الحكومة المصرية تسمح بالتظاهر في القاهرة، الحكومة الألمانية تعتقل المتظاهرين في برلين.
الديموقراطية، مثل كل الأشياء، في خدمة الرؤية السياسية لنظام الحكم. خمسينيات القرن الماضي شهدت انهياراً حادّاً في الديموقراطية الأميركية لصالح المكارثية. واجهت المكارثية عدواً وهمياً يقال له الشيوعية. في الطريق إليه ألقي بالكتاب، المثقفين، الأكاديميين، والفلاسفة في السجون.
الديموقراطية منتج غربي. قيل، فرنسياً، إذا اخترعت سفينة فأنت تخترق حطامها، وإن اخترعت طائرة فأنت تخترع سقوطها. ثمة حطام داخل الديموقراطية. لم يحدث قط أن تظاهر الفرنسيون الديموقراطيون ضد إطاحة بلادهم بحوالي عشرين محاولة ديموقراطية في أفريقيا.
تصير الديموقراطية إلى عملية بيروقراطية تسمح بتوزيع جزء من الثراء في الداخل. خارجياً تبرز شبكة مصالح، نفوذ، وتقديرات، وتتنحى الديموقراطية. في سبيل الصالح العام (المادي، الديني، القومي) يحدد نظام الحكم الشكل الممكن للديموقراطية، تتخلق صورة عاجلة من الديموقراطية تسمح فقط ب"التعبير في الاتجاه الصحيح". الاقتباس جئت له من بيان تدشين جائزة نوبل في الأدب قبل قرن وثلث قرن. حتى الأدب الذي تحتفي به الديموقراطية لا بد وأن يكون في الاتجاه الصحيح. في ضوء هذا حصل فقط ٥ أدباء صينيون على جائزة نوبل، أربعة منهم يعيشون في أوروبا. أي في الجهة الصحيحة من العالم.
اقرأ أيضاً خطر يهدد جرحى قطاع غزة بسبب عدم إدخال الوقود ما مصير المساعدات الغربية المقدمة لليمن بعد الهجوم الحوثي على مدمرة أمريكية؟ السعودية تعلن موقفًا حاسمًا بشأن غزة .. وتشترط وقف الحرب فورًا أعلام فلسطينية في ملعب أوساسونا بعد تعليقات مهاجم إسرائيلي الاحتلال الإسرائيلي يبلغ عائلات 210 رهائن باحتجازهم في قطاع غزة ”أفيخاي أدرعي”:غزة تحت السيطرة وسوف نكثف من الضربات شمال غزة رئيس موريتانيا: يجب وقف إطلاق النار لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في غزة حمد بن جاسم يوجه رسالة لـ‘‘باسم يوسف’’ بعد موقفه البطولي بشأن غزة الأمين العام للأمم المتحدة يشكر مصر على دورها في إنهاء معاناة قطاع غزة رئيس جنوب أفريقيا يشكر الرئيس المصري على دعوته من أجل إحلال السلام إسرائيل تدعو مواطنيها لمغادرة دولتين عربيتين فورًا.. بعد أيام من سحب السفراء ملك البحرين: لا استقرار في الشرق الأوسط دون تأمين حقوق الشعب الفلسطينىالمصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
عندما تطالب الأقلية بتغيير الأغلبية: تأمل في معنى التعايش
في عالم يتغير سريعا، وتتشابك فيه الهويات، تُطرح أسئلة صعبة عن العلاقة بين الأقليات والأغلبية. هل من حق الأقلية المطالبة بحقوقها؟ قطعا نعم، لكن هل يجوز لها أن تطالب بتغيير هوية المجتمع بأكمله لتنسجم مع رؤيتها؟
في الغرب، حيث يعيش ملايين المسلمين كأقليات دينية وثقافية، تشكلت خلال العقود الأخيرة تجارب تعايش معقولة، رغم التحديات. المسلمون في فرنسا، على سبيل المثال، يُقدّر عددهم بأكثر من خمسة ملايين (حوالي 8.6 في المئة من السكان)، لكنهم يواجهون تضييقا قانونيا، كحظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة والتعليمية منذ عام 2004. وفي دول أوروبية أخرى، كالدانمارك والنمسا، سُنّت قوانين تقيد بناء المساجد أو تضع رقابة صارمة على المؤسسات الإسلامية.
ورغم هذه الضغوط، فإن الأغلبية الساحقة من المسلمين في الغرب تلتزم بالقانون وتؤدي واجباتها المدنية، وتطالب بحقوقها عبر القنوات القانونية والدستورية، دون أن تسعى لفرض رؤيتها على المجتمع العام. إنها تجربة أقلية واعية، تحاول أن توازن بين هويتها الدينية ومواطنتها المدنية، في سياق ثقافي مختلف.
والمسلمون كأقليات لا يوجدون في الغرب فقط. في الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، يُشكّل المسلمون قرابة 200 مليون نسمة (أكثر من 14 في المئة من السكان)، لكنهم يواجهون منذ سنوات حملة تصاعدية من الإقصاء والتمييز، تغذيها بعض القوى السياسية اليمينية. وقد سجلت تقارير موثوقة، مثل تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، تزايدا في جرائم الكراهية، وخطاب التحريض، وسحب جنسية بعض المسلمين، بل وتهميشهم في التعليم والإعلام.
وفي الصين، الوضع أكثر مأساوية؛ إذ تخضع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ لسياسات قمعية واحتجاز جماعي في معسكرات إعادة تأهيل، بحسب تقارير الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية عديدة.
وفي بعض دول أفريقيا الوسطى، تعرض المسلمون لعمليات تهجير وقتل جماعي في صراعات طائفية عنيفة، وسط غياب تام للحماية الدولية.
في المقابل، وفي عدد من الدول العربية والإسلامية، توجد أقليات دينية أو طائفية أو عرقية، تطالب بحقوقها، وهذا مشروع ومفهوم، لكن المشكلة تظهر حين تنتقل هذه المطالب من العدالة والتمثيل والمساواة إلى السعي لتغيير هوية الأغلبية، أو حين تُوظَّف قضايا الأقلية سياسيا خارج البلاد، ما يهدد السلم المجتمعي.
في بعض الحالات، تسعى أطراف من هذه الأقليات إلى تصوير الأغلبية بأنها "معادية للديمقراطية"، أو "رافضة للتعددية"، فقط لأنها لم تتنازل عن ثوابتها الدينية أو الثقافية. وهذا -للأسف- يفتح باب التدخلات الخارجية، والاستقواء بالخصوم، بدلا من المعالجة الداخلية المتزنة.
ومع ذلك، من المهم التنبيه إلى أن الأقليات في العالم العربي ليست واحدة، وهناك نماذج مشرقة لأقليات وطنية بنّاءة، تتعايش وتُسهم في المجتمع، دون أن تسعى لفرض رؤاها أو التشكيك في هوية الأغلبية. المشكلة ليست في الأقليات، بل في بعض الأفراد أو الجماعات المتطرفة داخلها؛ كما هو الحال في كل طيف مجتمعي.
إن نموذج الأقلية الواعية، كما يقدمه المسلمون في كثير من دول العالم، يبرهن على أن التعايش لا يحتاج إلى تطابق، بل إلى احترام متبادل. لم يطالب المسلمون في الغرب بتغيير قوانين البلاد أو إلغاء رموزها الثقافية، بل طالبوا بمساحة تحفظ كرامتهم وهويتهم، ضمن الإطار القانوني. وهذا ما يجعل تجربة المسلمين مثالا مهما في كيف تعيش الأقلية بانسجام مع محيطها، دون أن تذوب أو تصطدم.
من المهم أن ندرك أن التعايش الناجح لا يقوم على فرض طرفٍ لرؤيته، ولا على تنازل الأغلبية عن هويتها لإرضاء الأقلية، بل على التزام الجميع بقاعدة ذهبية: نختلف ونتعايش، لا نتشابه ونتصادم. ففي مجتمعات التعدد، حيث لا يشبه أحدٌ الآخر تماما، يصبح الاحترام المتبادل والتفاهم المتبادل هما القاعدة الوحيدة للبقاء المشترك.