بعد قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، سوف يحضر قادة العالَـم اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المشتركة في مراكش، قبل أن يتوجهوا إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28) في دبي. لكن التفاؤل ليس كبيرا بنجاح هذه القمم في تحقيق تقدم ملموس في التصدي لأعظم تحدياتنا، ليس بسبب أي افتقار إلى العزيمة، بل لأن كتاب القواعد العالمي الذي كنا نعمل وفقا له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحا لتحقيق الغرض منه.
وفي قمة مجموعة العشرين، تأكدت حالة التفتت المتنامية التي تبتلي العالَـم الآن. فبرغم أن الاجتماع أشار إلى وصول الهند بصفتها قوة عظمى، كانت لحظة انتصار رئيس الوزراء الهند ناريندرا مودي عابرة. فلم تفعل القمة الكثير لمنع عشرينات القرن الحالي من التحول على نحو شبه مؤكد إلى عقد منخفض النمو. على الرغم من قبول الاتحاد الأفريقي كعضو كامل العضوية في مجموعة العشرين، لم يحصل الجنوب العالمي على أي تخفيف يُـذكَـر لديونه الساحقة. وعلى الرغم من مسؤولية أعضاء مجموعة العشرين عن 75% من الانبعاثات الكربونية العالمية، فقد فشلت القمة في معالجة حجم فجوة تمويل العمل المناخي. بالعمل بناء على نتائج مراجعة مجموعة العشرين لكفاية رأس المال، تعهدت إدارة بايدن بتأمين مبلغ إضافي قدره 25 مليار دولار للبنك الدولي؛ لكن هذا الرقم أقل كثيرا عن المبلغ الذي أوصى به وزير الخزانة الأمريكي السابق لورنس سمرز (260 مليار دولار) في تقرير سينج-سمرز المقدم إلى مجموعة العشرين هذا العام.
بدلا من هذا، تختتم القمة عاما حيث عكفت الصين والغرب على إقامة «ستائر حديدية» في كل من التكنولوجيا، والتجارة، والاستثمار، والبيانات ــ وهذا يؤذن بمستقبل يتألف من «عالَـم واحد، ونظامين». في ظل هذه النزعة الجديدة إلى فرض سياسات الحماية، جاء خفض منزلة مجموعة العشرين. وفي حين اعترف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بمجموعة العشرين باعتبارها المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي، يرى مستشار الأمن القومي الأمريكي الحالي جاك سوليفان أن مجموعة الدول السبع (أوروبا، وأمريكا، واليابان) هي «اللجنة التوجيهية للعالَـم الـحـر».
الواقع أن خفض منزلة مجموعة العشرين جاء كنتيجة ثانوية للتحول من عالَـم أحادي القطبية إلى عالَـم متعدد الأقطاب، من اقتصاد مفرط العولمة إلى اقتصاد يمكن تسميته «العولمة الخفيفة»، ومن النيوليبرالية إلى النزعة التجارية الجديدة. على مدار السنوات الثلاثين الأخيرة، كان الاقتصاد هو الذي يحدد عملية صنع القرار السياسي. الآن، تقود السياسة ــ والسياسة الوطنية على وجه التحديد ــ عملية صنع السياسات. وانتصرت سياسة المحصلة صِـفر على اقتصاد «الربح للجميع». وفي عام 1999، عندما حضرت أول اجتماعات مجموعة العشرين (التي كانت تتألف آنذاك من وزراء المالية)، كانت الهيمنة الأمريكية بلغت أوجها، وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وخزانة الولايات المتحدة سعيدين بأن يطلق عليهما مُـسمى « لجنة إنقاذ العالَـم».
عندما انهار الاقتصاد العالمي في عام 2008، وجهت المملكة المتحدة ودول أخرى الدعوة إلى رؤساء حكومات الدول الأعضاء للاجتماع معا لأول مرة. وفي قمة مجموعة العشرين في لندن في عام 2009، كنا حريصين على انضمام الصين إلى الغرب في دعم الاقتصاد العالمي بمبلغ تريليون دولار. كان بوسعنا بالفعل أن نرى أن العالَـم يتحرك نحو اتجاه أكثر تعددية.
كما كلفت قمة لندن رئيس وزراء الهند آنذاك مانموهان سينج بالإشراف على عملية مراجعة البنية الدولية الغالِـبة. ثم في إطار قمة بيتسبرج في خريف 2009، وافقت مجموعة العشرين على ميثاق عالمي للنمو، بقيادة صندوق النقد الدولي، الذي سيقوم بنشر تقييمات سنوية لتحديد المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي وفرص العمل المنسق. لكن مع تقهقر الغرب إلى سياسات التقشف وتبنيه لأشكال جديدة من تدابير وسياسات الحماية، تلاشت هذه المبادرات. في عهد دونالد ترامب، خرجت الولايات المتحدة عن تقليدها المتمثل في العمل (عادة) ضمن أطر متعددة الأطراف، ولاحقت نهجا أحاديا حتى في حين بدأ العالـم المتعدد الأقطاب يظهر إلى الوجود. بيد أن أزمات مثل تغير المناخ، وجائحة كوفيد-19، وأزمات الطاقة والغذاء في عام 2022، تؤكد أن القضايا التي نواجهها اليوم هي مشكلات عالمية حقا وتحتاج إلى حلول عالمية. ولن يتسنى تحقيق التقدم من خلال التدخلات الثنائية والإقليمية وحدها؛ بل يتطلب الأمر عملا منسقا على مستوى العالَـم.
