لم تعد المبادئ التي لطالما تغنى بها الغرب قادرة على الصمود في مواجهة نفوذ اليمين المتطرف على ما يبدو، وهو ما دفع حكومات الاتحاد الأوروبي لصياغة قيود جديدة للحد من الهجرة غير النظامية رغم أنها تخالف القوانين الدولية وحقوق الإنسان.

فقد اتفق الاتحاد على نظام استثنائي أقل حماية لطالبي اللجوء من تلك الإجراءات المعتادة في حال حدوث تدفق جماعي أو غير مسبوق للمهاجرين، يسمح بتمديد احتجازهم على الحدود إلى 40 أسبوعا، مع دراسة مبسطة لطلبات اللجوء لتسريع إعادة أكبر عدد منهم إلى بلدانهم.

وقد وصف المستشار الألماني أولاف شولتز الاتفاق الأخير -الذي ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي- بأنه "خطوة تاريخية"، في حين قالت مفوضة الاتحاد أورسولا فون دير لاين إنه سيغير قواعد اللعبة تماما.

وفي حين يرى خبراء أن التفاهم الأخير لا يعدو كونه محاولة لإرضاء اليمين المتطرف وخصوصا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني المناهضة للهجرة والتي يزداد نجمها سطوعا، يرى آخرون أن الأوروبيين اتخذوا خطوة أولى على طريق تغيير التعاطي مع المهاجرين، لكنها في الوقت نفسه خطوة ضعيفة وربما تتعارض مع حقوق الإنسان.

فقد أكدت الباحثة المختصة في شؤون الهجرة بمركز السياسات الأوروبية هيلين هان، أن الاتفاق ليس خلاصة للميثاق الجديد المأمول للتعامل مع المهاجرين، لكنه في الوقت نفسه خطوة لتحسين التعامل مع هذه التدفقات الكبيرة من البشر.

وخلال مشاركتها في حلقة برنامج سيناريوهات (2023/10/5)، قالت "هان" إن الاتفاق يحاول تلبية احتياجات القادمين إلى أوروبا سواء من طالبي اللجوء أو الحماية أو من يسعون لفرص عمل، وإنه قد يغير قواعد اللعبة فعلا في حال وافق عليه البرلمان الأوروبي، رغم أنه لن ينتهي بتغيير جذري لقوانين الهجرة المعمول بها حاليا، وفق قولها.

وفي حين تتحدث هان عن أن الاتفاق محاولة لتحسين إدارة ملف الهجرة، يقول النائب السابق في البرلمان الإيطالي خالد شوقي، إن الاتفاق ليس إلا مقاربة أمنية يحاول قادة أوروبا من خلاله إرضاء رئيسة وزراء إيطاليا التي حاولت إقصاء منظمات دولية تعمل على إنقاذ المهاجرين من الموت في مياه بلادها.

ومن هذا المنطلق، فإن الاتفاق -وفق شوقي- ليس إلا تقليصا للضمانات التي كانت متوفرة لطالبي اللجوء والمهاجرين في السابق، وهو أمر يناقض حقوق الإنسان التي تضمنها الاتفاقات الدولية، وما جعله في مرمى انتقادات المنظمات الحقوقية، وفق قوله.

ويعتقد شوقي أن البنود المعلنة ليست كل شيء لأنه ربما هناك خطوات أخرى غير معلنة لوقف تدفقات المهاجرين، ومن ذلك التغييرات القانونية الداخلية المتعلقة بالتعامل مع المهاجرين، التي أقرتها الحكومة الألمانية.

وفي النهاية، فإن الاتفاق -من وجهة نظر شوقي- يمثل المسار الأوروبي المتوقع مع المهاجرين في ظل طغيان الخطاب اليميني المتطرف على الساحة السياسية الأوروبية خصوصا في الدول التي تقترب من سباقات انتخابية ستكون قضية الهجرة أداة رئيسية فيها.

والأهم من ذلك -برأي النائب السابق في البرلمان الإيطالي- أن الاتحاد الأوروبي ما يزال عاجزا عن التوصل لاتفاقات عادلة مع الدول الأخرى التي تخرج منها أو التي تمر عبرها قوارب الهاربين صوب شواطئ أوروبا.

