الأردن.. تحرّكات دبلوماسية لتطويق امتدادات حرب غزة ونقل رسائل مباشرة للإدارة الأمريكية
تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT
عمّان، الأردن (CNN)-- يساور مستويات القرار الأردنية القلق، حيال استمرار "دوامة العنف" في قطاع غزّة منذ إطلاق حركة "حماس" الفلسطينية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عملية "طوفان الأقصى"، ولم تتوقف اتصالات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع قادة دول عربية وغربية للدعوة إلى "وقف التصعيد" والعودة إلى المسار السياسي، سبقت جميعها زيارة "غير مبرمجة" من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى عمّان، للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الجمعة.
الموقف الذي يتمسّك به الأردن بدعم القضية الفلسطينية، يتسق مع مواقف عربية موازية، لكن يرى مراقبون سياسيون أردنيون أنه مرشّح للذهاب إلى "خيارات مفتوحة" مع تنامي مخاطر العنف ضد المدنيين في غزة، والتخوّفات من امتداد "الحرب" إلى الضفة الغربية والقدس وحتى المناطق داخل الخط الأخضر وفي الإقليم، ما يثير مخاوف مستقبلية أيضا، من حدوث موجات تهجير إلى الأردن، وانهيار مسار العملية السياسية بالكامل.
وتتفاوت التقديرات السياسية لمحللين، عشية زيارة بلينكن إلى عمّان من النتائج المحتملة للزيارة والتأثير على الموقف الأمريكي الذي وصفوه بـ"المنحاز لإسرائيل"، مع التأكيد على أهمية المواقف التي "سيستمع" لها بلينكن، من العاهل الأردني والرئيس عباس.
وقال وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشرّ، لــCNN بالعربية، إن "الحرب على غزّة ستُدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع دون أفق قريب للحل، أو حدوث أي انفراجة سياسية" بخلاف حروب وأزمات سابقة، حيث "قادت حرب أكتوبر عام 1973، إلى عملية السلام بين إسرائيل ومصر ( كامب ديفيد)، فيما قادت الانتفاضة الأولى وحرب الخليج الأولى، إلى مؤتمر مدريد للسلام 1991".
وأضاف المعشر أن "الأوضاع اليوم مختلفة، وأن الجميع اليوم يواجه حكومة إسرائيلية عنصرية يمينية، لا تبدي أي استعداد للدخول في أي عملية سلمية"، فيما اعتبر أن الحكومة الفلسطينية في أضعف حالاتها وسط "انشغال" الإدارة الأمريكية بالانتخابات في العام المقبل. وتابع قائلا: "ليس من الواضح أن هذه الازمة ستقود إلى أي عملية سياسية".
ورأى المعشر أن مساعي إسرائيل واضحة في "إلحاق أكبر حجم من الأضرار بشريا وماديا في غزة"، وسط تقارير عن دعوات إلى إقامة "ممر آمن لنقل الفلسطينيين إلى مصر"، وهو ما نفته السلطات الإسرائيلية.
وقال المعشر: "كأننا نتحدث تماما عن نقل حذرنا منه مرارا"، معتبرا أن هذا الخيار يبدو من الخيارات "الجدّية" لدى إسرائيل، وأضاف أن "امتداد الحرب إلى الضفة الغربية أو المناطق المحتلة عام 1948، ستفاقم مخاوف حدوث نقل من مناطق الضفة الغربية إلى الأردن"، مشيرا إلى أن "هذه إحدى الهواجس الأمنية" اليوم.
ورجّح المعشر في حديثه، "طول أمد الحرب في غزة دون حدوث انفراجة قريبة"، في وقت منح فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن "الضوء الأخضر" لإسرائيل للدفاع عن نفسها ودون "الحديث بوضوح عن حصار غزة وكأنه "يجيز الانتقام الجماعي"، على حد تعبير المعشر.
