ما يجري في الجنوب مضبوط بقواعد معادلة توازن الرعب
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
من يتمعّن في قراءة بيان "حزب الله" على أثر استهدافه موقع الجرداح الإسرائيلي مقابل منطقة الضهيرة بالصواريخ الموجهة ، يتبيّن له بوضوح ملامح حدود قواعد الاشتباك بين الحزب والعدو الإسرائيلي في الجنوب، وهي ملامح لم تخرج عمّا كان مألوفًا قبل "طوفان الأقصى"، وقبل الحرب المفتوحة، التي تشنها إسرائيل ضد غزة.
فما جاء في بيان الحزب لم يفاجئ الذين تابعوا الحركة السياسية، التي قامت بها الديبلوماسية الأميركية من خلال السفيرة دوروتي شيا، والفرنسية من خلال السفير الفرنسي هوبير ماغرو، خصوصًا لجهة تأكيده "أنّ المقاومة الإسلامية تؤكد مُجدّدًا أنها ستكون حاسمة في ردها على الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف بلدنا وأمن شعبنا خاصة عندما تؤدي هذه الاعتداءات إلى سقوط الشهداء.
فماذا يعني باللغة السياسية والديبلوماسية أن "الردّ سيكون حاسمًا عندما تستهدف الاعتداءات الاسرائيلية لبنان وأمن شعبه، خاصة عندما تؤدي هذه الاعتداءات إلى سقوط شهداء"؟ من حيث المبدأ فإن هذا البيان بتوقيته وظروفه يشبه كثيرًا البيانات التي كان "حزب الله" يصدرها عندما كانت مواقعه في الجنوب تتعرّض لأي اعتداء. فلم يأتِ مثلًا على ذكر ما تتعرّض له غزة من اعتداءات وحشية تطال المدنيين من أطفال ونساء وعجّز. فهل هذا يعني أن الحزب يحصر همّه فقط بما يقدّمه من دعم مادي ومعنوي لحركة "حماس". ويُقال إن عناصر الحركة لم يكن في استطاعتهم الفلاح في عملية "الطوفان" لو لم تكن فيها بصمات واضحة لما لـ "حزب الله" من خبرات قتالية اكتسبها على مدى سنوات، سواء في مقاتلة العدو الإسرائيلي في الجنوب، وبالأخص في حرب تموز، وكذلك من خلال معاركه الفاصلة في الداخل السوري؟
فهل قرّر "حزب الله"، بعد طول تفكير ومشاورات خارجية وداخلية، أن يحيّد الجنوب عمّا يحدث في غزة، وهل أن قواعد الاشتباك مع العدو لا تزال قائمة من خلال "لعبة توازن الرعب"، التي يتقنها جيدًا طرفا الصراع، وهما يعرفان حدودها وقواعدها، وهل يمكن الركون إلى أن المنطقة الجنوبية لن تشهد معركة دموية أو حربًا مشابهة لحرب تموز، وهل في استطاعة إسرائيل أن تحارب على أكثر من جبهة في وقت واحد، وهل أن الحزب سيبقى ملتزمًا قواعد اللعبة حتى ولو قرّر العدو اقتحام غزة برًّا؟ كل هذه الأسئلة هي برسم جميع الذين يتحرّكون ديبلوماسيًا على أكثر من خطّ، خصوصًا أن بعض المحللين ذهبوا في تحليلاتهم بعيدًا عندما لم يستبعدوا أن يكون بيان "حزب الله" الهادئ نسبيًا مكتوبًا بحبر إيراني، خصوصًا أن إيران تكتفي حتى الآن بإدانة كلامية للاعتداءات الاسرائيلية على قطاع غزة، وهو أقّل الايمان، على رغم تهديدها بإمكانية تدّخلها عسكريًا إذا اقتضى الأمر ذلك، لكننا لم نشهد أي تحرك لبارجاتها كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية مثلًا.
ويسأل سائلون: هل من مصلحة إيران أن تتدّخل عسكريًا في حرب قد تعيد عقارب ساعة المفاوضات بينها وبين أميركا إلى الوراء، وهل هي مستعدة لأن تتخلى عمّا حققته من خلال هذه المفاوضات، وهل هي قادرة على الانخراط في "حرب تغيير وجه الشرق الأوسط"؟ الجواب عن كل هذه الأسئلة ليس بالأمر السهل، بل يُترك للأيام الآتية، التي قد تحمل الكثير من المفاجآت على أكثر من صعيد، سياسيًا وميدانيًا، وقد يكون لصمود الفلسطينيين في القطاع دور في كسر قواعد اللعبة، وفي إعادة إحياء مشروع الدولتين، بعد أن تقتنع إسرائيل بأن الحل الدموي لن يؤدي إلا إلى المزيد من إراقة الدماء وتعقيد الأمور أكثر فأكثر. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی الجنوب حزب الله من خلال
إقرأ أيضاً:
معادلة البحر الأحمر
أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لليمن وجيشها العظيم الدور المفصلي والمحوري في ضبط إيقاع المستجدات التي طرأت في البحر الأحمر، على إثر وتداعيات معركة طوفان الأقصى التي تخوضها المقاومة الفلسطينية الباسلة والشعب الفلسطيني والتي غيرت المعادلات والمسميات واتجهت عقاربها نحو الانتصار للقضية والأمة .
