من سخف وبذاءة السياسة، ربط التطبيعٍ العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، بالحرص على فلسطين، أو من أجل تحقيق سلام في المنطقة العربية يعيد الأرض المحتلة وللشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية، ومن العبث المرذول استحضار وتكرار أوهام سياسية عربية عن مردود ورخاء العلاقة مع المحتل على المنطقة؛ بسياسة عربية اعتنقت دين التراجع أمام مشروع صهيوني استعماري واضح المعالم والأهداف، تُغدق عليه رعاية واهتماما، ثم تحالفا معه وإعجابا، بفكرة مستعمراته المُطورة على أرضٍ عربية مسروقة، بعد قتل وتهجير أصحابها على مرأى ومسمع العالم منذ 75 عام، وأصبحت عند بعض المطبعين ممراً تستوطن فيها استثمارات عربية تشد من أزر المستعمر وتثبت تزويره فوق أرض عربية.
هبوب رياح التطبيع في شبه الجزيرة العربية، ووصول غبارها إلى الرياض، ترسيخ لتطويع عربي رسمي يحاول استخدام أساليب تضليل وتزييف الوعي وحرفه عن أهدافه، واستخدامه باتجاهات تخدم مهامه ومهام المشروع الاستعماري، وبعدما دخلت المنطقة العربية عقداً جديداً من الثورات المضادة لسحق ثورات الربيع العربي، ازداد عدد المطبعين العرب.
وكشفت وحدة صف الاستبداد والقمع العربي عن حقيقة المخاطر التي تحيط بهما جراء التغييرات التي أسقطت هيبة الطغيان المهرول للتطبيع فيما بينه من جهة، وبين الاحتلال من جهة أخرى، وعلى وقع الإفراغ التدريجي الرسمي للتضامن العربي من مضمونه مع فلسطين وشعبها، بات الخطاب العربي المتصل بقضيته المركزية، دون قيمة إلزامية أو عملية للدول التي تعتبر نفسها قوة سياسية وبشرية واقتصادية وعسكرية في العالم العربي. وإذا أخذنا مصر كدولة كبرى خرجت من معادلة الصراع منذ العام 1979، وتراجع الدور السعودي، وانكفاء أدوار عربية أخرى نحو ترتيب بنيانها المتأثر بالثورات العربية ومد الجسور فيما بينها للتعاضد ومواجهة خطر التصدع الذي أصابها، فبالإمكان بلورة سياسة عربية تبقى معرضة لانتكاسات خطيرة وواسعة، مع التهميش الحاصل لقضايا عربية وللقضية الفلسطينية والأخذ بالأسباب والذرائع الصهيونية كدفة نجاة.
النموذج العربي المُطبع أو المتصهين أو العاجز عن مواجهة الواقع، قدم نتائج كارثية في علاقته مع المشروع الصهيوني الذي اتخذ هذا التطبيع ساتراً لإكمال عدوانه، وفي العواصم الظاهرة على تماسك باتخاذ القمع والاستبداد ذريعة لدعم فلسطين مفاعيل خلخلة هذا التماسك لم تنته، فما الذي تغير على جبهة المستعمر في فلسطين حتى يتزاحم العرب على أبواب التصهين؟ لا شيء، دائرة العدوان توسعت وقلّت مساحة الأرض وزاد الحصار والتضييق والتهويد اليومي، ورفعت إسرائيل من منسوب لاءاتها العنصرية وتطرفها بوجه الفلسطينيين، هذا التطرف ومواصلة العدوان يمنعان نظرياً وأخلاقياً وسياساً أي تواصل أو حديث عن سلام وتطبيع ما لم يكن هناك اعتراف بالحقوق الفلسطينية وتراجع عن الإجراءات الأحادية.
ولن نتحدث عن الرد الصهيوني على مبادرة العرب للسلام وأين انتهت، لكن بديل كل ذلك تُقدم السياسة العربية والفلسطينية طروحها المعاقة عن السلام والعلاقة مع مشروع استعماري صهيوني لا يخفي صراحته بالمضي في العدوان على أرضية توراتية صهيونية استعمارية، في المقابل ودون التفتيش عن متغيرات عربية عم عليها الغباء والخضوع والتملق لمستعمر يرسم الخرائط العربية ويؤشر عليها حدود مصالحه، ومن على منبر الأمم المتحدة في نمط السيطرة الجديد الذي يقدمه نتنياهو وائتلافه المتطرف بشطب الوجود الفلسطيني
بسياسات التطبيع والصهينة العربية، يزداد واقع الشعب الفلسطيني صعوبة، خصوصاً مع الفهم السيئ للسلطة الفلسطينية لواقعها مع فهم أكثر سوءاً لسياسات عربية بالتردد بمحاربة الصهينة التي ستُدخلها في طور جديد من عزلة قادمة، ما لم تُدرك الحاجة لتضامن عربي حقيقي شعبي وسياسي يرتقي في شكله ومضمونه عن صيغة سابقة أثبتت فشلها تحت رعاية أنظمة مستبدة وانهارت كلياً لحظة انفجار الثورات العربية، وإذا كان الادعاء بحقائق ثابتة بأن فلسطين باقية وثابتة في وجدان العرب الأحرار بعدالتها وقيمها، فذلك يفرض أنماط أخرى لمقاومة التطبيع بمسؤوليات مختلفة؛ مؤداها أن التجربة الذاتية الفلسطينية والعربية في عهد المطالبة بالسلام كانت مشوهة.