في رفع مستوى مجموعة السبع على حساب مجموعة العشرين، يجب أن نسأل أنفسنا ماذا قد يحدث في المرة القادمة التي تندلع فيها أزمة مالية عالمية فنعجز عن إيجاد طريقة للجمع بين كل اللاعبين الأساسيين. ما هي الفرصة التي قد نحظى بها لتحقيق التقدم في الحد من الانبعاثات العالمية ومنع «رُكّـاب المجان» في عالَـم حيث «يعمل كل شخص لنفسه»؟ ما هي الفرصة المتاح لنا في التعامل مع فجوة التفاوت العالمية إذا كانت البلدان ترى العالَـم فقط من منظور «نحن في مواجهة هم»، وحيث تغيب أي منتديات يمكن من خلالها إيجاد أرضية مشتركة؟ صحيح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف بالحاجة إلى التعاون العالمي وأنه الأكثر ميلا إلى النزعة الدولية بين رؤساء الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. ولكن برغم أن أجندته الخاصة في مجموعة العشرين لم تكن في الاتجاه الخاطئ، فإنها كانت فاترة، حيث فضلت التحالفات الثنائية على العمل المنسق عالميا.
على نحو مماثل، تقدم الصين نفسها باعتبارها نصيرا للنظام العالمي القائم على القواعد، وتَـعِـد بدعم ميثاق الأمم المتحدة؛ ومع ذلك لم يحضر زعيمها، شي جين بينج، قمة مجموعة العشرين أو الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. نحن نعيش لحظات نادرة حيث يلتقي الاستعداد بالفرصة وحيث يتعين علينا أن نعمل معا. لقد أظهرت معاهدة حظر التجارب النووية التي أقرها الرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي، واتفاق خفض التسلح النووي الذي أقره رونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف، واتفاق 1987 التاريخي لمعالجة استنفاد طبقة الأوزون، أن الزعماء الأقوياء قادرون على ضمان إحداث تغيرات جذرية في الاتجاه. ولا يجوز لزعماء العالَـم اليوم أن ينتظروا وقوع الكارثة قبل أن يضطروا إلى التحرك.
جوردون براون رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قمة مجموعة العشرین العال ـم عال ـم فی عام
إقرأ أيضاً:
شر البلية ما يضحك.. المنصات تتفاعل مع الرسوم التي فرضها ترامب على العراق
تناولت حلقة 2025/7/10 من برنامج "شبكات"، الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات كل من العراق وليبيا والجزائر، والتي تنحصر غالبيتها في النقط ومشتقاته.
ويقدر حجم التبادل بين الولايات المتحدة والعراق بـ9 مليارات دولار، لكن الميزان التجاري يميل للعراق بفائض يصل إلى 5.7 مليارات دولار.
الأمر نفسه مع الجزائر التي يقدر حجم تجارتها مع الولايات المتحدة بـ3.5 مليارات دولار من الواردات الأميركية و1.5 مليار دولار من الصادرات الجزائرية، وكذلك ليبيا التي تسيطر على 1.5 مليار دولار من حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة الذي يصل إلى ملياري دولار.
ويسيطر النفط ومشتقاته على معظم صادرات هذه الدول للولايات المتحدة، بينما تستورد الدول الثلاث كل شيء من أميركا تقريبا، كالأدوية والمعدات الطبية والصناعية والتكنولوجية وغيرها.
لكن توقف هذه الدول عن تصدير نفطها للولايات المتحدة لن يؤثر على الأخيرة كثيرا، كونها تعتمد اعتمادا كبيرا على إنتاجها المحلي، والواردات من دول أخرى.
"شر البلية ما يضحك"وأثارت هذه الرسوم الجديدة سخرية على مواقع التواصل، حيث كتبت بشرى عبد الرحمن: "شر البلية ما يضحك، ما يكفي (أن) السياسيين يسرقون خزينة العراق والأراضي والعقارات، بالإضافة إلى رواتبهم وامتيازاتهم؟ ترامب راح يكمل علينا".
كما كتب كريم غيزول: "هذ القرار يؤثر على دولة منتجة ونسبة صادراتها عالية، أما احنا وينو (أين هو) الإنتاج، ووينو التصدير؟"، مضيفا "روح ابحث على نسبة الضريبة المطبقة على الواردات القادمة للجزائر من جميع الدول وبعدها نحكيو على الضريبة لي رفعتها أميركا".
أما باسم الشريفي، فكتب "هو (ترامب) يأخذ نسبة من قبل، وهسه (الآن) يفرض 30% رسوما، يعني حوالي ثلثي النفط العراقي صار لأميركا".
في المقابل، اقترح ناشط يدعى الأمين: "سياسة تغيير الوجهة للسلع إلى دول الجوار -كالمكسيك وكندا ودول أخرى- للتصدي لهذه الرسوم، كما فعلت الصين التي حولت سلاسل توريدها".
إعلانوعن آلية التعامل مع هذه الخطوة، قال الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور صفوان عبد الحليم، لبرنامج شبكات، إن على بغداد "رسم علاقة جمركية عبر التصفير المتبادل، لأننا بحاجة لمزيد من الانفتاح على الاقتصاد الأميركي، ومن ثم يجب عدم السعي لإعاقة التبادل التجاري".
وأضاف "حاليا نحن (لدينا) النفط، لكننا بحاجة لتطوير الصناعة المحلية، حتى يمكننا تصدير مزيد من المنتجات للسوق الأميركية".
10/7/2025-|آخر تحديث: 19:32 (توقيت مكة)