السلام قبل التطبيع
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
محمد بن رامس الرواس
إنَّ السلام متى ما أُريد له أن يقوم بين طرفين يفترض أن يكون التزامًا من الجانبين تمنح فيه الحقوق وتتبادل فيه الواجبات، وما تقوم به إسرائيل لا يدعو إلى السلام وبالتالي أي تطبيع معها فلا معنى له ولا جدوى منه فهي تريد كل شيء وتطمع دومًا في أفضل شيء؛ بينما من يريد السلام الحقيقي عليه أن يكون أكثر التزامًا ويجلس ليفاوض ويحاور ليجد السلام لنفسه مكانًا وموطأ قدم.
التطبيع من منظور ومفهوم إسرائيلي هو التدخل بنفوذ وتغلغل مُسيء في المجتمعات العربية وزعزعة الثقة بينها وازدياد اضطرابها، ونشر قيمها؛ حيث لو أن إسرائيل تريد التطبيع حقيقة لردت الحقوق إلى أصحابها الفلسطينيين.
تحذيرات تتكرر وإشارات ورسائل مستمرة من العديد من دول العالم الواعية بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى إسرائيل تنذرها بنتائج وخيمة جراء الضغط العنيف الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني خاصة بالقدس وقطاع غزة من انتهاكات خاصة في الفترة الأخيرة برغم أن هناك أصوات من داخل إسرائيل نفسها تدعوها لوقف ما تقوم به.
عندما يستشري الظلم وتُنتهك الحرمات خاصة المقدسات الدينية مرارًا وتكرارًا ويتعمدون تدنيس المسجد الأقصى، وتطغى الأحلام السوداء في مخيلة الجماعات اليهودية توهمهم بأن لهم أحقية كاملة في المسجد الأقصى وساحاته؛ وعندما تُسفك دماء الأبرياء وتمتلئ أبشع سجون العالم ظُلمة بالمظلومين من أبناء فلسطين ويتم التنكيل بهم أيما تنكيل؛ ويتم اقتحام البلدات والقرى الفلسطينية وتُكشف حرمات ساكنيها دون أدنى حرمة على امتداد مدن الضفة الغربية ويعيث الجيش الإسرائيلي فسادًا وينتج عن ذلك استشهاد المئات دون جريرة أو ذنب... مع كل هذه المشاهد وغيرها كان لا بد أن تحين الساعة ليرتفع صوت الحق وينتفض الأحرار حين يتجاوز الظالمون الحدود فيدفعون الثمن جزاء لهم من مما اقترفته أيديهم الآثمة.
مخطئ من ظن يومًا أن لإسرائيل عهدًا؛ فبرغم أن إسرائيل ارتدت عباءة السلام ودعت الجميع للسلم والوئام ونادت للتطبيع مع الجميع؛ ومع اعتذاري لأمير الشعراء أحمد شوقي أقول: "مخطئ من ظن يومًا أن لإسرائيل مبدأ".
التطبيع من وجهة نظر الإسرائيليين يختلف كما ذكرنا سابقًا عن وجهة نظر العرب الذين يعتقدون في العلاقات الودية والتبادل الاقتصادي والتجاري والتقاطع في خطوط العلاقات الدولية، مما قد يحصد فيه الفلسطينيون جزءًا من حقوقهم ويمكن إدخال بعض المساعدات إليهم.. لكن هيهات هيهات أن يكون للإسرائيليين هذا الاتجاه، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان.. علاقات دبلوماسية متوازنة وثقة صلبة من الجميع
محمد المعتصم **
في منطقة تمتلئ بالتوترات والتحالفات التي تتبدل بحسب توافقات ومصالح، برزت سلطنة عُمان كاستثناء لافت؛ بعد أن اختارت منذ عقود سياسة الحياد الإيجابي، مع مزيج من الدبلوماسية المتوازنة والوساطة الصامتة. هذا المسار جعل من العاصمة مسقط مركزًا دبلوماسيًا يُمكن أن «يُهمس فيه» مع الجميع ويستمع إليه الجميع، وهم يدركون أنهم يتحدثون مع دولة أمينة في الطرح وفي التدخل، الولايات المتحدة، إيران، الدول الخليجية، وحتى القوى الدولية الكبرى يدركون أهمية هذا الدور الذي جعل السلطنة تحظى باحترام واسع، وثقة متجددة، وقدرة على لعب دور محوري عندما تشتد الأزمات.
تعود جذور سياسة الحياد العُماني إلى فهم واقعي لطبيعة المنطقة، عُمان رأت في عدم الانحياز إلى أحد الأطراف مخرجًا للحفاظ على استقرارها الداخلي وعلى مصالحها الاقتصادية أولًا.
الحياد العُماني ليس مجرد موقف مرحلي؛ بل هو جزء من هوية دبلوماسية: «الحياد الإيجابي» كما تصفه الدوائر الرسمية. نهج يعتمد على احترام سيادة الدول، عدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، الالتزام بالقانون الدولي، والعمل الدبلوماسي الهادئ بعيدًا عن التصعيد.
هذا التوجه ساعد عُمان على تجنب الانخراط في النزاعات الإقليمية، وفتح لها باب الوساطة حين تتصاعد الأزمات.
وقد حافظت السلطنة على الحياد عبر أدواتها الدبلوماسية المتوازنة، مكنتها من بناء علاقات خارجية متعددة الأبعاد، حيث حافظت السلطنة على علاقات مفتوحة مع طيف واسع من الدول: من دول الخليج، إلى إيران، إلى الغرب (أوروبا، الولايات المتحدة)، بل وحتى الدول الناشئة. هذا «التوازن» يمنحها موضع ثقة من الأطراف المتناقضة.
أضف إلى ذلك هو اعتمادها على الوساطة خلف الكواليس، فبدلًا من التصريحات النارية والإدانات العلنية، تختار مسقط «القناة المغلقة» للحوار. في كثير من القضايا - من النووي الإيراني إلى أوضاع اليمن - وغيرها من القضايا التي تتحرك فيها بصمت بعيدًا عن الضجيج وبعيدًا عن المزايدات، حيث تعتمد على السرية والحيطة؛ فالدخول في التفاصيل علانية قد يُفسد الوساطة.
مبدأ «الحياد الصامت» منح عُمان مصداقية لدى الجميع... عُمان لا تدخل في نزاع عسكري أو تحالف مسلح. اقتصادها ما يزال يعتمد بنحو 70% على النفط والغاز، لكنها منذ سنوات بدأت خطوات فاعلة ومؤثرة لتنويع الاقتصاد. وهذا النهج العُماني الأصيل منحها مساحةً للمناورة الدبلوماسية بعيدًا عن التحزبات والتحالفات العسكرية.
الوساطة في الملف النووي الإيراني من أبرز الملفات التي أدرك فيها العالم حجم الدبلوماسية العُمانية، مارست عُمان دورًا محوريًا في وساطة سرية بين إيران والغرب. وفي 2025، أعلنت عُمان أنها عرضت عناصر من مقترح أمريكي على الجانب الإيراني خلال زيارات دبلوماسية قصيرة، في إطار جهود لإنهاء الجمود حول الملف النووي.
هذا الدور يعكس ثقة الطرفين بمسقط، الولايات المتحدة، لإيصال رسائلها إلى طهران. طهران، لكونها ترى في مسقط قناة آمنة وموثوقة تفتح لها أفق تفاهم بديل عن المواجهة.
ثاني الأزمات التي تدخلت فيها السلطنة كانت أثناء الأزمة اليمنية وتصاعد التوتر في البحر الأحمر وباب المندب، تدخلت عُمان كوسيط لطرح هدنة وقبول التفاوض بين الأطراف، وفي مايو 2025، أعلنت سلطنة عُمان أنها نجحت في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله في اليمن، وهو تحرك يُظهر قدرتها على التعامل باحترافية شديدة مع جبهات التوتر بلباقة.
إنَّ السياسة العُمانية لم تكن وليدة اللحظة؛ فخلال الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، حافظت مسقط على حيادها، ولم تساند أي طرف. كذلك، أثناء احتلال الكويت ثم تحريرها، اتخذت موقفًا متوازنًا، أكّد على احترام السيادة، دون الانزلاق في محاذير الانحياز.
وعندما قاطعت الدول العربية مصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل رفضت سلطنة عُمان المقاطعة، وبقيت على علاقات مع مصر، وهو الموقف الذي ما تزال مصر تذكره إلى الآن، واستمر صداه بدايةً من حكم الرئيس محمد أنور السادات والرئيس محمد حسني مبارك؛ وصولًا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحمل تقديرًا خاصًا لسلطنة عُمان.
باختصارٍ.. سجل سلطنة عُمان في التعامل الهادئ مع القضايا الكبرى، جعلها أقرب لأن تكون «سويسرا الخليج»، أو كما وصفها بعض الباحثين بأنها: «دولة مؤثرة للغاية عبر ذكائها الدبلوماسي».
** كاتب صحفي مصري