فكل الأحلام والخطط الصهيونية، كُشفت للعالم أجمع، وطوفان الأقصى النقطة الفاصلة والمحورية في كبح المخططات الصهيونية والأمريكية والبريطانية؛ التي أرادت تمرير صفقة القرن اللعينة، بالعديد من الإجراءات والتحركات السياسية والإعلامية التي تقنع الشارع العربي بالاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين العربية، وأبرز تلك التحركات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لمحاولة تهويدها وطمس عروبتها والتوسع في التطويع أي (التطبيع ) للدول والشعوب وتبادل الزيارات وفتح السفارات والقنصليات في تلك الدول العربية التي تم تطويعها للكيان الصهيوني والقيام بالزيارات المماثلة من حكومات الدول العربية التي هرولت نحو الاعتراف بكيان العدو كدولة بديلة على أرض فلسطين المحتلة، وشن حملات إعلامية ممنهجة، وفق استراتيجيات نسيان القضية الفلسطينية وتغييبها من الذاكرة العربية الجامعة وحجب الأنظار عنها بعبارات ومسميات مختلفة وصولاً بها إلى الموت السريري.
بينما ظلت المقاومة وشعبها الجبار، ومن خلفهما حركات المقاومة في دول المحور وشعوبها، تراقب وترصد وتعد العدة وتجهز ليوم السابع من أكتوبر النقطة الفاصلة بين الأحرار والمطبعين، وبين الحق والباطل؛ لتعيد إنعاش القضية الفلسطينية في قلب الشارع العربي وتسحب البساط من تحت أقدام ملوك ورؤساء وزعامات وحكام التطبيع وتضعهم في دائرة الحرج أمام شعوبهم وأُمتهم إن استمروا في التطبيع فشعوبهم رافضة، وإن رفضوا السير في معاهدات التطبيع، فالصهيوأمريكية وبريطانيا تدفع بهم ليكونوا في عداد الموتى، فماتوا سياسياً وشعبياً -عربياً وعالمياً – في المقابل أنتعش نبض القضية في قلوب الأحرار من جديد، وبزخم مختلف عن أي مرحلة سابقة منذ 77عاماً، والمعطيات الميدانية برهنت ذلك، ثم أفشلت الحسابات والمخططات .
لذلك أصبحت معركة الطوفان معركة استراتيجية عربية امتدت من غزة وغلافها وفلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق، واليمن العظيم صاحب الموقع الجغرافي الاستراتيجي المطل على البحرين الأحمر والعربي، يمتلك سيادته في التحكم بتلك الحدود البحرية، التي مكنته من فرض استراتيجية أمن البحار والتحكم بالدخول والخروج إليها، والتعامل مع التهديدات التي تُحاك ضد الأمة العربية، وضد القضية الأساسية والمركزية للعرب والمسلمين فلسطين.
تدخل اليمن عسكريا، لمنع السفن الصهيونية من المرور من مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وكذلك السفن التي تنقل البضائع للكيان الصهيوني من أي دولة كانت، وبهذا فرض اليمن معادلة جديدة وفاعلة في معركة طوفان الأقصى تقول “حصار فلسطين مقابل حصار الصهاينة”؛ فنجحت تلك المعادلة في فرض استراتيجية أمن البحار، وظهور اليمن كلاعب دولي قوي في المنطقة له الحق الكامل في التحكم بمضيق باب المندب .
لقد فرض اليمن استراتيجية أمن البحار بموقفه الحاسم وجيشه العظيم، الذي شارك في معركة الطوفان بقوة وشجاعة غير مسبوقة منذ 1948م، وذلك بالقصف الصاروخي والطيران المسيّر الذي نفذته القوات الجوية اليمنية لاستهداف كيان الاحتلال وكذلك بالحصار والعمليات البحرية ضد السفن المتجهة إلى كيان العدو عبر البحر الأحمر، وإجبارها على اتخاذ طرق إبحار بعيدة، عبر الرجاء الصالح مكلفة اقتصادياً.
الإسناد اليمني لغزة أذل الأعداء وأحرج المتاجرين بالقضية الفلسطينية من المطبعين والجبناء والخانعين، وظهروا في موقف الضعف والوهن برغم ما يمتلكونه من قدرات وإمكانيات ومقومات (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) .
إن تمسك اليمن وفلسطين ودول المحور المقاوم الحر بقوله تعالى (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) نتج عنه تحقق العلو نتيجة الإيمان بالله والعمل بكتابه.