وبدلا من البحث عن حلول سياسية، فإن حكومة مثل الحكومة الإيطالية بدأت توجيه خطاب إعلامي حاد على نحو غير مسبوق وشبه عنصري عبر وسائل إعلام دول عربية مثل تونس، لتحذير المهاجرين من أنهم ربما يعودون من حيث أتوا فور وصولهم إلى الشاطئ.

مع ذلك، فإن الصحفي التونسي مالك الخالدي، الذي يعمل أيضا مستشارا لمنظمات دولية تعمل في مجال الهجرة، يرى أن كل هذه القيود والتهديدات لا تعني الشباب الراغب في الوصول إلى أوروبا بعدما أغلقت حكومات بلاده كل المنافذ أمامه.

ليس هذا وحسب، بل إن كل هذه الأحاديث -يضيف الخالدي- لا تعدو كونها شبه اتفاق ينتظر موافقة البرلمان الأوروبي الذي لن يقبل بمثل هذه الإجراءات خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفرقة بين المهاجر واللاجئ وطالب اللجوء.

والأهم من ذلك أن مضي دول الاتحاد الأوروبي قدما في هذا المسار يفرض عليها التنكر لاتفاقية 1951 التي تحدد أوضاع اللاجئين وبروتوكول 1967 المتمم لها، وهي اتفاقيات أممية صارمة، ناهيك عن لجنة البندقية التي تنظر كذلك في مدى تطابق هذه الإجراءات مع حقوق الإنسان ومع القوانين الدولية، كما يقول الصحفي التونسي.

وخلص الخالدي إلى أن ما يجري هو محاولة وقتية من ألمانيا تحديدا لإرضاء رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية التي خالفت القانون الأوروبي ومنعت المهاجرين من العبور إلى فرنسا عبر بلادها من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.

وبناء على ذلك، فإن أحاديث ألمانيا عن تطبيق هذه الإجراءات في حالات بعينها ليس كافية لتهدئة المخاوف، وإنما يجب وضع أطر واضحة وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في اتفاقيات الأمم المتحدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مع المهاجرین

إقرأ أيضاً:

إدارة ترامب تجمّد كل قرارات اللجوء في الولايات المتحدة

واشنطن - صفا

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميد كلّ القرارات المتعلقة باللجوء في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إجراءات أخرى تهدف إلى تشديد سياسة الهجرة، في ما وُصف أنّه نتيجة مباشرة للهجوم الذي وقع في واشنطن قبل يومَين وأسفر عن مقتل جندية من الحرس الوطني وإصابة جندي آخر بجروح خطرة.

وعقب الهجوم الذي أُوقف على أثره المواطن الأفغاني رحمن الله لاكانوال، البالغ من العمر 29 عاماً والذي وصل إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 2021، أعلن الرئيس الأميركي وعدد من المسؤولين الأميركيين تشديد جوانب مختلفة من سياسة الهجرة الأميركية، تلك السياسة التي راح ترامب يشدّدها منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.

ومن المتوقّع أن تُوجَّه إلى المشتبه فيه تهمة القتل، وتعتزم النيابة العامة الفيدرالية المطالبة بعقوبة الإعدام بحقّه.

وأفاد مدير دائرة الهجرة جوزف إدلو، في تدوينة نشرها على موقع إكس، بأنّ دائرته علّقت "كلّ القرارات" المتعلقة بمنح اللجوء في الولايات المتحدة الأميركية وذلك "إلى حين إخضاع مختلف الأجانب لتدقيق أمني".

ويأتي قرار التجميد هذا بعد أقلّ من شهر من إعلان الحكومة الأميركية عزمها تخفيض منح اللجوء إلى نحو 7.500 شخص سنوياً، في مقابل نحو 100 ألف في عهد الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن.

بدورها، أعلنت وزارة الخارجية في إدارة ترامب تعليق إصدار التأشيرات لأيّ حامل جواز سفر أفغاني يتقدّم بطلب لدخول البلاد. وفي هذا الإطار، نشر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو تدوينة على منصة إكس كتب فيها "ليس للولايات المتحدة الأميركية أولوية أهمّ من حماية بلدنا وشعبنا".

وما زالت دوافع المشتبه فيه غير معروفة حتى الآن. وكان لاكانوال قد وصل إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 2021 بعدما خدم في صفوف الجيش الأميركي في أفغانستان، وفقاً لبيانات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). وكان يعيش مع عائلته في ولاية واشنطن شمال غربي البلاد قبل أن ينتقل إلى العاصمة.

