استهداف جديد للمهاجرين.. أوروبا تتخلى عن مبادئها لإرضاء اليمين المتطرف
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
لم تعد المبادئ التي لطالما تغنى بها الغرب قادرة على الصمود في مواجهة نفوذ اليمين المتطرف على ما يبدو، وهو ما دفع حكومات الاتحاد الأوروبي لصياغة قيود جديدة للحد من الهجرة غير النظامية رغم أنها تخالف القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
فقد اتفق الاتحاد على نظام استثنائي أقل حماية لطالبي اللجوء من تلك الإجراءات المعتادة في حال حدوث تدفق جماعي أو غير مسبوق للمهاجرين، يسمح بتمديد احتجازهم على الحدود إلى 40 أسبوعا، مع دراسة مبسطة لطلبات اللجوء لتسريع إعادة أكبر عدد منهم إلى بلدانهم.
وقد وصف المستشار الألماني أولاف شولتز الاتفاق الأخير -الذي ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي- بأنه "خطوة تاريخية"، في حين قالت مفوضة الاتحاد أورسولا فون دير لاين إنه سيغير قواعد اللعبة تماما.
وفي حين يرى خبراء أن التفاهم الأخير لا يعدو كونه محاولة لإرضاء اليمين المتطرف وخصوصا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني المناهضة للهجرة والتي يزداد نجمها سطوعا، يرى آخرون أن الأوروبيين اتخذوا خطوة أولى على طريق تغيير التعاطي مع المهاجرين، لكنها في الوقت نفسه خطوة ضعيفة وربما تتعارض مع حقوق الإنسان.
فقد أكدت الباحثة المختصة في شؤون الهجرة بمركز السياسات الأوروبية هيلين هان، أن الاتفاق ليس خلاصة للميثاق الجديد المأمول للتعامل مع المهاجرين، لكنه في الوقت نفسه خطوة لتحسين التعامل مع هذه التدفقات الكبيرة من البشر.
وخلال مشاركتها في حلقة برنامج سيناريوهات (2023/10/5)، قالت "هان" إن الاتفاق يحاول تلبية احتياجات القادمين إلى أوروبا سواء من طالبي اللجوء أو الحماية أو من يسعون لفرص عمل، وإنه قد يغير قواعد اللعبة فعلا في حال وافق عليه البرلمان الأوروبي، رغم أنه لن ينتهي بتغيير جذري لقوانين الهجرة المعمول بها حاليا، وفق قولها.
وفي حين تتحدث هان عن أن الاتفاق محاولة لتحسين إدارة ملف الهجرة، يقول النائب السابق في البرلمان الإيطالي خالد شوقي، إن الاتفاق ليس إلا مقاربة أمنية يحاول قادة أوروبا من خلاله إرضاء رئيسة وزراء إيطاليا التي حاولت إقصاء منظمات دولية تعمل على إنقاذ المهاجرين من الموت في مياه بلادها.
ومن هذا المنطلق، فإن الاتفاق -وفق شوقي- ليس إلا تقليصا للضمانات التي كانت متوفرة لطالبي اللجوء والمهاجرين في السابق، وهو أمر يناقض حقوق الإنسان التي تضمنها الاتفاقات الدولية، وما جعله في مرمى انتقادات المنظمات الحقوقية، وفق قوله.
ويعتقد شوقي أن البنود المعلنة ليست كل شيء لأنه ربما هناك خطوات أخرى غير معلنة لوقف تدفقات المهاجرين، ومن ذلك التغييرات القانونية الداخلية المتعلقة بالتعامل مع المهاجرين، التي أقرتها الحكومة الألمانية.
وفي النهاية، فإن الاتفاق -من وجهة نظر شوقي- يمثل المسار الأوروبي المتوقع مع المهاجرين في ظل طغيان الخطاب اليميني المتطرف على الساحة السياسية الأوروبية خصوصا في الدول التي تقترب من سباقات انتخابية ستكون قضية الهجرة أداة رئيسية فيها.
والأهم من ذلك -برأي النائب السابق في البرلمان الإيطالي- أن الاتحاد الأوروبي ما يزال عاجزا عن التوصل لاتفاقات عادلة مع الدول الأخرى التي تخرج منها أو التي تمر عبرها قوارب الهاربين صوب شواطئ أوروبا.
وبدلا من البحث عن حلول سياسية، فإن حكومة مثل الحكومة الإيطالية بدأت توجيه خطاب إعلامي حاد على نحو غير مسبوق وشبه عنصري عبر وسائل إعلام دول عربية مثل تونس، لتحذير المهاجرين من أنهم ربما يعودون من حيث أتوا فور وصولهم إلى الشاطئ.
مع ذلك، فإن الصحفي التونسي مالك الخالدي، الذي يعمل أيضا مستشارا لمنظمات دولية تعمل في مجال الهجرة، يرى أن كل هذه القيود والتهديدات لا تعني الشباب الراغب في الوصول إلى أوروبا بعدما أغلقت حكومات بلاده كل المنافذ أمامه.
ليس هذا وحسب، بل إن كل هذه الأحاديث -يضيف الخالدي- لا تعدو كونها شبه اتفاق ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي الذي لن يقبل بمثل هذه الإجراءات خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفرقة بين المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء.
والأهم من ذلك أن مضي دول الاتحاد الأوروبي قدما في هذا المسار يفرض عليها التنكر لاتفاقية 1951 التي تحدد أوضاع اللاجئين وبروتوكول 1967 المتمم لها، وهي اتفاقيات أممية صارمة، ناهيك عن لجنة البندقية التي تنظر كذلك في مدى تطابق هذه الإجراءات مع حقوق الإنسان ومع القوانين الدولية، كما يقول الصحفي التونسي.
وخلص الخالدي إلى أن ما يجري هو محاولة وقتية من ألمانيا تحديدا لإرضاء رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية التي خالفت القانون الأوروبي ومنعت المهاجرين من العبور إلى فرنسا عبر بلادها من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.
وبناء على ذلك، فإن أحاديث ألمانيا عن تطبيق هذه الإجراءات في حالات بعينها ليس كافية لتهدئة المخاوف، وإنما يجب وضع أطر واضحة وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في اتفاقيات الأمم المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مع المهاجرین
إقرأ أيضاً:
رغم التشديد والرقابة.. تدفق مستمر للمهاجرين الأفارقة إلى سواحل اليمن
رغم الحملات الأمنية والقيود التي تفرضها السلطات اليمنية على الشريط الساحلي الممتد من البحر الأحمر حتى بحر العرب في مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من القرن الأفريقي، إلا أن المئات منهم تمكنوا من الوصول عبر رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر.
وخلال شهر مايو، شهدت سواحل محافظتي شبوة ولحج، ضبط المئات من المهاجرين غير الشرعيين الذين يحملون جنسيتين "الصومالية، والإثيوبية". حيث يتخذ المهربون سواحل المحافظتين كنقاط رئيسية لإيصال المهاجرين الذين يقطعون مسافات بحرية طويلة من أجل عبور اليمن صوب الدول الخليجية بحثًا عن تحسين أوضاعهم المعيشية.
تورط حوثي بالتهريب
وخلال اليومين الماضيين، تمكنت قوة بحرية تابعة للحزام الأمني في المضاربة ورأس العارة الساحلية من ضبط قارب تهريب نوع "سنبوق" قادم من القرن الأفريقي وعلى متنه 119 مهاجرًا، بالإضافة إلى أربعة مهربين ينحدرون من محافظات خاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي الإيرانية.
وهذا القارب الثاني الذي يتم ضبطه منذ مطلع مايو، حيث تمكنت القوات في وقت سابق من ضبط قارب تهريب قبالة سواحل رأس العارة، وعلى متنه 132 مهاجرًا أفريقيًا.
وبحسب المركز الإعلامي لقوات الحزام الأمني في بيان، إن القوة البحرية التابعة لحزام الصبيحة اعترضت على بعد 30 ميل بحري قارب يُستخدم لنقل مهاجرين غير شرعيين، كان في طريقه إلى مناطق خاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين. موضحًا أن هذه العملية هي أول تحرك من نوعه لقوات الحزام في المياه الإقليمية وتعد "تطوراً لافتاً في طبيعة المهام الأمنية لقوات الحزام، التي وسعت نطاق تحركاتها من البر إلى البحر، في إطار جهودها لتأمين الشريط الساحلي الجنوبي من أنشطة التهريب والهجرة غير الشرعية".
وبحسب البيان، فإن جماعة الحوثيين تعمل على استغلال المهاجرين الأفارقة في جبهات القتال، إما كدروع بشرية أو عبر توظيف صورهم داخل معسكراتها لاستعطاف منظمات دولية والحصول على دعم باسم العمل الإنساني. وأكد البيان استمرار قوات الحزام الأمني في الصبيحة في تنفيذ عمليات ملاحقة واسعة لشبكات تهريب البشر، التي تنشط في نقل المهاجرين عبر البحر، وتُعد أحد أبرز التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار في لحج ومحيطها الجغرافي.
شبوة نقطة رئيسية
وتمثل سواحل محافظة شبوة نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من القرن الأفريقي، خصوصًا عقب تضييق الخناق على خطوط التهريب على سواحل لحج، غرب العاصمة عدن خلال الفترة الماضية بسبب الحملات الأمنية والعسكرية التي تقودها قوات مشتركة لتأمين الشريط الساحلي المطلع على البحر الأحمر وخليج عدن.
وأفادت مصادر أمنية أن الأجهزة الأمنية في شبوة خلال النصف الأول من مايو الجاري من ضبط أكثر من 350 مهاجرًا أفريقيًا يحملون الجنسيتين الصومالية والإثيوبية، وجرى ضبطهم أثناء محاولة تهريبهم إلى سواحل مديرية رضوم. موضحة أن عمليات التهريب مستمرة ومتنامية وأصبحت ظاهرة مقلقة تحتاج إلى تحرك محلي وأمني للتصدي لها.
ويستغل المهربون ضعف طول الشريط الساحلي لمحافظة شبوة وضعف إجراءات المراقبة لإيصال الآلاف من المهاجرين عبر رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر. حيث سجلت المحافظة خلال الشهرين الماضيين وصول أكثر من 1200 مهاجر أفريقي بينهم نساء وأطفال.
تحرك رسمي
التدفق المستمر للمهاجرين صوب سواحل شبوة دفع السلطة المحلية إلى التحرك سريعًا من أجل مناقشة هذه الظاهرة، واستشعار حجم المشاكل الكبيرة التي انتجتها، وسط تصاعد شكاوى المواطنين، خاصة في ضواحي مدينة عتق، مما أثار تساؤلات جدية حول صمت الجهات المعنية تجاه هذه القضية المتفاقمة.
وتؤكد السلطة المحلية أن أعداد كبيرة تدخل المحافظة أسبوعيًا ما بين 1000 إلى 1500 مهاجر أفريقي، وهذه الظاهرة تمثل تهديد حقيقي للأمن والاستقرار، فضلاً عن الأعباء الصحية والاجتماعية التي تترتب عليها. داعية إلى البحث عن حلول إنسانية عادلة وفعالة للتعامل مع هذه الأزمة، بما يضمن تجنب المحافظة لتبعاتها الضارة على مختلف الأصعدة.
وعبرت السلطة المحلية، عن عجزها عن احتواء هذه الظاهرة أو توفير المرافق اللازمة لإقامة النازحين في مخيمات الإيواء، في ظل الضغط الهائل الذي يتعرض له النظام الخدمي الأساسي في المحافظة، مؤكدةً أن هذا الوضع يزيد من تفاقم المشكلات الحقيقية التي يعاني منها المواطنون.
وجددت سلطة المحافظة، دعواتها لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة وشركاء العمل الإنساني، بضرورة تقديم الدعم والمساعدة في احتواء ظاهرة الهجرة غير الشرعية من دول القرن الأفريقي. كما أكدت سلطة المحافظة، استعدادها لتسهيل عبور هذه الموجات البشرية عبر أراضيها، مع التأكيد على عدم السماح لهم بالبقاء أو الإقامة فيها، حرصاً على الحفاظ على الأمن والاستقرار في المحافظة.
غزو أفريقي
وكيل محافظة شبوة، فهد الخليفي، أكد أن المناطق المحررة تعان غزو أفريقي بسبب الأعداد الكبيرة والهائلة التي تصل بشكل شبه دوري ومنتظم إلى السواحل اليمنية. موضحًا أن مشكلة تواجد المهاجرين غير الشرعيين أصبحت تؤرق السلطات المحلية وعلى وجه الخصوص سلطة محافظة شبوة لما لهذه الظاهرة من تداعيات وأعباء سواء أمنية وصحية، ناهيك عن انعكاساتها على السلم المجتمعي.
وأضاف الخليفي: "هناك توجيهات من محافظ شبوة بشأن وضع الترتيبات والتجهيزات الأمنية والمحلية من أجل الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من القرن الأفريقي، ومواجهة هذه الظاهرة التي تعزز الأمن والاستقرار في المحافظة". مضيفً: "بدأنا فعليًا بتنفيذ استراتيجية وخطة عمل واضحة في هذا الشأن، تبدأ بإعادة ترتيب المهاجرين الأفارقة الموجودين بالمديريات وكذا الحد من التدفق عبر سواحل المحافظة عبر خطط أمنية وعسكرية مشتركة".
وحمل وكيل محافظة شبوة، القيادة العليا في الدولة مسؤولية بالإضافة إلى المنظمات الدولية المعنية بالتعامل مع اللاجئين والمهاجرين والتي فشلت في التدخلات الإنسانية بهذا الجانب". لافتًا إلى أن السلطة المحلية ستعمل على ترتيب المهاجرين حفاظًا على السلم المجتمعي من جانب وحفاظًا على سلامة وكرامة المهاجرين أنفسهم، فالسلطة المحلية تتحمل كل الضغوط والتبعات".
وقال أن الأعداد الكبيرة الواصلة إلى شبوة جعلها بؤرة ارتكاز، فالبعض منهم يجعل شبوة نقطة مرور رحلتهم صوب مناطق ودول مجاورة، والبعض الأخر يستقر فيها وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا. مضيفًا أن "هناك تجارة رق أو الاتجار بالبشر، من قبل بعض العصابات التي تعمل في هذا المجال وتخصصت في تهريب المهاجرين، فهي أصبحت تجارة تدر أموال كبيرة للقائمين عليها".