جريدة الوطن:
2025-05-12@10:32:21 GMT

ذيل الأرنب ومهارات المطاردة

تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT

ذيل الأرنب ومهارات المطاردة

حتَّى لو كنت (تطمح بالحصول على ذيله فقط، عَلَيْك أن تطاردَ الأرنب) بمهارة مَن يخوض معركة تستدعي أُفقًا لوجستيًّا على درجة ما من الالتزام بمعايير المطاردة.
يظلُّ هذا الاستدلال سيِّد التوصيات وذاكرة السَّعي الذي لا بُدَّ مِنْه برغم ضالة الكسب الذي تُحقِّقه من خلال الذيل الذي لا نفع حقيقيًّا من امتلاكه.


لا شكَّ أنَّ هذه التوصية تضعنا أمام مسؤوليَّات إعطاء المزيد من الجهد واستخدام أوسع السُّبل لتطوير الإمكانات لكَيْ لا يصيبَك الفشل.
إنَّ مقتضيات الحصول على ذيل الأرنب يتطلب جهدًا عضليًّا معيَّنًا لمطاردة الأرنب مع ضرورة وجود هامش فطنة ذهنيَّة نظرًا لقدرة الأرنب على المراوغة والتخفِّي واستطابة المطاردة. بمعنى مضاف أنَّ أبسط المكاسب التي تأمل الحصول عَلَيْها تحتاج جهدًا وانتباهًا بقدر معيَّن يُتيح لك الإلمام بهذه المُهمَّة وإنجازها على أكمل وَجْه مهما كانت نوعيَّة العمل. أعترف لكُمْ، أنَّني مصدوم حقًّا من متعاطين بقضايا المعرفة يتحرَّكون بمقادير هزيلة من الاستعدادات لإنجاز الأعمال التي يتولَّون تنفيذها. وإذا كان الشَّاعر المتنبِّي يقول (على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ) تظلُّ مُهمَّة توسيع المدارك والانخراط في أيَّةِ مُهمَّة محفوفة المخاطر إذا لَمْ تتوافر لدَيْك قاعدة من المعارف التي تشتغل على نظريَّة الاحتمالات. لقَدْ تمَّت الإطاحة ـ مع الأسف ـ بمفهوم الرصيد المعرفي العامِّ لصالح تكريس الابتعاد عن الاهتمام بالحواشي، أقصد الإلمام بالمحيط الذي تتمُّ فيه المطاردة من أجْلِ صيد الأرنب، وإذا كان أرخميدس قَدْ قال: أعطني مرتكزًا معيَّنًا أستطيع أن أحرِّكَ العالَم.. يظلُّ هذا المفهوم من التركيز يشتغل على فرضيَّة الاحتمالات بشأن إمكان أن يمتلكَ الأرنب منافذ ليس لدَيْك القدرة على الوصول إليها. وإذا كنتَ تستخدم سلاحًا ناريًّا لاصطياده، فإنَّك قَدْ تُخطئ الأرنب إذا لَمْ يسبق لك تعلُّم فنون الرماية، أو ربَّما تُصيبه في ذيله بَيْنَما تريده سالمًا. وفي إشارة لمغزى التخصُّص نُقل عن الدكتور علاء بشير طبيب التجميل المعروف الذي أصدَرَ كتابًا (كنت طبيبًا لصدام حسين) أنَّه لجأَ إلى الرَّسم والنَّحت من الزوايا الجَماليَّة التي يقتضيها عمله. وأشار أندريه مارلو الروائي الفرنسي المعروف كاتب رواية (الوضع البَشَري) وزير الثقافة في عهد الجنرال ديجول إلى أنَّ اهتمامه بالتفرُّعات المُتشعِّبة للشخصيَّات التي يلاحقها في سرده الروائي يَعُودُ إلى تفحُّصه للتماثيل الصغيرة التي كان يحظى بها، ويظلُّ مشغولًا بتفصيلات ملامحها الدقيقة. إنَّ تعدُّد معارف النَّاس غنًى حقيقي، وإنَّ الفطرة لا تعني الجهل بأيِّ حالٍ من الأحوال، وأغْلَبُ الابتكارات والاختراعات جاءت من اهتمامات متفرِّعة بعيِّنةٍ ما. وإذا كان اليابانيون يتفوَّقون سنويًّا في عدد الاختراعات التي يتوصَّلون إليها، فإنَّ هذا الرافد المعرفي المُدهش والمستجدَّ يُتيح لهم فرصةً أوسع من الابتكارات الأخرى على أساس نظريَّة رافعة أرخميدس (الأواني المستطرقة)، وفي كُلِّ ذلك هناك مفارقة تحْكُم هذا المشهد الحياتي الملتبس، ففي الوقت الذي يزخر به العالَم من معلومات ومعارف متاحة يُمكِن أن تكُونَ رصيدًا مُهمًّا لأيِّ متتبِّع يظلُّ الاغتراف مِنْها على أضيق فرصة بسبب ظاهرة الزهد المعرفي الذي ضرب العالَم. الحال أنَّ هذه الظاهرة باتَتْ شائعة، لكنَّ واقعها في الأوساط العربيَّة أكثر حضورًا، وإلَّا ماذا تفسِّر المعدَّلات الضئيلة جدًّا في عدد الاختراعات التي يُمكِن أن تُشكِّلَ روافد مُهمَّة في العطاءات العلميَّة المتنوِّعة. بخلاصة استنتاجيَّة، العبقريَّة تكمن في الجهد المتواصل، ذلك هو المعنى اللوجستي للحياة، أي أن تعيشَها بجدارة، وليس الاستلقاء على أرصفتها بانتظار أن يمنحَك الأرنب ذيله.

عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: التی ی

إقرأ أيضاً:

سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب

 

 

د. أحمد بن علي العمري

 

سلطنة عُمان… بلد الأمن والأمان والسلام والإسلام والاعتدال والحياد والأعراف والعادات والتقاليد وحسن التعامل والتسامح، حيث إن الأعراف والتقاليد لدى العُماني أقوى من أي قانون؛ الأمر الذي جعلها محل ثقة وتقدير واحترام العالم أجمع دون استثناء.
ومع ذلك؛ فالرأي مفتوح للجميع، وسقف الحرية مرتفع بحكم القانون العُماني. ولقد لفت انتباهي الانطباع الذي خرج به المشاركون في معرض مسقط الدولي للكتاب من زوار ومؤلفين وناشرين؛ حيث عبّروا عن الحرية التي وجدوها؛ فهناك الكثير من الكتب التي يُمنع نشرها في العديد من الدول وجدت حريتها في عُمان تنتظرها، وأكدوا أن في عُمان مجالًا رحبًا للرأي والرأي الآخر، وأفقًا للرأي الواسع، كما أشاروا إلى حفظ الحقوق واحترام وتقدير الآخرين.
لقد وجدوا التطبيق الفعلي لعدم مصادرة الفكر؛ بل حمايته وتهيئة الجو المناسب له، فقد قالها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -: "إننا لا نصادر الفكر.. أبدًا"، وأتت النهضة المتجددة لتؤكد على استمرارها ونموها وتوسعها؛ فأضحت عُمان بلا منازع محل تقدير ومركز تسامح وموقعًا لثقة الجميع.
المعروف أن الودق هو المطر الذي يُنهي الجفاف ويحيي الأرض، وفي السياق الأدبي أو الثقافي يُستخدم كرمز للخير والسلام، وعندما نقول إنه يطفئ الحروب، فهو تعبير مجازي عن دور عُمان التاريخيّ في إخماد النزاعات بالحكمة والدبلوماسية، كما فعلت عبر تاريخها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
إن سلطنة عُمان معروفة بسياسة الاعتدال والحوار؛ سواء كان ذلك في محيطها الخليجي أو العربي أو على المستوى الدولي، مما جعلها صانعة للسلام بامتياز. وهكذا فإن الودق العُماني ليس مجرد مطر مادي، وإنما هو إشارة للغيث الأخلاقي في البوتقة السياسية الذي تقدمه عُمان لتهدئة الصراعات ومسبباتها ووأد الفتنة في مهدها.
لقد وقفت السلطنة كعادتها الدائمة والثابتة والراسخة على الحياد؛ فلم تقطع العلاقات مع جمهورية مصر العربية إبان اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الحياد في اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة، وبقيت محايدة في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تتدخل في الحروب التي تستعر هنا وهناك من حينٍ لآخر؛ فلم تتدخل في حرب ليبيا، ولا الصومال، ولا اليمن، ولا السودان؛ بل أغلقت أجواءها أمام الاستخدام العسكري لأي من الطرفين المتنازعين.
وقد كانت الوسيط لإطلاق عدد كبير من المحتجزين للعديد من الدول، كما إنها كانت وسيط الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وحاليًا تقوم بالوساطة ذاتها بين أمريكا وإيران للوصول إلى اتفاقية ثابتة وملزمة ومحكمة.
ومؤخرًا تدخلت السلطنة لإطفاء الحرب الملتهبة بين أمريكا واليمن، والتوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهي حرب بالغة في التعقيد، لكن الدبلوماسية العُمانية المعهودة كان لها التأثير السلس الذي يتواصل مع الفرقاء برقة النسيم، وعذوبة الودق، وشذى الياسمين.
كل ذلك بهدوء ودون صخب إعلامي أو ضجيج القنوات الفضائية أو جعجعة الحناجر، كعادتها عُمان تبتعد عن المنّ والأذى.
إن الطائر الميمون الذي يقلّ المقام السامي لحضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بين العديد من عواصم العالم بين الحين والآخر، إنما يحمل على جناحيه غصن الزيتون ومرتكزاته وأهدافه، هو نشر السلام والتسامح؛ فعُمان تلتقي ولا تودع، وتجمع ولا تفرّق، وتلمّ ولا تشتّت، وتمُدّ يد السلام والوئام والتسامح والأُلفة للجميع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • »فن الحرب«
  • سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب
  • " ناصر" الذي لَمْ يَمُتْ.. !! (٢-٢)
  • عبد العال لـ ساسيرو: نعمل على تيسير إجراءات انضمام المبدعين للاقتصاد الرسمي
  • عاجل.. وزير المالية يقرر مد فترة تسوية أوضاع بعض الممولين والمكلفين لمدة ثلاثة أشهر إضافية
  • برلماني: زيارة الرئيس السيسي لروسيا تؤكد نجاح سياسة مصر الخارجية المتوازنة
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • حزب التجمع: نحتفل بمرور 50 عاما دون انقسام أو انحراف عن المبادئ
  • «رئيس حزب التجمع»: يكشف عن تباين مواقف اليسار تجاه «الإخوان الإرهابية».. فيديو
  • سيد عبدالعال: التهديدات الخارجية تستدعي أكبر تحالف شعبي خلف القيادة السياسية