فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
ما المقصود بيوم الأحزاب في سورة غافر في قوله تعالى: «وَقَالَ ٱلَّذِىٓ ءَامَنَ يَٰقَوْمِ إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ ٱلْأَحْزَابِ»؟
«اليوم» يراد بها جنس، ولا يراد بها يوم مخصوص بعينه، فهي أيام، و«الأحزاب» كل جمع تحزبوا على نبيهم أو رسولهم فعارضوه وعاندوه ونابذوه، والذي ورد في الآية من بعد «مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ ۢ وَعَادٍۢ وَثَمُودَ» فهذه أمثلة مما حذر منه مؤمن آل فرعون الوارد في قصة موسى عليه السلام فرعون وقومه، مما هموا به من قتل موسى عليه السلام، فهو في معرض تحذيرهم ونهيهم عما كانوا بصدد إتيانه فإنه يذكرهم بما يعرفونه مما أصاب الأمم قبلهم الذين تحزبوا واجتمعوا على أنبيائهم ورسلهم بالإعراض والعداوة والقتل، فهو يذكرهم بذلك، والله تعالى أعلم.
كيف يتصرف من سهى في الاستدراك كأن يكون قد نسي ركنا من الصلاة وتذكر بعد أن سلم؟
إن تذكر بعد تسليمه مباشرة ولم يأت بفعل أجنبي كحديث أو انتقال من موضع، فإنه لا مانع أن يقضي الذي فاته من الركن، بأن يقوم كما هو شأن المستدرك في الصلاة فيأتي بالركن الذي فاته ثم يقعد بعد ذلك للتسليم ويسجد للسهو ولا شيء عليه والله تعالى أعلم.
هل يمكن اقتصار الخلق الحميد على المعاملة الحسنة للناس، أم أن الأخلاق لها أبعاد أخرى كالصدق والوفاء بالوعود وما هي الصفات الحميدة للأخلاق الحسنة؟
الأخلاق الحسنة هي الأخلاق الحميدة، فإن ما كان خلقا حسنا كان حميدا بمعنى أنه محمود، فهو في ذاته خلق حسن وهو محمود شرعا قبل كل شيء، وعند العقلاء من الناس فإن السجايا والفضائل والمكارم التي يتحلى بها الإنسان تحمد له، وتستحسن فيه، ولا يقتصر ذلك على ما يتعلق بخصال المرء في نفسه، بل إن مقياس الأخلاق إنما هو في معاملته للناس، وذلك يشمل ما أشار إليه السائل من الوفاء بالعهود ومن الصدق معهم، كما يشمل أدب المرء في نفسه من الحلم والعفو عن الآخرين، وكظم الغيظ والكرم ويشمل الصفات المعهودة التي تحمد في أدب الإنسان في نفسه كحسن السمت والوقار والإنصات للآخرين وما أشبهها مما يتعلق بخلق الإنسان أو أدبه في نفسه وتشمل أيضا بما يتعلق من معاملته لغيره من الناس، من القرباء والبعداء، من الأحباء والبغضاء، من الأقارب ومن غيرهم، في كل ذلك تتجلى الأخلاق الحميدة، والصفات التي دعا إليها هذا الدين ليتحلى بها المكلف، وليأتيها في معاملته للناس، ولذلك كانت الأخلاق عندنا مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى ويبلغ رضوانه.
فالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» ويقول أيضا: إن العبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، ويبين عليه الصلاة والسلام بأشج عبد القيس يقول له: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة» فهذه صفات في ذات الإنسان المكلف فطرية أو أنها فيما يتعلق بأدبه في نفسه لا في معاملته لغيره، في الأناة أن لا يكون من النوع العجول، فهو يتأنى في شأنه وأمره، فكان إذا وفد فإنه يصلح حاله ويحسن هيئته، ويحسن أحسن ملابسه، ثم يفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك أثنى عليه الصلاة والسلام، إذن كل هذه هي مما يدخل في دائرة الأخلاق الحسنة الحميدة التي يجب على المسلم أن يتحلى بها لأنه مسؤول عنها عند الله تبارك وتعالى ولذلك نجد أوامر بها في كتاب الله مثل: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»، ونجد ثناء لمن تحلى بهذه الأخلاق في كتاب الله عز وجل ونجد بيانا لعاقبة هؤلاء الذين يتحلون بهذه الصفات أنهم ممن يبلغهم الله تبارك وتعالى المنازل العالية، كل ذلك يبين أن مفهوم الأخلاق في الإسلام لا يقتصر على نوع من الأخلاق الحميدة دون نوع ولا يقتصر على ما يتعلق بشأن الإنسان في نفسه دونما يمتد ليشمل علاقته بغيره من الناس، والله تعالى أعلم.
ما معنى قوله تعالى: «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» ماذا يقصد بالوحوش؟
الوحوش هو كل ما دخل في ما لا يستأنس من الدواب والبهائم، فكل ما كان وحشيا بريا من الدواب والبهائم فإنه داخل في معنى الوحوش، وحشرت عند المفسرين بمعنى جمعت لكنها تختلف عن مجرد معنى الجمع لأن معنى الحشر هو الجمع بالإخراج الذي يكون بإكراه، يكون قسريا، لا بمحض إرادة، ويكون لأمر ثقيل مستكره، فهذا من الفوارق بين الحشر والجمع، وحينما نتتبع ورود هذه الكلمة في كتاب الله عز وجل نجد أن معنى الجمع المصحوب بالإكراه والقسر لما هو مستكره وثقيل على النفوس وعظيم في ذاته فإن كلمة الحشر تستعمل فيه ولا يستعمل فيه مجرد الجمع، والمعنى الإجمالي لآية «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ» اختلف فيه، فهنالك قول روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن المقصود بذلك موتها، فحشرها يعني موتها، وقيل إن المقصود بأنها تبعث يوم القيامة وتجمع لتقتص الجماء من القرناء ثم بعد ذلك تصير ترابا وهذا مثال ضربه الله تبارك وتعالى لمبلغ الغاية من العدل منه جل وعلا في ذلك الموقف، وقيل إن المقصود بالجمع علامة من علامات قيام الساعة أي أن ذلك يكون في الدنيا أي في هذه الآية الكريمة تجمع في مكان واحد، هذه الدواب والوحوش التي من اصل طبعها أنها نافرة لا يمكن أن تستأنس ولا يمكن أن يقرب بعضها إلى بعض فإنها تجتمع في ذلك اليوم لما يحصل في هذا الكون من خلل في نظامه وفي نواميسه، فإن الكائنات تخرج عن فطرتها لهول ما تشاهده وتعاينه من أهوال، والله تعالى أعلم.
لدي وزميلي شقة مشتركة مناصفة وهي مؤجرة ولها حساب بنكي خاص، لم نقم بتوزيع المبالغ التي لم يحل عليها الحول، هل نقوم بضم أموالها إلى أموالنا الخاصة أثناء توزيع الزكاة أم أنها مستقلة ونخرج الزكاة من حسابها البنكي؟
طالما أن حصصهم معلومة كل يستقل بنصيبه فيها فيضم نصيبه إلى أمواله ويزكيها مع أمواله، والكلام في ما يتعلق بالزكاة في العوائد المتحصلة من هذا العقار فطالما أنهم شركاء فيه على وجه المناصفة فهذا يعني أن حصة كل واحد منهم معلومة، والكلام في العوائد المحصلة معنى أن النقود لا تتعين لأنها مثلية فليست عين النقود هي المقصودة وإنما قيمتها، فلكل واحد منهم نصيبه وحصته، فيضم هذه الحصة إلى سائر أمواله ويجري عليها قواعد الزكاة والله تعالى أعلم.
هل أضم المبالغ التي أدفعها لجمعية إلى مبالغ زكاة أموالي على الرغم من أن دوري لم يصل؟
هذه أيضا تقدم فيها الجواب وكثر فيها التنبيه، كلمة الجمعيات الواردة في هذا السؤال تدل على هذه الصناديق الإقراضية التي يتعاون عليها الناس، وتقدم أن الجواب في تزكية أموالها أن من قبض حصته من هذا الصندوق أو هذه الجمعية الإقراضية فإنه يجري أحكام الزكاة عنده لا حينما يدفع، فهي أقرب أن تعامل معاملة الدين، فهو مرجو السداد لكن لا يؤدي زكاته إلا حينما يأتي دوره فإنه يحل وقت الوفاء له آنئذ فيضم هذه الأموال، إن يستهلكها فيما دخل في الجمعية أو الصندوق من أجله من مغارم أو نفقات يحتاج إليها، إن ادخرها أو صادف أنها سيدخرها إلى موعد زكاته أو صادفت موعد زكاته فإنه يزكيها مع أمواله وإن استهلكها قبل موعد زكاته فلا زكاة عليه فيها لأنه أنفقها وإن لم يكن له حول مستقر وكانت بالغة النصاب فإنه يبدأ في حساب حوله فإن لم ينقص عن مقدار النصاب إلى أن حال عليه الحول فإنه يزكي بتمام الحول والله تعالى أعلم.
في قيام الليل هل يجوز أن أرفع صوتي وأنا أصلي منفردا علما أنني في غرفة وحدي ولا يسمعني أحد؟
التأصيل في المسألة أن الأصل في النوافل إلا ما استثناه الدليل أنها تصلى إسرارا لا تصلى جهرا، هذا هو الأصل فيها سواء كانت من نوافل النهار أو من نوافل الليل إلا ما استثناه الدليل كقيام رمضان على سبيل المثال، لكن رخص للمتنفل المنفرد خصوصا في الليل أن يتوسط بين الجهر والإسرار، يعني لا يجهر كثيرا ولا يسر مخافتا وإنما يتوسط، إن كان ذلك لقلبه، وأدعى لخشوعه ولا يؤذي أحدا برفع صوته وإسماعه له، فإن ذلك جائز مرخص فيه في صلوات الليل، وأما في صلوات النهار فالأولى الإسرار، إذن الاستثناء ورد في صلاة الليل، وهذا لا يعني أنه إن جهر مع كونه منفردا ووجد مع ذلك مزيد خشوع ولم يؤذ أحدا بأن صلاته غير صحيحة بل صلاته صحيحة، سواء كان في الليل والنهار، لكن نحن نتحدث عما هو أفضل وأولى.
أما ما استثني ولو كان في ليل أو نهار، فقد دل الدليل الشرعي على أن صلاة الاستسقاء وصلاة العيدين وصلاة الكسوف أنها تصلى جهرا، ولذلك أخذ بعض العلماء أن صلاة النفل إذا أديت ولو نهارا فإنها تصلى جهرا لكن على ألا يكون ذلك على سبيل الاعتياد لا من حيث أن تؤدى جماعة ولا من حيث أن يجهر بها لكن إن حصل وجهر بها ولو كانت في النهار فإن صلاته صحيحة وإنما يراعى كضابط في مثل هذه المسائل أمران، ما يتعلق بخشوعه في نفسه، وما يتعلق بعدم تشويشه على غيره، والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما یتعلق فی نفسه
إقرأ أيضاً:
ماذا يحدث لمن يقرأ سورة الفاتحة في الصباح؟.. 10 عجائب
اذا يحدث لمن يقرأ سورة الفاتحة في الصباح أسرار هذه السورة العظيمة ينبغي أن نعرفها، حيث إن سورة الفاتحة هي من أعظم سور القرآن الكريم بحسب ما جاء في نصوص كثيرة بالسُنة النبوية الشريفة، كما أنها ركن من أركان الصلاة فلا يقبل الله صلاة العبد دون قراءة سورة الفاتحة ، وهذا ما يشير إلى فضلها العظيم ويثير الاستفهام عن ماذا يحدث لمن يقرأ سورة الفاتحة في الصباح وهو أحد طرق الاستدلال على فضلها، والحرص على اغتنامه ، ولأن معرفة الفضل تزيد الحرص ومن ثم الاغتنام ، من هنا ينبغي معرفة ماذا يحدث لمن يقرأ سورة الفاتحة في الصباح فقد ورد فيه أن سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن، ولها فضائل كثيرة ومزايا عظيمة في استجابة الدعاء والرقية والشفاء وقضاء الحوائج.
ورد عن قراءة سورة الفاتحة في الصباح ، بلا شك أن في قراءة سورة الفاتحة خيرا كثيرا وأجرا عظيما، فقد دلت نصوص الوحي من القرآن والسنة على فضلها؛ فهي أعظم سورة في كتاب الله تعالى، وهِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيهُ النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيح، ولكننا لم نقف على دليل يثبت أن قراءتها في أذكار الصباح والمساء من السنة، أو أنها من الأذكار الواردة بعد الصلاة؛ ولكن لو قرأها الشخص أحياناً فلا حرج في ذلك.
سورة الفاتحةتعد سورة الفاتحة هي سورةٌ مكيَّةٌ تتكوَّن من سبعِ آياتٍ، سمِّيت بالفاتحة لافتتاح الكتاب بها، كما وسمِّيت أمُّ الكتاب لاشتمالها على معاني توحيد الله -عزَّ وجل-، والتعبُّد بأمر الله ونهيه، وبيان وعد الله ووعيده، وتسمَّى بالسَّبع المثاني؛ لأنَّها تتكوَّن من سبع آياتٍ، ولأنَّها تُثنَّى في الصَّلاة، أي: تُعاد، نزلت قبل هجرة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من مكَّة إلى المدينة.
أسماء سورة الفاتحةسُمّيت سورة الفاتحة بهذا الاسم مُنذ عصر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فهيَ فاتحة الكتاب، بها ابتدأ الله -تعالى- القرآن الكريم لفظاً وكتابةً، وبالفاتحة تُفتتح الصّلاة.
وقد قيل إنّها أوّل سورةٍ نزلت من السّماء كسورةٍ كاملة، ويُطلق على سورة الفاتحة أسماءً أخرى مثل:
سورة الحمد؛ لأنّها تشتمل على الثّناء والحمد لله -تعالى-.
أمّ القرآن؛ لأنّها تُعتبر أصل القرآن الكريم وهي من أفضل السّور، ولأنّها تتضمّن أصول العقيدة الأساسية، وبتطبيق أحكامها يصل العبد للصّراط المستقيم، وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أُمُّ القُرْآنِ هي السَّبْعُ المَثانِي والقُرْآنُ العَظِيمُ).
السّبع المثاني؛ لأنّها تتكوّن من سبع آيات. الشّافية؛ لأنّ فيها الشفاء والعلاج. الصّلاة؛ إذ جاء عن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- أنّه قال: (مَن صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ فَهي خِداجٌ ثَلاثًا غَيْرُ تَمامٍ. فقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا نَكُونُ وراءَ الإمامِ؟ فقالَ: اقْرَأْ بها في نَفْسِكَ؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ).
فاتحة الكتاب: لقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (لا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ). الحمد لله رب العالمين: لقول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السَّبْعُ المَثانِي).
فضل سورة الفاتحةيتمثّل فضل سورة الفاتحة بما يأتي: انفردت سورة الفاتحة بفرضيّتها عن سائر السور في الصّلاة، إذ لا تصح صلاة العبد إلّا بتلاوتها، فهيَ رُكنٌ من أركانها، لقول الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ)، وقال العديد من العلماء إنّها أول ما نزل من القرآن الكريم، وكانت أوّل سورةٍ كاملة نَزَلت.