ولإحداث مراجعة عميقة وذات جدوى بكل المحاور التي تخص القضية الفلسطينية يجب توفير شيئين أساسيين؛ أن الهوية والكرامة الفلسطينية جزء من هوية وكرامة عربية، التوفير هنا ليس في الشارع العربي المحتفظ بهما، بل في سياسات عربية وفلسطينية انخرطت لنزع الكرامة عن وجودها وتاريخها بالتحالف مع مشروع استعماري لحصار وضرب المقاومين له.
twitter.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيع الاستبداد الصهيونية العالم العربي التطبيع الصهيونية الاستبداد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
لماذا “فشلت” القمة العربية في بغداد؟
لا شك أن زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الخليج الأسبوع الماضي، أشاحت بالأضواء بشكل كبير عن قمة بغداد العربية، التي عقدت في 17 مايو بحضور عدد محدود من القادة العرب.
قد أثار الغياب الجماعي للعديد من الرؤساء والملوك العرب تساؤلات حول أسباب ضعف التمثيل، ما دفع مراقبين إلى وصفها بـ”أضعف القمم” في تاريخ الجامعة العربية.
القمة طالبت في بيانها الختامي المجتمع الدولي بـ”الضغط من أجل وقف إراقة الدماء” في قطاع غزة. وحث المجتمعون المجتمع الدولي، ولا سيّما الدول ذات التأثير، “على تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية للضغط من أجل وقف إراقة الدماء وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق إلى جميع المناطق المحتاجة في غزة”.
وناقشت القمة قضايا عربية عديدة من أبرزها التحديات التي تواجه سوريا، والتطورات الميدانية في ليبيا واليمن ولبنان، إلى جانب الحرب في قطاع غزة.
لكن زيارة ترامب ليست العنصر الوحيد الذي ألقى بظلال على قمة بغداد، بل ثمة عناصر عديدة جرى تداولها، على أنها لعبت دورا في إحجام بعض القادة العرب عن المشاركة.
أبرز تلك العناصر، النفوذ الإيراني وزيارة إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس إلى العراق قبل القمة بأيام، الأمر الذي اعتُبر رسالة واضحة عن حجم التأثير الإيراني على الدولة العميقة في العراق، حتى وإن كان رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، يحاول أن يتمايز بمواقفه ويظهر انفتاحا على الدول العربية والخليجية.
كما أن السوداني، ورغم الاعتراضات الصادرة عن أصوات تدور في فلك إيران، التقى بالشرع في الدوحة. أضف إلى ذلك، غياب القرار السيادي في العراق، بسبب تنوع الولاءات السياسية وتأثير الفصائل المسلحة على القرارات السيادية العراقية، وهو ما جعل القادة العرب، بحسب مراقبين ومحللين سياسيين، يشككون في جدوى حضورهم لقمة تُعقد في بغداد، حيث لا يرون في الحكومة العراقية تمثيلاً حقيقياً للدولة.
وقد انعكس الأمر على التحضيرات للقمة، وعلى تفاعل الجمهور العراقي معها، حيث تصاعدت عبر وسائل التواصل الأصوات المتطرفة المرتبطة بالفصائل المسلحة، ما أدى على ما يبدو، إلى إرسال رسائل سلبية لقادة عرب بعدم ترحيب العراقيين بهم، خصوصاً الجدل الذي رافق دعوة السوداني للشرع لحضور القمة.
من جانب آخر، أثارت المحكمة الاتحادية العراقية الجدل بإلغاء اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله مع الكويت، ما اعتبرته الأخيرة تنصلاً من التزامات دولية. هذا الخلاف قد يفسر بحسب محللين عراقيين، غياب بعض قادة دول الخليج عن القمة.
ولا يمكن، أثناء استعراض أسباب “فشل” قمة بغداد، اغفال مسألة أن القمم العربية الشاملة باتت أقل أهمية في ظل تفضيل الدول العربية للقمم الثنائية أو الإقليمية التي تتناول قضايا محددة، تماماً كما حدث في زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات.
هذا النوع من الزيارات واللقاءات الثنائية، بات يفضله القادة العرب، وباتوا يبدون اهتماماً أقل بحضور القمم العربية لا تلبي أولوياتهم الوطنية المباشرة، والتي تنتهي غالباً إلى بيانات إنشائية، لا إلى قرارات عملية.
الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتساب