالقضية الفلسطينية ليست مجرد قضية احتلال؛ بل هي مرآة تعكس المأزق التاريخي الذي تعاني منه الأمة العربية بأسرها، رسميًا وشعبيًا، كما تُمثِّل مقياسًا دقيقًا لعمق الأزمة البُنيوية التي تظهر اليوم في أسوأ تجلياتها إفلاسًا وعدميةً. ومن البديهي أن فلسطين لن تبقى قضية العرب المركزية ما لم تُدرج في إطار مشروع شامل للحرية والعدالة والديمقراطية على المستوى القومي؛ فمن لا يتمتع بحريته في وطنه، لا يمكنه أن يسهم في تحرير شعب آخر.
وعليه، فإن التحرر الذاتي شرط أساسي لتحرير الآخرين. وعند إسقاط هذه المعادلة على واقع الشعوب العربية، التي تعاني من القهر والاستبداد، يغدو المطلوب اليوم هو البحث الجاد في سبل الخلاص من كافة أشكال الاضطهاد والاستغلال والحرمان، واعتبار هذه المهمة مباشرة في تعميق المعنى الحقيقي لمسألة الاستقلال الاقتصادي والسياسي، وإخضاع الادعاء النظري لنتائج الممارسة الواقعية، وهو ما يُمهِّد الطريق نحو استعادة فلسطين كقضية مركزية ضمن مشروع عربي تحرُّري شامل، وهو ما سنتناوله في المقال المُقبل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غسان سلامة: الشعوب العربية تخاذلت عن نصرة غزة
وقال سلامة إن العلة تكمن في العرب أنفسهم، وتعجب من العرب الذين ينتقدون استسهال الغرب لما هو حاصل في قطاع غزة، داعيا إياهم إلى النظر في أنفسهم ومواقفهم أولا، وتساءل: هل تضامنت الشعوب العربية مع غزة؟ هل كانت ردود أفعالها على مستوى ما حصل في غزة من مجازر؟
وأكد أن ما يقلقه هو أن طبيعة ردة الفعل الضعيفة لم تكن على مستوى الحكومات، بل أيضا على مستوى الشعوب العربية؟
واستعرض سلامة خلال حديثه لحلقة (2025/6/29) من برنامج "المقابلة" مواقفه من القضايا العربية الكبرى، وتجاربه الدبلوماسية، ورؤيته الفلسفية للهوية والسياسة في المنطقة.
وحول أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أكد سلامة أنه ضد قتل المدنيين حتى إذا كانوا معادين، مشيرا إلى سقوط ضحايا مدنيين في ذلك اليوم.
لكنه اعتبر أن 7 أكتوبر/تشرين الأول فتح الباب أمام كشف عورة الشعوب العربية الأساسية، موضحا أن هناك دولة يحكمها فريق متشدد جدا لا يخفي رغبته ليس فقط بالسيطرة على غزة، وإنما أيضا بضم الضفة الغربية وتهجير أهل غزة والضفة.
واقع مؤلم
ولفت إلى أن الواقع مؤلم وغير إنساني حيث يقوم الاحتلال بإجبار سكان القطاع على الهجرة من مكان إلى آخر داخل هذا القطاع، وأحيانا 10 مرات متتالية في السنة الواحدة للعائلة الواحدة، ويقتل منهم 50 أو 60 ألفا، معظمهم بالضرورة من النساء والأطفال والعجائز.
وتطرق سلامة خلال استضافته في "المقابلة" إلى كواليس المبادرة العربية للسلام عام 2002 التي نُظمت في بيروت تحت إشرافه، ورأى أنها كانت نوعا من الرد العربي الجماعي على اتهام العرب والمسلمين بأنهم في الأساس إرهابيون بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وكانت مسألة حق العودة للفلسطينيين أصعب نقطة في المفاوضات التي تطلبت 3 ليال من المفاوضات المكثفة قبل وصول الرؤساء، حسب سلامة الذي أعرب عن إحباطه من عدم تمكن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من مخاطبة القمة مباشرة من رام الله.
إعلانوأشار إلى أن "العملية الإرهابية" التي حدثت في اليوم التالي قرب نتانيا ومجزرة جنين أدتا إلى حرف الأنظار إلى مكان آخر لدرجة شبه مهينة، مؤكدا أن الصحافة العالمية لم تهتم إلا بالعملية وبالمجزرة وغاب بيان القمة لدرجة أن الرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري تبرع من جيبه لكي ينشر بيان القمة العربية في نيويورك تايمز كإعلان مدفوع.
غزو العراق
وتحدث سلامة عن تجربته كمستشار سياسي لبعثة الأمم المتحدة في العراق عام 2003، مؤكدا أنه كان معاديا للغزو وما زال معاديا له بعد 25 عاما، وأكد أن الأمم المتحدة عملت على إدخال معايير غير طائفية قدر الإمكان في تأليف المجلس الحكومي الانتقالي بالعراق.
أما بشأن مهمته في ليبيا كمبعوث أممي، فأوضح أن استقالته لم تكن لأسباب سياسية بل لأنه أصيب في رأسه واضطر لإجراء عملية جراحية، وأكد نجاح المهمة في تحقيق هدفين من ثلاثة: وهما وقف إطلاق النار وعودة إنتاج النفط، مشيرا إلى نجاحه في إرغام 21 مليشيا على الحضور إلى مكتبه في الزاوية والقبول بوقف إطلاق النار.
وحول الوضع اللبناني الحالي، أكد سلامة أن المهمة الرئيسية ليست فقط نزع سلاح حزب الله بل إعادة سلطة الدولة بقواها الذاتية إلى كل رقعة من رقاع لبنان.
وفيما يتعلق بالتطورات في سوريا، اعتبر أن الاستقرار في سوريا أفضل للبنان، مشددا على الحاجة للتعاون مع سلطة مستقرة في سوريا خاصة في مجال مكافحة المخدرات والتعامل مع النازحين السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون شخص.
الصادق البديري29/6/2025-|آخر تحديث: 23:13 (توقيت مكة)