تعد سورة الفاتحة هي أعظم سور القرآن الكريم، استناداً لما رواه أبي سعيد بن المعلى -رضي الله عنه-: (كُنْتُ أُصَلِّي في المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ثُمَّ قالَ لِي: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ السُّوَرِ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ. ثُمَّ أخَذَ بيَدِي، فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ، قُلتُ له: ألَمْ تَقُلْ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ؟ قالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ).
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- في فضلها أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (والذي نفسي بيده، ما أنزل اللهُ في التوراةِ ولا في الإنجيلِ ولا في الزبورِ ولا في الفرقانِ مثلَها، وإنها سبعٌ من المثاني والقرآنِ العظيمِ الذي أُعطيتُه).
تتضمّن سورة الفاتحة مواضيع عدّة؛ إذ تبدأ بالحمد والثناء والتعظيم لله -تعالى-، وتشتمل على توحيد الله -تعالى- بأقسامه الثلاث، واستحقاقه وحده لالعبادة، وإخلاص العمل له -تعالى-، وفيها توضيح لأقسام النّاس كلٌّ حسب عمله، وإثبات مصير الضّالين والمؤمنين، وسؤال الله -تعالى- الهداية للوصول للطريق المستقيم.
و تُعتبر سورة الفاتحة من الرُّقية الشّرعيّة، وذلك استناداً لِما رواه أبو سعيد الخدريّ -رضيَ الله عنه-: (أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كَانُوا في سَفَرٍ، فَمَرُّوا بحَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقالوا لهمْ: هلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فإنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ، أَوْ مُصَابٌ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: نَعَمْ، فأتَاهُ فَرَقَاهُ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِن غَنَمٍ، فأبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقالَ: حتَّى أَذْكُرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، وَاللَّهِ ما رَقَيْتُ إلَّا بفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَتَبَسَّمَ وَقالَ: وَما أَدْرَاكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قالَ: خُذُوا منهمْ، وَاضْرِبُوا لي بسَهْمٍ معكُمْ. وفي رواية: بهذا الإسْنَادِ. وَقالَ في الحَديثِ: فَجَعَلَ يَقْرَأُ أُمَّ القُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ).
وُصفت سورة الفاتحة بأنّها نورٌ بُشّر به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على لسان ملكٍ مُنزَل من السّماء، فقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما-: (بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ).
معاني آيات سورة الفاتحةبسم الله الرحمن الرحيم بدأت السورة بحرف جر الباء لتُفيد الابتداء، ويُقصد من بسم الله التبرّك والتوكّل به -سبحانه وتعالى- وسؤاله وطلب العون منه في التمام والقبول، إذ يدعو العبد بأسماء الله الحسنى امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَلِلَّـهِ الأَسماءُ الحُسنى فَادعوهُ بِها وَذَرُوا الَّذينَ يُلحِدونَ في أَسمائِهِ سَيُجزَونَ ما كانوا يَعمَلونَ).
وأجمع عددٌ من أئمة اللغة العربية؛ كالخليل وسيبويه والشافعي والخطابي وإمام الحرمين وغيرهم على أن الله اسم علم بذاته غير مشتق، وقد قيل إن الله هو الاسم الأعظم من الأسماء الحسنى لكمال صفاته.
وأُتبع لفظ الله بصفاتٍ أُخرى؛ وهي الرحمن والرحيم، فالله -تعالى- مُتفرد في صفاته وأسمائه، ويتّصف بعظمة عطفه ولطفه وحنانه على العباد، ولفظ الرحمن مختصٌّ بالله -سبحانه وتعالى- وحده فلا يُطلق وصفه على بشرٍ أبداً.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُقصد بقول "الحمد لله"؛ أي أنّ الله -تعالى- هو المُستحقّ للحمد، والثّناء، والشّكر، والتّعظيم، والفضل، وذلك لاتّصافه -جل وعلا- بكل صفات الكمال والجمال والفضل، ولأنّ الله -تعالى- هو الواجد للمخلوقات جميعها. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرّحمن الرّحيم: هما اسمان مُشتقّان من الرّحمة، ويحملان المعنى نفسه، إلا أنّ لفظ الرّحمن صيغة مبالغة وكثرة مقارنة بلفظ الرّحيم.
وفسّر آخرون أنّ لفظ الرّحمن عام، والرّحيم خاص، فالرّحمن رازق الخلق جميعاً في الحياة الدنيا دون تفريقٍ بين مسلمٍ وكافرٍ استناداً لقوله -تعالى-: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ)، والرّحيم خاص للمسلمين في الآخرة، فقد اختُصّوا بعفوه ورحمته.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ المقصود "بيوم الدّين" بالآية هو يوم القيامة، وقد اختصّ الله -تعالى- بذكر هذا اليوم رغم امتلاكه أيام الدنيا والآخرة كلّها؛ وذلك بسبب تجلّي ملكه وحده في هذا اليوم.
قال -تعالى-: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّـهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ). فالله -تعالى- هو المتصرّف الوحيد في هذا اليوم وبيده الأمر كلّه من الثّواب أو العقاب، قال -تعالى-: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّـهِ)، والدّين من الدَّيْن؛ أيّ الحساب، وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله-: "وتخصيص الملك بيوم الدّين لا ينفيه عمّا عداه، لأنّه قد تقدّم الإخبار بأنّه رب العالمين، وذلك عامّ في الدنيا والآخرة. وإنّما أضيف إلى يوم الدّين؛ لأنّه لا يدعى أحد هنالك شيئا، ولا يتكلّم أحدٌ إلا بإذنه".
إياك نعبد وإياك نستعين يُقصد بهذه الآية أنّ المستحقّ الوحيد بالعبادة والاستعانة به هو ربّ الأرباب الله -تبارك وتعالى-، وهي دليلٌ على وحدانيّته -تعالى-.
اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ يطلب العبد من الله -تعالى- أن يدلّه ويرشده على طريق الهداية والصّلاح المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، فيقرأ سورة الفاتحة في كلّ فرض صلاة لأهميّتها في حياته، فيحرص على سؤال الله -تعالى- الهداية والزّيادة في الخير والثبات، فالإيمان يزيد وينقص كما وضّح أهل السنّة والجماعة، وقد كان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام- يدعو الله -تعالى- ويقول: (يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ) .
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ تُوضّح الآية الفئة التي ستُرشَد للصّراط المستقيم؛ وهو طريق الهداية والصّلاح، وهم الذين أنعم الله -تعالى- عليهم بفضله، وهم أهل الصّراط من الأنبياء والصِدّيقين والصالحين من المؤمنين، وأمّا المغضوب عليهم فهم الذين عصوا الله -تعالى-، واسْتخَفّوا بعقابه، والتفتوا للدنيا ونسوا الآخرة، فاستحقّوا غضب الله -تعالى- عليهم، وفي الآية نوعٌ من التأدّب مع الله -تعالى- من خلال إلحاق أفعال الإحسان والخير لاسم الله -تعالى-، وفِعل الغضب باسم المفعول "مغضوب".
ثم تنتهي الآية بحرف النّفي "لا" للتأكيد بأنّ من هُدي للصّراط هم عكس المغضوب عليهم والضالين، وقد ذَكر العديد من المفسّرين أنّ المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النّصارى، وقد ورد بتفاسير أخرى أنّ المغضوب عليهم من جَحَد الحقّ رغم علمه به وقرّر تركه وعدم العمل به، والضالين هم الذين انحرفوا عن الطريق فانغمسوا بالضّلال.