ويوم الأربعاء الماضي، نفّذ لاكانوال في العاصمة هجوماً ضدّ مجموعة من الحرس الوطني، فأطلق النار على اثنَين من عناصره، كلاهما في العشرينيات من العمر، قبل أن يُعتقل. وقد صرّحت المدعية العامة الأميركية بام بوندي، أوّل من أمس الخميس، بأنّ "ما كان ينبغي لهذا الوحش أن يكون في بلادنا".

وتوفيت إحدى الضحيتَين، الجندية سارة بيكستروم البالغة من العمر 20 عاماً، في حين أنّ الجندي أندرو وولف البالغ من العمر 24 عاماً في حال حرجة على أثر إصابته. وبعد وقت قصير من إعلان وفاة بيكستروم، أكد ترامب أنّه سوف يمنع "الهجرة من كلّ دول العالم الثالث"، وذلك في تدوينة نشرها على "تروث سوشال".

إلى جانب ذلك، أعلنت إدارة ترامب عن "مراجعة شاملة ودقيقة" لتصاريح الإقامة الدائمة أو "البطاقة الخضراء" (غرين كاردز) الممنوحة لمواطني 19 دولة "تمثّل مصدراً للقلق"، من بينها أفغانستان وهايتي وإيران وفنزويلا.

وبعدما تواصلت وكالة فرانس برس، أمس الجمعة، مع دائرة الهجرة لمعرفة ما هي دول العالم الثالث المعنيّة بإعلان ترامب الأخير، أشار مسؤولون فيها إلى القائمة نفسها التي تضمّ 19 بلداً. ووفقاً للبيانات الرسمية، يتحدّر أكثر من 1.6 مليون أجنبي من حاملي تصاريح الإقامة الدائمة، أي ما يعادل 12% من المقيمين الدائمين، من إحدى الدول المعنيّة بالقرار، مع العلم أنّ عدد الأفغان وحدهم من بينهم يبلغ 116 ألفاً.

وكان المواطن الأفغاني رحمن الله لاكانوال قد وصل إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد شهر من انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في أغسطس/آب 2021، في عهد بايدن، وذلك في إطار عملية نُفّذت لمساعدة الأفغان الذين تعاونوا مع الأميركيين بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة. يُذكر أنّ أكثر من 190 ألف أفغاني وصلوا إلى الولايات المتحدة الأميركية منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في كابول، وفقاً لبيانات وزارة الخارجية الأميركية.

وأفادت وسائل إعلام أميركية، أمس الجمعة، بأنّ لاكانوال انضمّ إلى "وحدات الصفر" التابعة للأجهزة الأفغانية المكلّفة بمهام كوماندوس ضدّ حركة طالبان وتنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن أحد أصدقاء طفولته قوله إنّ لاكانوال "تأثّر نفسياً بدرجة كبيرة" بمهامه في تلك الوحدات.

في سياق متصل، قال رئيس منظمة "أفغان إيفك" غير الحكومية شون فان دايفر، في حديث إلى شبكة "سي إن إن" الأميركية، أمس الجمعة، إنّ "الأفغان (الذين دخلوا إلى البلاد في ذلك الحين) خضعوا لتدقيق أمني". وأوضحت المنظمة أنّ المشتبه فيه تقدّم بطلب لجوء خلال عهد بايدن، لكنّ طلبه حظي بالموافقة في عهد ترامب.

مقالات مشابهة

  • ترامب: سنمنع اللجوء من بعض الدول لأسباب أمن قومي وسأسحب الجنسية
  • الاتحاد الأوروبي: جنوب أوروبا معرض لخطر الحرب الهجينة التي تشنها روسيا
  • دول العالم الثالث التي حظر ترامب استقبال المهاجرين منها:
  • حرب غزة التي لم تنته
  • تأجيل مؤتمر لحزب اليمين المتطرف في ألمانيا بسبب مظاهرات
  • ترامب يعاقب دول العالم الثالث بوقف الهجرة إلى الولايات المتحدة.. ويبدأ في مخطط ترحيل المهاجرين
  • إدارة ترامب تجمّد كل قرارات اللجوء في الولايات المتحدة
  • استطلاع: اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت في انتخابات رئاسة فرنسا
  • كينيا تطعن في قرار وقف اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي
  • واشنطن توسّع التعاقد مع شركات خاصة لتعقب المهاجرين بملايين الدولارات