في عالم يتغير سريعا، وتتشابك فيه الهويات، تُطرح أسئلة صعبة عن العلاقة بين الأقليات والأغلبية. هل من حق الأقلية المطالبة بحقوقها؟ قطعا نعم، لكن هل يجوز لها أن تطالب بتغيير هوية المجتمع بأكمله لتنسجم مع رؤيتها؟

في الغرب، حيث يعيش ملايين المسلمين كأقليات دينية وثقافية، تشكلت خلال العقود الأخيرة تجارب تعايش معقولة، رغم التحديات.

المسلمون في فرنسا، على سبيل المثال، يُقدّر عددهم بأكثر من خمسة ملايين (حوالي 8.6 في المئة من السكان)، لكنهم يواجهون تضييقا قانونيا، كحظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة والتعليمية منذ عام 2004. وفي دول أوروبية أخرى، كالدانمارك والنمسا، سُنّت قوانين تقيد بناء المساجد أو تضع رقابة صارمة على المؤسسات الإسلامية.

ورغم هذه الضغوط، فإن الأغلبية الساحقة من المسلمين في الغرب تلتزم بالقانون وتؤدي واجباتها المدنية، وتطالب بحقوقها عبر القنوات القانونية والدستورية، دون أن تسعى لفرض رؤيتها على المجتمع العام. إنها تجربة أقلية واعية، تحاول أن توازن بين هويتها الدينية ومواطنتها المدنية، في سياق ثقافي مختلف.

والمسلمون كأقليات لا يوجدون في الغرب فقط. في الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، يُشكّل المسلمون قرابة 200 مليون نسمة (أكثر من 14 في المئة من السكان)، لكنهم يواجهون منذ سنوات حملة تصاعدية من الإقصاء والتمييز، تغذيها بعض القوى السياسية اليمينية. وقد سجلت تقارير موثوقة، مثل تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، تزايدا في جرائم الكراهية، وخطاب التحريض، وسحب جنسية بعض المسلمين، بل وتهميشهم في التعليم والإعلام.

وفي الصين، الوضع أكثر مأساوية؛ إذ تخضع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ لسياسات قمعية واحتجاز جماعي في معسكرات إعادة تأهيل، بحسب تقارير الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية عديدة.

وفي بعض دول أفريقيا الوسطى، تعرض المسلمون لعمليات تهجير وقتل جماعي في صراعات طائفية عنيفة، وسط غياب تام للحماية الدولية.

في المقابل، وفي عدد من الدول العربية والإسلامية، توجد أقليات دينية أو طائفية أو عرقية، تطالب بحقوقها، وهذا مشروع ومفهوم، لكن المشكلة تظهر حين تنتقل هذه المطالب من العدالة والتمثيل والمساواة إلى السعي لتغيير هوية الأغلبية، أو حين تُوظَّف قضايا الأقلية سياسيا خارج البلاد، ما يهدد السلم المجتمعي.

في بعض الحالات، تسعى أطراف من هذه الأقليات إلى تصوير الأغلبية بأنها "معادية للديمقراطية"، أو "رافضة للتعددية"، فقط لأنها لم تتنازل عن ثوابتها الدينية أو الثقافية. وهذا -للأسف- يفتح باب التدخلات الخارجية، والاستقواء بالخصوم، بدلا من المعالجة الداخلية المتزنة.

ومع ذلك، من المهم التنبيه إلى أن الأقليات في العالم العربي ليست واحدة، وهناك نماذج مشرقة لأقليات وطنية بنّاءة، تتعايش وتُسهم في المجتمع، دون أن تسعى لفرض رؤاها أو التشكيك في هوية الأغلبية. المشكلة ليست في الأقليات، بل في بعض الأفراد أو الجماعات المتطرفة داخلها؛ كما هو الحال في كل طيف مجتمعي.

إن نموذج الأقلية الواعية، كما يقدمه المسلمون في كثير من دول العالم، يبرهن على أن التعايش لا يحتاج إلى تطابق، بل إلى احترام متبادل. لم يطالب المسلمون في الغرب بتغيير قوانين البلاد أو إلغاء رموزها الثقافية، بل طالبوا بمساحة تحفظ كرامتهم وهويتهم، ضمن الإطار القانوني. وهذا ما يجعل تجربة المسلمين مثالا مهما في كيف تعيش الأقلية بانسجام مع محيطها، دون أن تذوب أو تصطدم.

من المهم أن ندرك أن التعايش الناجح لا يقوم على فرض طرفٍ لرؤيته، ولا على تنازل الأغلبية عن هويتها لإرضاء الأقلية، بل على التزام الجميع بقاعدة ذهبية: نختلف ونتعايش، لا نتشابه ونتصادم. ففي مجتمعات التعدد، حيث لا يشبه أحدٌ الآخر تماما، يصبح الاحترام المتبادل والتفاهم المتبادل هما القاعدة الوحيدة للبقاء المشترك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المجتمع المسلمين الأغلبية مجتمع مسلمين اقليات أغلبية قضايا وآراء مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الغرب

إقرأ أيضاً:

المحكمة العليا الأمريكية تنظر في قانون تاريخي يضمن تمثيل الأقليات الانتخابي

واشنطن "أ.ف.ب": تنظر المحكمة العليا الأمريكية في قانون تاريخي يضمن تمثيل الأقليات في الانتخابات، وسط مخاوف من أن يرسّخ التسارع في تآكل هذا التمثيل الأغلبية البرلمانية للجمهوريين.

ينظر القضاة التسعة في هذه المحكمة ذات الأغلبية المحافظة، مجددا في طعن بشأن خريطة انتخابية في ولاية تضم أقلية كبيرة من السود، وهي هذه المرة لويزيانا في جنوب الولايات المتحدة.

يتمحور النقاش حول تقسيم الدوائر على أساس حزبي، أو ما يعرف بـ"gerrymandering" ("التلاعب بالدوائر الانتخابية")، ويقوم ذلك على تغيير حدود الدوائر الانتخابية بما يتناسب مع مصالح الحزب الحاكم في كل ولاية.

قضت المحكمة العليا عام 2019 بأن هذا التقطيع للدوائر الانتخابية لا يقع ضمن اختصاص المحاكم الفدرالية، لكنه يبقى محظورا عند القيام به على أساس العرق لا الانتماء السياسي.

وبموجب حكم قضائي، أُجبرت السلطات الجمهورية في ولاية لويزيانا التي يُشكل السود ثلث سكانها تقريبا، على إنشاء دائرة انتخابية ثانية ذات أغلبية من الأمريكيين السود بموجب قانون حقوق التصويت Voting Rights Act. وقد صدر هذا القانون التاريخي عام 1965 لمنع ولايات الجنوب التي كانت تُطبق الفصل العنصري سابقا، من حرمان الأمريكيين السود من حق التصويت.

لكن مجموعة من ناخبي لويزيانا، ممن لا ينتمون إلى هذه الأقلية، طعنوا في الخريطة الجديدة واصفين إياها بالتمييزية. وحكمت محكمة لصالحهم إذ خلصت إلى أن ترسيم الدائرة الانتخابية استند في جلّه إلى العامل العرقي.

وفي قرار غير مألوف، أرجأت المحكمة العليا التي كان من المفترض أن تبت في النزاع في يونيو خلال دورتها السنوية السابقة، الأمر إلى دورتها الجديدة التي بدأت في أكتوبر الحالي.

سيتعين عليها تحديد ما إذا كان قانون حقوق التصويت ينتهك مبدأ المساواة في معاملة المواطنين المنصوص عليه في الدستور.

"تراجع"

يوضح أستاذ القانون في جامعة ويدنر مايكل ديمينو أن الدائرة الانتخابية المعنية "تمتد قطريا لمسافة حوالى 400 كيلومتر من شريفبورت في الزاوية الشمالية الغربية إلى باتون روج في الزاوية الجنوبية الشرقية من الولاية، لتشمل عددا كافيا من الناخبين السود لتشكيل أغلبية".

ويشير إلى أن المحكمة قد تستعد لإعلان عدم دستورية القانون "لكونه يرغم الولايات على إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية على أساس عرقي".

على مدار العقد الماضي، أفرغت الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا إلى حد كبير قانون حقوق التصويت من مضمونه. وقد اعتُمد هذا القانون بعد حملة القمع العنيفة التي شنتها الشرطة على الاحتجاجات من أجل الحقوق المدنية في ألاباما بجنوب الولايات المتحدة قبل 60 عاما.

تحذر صوفيا لين لاكين التي تتابع القضايا الانتخابية في منظمة ACLU ("اتحاد الحريات المدنية الأمريكي") النافذة في البلاد، من أنه "بدون هذا القانون، لن تكون هناك أي ضمانات تُذكر ضد تفكيك كل التقدم المحرز منذ عام 1965، ما يطرح احتمال العودة إلى الظروف التي كانت قائمة قبل سن قانون حقوق التصويت". وتضيف "لذا، فإن المخاطر كبيرة جدا".

في الواقع، من شأن إبطال المحكمة العليا لهذا القانون أن يتيح للجمهوريين الحصول على تسعة عشر مقعدا إضافيا "مضمونا" في مجلس النواب، "ما يكفي لتعزيز سيطرة حزب واحد لجيل كامل على الأقل"، وفق تقرير صادر عن منظمات للحقوق المدنية.

قبل عام من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، لا يشغل الجمهوريون سوى عدد قليل من مقاعد الأغلبية في مجلس النواب، فيما يأمل الديموقراطيون في استعادتها لإعطاء زخم أكبر لسياساتهم المعارضة لأجندة الرئيس دونالد ترامب.

يخوض المعسكران معركة كبيرة حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، لا سيما في تكساس (جنوب) وكاليفورنيا (غرب)، أكبر ولايتين لناحية التعداد السكاني في البلاد.

مقالات مشابهة

  • المفوضية الأوروبية تأمل بمصادرة الأصول الروسية المجمدة بحلول نهاية عام 2025
  • العليا الأمريكية تنظر في قانون يضمن تمثيل الأقليات الانتخابي
  • نيجيرفان بارزاني يؤكد حماية ثقافة التعايش والتسامح في كوردستان
  • الإخوان المسلمون ما بعد غزة بين عبء التاريخ واستحقاقات المراجعة
  • أميركا تأمل ألا تطبق الصين قيودا تصديرية جديدة
  • جامعة قنا تحتفل بتغيير اسمها رسميًا
  • المحكمة العليا الأمريكية تنظر في قانون تاريخي يضمن تمثيل الأقليات الانتخابي
  • مجلس حكماء المسلمين يرحِّب بمخرجات “قمة شرم الشيخ للسلام”
  • تعرف على نصاب الفوز في انتخابات النواب.. الإعادة تحسم المقعد حال غياب الأغلبية المطلقة
  • اليمن: «الحوثي» لا يمكن أن تخضع للسلام أو التعايش