وحذر المعشر، من مخاطر "إنكار المجتمع الدولي لجوهر المشكلة ومركزيتها نتيجة احتلال مدته 56 عاما"، وما قال إنه "تجاوُز السلام مع الفلسطينيين و"اختزاله بالاتفاقيات الإبراهيمية". وأضاف: "هذه أسطورة كما تم تصويرها انتهت مع تجاوز عقد سلام مع الفلسطينيين"، داعيا إلى التصدّي "بكل الوسائل المتاحة للحملة الغربية في شيطنة الفلسطينيين"، ومرجحا "وقوع مزيد من العنف وقتل الأبرياء".
وفي خطاب العرش أمام مجلس الأمة الأردني، الثلاثاء، أكد الملك عبدالله الثاني "عدم التخلي عن الدور الأردني" حيال القضية الفلسطينية، محذرا من تقويض استقرار وأمن المنطقة "دون تحقيق السلام الشامل والعادل"، مستخدما عبارة "دوامات القتل التي يدفع ثمنها المدنيون والأبرياء" في غزة.
في الأثناء، تأتي زيارة بلينكن إلى عمّان للقاء الرئيس عباس وسط جهود أردنية، لتستمع الإدارة الأمريكية عن قرب، إلى الموقفين الأردني والفلسطيني حيال تطورات الأوضاع، وتوجيه رسائل مباشرة حول مخاطر استمرار التصعيد، وفقا لمراقبين.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني حسين الرواشدة، إن "تطورات الحرب على غزة اليوم هي محل نقاش في كل مستويات القرار الأردني وكل الإدارات العامة في البلاد، وإن "خيارات الأردن في الدفاع عن مصالحه وأمنه واستقراره مفتوحة"، سواء أكانت مرتبطة "بتغيير مواقف سياسية ثابتة أو تحالفات قائمة أو تجاوز خطوط حمراء لم يكن من الممكن تجاوزها في الماضي"، في حال انسداد الأفق السياسي.
وأرجع الرواشدة، في حديثه لموقع CNN بالعربية، هذه الاحتمالات إلى استمرار قتل المدنيين في غزة ومخاوف انتقال الحرب إلى "الضفة الغربية" وتصاعد احتمالات حدوث نقل للفلسطينيين إلى الأردن، إضافة إلى "مخاطر توسّع الحرب إقليميا ودخول إيران أو أذرعها إلى الحرب"، وظهور "مخاطر أكبر" على الحدود الشمالية مع سوريا، قد تتمثل "بانتشار مليشيات مدربة" تهدد أمن البلاد.
وتعتبر مساعي المملكة في ممارسة ضغوطها الدبلوماسية، واحدة من الأدوات المتاحة لوقف التصعيد سواء مع واشنطن أو مع العواصم الغربية، وفقا للرواشدة، بما في ذلك فرصة استماع واشنطن للرواية الأردنية والفلسطينية من خلال زيارة بلينكن إلى عمّان والتي لم تكن مدرجة مسبقا.
وفي ظل ترجيحات عن جولة خارجية مرتقبة أيضا للعاهل الأردني الأسبوع المقبل إلى عواصم غربية، يرى الرواشدة أن "المتاح اليوم التحرك دبلوماسيا والضغط على واشنطن والعواصم الغربية بوقف التصعيد"، وقال: "يتمحور الدور الأردني عند المسألة السياسية والدعوة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن إذا تفاقمت الحرب وتجاوزت أيضا حدود غزة يصبح المسار الآخر أردنيا متاحا، على قاعدة لا حلفاء ولا التزام بمواقف ثابتة ولا التزام بالمطروح سابقا".
ولا يبدو أن الوقت قد حان للذهاب إلى هذه الخيارات، كما يرى الرواشدة، في ظل احتمالات امتداد الحرب لأسابيع أخرى قياسا على المواقف الغربية المعلنة للآن.
وحذر العاهل الأردني عشية زيارة بلينكن للبلاد، من انتهاج سياسية "العقاب الجماعي" تجاه سكان قطاع غزّة، خلال لقائه بالرئيس عباس في قصر الحسينية، طبقا لما نقله بيان صادر عن الديوان الملكي الهاشمي.
