رعا وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الافتتاح الرسمي لفعاليات المعرض الدولي للكتاب في الـ"فورم دو بيروت"، في حضور رئيس اتحاد الناشرين العرب عماد رشاد، نقيبة الناشرين في لبنان سميرة عاصي وحشد من الوزارء والنواب الحاليين والسابقين والسلك الدبلوماسي وممثلين عن وزارت الثقافة الاجنبية والعربية ودور النشر المشاركة في المعرض الذي نظم بالتعاون بين وزارة الثقافة ونقابة الناشرين.



والقى الوزير المرتضى كلمة، استهلها بقول لأخطل الصغير: "فدت المنائر كلهن منارة هي في فم الدنيا هدى وتبسم، ما جئتها إلا هداك معلم فوق المنابر أو شجاك متيم"، وقال: "إنها بيروت أيها الأحبة، "ست الدنيا" وأم الشرائع، سفيرة الكلمة إلى الأرضين، وملتقى الجهات الأربع في الفكر والجغرافيا والقيم الإنسانية وعيش المعية؛ والعاصمة المنذورة للثقافة بكل أبعادها، لا تنفك فيها أعراس الحرف واللحن واللون معقودة الأيام والليالي، في صورة تعكس حقيقة لبنان... وطن الأبجدية والوطن الرسالة. هكذا وعى جيلنا والأجيال التي سبقته دور لبنان: إنه مطبعة العالم العربي؛ عبارة كنا نسمعها، ونرى فعلها في ذلك الحشد المعرفي من المكتبات والمطابع والصحف ودور النشر، قبل غزوة المجتمع الرقمي، وقبل تقاعد الكتاب وتحوله إلى جزء من الأثاث المنزلي، ينفض عنه الغبار كلما دعت الحاجة".

أضاف: "لا شك في أن زمن القراءة الذي صنعته بيروت عبر معارض الكتب أسس لمرجعية لبنان الثقافية، حيث تحول بفضل مساحة الحرية التي فيه إلى ملاذ للمفكرين والكتاب والناشرين في العالم العربي، وإلى مصدر لبث الوعي في كل أنحاء الشرق. على أن حكاية قديمة تجاور الأسطورة رويت عن بيروت، كان ينقصها تفصيل صغير. إنها خكاية بنت الملك والتنين. فما تناولته المخيلة وحفظته الذاكرة وزكاه الإيمان، لم يشر إلى أن ابنة ملك بيروت في مجلسها على الصخرة التي ببحر المدينة، كانت تقرأ كتابا حين هاجمها التنين وكاد يقضي عليها لولا أن صرعه القديس البطل مار جرجس أو الخضر عليه السلام، فأنقذ منه المدينة والبنت والكتاب، حتى سمي خليج المدينة باسمه. ذلك أن شيئا واحدا اختصت به عاصمتنا دون غيرها من المدن الساحلية التي انتحلت شطآنها هذه الأعجوبة... هو الكتاب. هكذا، بهذا التفصيل المنسي، تعبق الحكاية بمغزى آخر بيروتي محض، تأويله انتصار الحضارة على العماء، مشابه لمغزى لازمها منذ نشوئها مفاده انتصار الخير على الشر".

