12 أكتوبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث: تجعل الضربات الجوية الإسرائيلية الطريق إلى المقابر الرئيسية في غزة رحلة محفوفة بالمخاطر، لذا تدفن الأسر الثكلى موتاها في مقابر عشوائية يحفرونها في أرض فضاء وسط حصار مُطبق يدفع القطاع الصغير نحو كارثة إنسانية.

وتتعرض غزة للقصف الإسرائيلي منذ يوم السبت عندما تسلل مئات المقاتلين من حركة   (حماس) عبر السياج الحدودي إلى إسرائيل في هجوم أسفر عن مقتل أكثر من 1200 واحتجاز عشرات الرهائن.

وأدى الانتقام الإسرائيلي بآلاف الضربات الجوية والمدفعية إلى مقتل أكثر من 1350 فلسطينيا، من بينهم مئات الأطفال، وإصابة أكثر من 6000 آخرين، ودفع ما يزيد عن 218 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم للاحتماء بالمدارس التابعة للأمم المتحدة.

ومع قطع إسرائيل جميع الإمدادات الخارجية من الغذاء والمياه والأدوية والوقود والكهرباء، وصلت الأزمة الإنسانية في غزة إلى مستوى جديد من الخطورة، مما زاد حجم البؤس الذي يعاني منه سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

وكانت مقبرة الشهداء الرئيسية في خان يونس ممتلئة تقريبا قبل وقت طويل من أحدث موجات القتال. ومثل العديد من المقابر الأخرى في غزة، وضع على سياجها لافتة مكتوب عليها “ممنوع الدفن هنا” .

وقال عادل حمادة، وهو متطوع يساعد في عمليات الدفن في خان يونس بجنوب غزة “لا يمكن الانتظار للدفن في مكان معين ولذلك بيتم حفر القبور بشكل عشوائي في عدة أماكن حوالين البيوت وأصحاب الأراضي تبرعوا بأرض تنعمل مقبرة”.

ولا يزال من يقومون بأعمال حفر القبور والدفن يحشرون الجثث هناك على الرغم من الحظر، لكن ذلك أصبح مستحيلا الآن، بعد أن جعل القصف السير على الطرق المؤدية إلى مقبرة الشهداء غير ممكن.

ونظرا لموقعها قرب حدود القطاع، فهي قريبة أيضا بشكل ينطوي على خطورة من خطوط المواجهة في أي هجوم بري إسرائيلي متوقع.

ومع امتلاء مشارح المستشفيات بالجثث التي تصل باستمرار من مواقع القصف، يتعين على العائلات البحث عن أماكن أخرى لدفن موتاهم.

* دفن مستمر

قُتلت عائلة سمور مساء يوم الأربعاء عندما أصابت غارة منزلها في خان يونس. وهرع الأقارب والأصدقاء إلى المشرحة لنقل الجثث الثماني التي انتشلها عمال الإنقاذ بالفعل، فيما يُعتقد أن عشر جثث أخرى لا تزال تحت أنقاض المنزل.

وتم نقل الجثث في شاحنة مغطاة ببطانيات منقوشة بالورود من المستشفى إلى ساحة فارغة بالشارع، ثم صفوها بأكفانها البيضاء، وكانت إحداها تنضح بالدماء، بينما أدى مئات الرجال الصلاة في مكان قريب.

قام أحد العاملين في حفر القبور بجرف التربة على شكل خندق طويل، وتحديد القبور بكتل خرسانية. ووضع رجل رأسه على إحدى راحتيه بينما كان يربت بيده الأخرى على الجثمان المكفن المسجى أمامه قبل وضعه في القبر، بينما وقفت امرأة تذرف الدموع.

وقال عبد العزيز الفحم “هؤلاء أقاربنا وأنسباؤنا. هذه عائلة مدنية. القوات الاسرائيلية قامت بهجوم سافر عليها. هذه مجزرة حقيقية”.

وترددت أصداء الانفجارات في أنحاء غزة طوال الليل. وتوهجت كرات النار الناجمة عن الضربات الجوية باللون الأحمر في الظلام الدامس فوق المدن ومخيمات اللاجئين دون كهرباء لإضاءة الشوارع.