في الأثناء، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، أن زيارة بلينكن إلى عمّان من شأنها أن "تخفف من حدة الموقف الأمريكي الذي بدا على يمين الموقف الإسرائيلي في البداية"، لافتا إلى تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء، حول "أهمية مراعاة إسرائيل لقواعد الحرب على قطاع غزة".
وأضاف أبو رمان، في حديث لموقع CNN بالعربية، أن تراجع البيت الأبيض عن تصريح بايدن أيضا حول مزاعم "رؤيته لصور أطفال إسرائيليين قطعت رؤوسهم على يد حماس"، يدعو حتما الأمريكيين إلى "تدقيق مواقفهم".
ويعوّل أبو رمان، الباحث والوزير الأسبق، على نتائج زيارة بلينكن إلى عمّان للقاء العاهل الأردني ووزير خارجية الأردن والرئيس الفلسطيني، وقال: "هناك كلام كثير يمكن قوله للأمريكيين، هم لم يستمعوا إلى الرأي الآخر، ولم ينظروا إلى الجانب الآخر من الصورة".
ولم يخف أبو رمان توقعاته، من تفاقم حالة الغضب في المنطقة في حال استمرار العنف ضد المدنيين في غزة، منوها إلى أن الموقف الأمريكي غير مسبوق في "الانحياز إلى إسرائيل" على صعيد المسارين السياسي والدبلوماسي.
وداخليا، أظهرت السلطات الأردنية مرونة حيال حالة التضامن التي عبرت عنها قوى شعبية وحزبية أردنية خلال الأيام الماضية، بالسماح بتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية في مختلف المدن الأردنية، مع فرض ضوابط تمنع تمدد هذه المسيرات إلى مناطق محاذية للحدود الأردنية مع الجانب الإسرائيلي.
ومن المتوقع خروج مسيرة تضم الآلاف من المتضامنين مع قطاع غزة في العاصمة عمّان، الجمعة، دعت لها الحركة الإسلامية في البلاد، التي أصدرت بيانا، الخميس، قالت فيه إنها طالبت وزير الداخلية الأردني في لقاء رسمي، بـ"إعادة برنامج الجيش الشعبي وفتح جسر جوي لإغاثة غزّة".
وأصدرت وزارة الداخلية الأردنية، مساء الخميس، بيانا رسميا، أكدت فيه عدم سماحها بحدوث أي تجمهر أو تظاهر في "منطقة الأغوار والمناطق الحدودية المحيطة بها على طول الحدود مع فلسطين"، ودعت الأردنيين إلى الالتزام بذلك.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: العاهل الأردنی الضفة الغربیة أبو رمان فی غزة
إقرأ أيضاً:
دعوات لتطويق البرلمان البريطاني ووقف تسليح إسرائيل وسط تغير في نبرة الحكومة
تستعد العاصمة البريطانية لندن لاحتضان تظاهرة جماهيرية كبرى أمام البرلمان يوم الأربعاء 4 يونيو 2025، بدعوة من تحالف واسع من المنظمات المؤيدة لفلسطين، في خطوة تصعيدية جديدة تستهدف الضغط على الحكومة البريطانية لوقف دعمها العسكري لإسرائيل، وفرض عقوبات عليها بسبب ما وصفوه بـ"جرائم الحرب الجارية" في قطاع غزة.
ويحمل التحرك عنوان "الخط الأحمر لفلسطين: أوقفوا تسليح إسرائيل وفرض العقوبات الآن"، وسينطلق في تمام الساعة 11:30 صباحًا في محيط البرلمان بمنطقة وستمنستر، وسط دعوة المشاركين إلى ارتداء اللون الأحمر، في إشارة رمزية إلى دماء الشهداء في غزة، وتأكيدًا على تجاوز إسرائيل لكل الخطوط الحمراء الإنسانية والقانونية.
وجاء في نص الدعوة: “كونوا الصوت لمن لا صوت لهم. احضروا وشاركوا في تطويق البرلمان للضغط على الحكومة البريطانية من أجل إنهاء دعمها العسكري لإسرائيل وفرض عقوبات فورية عليها، ردًا على جرائمها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني”.
تغير في النبرة الرسمية
وتأتي التظاهرة في وقت يشهد الموقف الرسمي البريطاني تحولًا ملحوظًا، إذ لوحظ في الآونة الأخيرة تراجع في خطاب الدعم المطلق لإسرائيل من قبل بعض الشخصيات الحكومية، مع تصاعد الضغوط من داخل البرلمان ومن الشارع البريطاني، خاصة في ظل تقارير أممية وبريطانية تتحدث عن استخدام الأسلحة البريطانية في هجمات أسفرت عن مقتل مدنيين في غزة، ما دفع نوابًا من أحزاب متعددة إلى المطالبة بإجراء مراجعة عاجلة لسياسات تصدير السلاح إلى إسرائيل.
وفي سابقة نادرة، أعرب وزير الدولة للشؤون الخارجية في جلسة برلمانية مؤخراً عن "قلق الحكومة العميق من حجم الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين"، مؤكدًا أن لندن "تتابع عن كثب مدى التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني"، وهو تصريح يُنظر إليه على أنه انعكاس لتزايد الحرج السياسي والأخلاقي الذي تواجهه الحكومة وسط حملة احتجاجات غير مسبوقة في الشارع البريطاني.
تصاعد الضغوط الشعبية
ويُعد هذا التحرك الجماهيري امتدادًا لسلسلة احتجاجات شهدتها بريطانيا على مدار الأشهر الماضية، حيث اجتاحت المظاهرات شوارع لندن ومانشستر ومدن كبرى أخرى مطالبة بإنهاء "التواطؤ البريطاني" مع إسرائيل، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في غزة، لا سيما في ظل الحصار المستمر وتدمير البنية التحتية للمرافق الصحية والتعليمية.
ويؤكد المنظمون أن تطويق البرلمان هذه المرة لا يحمل فقط طابعًا رمزيًا، بل يمثل ضغطًا فعليًا على الحكومة لتعديل سياساتها الخارجية، ووقف تصدير الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام العسكري التي يمكن أن تُستخدم في عمليات قصف أو قتل المدنيين، داعين إلى تحرك سياسي يعكس إرادة الشارع.
كما تتزامن هذه الدعوات مع نقاش برلماني مرتقب حول مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل، في ظل مطالبات متزايدة من المجتمع المدني والنقابات العمالية والكنائس الكبرى بفرض حظر شامل على التصدير العسكري، وتجميد أي تعاون استخباراتي أو لوجستي قد يساهم في استمرار الحرب على غزة.
تظاهرات لندن.. هل تُحدث اختراقًا في جدار الدعم السياسي لإسرائيل؟
يرى مراقبون أن التظاهرات المقبلة قد تمثل لحظة فارقة في معادلة العلاقة بين بريطانيا وإسرائيل، لا سيّما إذا نجحت في تحويل الزخم الشعبي إلى ضغط سياسي ملموس داخل أروقة البرلمان. ففي ظل تنامي الانتقادات من أطياف سياسية متنوعة، يبرز احتمال أن تدفع هذه التحركات حكومة المحافظين ـ أو أي حكومة قادمة ـ إلى إعادة تقييم تراخيص تصدير الأسلحة، على الأقل من باب احتواء الغضب الشعبي واتقاء التداعيات الانتخابية المحتملة.
كما يمكن أن تسهم الحملة في تعزيز الحراك البرلماني لسنّ تشريعات تقيد بيع الأسلحة لدول متورطة بانتهاكات حقوق الإنسان، أو الدفع نحو إجراء تحقيقات مستقلة بشأن استخدام الأسلحة البريطانية في غزة، وهو مطلب تتبناه حاليًا عدة منظمات حقوقية وكتل برلمانية معارضة.
ومع ذلك، يبقى احتمال حدوث تحول جذري في السياسة الخارجية محدودًا دون ضغط خارجي متزامن من شركاء بريطانيا الدوليين، أو تطورات ميدانية كبرى على الأرض. لكن المؤكد، بحسب متابعين، أن حركة الشارع آخذة في الاتساع، وبدأت تُجبر صانعي القرار على مراجعة خطابهم وحساباتهم السياسية بشكل غير مسبوق منذ عقود في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.