وتابع: "ولعل من قدر المدينة أن يألف بحرها زورات التنانين، عصرا بعد عصر، وأن يصرعها في جميع العصور. ولعل آخر تنين عرفناه، وما برح يطوف بالقرب من شواطئنا إلى جهة الجنوب، ويعتدي على حقنا وسيادتنا، وسوف يكون التنين الأخير بإذن الله تعالى، هو هذا العدو الإسرائيلي ذو البراثن والمخالب والأنياب، عدو الإنسانية الذي أطبق عليه الجنون بالأمس من فعل الطوفان المتحدر عليه، من أعلى غمائم العزائم المثقلة بالبطولة والكرامة في غزة المحاصرة، فراح يعربد قصفا وتقتيلا، في محاولة لتجاوز الأهوال التي أنزلها به المقاومون الأبطال، حاسبا أنه بدم الأبرياء يغسل عار جيشه، فيما هو بالحقيقة يزداد عارا فوق عار. وفشله المتكرر في استعادة معنويات جنده، دفعهم إلى قتال بعضهم البعض، لشدة ما يعتريهم من خوف وتوجس، حتى باتوا يخافون من أخيلتهم ويطلقون عليها النار. إننا نعلن مجددا ثقتنا، على رغم الجراح والنكبات، بانتصار الكتاب على التنين، والحياة على الموت، والإنسانية على أعدائها، والحق على الباطل، وأهل الأرض على مغتصبيها، والكلمة على القنابل. وعلى هذا الرجاء نحافظ على انتمائنا إلى أبجدية الحياة، ونحتفل بافتتاح "معرض لبنان الدولي للكتاب" الذي أعدنا إحياءه هذا العام بجهود من وزارة الثقافة واتحاد الناشرين اللبنانيين، معولين على أنه سيكون دليلا آخر على أن وطننا كان وسيبقى وطن الحرف والفكر والنشر. ذلك أن الكتاب أمضى سلاح في معركة الوعي التي تخاض ضد هويتنا. لأن العدو يهدف إلى إلحاق الهزيمة بنا لا بالسلاح وحده، ولا بالطائرات والمدافع فقط، بل أولا وأخيرا عبر التجهيل، اقتناعا منه بأننا كلما تناقصت معارفنا ازدادت مناعتنا هشاشة، فكان اختراقنا وسقوطنا أيسر وأوفر. وإننا واثقون من نصرنا المحتم المؤزر، لأننا عارفون أن أعداء لبنان يستهدفون دوره الإشعاعي والتعددي الذي يعبر عنه الكتاب وأعراسه في وطننا، ولهذا نصر دائما على أن نكون شهودا على عمق هويتنا الحضارية الواعية والجامعة".

وختم: "فليكن هذا المعرض إذا، موعدا للتأكيد على أنه كلما اشتدت الأزمات احتداما تنامى اليقين بأننا بالثقافة والوعي ننتصر، فأرضنا التي صدرت الأبجدية إلى العالم ستظل واحة تنوع وملتقى إبداع ومبدعين، رغما عن أنف الكارهين. لبنان الوطن الرسالة، بيروت العاصمة السرمدية للفكر، معرض لبنان الدولي للكتاب هو العنوان، هذا شعار هذه الاحتفالية، فلنحمله طيلة أيامها، وبعد انتهائها حتى قدوم موسمها الجديد".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الدولی للکتاب على أن

إقرأ أيضاً:

غيدي المدينة الكينية التي خبّأتها الغابة ونسِيَها الزمن

#سواليف

في قلب #غابة_أرابوكو/سوكوكي #الكينية، وعلى مرمى خطوات من أمواج المحيط الهندي قرب #ماليندي، تختبئ مدينة لا تريد أن تُفصح عن نفسها بسهولة.
إنها مدينة #غيدي التاريخية، التي يصرّ #علماء_الآثار على نعتها بـ«الأكثر غموضًا في شرق أفريقيا»، بينما يفضّل الزوار وصفها بأنها «المكان الأسطورة».
فما إن تخطو داخل الغابة حتى تخفّض الأشجار صوت العالم الخارجي، وتكتشف أن ما ينتظرك ليس مجرد أطلال، بل مدينة كاملة قررت أن تذوب في الغابة من دون أن تختفي تمامًا؛ تبرز من بين الجذوع أحجار مرصوصة بدقّة لا تخطئها عين، وجدران لمساجد وقصور تحدّت الرطوبة، وكأنها تحاول التذكير بأن حضارة مزدهرة عاشت هنا ذات يوم… ثم رحلت فجأة بلا رسالة وداع.
عرف البرتغاليون الموقع في القرن السابع عشر، لكنهم تركوه من دون أن يفهموه.
لم يبدأ البحث الجدي عن #المدينة_المعجزة إلا في القرن العشرين، ليكتشف الباحثون مدينة سواحِلية متقنة البناء: منازل حجرية ذات أفنية داخلية وآبار خاصة، مسجد كبير ومساجد صغيرة، وحتى قصر بمواصفات راقية تُحاكي المدن المزدهرة على سواحل المحيط الهندي.
لكن كلما زادت الاكتشافات، زادت معها الأسئلة: من بنى غيدي؟ وكيف ازدهرت؟ ولماذا هجرها أهلها فجأة؟
فاللقى التي عُثر عليها: خرز هندي، زجاج فارسي، وخزف صيني من سلالة مينغ، تكشف بوضوح أن غيدي لم تكن بلدة معزولة في الغابة، بل نقطة على طريق التجارة العالمية قبل قرون طويلة من الحداثة.
لكن الأكثر إثارة للحيرة هو هذا الرحيل المفاجئ للمدينة؛ لقد رحلت بلا سبب واضح: فهل شحّت المياه؟ هل تغيّرت طرق التجارة البحرية؟ هل هاجمتها غزوات من الداخل؟ لا دليل على أيٍّ من هذه الافتراضات.
وترفض المدينة بعناد جميل، حتى اليوم أن تطلع الباحثين عن قصتها الكاملة؛ ربما كانت هذه رغبتها منذ البداية، أن تظل لغزًا يليق بجمالها.
الآن، تخضع غيدي للحماية بوصفها موقعًا أثريًا، لكنها ليست مكانًا صامتًا.
قرود الكولوبوس تتنقل بخفة بين غرف القصور، وغزلان الديك-ديك الصغيرة تقطع الأزقة التي كانت يومًا طرقًا لم يسلكها إلا التجار والأعيان.
هنا، يبدو تفاعل الطبيعة مع التاريخ وكأنه عرض مسرحيّ لا يتكرر: جذور ضخمة تلتف حول جدران المساجد، وكتل المرجان الحجري تستعيد صلابتها رغم قرون من الأمطار.
غيدي ليست مدينة مهجورة، بل مدينة تعلّمت العيش مع الغابة.