وأظهرت صور من الجو التقطت بطائرات مسيرة ثقوبا كبيرة في المباني الخرسانية المكتظة، مع وجود ألواح خشبية وسط الأنقاض وقضبان معدنية ملتوية من بقايا المنازل التي قصفت بينما كان السكان ينقبون خلالها.

وفي خان يونس، وقفت مجموعة من الأشخاص فوق أنقاض منزل دمر في غارة جوية. وتناثرت حشية ووسائد قرمزية، فيما برزت أغطية يكسوها الغبار وسط ركام الكتل الخرسانية.

انتُشلت جثة امرأة بملاءة بيضاء وحملت على محفة وسط حشد من الرجال والفتيان. وكانت امرأة مسنة تمشي بخطى واهية في ملابس سوداء بأحد الأزقة، ثم وقعت فجأة وهي تبكي في حزن.

وفي موقع آخر تعرض للقصف، كان ستة رجال يركضون في الشارع حاملين محفة عليها جثة رجل مغطاة بالغبار. نظرت امرأة لترى الجثة المحمولة وبدأت في الصراخ.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: فی خان یونس

إقرأ أيضاً:

بين القصف والعطش.. مياه الشرب تتحول لعملة نادرة في السودان

في ظل حرب لم تترك للبنية التحتية مجالا للصمود، تحولت مياه الشرب في السودان إلى مورد نادر يتصارع عليه النازحون في مدن أنهكها القصف، ومعسكرات اختنقت بالاكتظاظ، لتغدو أزمة العطش وجها آخر للمأساة الإنسانية المتفاقمة.

وتبرز مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، بوصفها نموذجا صارخا لهذه الأزمة، إذ تستضيف نحو مليون نازح فرّوا من مناطق القتال، في وقت تعاني فيه المدينة نقصا حادا في إمدادات المياه يقدَّر بنحو 50% عقب تدمير مصادرها الرئيسية خلال المواجهات.

وبحسب مصادر محلية، فإن هيئة المياه تحاول تعويض جزء من هذا العجز عبر التوسع في حفر الآبار الجوفية داخل المدينة، والتي تنتج حاليا قرابة 3 آلاف متر مكعب يوميا، غير أن ارتفاع نسبة الملوحة يجعل معظم هذه المياه بحاجة إلى معالجة إضافية.

ومع تدفق أعداد كبيرة من النازحين من ولايات كردفان، تقلصت حصة الفرد من المياه إلى مستويات مقلقة وسط ضغط متزايد على مراكز الإيواء، مما خلق أزمات مركبة تتجاوز العطش لتشمل مخاطر صحية وبيئية متصاعدة.

ولا تختلف الصورة في مخيم "طينة" على الحدود التشادية، حيث يواجه اللاجئون السودانيون شحا حادا في المياه الصالحة للشرب، وتضطر العائلات للاصطفاف لساعات طويلة من أجل الحصول على كميات محدودة لا تلبي احتياجاتها اليومية.

وتروي لاجئات من المخيم معاناة مستمرة مع مصادر مياه بعيدة وغير نقية، في ظل وصول متقطع لصهاريج المياه التي توفرها المنظمات، والتي لا تكفي الأعداد الكبيرة من المحتاجين، لتتحول المياه إلى مصدر توتر يومي داخل المعسكرات.

حلول إسعافية

ويؤكد مراسل الجزيرة من مدينة الأبيض الطاهر المرضي أن المدينة فقدت نصف مصادرها المائية بعد تدميرها، مما دفع السلطات المحلية إلى حلول إسعافية، مثل حفر مضخات جديدة لا تغطي سوى نسبة محدودة من الاحتياج الفعلي.

إعلان

ويشير المرضي إلى أن المياه المستخرجة من بعض هذه المصادر ذات ملوحة مرتفعة، مما يجعلها غير صالحة للشرب، في حين يتكدس النازحون حول أي مصدر يوفر ماء عذبا، في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية.

وتتفاقم هذه المعاناة في ظل وجود عشرات الآلاف من الأطفال داخل المعسكرات ممن يحتاجون إلى مياه نظيفة للحد من الأمراض المنقولة بالمياه، في وقت تتراجع فيه الخدمات الصحية بشكل حاد.

وفي العاصمة ومحيطها، يوضح مراسل الجزيرة أسامة سيد أحمد من الخرطوم بحري أن المعارك السابقة ألحقت دمارا واسعا بمحطات المياه والآبار، مما جعل الحصول على مياه الشرب تحديا يوميا للسكان.

ويشير إلى أن جهودا محلية أعادت تشغيل بعض الآبار باستخدام الطاقة الشمسية لتوفير المياه لآلاف الأسر، غير أن هذه المبادرات تبقى محدودة مقارنة بحجم الدمار الذي طال شبكة المياه في العاصمة.

تأثير بالغ للحرب

من جهته، يقر وزير البنى التحتية والتنمية العمرانية بولاية شمال كردفان معاوية آدم بأن الحرب "أثرت بشكل بالغ على قطاع المياه"، موضحا أن احتياجات مدينة الأبيض اليومية تبلغ نحو 70 ألف متر مكعب من مياه الشرب.

ويقول آدم إن الدمار والنهب طال جميع محطات المياه تقريبا، مما أدى إلى فقدان كميات كبيرة من الإنتاج، مشيرا إلى أن الولاية تمكنت، بعد تحسن نسبي في الوضع الأمني، من توفير نحو 35 ألف متر مكعب فقط، أي ما يعادل نصف الاحتياج.

ويوضح الوزير أن هذه الكمية توزعت بين مصادر جنوبية وآبار جوفية داخل المدينة، لكنها لا تكفي لتغطية الطلب المتزايد، خاصة مع استضافة الأبيض لأكثر من 160 ألف أسرة نازحة، الأمر الذي خفّض حصة الفرد اليومية إلى نحو 10 لترات فقط.

ويضيف أن حكومة الولاية، بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية، تسعى إلى توسيع الإنتاج وإعادة تأهيل المصادر الشمالية فور تحسن الأوضاع الأمنية، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة في ظل استمرار النزوح.

وضع صعب للغاية

وعلى مستوى إقليم دارفور، يصف مسؤول العمليات في المجلس النرويجي للاجئين نواه تايلر الوضع الإنساني بأنه "صعب للغاية"، خاصة مع دخول الموسم الجاف وتزايد أعداد الفارين من مناطق النزاع.

ويشير تايلر إلى أن بعض المخيمات، مثل مخيم طويلة، تؤوي مئات الآلاف من النازحين، في وقت لا يتوفر فيها سوى عدد محدود جدا من نقاط توزيع المياه، مما يضع آلاف الأشخاص في مواجهة مباشرة مع العطش.

ويحذر من أن الأوضاع الأمنية وتعقيدات الوصول تعيق عمل المنظمات الإنسانية، رغم محاولاتها توفير مواد لتعقيم المياه، وتقديم مساعدات نقدية ودعم للمستجيبين الأوائل.

ويؤكد أن استهلاك مياه ملوثة يهدد حياة الفئات الأكثر هشاشة، من أطفال وكبار سن ومرضى، في ظل ضعف الخدمات الصحية، مشددا على ضرورة ضمان وصول إنساني آمن وكافٍ لتفادي تفاقم الكارثة.

وبين القصف وشح المياه، تتكشف ملامح أزمة إنسانية عميقة في السودان، حيث لم تعد مياه الشرب مجرد خدمة أساسية، بل تحولت إلى معركة يومية للبقاء، في انتظار استجابة دولية عاجلة تتناسب مع حجم المأساة.

مقالات مشابهة

  • الأجندة اليومية للنشرة العربية ـ الأحد 14 ديسمبر 2025
  • رفع كفاءة الإنارة بطريق المقابر القديمة بكفر الشيخ| صور
  • كمبوديا تغلق الحدود مع تايلاند
  • بين القصف والعطش.. مياه الشرب تتحول لعملة نادرة في السودان
  • الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لإخلاء قرية في جنوب لبنان قبل القصف
  • قتلى جراء تجدد القصف بين كمبوديا وتايلاند
  • الخرطوم: دفن مرتين وبدء حملة رسمية لنقل رفات الحرب
  • المنخفض الجوي يضاعف محنة النازحين بمخيمات غزة
  • كشف غموض فتح مقبرة فتاة بالسنبلاوين
  • حكم مشاركة المرأة الحائض في الغسل ودفن والدتها.. الإفتاء تجيب