مختبر للعلماء…
ودهشة للزوار

بالنسبة للباحثين، غيدي كتاب مفتوح على نصفه فقط: نصف مليء بالقصور والخزف والتجار، ونصف آخر فارغ ينتظر من يكتب فصوله الغائبة.
أما الزوّار، فيأتون إليها لسبب آخر: لأنها تمنحهم الإحساس بأنهم دخلوا في قصة لم تُكتب نهايتها بعد؛ كل زاوية فيها تبدو كأنها تُريد أن تقول شيئًا لكنها تنتظر السؤال المناسب.

مقالات ذات صلة مصر.. إرشادات للمدارس بسبب فيروس (ماربورغ) 2025/12/08

مدينة لا تزال حيّة بطريقة ما

وربما لهذا السبب تحديدًا، لا تزال غيدي تُغذّي الخيال والبحث معًا.
هي ليست مجرد آثار مطمورة بين الأشجار، بل نافذة على زمن كانت فيه أفريقيا الساحلية لاعبًا رئيسًا في التجارة عبر المحيطات.
هكذا تبقى غيدي مدينة تأبى أن تُفهم بسهولة. كل اكتشاف جديد يضيف إليها لغزًا آخر؛ وكل زائر يغادرها وفي ذهنه سؤال مختلف. لكن ما لا شك فيه أنها ليست مجرد مدينة مهجورة، بل نموذج لحضارة ازدهرت ثم اختفت، ورسالة صامتة عن هشاشة المدن مهما بلغ ازدهارها، وعن ضرورة الحفاظ على التراث الإنساني قبل أن يبتلعه الزمن.
في نهاية المطاف، يبدو أن غيدي لا تزال تريد أن تقول شيئًا عن الماضي، عن التجارة، عن العمارة، وعن مصير المدن التي تُولد من البحر وتقع في حب الغابة. وربما يكون أجمل ما فيها أنّها تواصل رواية قصتها من دون أن تكشف النهاية أبدًا.
هي، باختصار، ليست مدينة خفية، بل مدينة اختارت ألا تتبرج إلا لمن يتعمّق في النظر، ويرجع البصر في جمالها كرتين..
وهي، رغم صمتها، كأنها تقول:
«أنا هنا… وما زال لدي الكثير لأرويه ولأحكيه.»

مقالات مشابهة

  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لإطلاق معرض جدة للكتاب 2025
  • بروتوكول تعاون بين هيئة الكتاب والقومية لاستلام شحنات الناشرين في معرض القاهرة الـ57
  • غيدي المدينة الكينية التي خبّأتها الغابة ونسِيَها الزمن
  • «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لـ معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026
  • إيدكس… المعرض الذي رفع سقف التوقعات وأثبت تفوق مصر العسكري
  • قصة الفتاة التي بكت وهي تعانق البابا لاوون في بيروت
  • بمشاركة 200 فنان من 9 دول .. افتتاح الدورة الثالثة لمهرجان المنيا الدولي للمسرح
  • هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء
  • محافظ المنيا يستقبل النجم حمزة العيلي قبل افتتاح مهرجان المنيا الدولي للمسرح
  • هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش