القاهرة دعت للقمة أملًا في الوصول إلى إعلان عالمي للسلام ينهي العدوان ويقر بحقوق الفلسطينيين

الوفود الغربية المشاركة تدعو إلى إدانة الفلسطينيين وترفض إدانة إسرائيل

الرئيس السيسي يؤكد مجددًا: لن نسمح بالتهجير ولا المساس بالأمن القومي

انتهت أول أمس «قمة القاهرة للسلام» دون إصدار بيان مشترك يعبِّر عن مواقف الدول المشاركة والتي بلغت (31) دولة.

لقد وجهت مصر الدعوة لعقد هذه القمة أملًا في ضمان تدخل دولي وإقليمي يُلزم الحكومة الإسرائيلية بوقف العدوان الشامل ضد أبناء غزة، وكذلك عمليات القتل الأخرى التي تقوم بها إسرائيل في الضفة الغربية ومناطق أخرى على الأرض الفلسطينية.

كانت القاهرة تدرك منذ البداية أن الخلافات الكبيرة بين الموقفين العربي والغربي، هي خلافات عميقة ومتباينة، حيث اتخذت الولايات المتحدة ودول الغرب منذ بداية أحداث «طوفان الأقصى» موقفًا متشددًا وداعمًا لإسرائيل ومعاديًا للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة.

وسرت موجة من الكراهية الشديدة والتحريض ضد القضية الفلسطينية والمطالبة بتوفير كل سبل الدعم السياسي والمادي والعسكري لإسرائيل..

ومع استمرار القصف المركّز من الجو والبر والبحر على الأبرياء في قطاع غزة، ارتفعت الأصوات العربية مطالبة بوقف العدوان، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي مُنى بها القطاع وسكانه، ووصول أعداد الشهداء إلى أكثر من أربعة آلاف شهيد وإصابة أكثر من 15 ألفا من بينهم 1500 طفل استشهدوا بفعل القصف، كما أن 94% من الشهداء والمصابين كانوا من النساء والأطفال والشيوخ.

وقد ازدادت الأحوال صعوبة بعد قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بفرض حصار جائر على الشعب الفلسطيني، حيث تم منع الماء والغذاء والدواء والوقود عن نحو 2.5 مليون مواطن هم سكان غزة في الوقت الراهن، كما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المستشفيات، فقتلت المرضى والأطباء وهدمت المباني على من بداخلها..

ومنذ البداية كانت مصر سبّاقة في إدانة العدوان، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل لدى الحكومة الإسرائيلية لإلزامها بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، كما حذرت من تنفيذ الخطة الإسرائيلية التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين عنوة وعلى غير إرادتهم من غزة إلى سيناء، لإقامة ما يسمى بالوطن البديل في سيناء، وهو أمر اعتبرته القيادة السياسية المصرية خطًا أحمر لا يجب تجاوزه على الإطلاق..

من هذا المنطلق دعت مصر إلى عقد مؤتمر دولي وإقليمي لإحداث توافق بين المشاركين رغم اختلاف ثقافاتهم ومواقفهم يقضي بإصدار إعلان دولي للسلام من القاهرة.

قمة القاهرة للسلام

لقد كانت القاهرة تعرف منذ البداية أن القمة لن تتمكن من إصدار بيان مشترك، لأن الخلافات العميقة لن تؤدي إلى اتفاق واضح، وبالفعل في ضوء المباحثات التي جرت وضح أن الخلاف يتركز في نقطتين أساسيتين:

- إصرار المجموعة الغربية على إدانة حركة حماس ووصفها بالإرهاب.

- رفض المطالبة بوقف إطلاق النار وعدم إدانة العدوان الإسرائيلي.

ورغم ما بذلته مصر من جهود للوصول إلى حل وسط، إلا أن كافة الوفود الغربية صممت على رفض التوقيع على أي وثيقة مقدمة..

من هنا كان بيان رئاسة الجمهورية القوي، الذي أكد على عدد من النقاط المهمة أبرزها:

- أن مصر كانت تتطلع إلى أن يطلق المشاركون نداء عالميًا للسلام يتوافقون فيه على أهمية إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية خاصة أن هناك قصورًا جسيمًا في المشهد الدولي في إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

- كشفت الأحداث الجارية عن وجود خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات، وبينما نرى هرولة وتنافسا على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان ما، نجد ترددا غير مفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر.

- أن مصر لن تقبل أبدًا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة وأنها لن تتهاون لحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في ظل ظروف وأوضاع متزايدة المخاطر والتهديدات.

صحيح أن المستشار أحمد فهمي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية قال: إن عدم صدور البيان الختامي لا يعني فشل القمة، لأن الهدف من قمة القاهرة هو حشد المجتمع الدولي بشأن ما يحدث في قطاع غزة، إلا أن هذه القمة كشفت حقيقة المواقف والوجوه التي كثيرًا ما تحدثت عن تفعيل القوانين الدولية ومراعاة حقوق الإنسان.

لقد أثبتت المواقف الأخيرة لأمريكا ودول الاتحاد الأوربي أنها لا تتعامل فقط بازدواجية المعايير، وإنما تسقط سقوطًا أخلاقيًا مدويًا بعد أن ارتضت ودعمت حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

إن الحقائق أكدت أن إسرائيل ليست وحدها التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، بل إن هناك اتفاقًا غربيًا-أمريكيًا على مساندة إسرائيل في مخططها الذي يهدف إلى شن حرب إبادة وصولًا إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم باتجاه مصر والأردن.

لقد أدركت القاهرة حقيقة المخطط، وسعت إلى إجهاضه، وأعلنت موقفها الواضح والصريح، وأجرت اتصالاتها مع كافة الأطراف لوضع حد لهذا المخطط العدواني الرهيب..

وإذا كانت إسرائيل مصممة على الاستمرار في عدوانها وسعيها لتوسيع دائرة الصراع، فإن ذلك قد يقود إلى تطورات خطيرة لا أحد يعرف نهايتها.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فلسطين مصطفى بكري قضية فلسطين الكاتب الصحفي مصطفى بكري العدوان على غزة قمة القاهرة للسلام القضیة الفلسطینیة قمة القاهرة

إقرأ أيضاً:

عولمة النجومية وفصام النخب العربية.. دور القيم الذوقية والوجودية

نعالج في هذه المحاولة مسألتين تعللان ما سننسبه إلى القيم الذوقية (مجال الفنون) والقيم الوجودية (مجال ما بعد التاريخ أو الدين ومجال مابعد الطبيعة أو الفلسفة) التي هي موضوع هذه المحاولة بالقصد الأول وما سننسبه إليهما من دور رئيسي في أنواع القيم الثلاثة الأخرى (الرزقية والعملية والنظرية وتفاعلاتها المتبادلة) التي هي موضوعها بالقصد الثاني.

وسنعتمد في علاجنا منهج التحليل التراجعي من العلة إلى المعلول أو من الشرط إلى المشروط لأن القصد هو تشخيص الداء ووصف الدواء علنا بذلك نسهم في التنبيه إلى بعض شروط الشفاء:

1 ـ المسألة الأولى نظرية خالصة: لماذا يعد تحرير القيم الذوقية والوجودية شرط استئناف الحضارة العربية الإسلامية دورها التاريخي الكوني الإيجابي وشرط تحرير الإبداعات الثلاثة الأخرى تقديما للإبداع الرمزي فيهما على الإبداع الفعلي للوجود الإنساني من حيث هو تحقيق شروط استخلاف الإنسان النظري المجرد والمطبق واستخلافه العملي المجرد والمطبق؟

2 ـ المسألة الثانية عملية خالصة: وإذا كان ذلك كذلك فكيف نحرر القيم الذوقية والوجودية من سلطان القيم الرزقية والعملية ومن الدورة الجهنمية التي فرضتها عليها عولمة النجومية التي سيطرت على النخب العربية إلى حد بات فيه جل النخب العلمانية لا يستحون من العودة إلى الوطن راكبين الدبابات الغازية بعقلية المستعمر الذي يخرب ويدمر سواء بمنطق اجتثاث الصحوة الإسلامية المزعومة ظلامية (الجنرالات وسعدي سعد في الجزائر) أو اقتلاع النهضة العربية المزعومة دكتاتورية (عملاء الاستعلامات وجلبي في العراق)؟

فالمعلوم أن الكلام على اعتبار التحرير بهذا المعنى شرطا في استئناف الدور التاريخي الكوني الإيجابي يفترض أن تحرير ضربي القيم التي هي موضوع المحاولة بالقصد الأول هدفه تحديد الغايات. أما تحرير الضروب الثلاثة التي هي الموضوع بالقصد الثاني فهدفه تحرير الأدوات.

تكبيل القيم الوجودية هو الذي أفسد الثورة المحمدية بإفساد القيم الذوقية والقيم الرزقية والقيم النظرية والقيم العملية كما أثبتنا في غير موضع. وقد ركزنا هنا على القيم الذوقية والوجودية لأنهما موضوع المحاولة الرئيسي.ويمكن للتحريرين الغائي والأداتي أن يمكنا الأمة من استئناف دورها الكوني لارتباطه بالرسالة التي أسست وجود الأمة ذاته وبقائها فضلا عن المحافظة على الدور الكوني حتى في أضعف مراحل تاريخها. كما أنه من المعلوم أن الكلام على كيفية التحرير يفترض أن شروطه التاريخية قد أينعت وحان قطافها. فلم يبق إلا الجهد الفكري لتأويلها تأويلا يجعلها تحول كل التناقضات التي تعوقها حاليا إلى محفزات. ورغم أنها من حيث الطبيعة مجرد عوارض خارجية فإنها من حيث الوظيفة أصبحت أهم المكبلات التي تعوق محركات الوجود العربي الإسلامي. وهدفنا أن نحولها إلى محفزات. ذلك أن النخب يمكن أن تكون من المحركات إذا توفرت فيها شروط التحرر من الاستيلاب لتصبح مبدعة في مجالات القيم الخمسة فلا تكون النجومية النخبوية مستندة إلى آليات مغشوشة تعطي الريادة والقيادة لمن غلبت عليهم البلادة والقوادة.

وطبعا فهدف بحثنا هو تعيين الشروط التي نراها متحققة وتحديد كيفيات تأويلها وترتيبها بصورة تحقق التحرير عامة وتحرير النخب بصورة خاصة. إن تكبيل القيم الذوقية وتكبيل القيم الوجودية متواليان في الظهور التاريخي بعكس تواليهما في سلسلة العلل.

فتكبيل القيم الوجودية هو الذي أفسد الثورة المحمدية بإفساد القيم الذوقية والقيم الرزقية والقيم النظرية والقيم العملية كما أثبتنا في غير موضع. وقد ركزنا هنا على القيم الذوقية والوجودية لأنهما موضوع المحاولة الرئيسي.

فهدفنا الأول فيها هو فهم علل إخراج الفنون الجميلة من حياة الأمة الروحية ومن فكرها. ما العلة التي جففت ذوق الوجود الحساني فلم يبق عند المسلمين من الأذواق المصاحبة للبعد الظاهر من الحياة إلا الذوق الغذائي والجنسي من غير ملطفاتهما الفنية؟ لِمَ ارتد العربي والمسلم إلى الغرائز الحيوانية الفجة التي لم يهذبها فن جميل ولا ذوق سليم عدى بذاءات المترفين؟ ولم بات المسلم عامة والعربي خاصة غاطسين في شبه حياة بهيمية لا تتجاوز الأكل والسفاح كما يتبين من حياة مترفيهم الذين ذبل منهم الذوق والعقل وانتفخ منهم البطن والكفل؟

وهدفنا الثاني هو اكتشاف العلة التي أخرجت كل التجارب الروحية من فكر الأمة النظري ( الديني والفلسفي) ومن حياتها الروحية فجف ذوق الوجود الوجداني ولم يبق من الأذواق ما لا يرقى للبعد الباطن من الحياة إلا نفس الذوقين وإن بالسلب بزعم التعفف عن الحياة المادية من غير ملطفات الشهوة الحيوانية السلبية في الفكر الصوفي المنحط فارتد الإنسان العربي والمسلم إلى عدمية الفعل التاريخي والاستسلام للامبلاة الوجودية التي يزعمونها خلوة صوفية وهي هروب من المسؤولية في تعمير الإرض شرط أهلية الاستخلاف فيها؟

لذلك فلا يمكن أن نتصور المسلمين قادرين على استئناف دورهم من غير حياة هذين النوعين من القيم. ومن اليسير أن يلاحظ القارئ الفصامين اللذين تعاني منهما النخب في الوطن العربي سواء أخدناه مفتت الأقطار بوصفها محميات الاستعممار كما هو الشأن في علاج هذه النخب الأعرج قضايا العصر من المنظور القطري العاجز أو أخذناه من منظور المجال الثقافي الواحد الذي شرع في التوحيد السلبي بينها بحسب منطق اللحظة التاريخية منطقها الذي يفرضه ما يسعى إليه العدو الأمريكي من توحيد لمجال استعداده لعماليق القرن الجديد بالاستحواذ على منابع الطاقة وثروات الأرض زرعيها ومعدنيها فضلا عن احتلال أفضل قاعدة أرضية قريبة منهم جمعيا . لكن تفسير هذين الفصامين لم ينل حظه من العناية والعلاج النظري لأنه لم يربط بما أصاب أسلوبي عمل الفكر البشري المضاعفين من عطل نتج عن التنافي بينهما من منظور أشباه النخب التي لم تغص إلى أعماق وحدة العقل المبدع رغم اختلاف الأساليب: أسلوب الفلسفة أو العقل ببعديه النظري (علوم الطبيعة) والعملي (علوم الأخلاق) وأسلوب الدين ببعديه النظري (العقيدة) والعملي (الشريعة).

والعلة الأساسية في إهمال هذا العلاج هي وهم التنافي بين هذين الأسلوبين والبدائل الزائفة الساعية إلى التخلص من ثنائية أسلوب الأدراك البشري: بالرد المتبادل بينهما الذي هو الحد الأدنى من نفي المردود للإبقاء على وحدانية المردود إليه.

لذلك فنحن نشرع في هذا العلاج آخذين مأخذ الجد الأسلوب الديني لتحديد القيم وادوار النخب المتكلمة باسمها رغم انتساب محاولتنا إلى الأسلوب الفلسفي. وهدفنا في المحاولة هو تفسير الآليات التي تتحكم في نجومية النخب وربطها باطارين قاهرين لا يمكن من دونهما فهم دور النخب عامة والنخب العربية الحالية خاصة لفهم علاقة الفصام الذي أصابها بآليات النجومية في الرأيين العامين العربي الإسلامي والأوروبي الأمريكي:

1 ـ أولهما هو إطار الحرب النفسية التي تعينت في استراتيجية الإعلام والتدخل الأمريكيين لتوجيه مؤسسات إبداع القيم ورعايتها وتبادلها في كل مجتمعات العالم عامة وفي المجتمعات الإسلامية والعربية منها على وجه الخصوص.

2 ـ والثاني هو ردود الفعل في مجالي الإعلام وإصلاح مؤسسات إبداع القيم ورعايتها وتبادلها في مجتمعات العالم عامة وفي المجتمعات الإسلامية والعربية على وجه الخصوص.

وسنركز على تفسير الفصامين مقتصرين على النخب العربية نموذجا منحطا من النخب الإسلامية أولا ولمعرفتنا بتقازيحها ثانيا فضلا عن كونها ما تزال النواة الرئيسية في الثقافة الإسلامية  بسبب لسان القرآن حسب تصورنا لما بقي لها من دور في تاريخ البشرية الكوني. وذلك لعلتين موجبة وسالبة. وكلتاهما ليس للنخب العربية الحالية فيهما يد.

فأما العلة الموجبة فهي دور الثقافة الإسلامية الناطقة بالعربية عامة ودور اللسان العربي خاصة في تراث كل المسلمين. ومعنى ذلك أن العلة الموجبة لا يدين بها دور الثقافة العربية في الثقافة الإسلامية بشيء للنخب العربية الحالية بل العكس هو الصحيح أي أن النخب العربية التي قد يسمع لها أحيانا لا يسمع لها إلا بقدر مواصلتها للثقافة الإسلامية الأولى. وتلك هي العلة في كثرة الطحالب الطفيلية من النخب العربية عامة والعلماني منها على وجه الخصوص الطحالب التي تتاجر بهذه الثقافة (كباعة الآثار المسروقة  من المتاحف والمؤلفات من المكبات) بخطاب قابل للنفاق في السوق الغربية تأييدا للموقف الغربي من الثراث العربي.

والمعلوم أنه لا أحد من الغرب يمكن أن يسمع لما يقولونه عن الفكر الغربي من سخافات لا تتجاوز ما يلتقطونه من سوق "الثيات الملبوسة أي الفريب. وسواء كان من يسمع لهم يدري أو لا يدري فإن ما يقولونه عن الفكر العربي أكثر سخافة مما يقولونه عن الفكر الغربي لكن تأييد الأحكام المسبقة يحقق بعض القبول لغير المقبول بحسب المعقول.

إسرائيل وأمريكا لا تحاربان الأمة الإسلامية لأنها تعتبر النخب العربية الحالية تحديا فكريا أو علميا أو تقينا كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى النخب الأوروبية والصينية واليابانية والهندية. إنما التحدي علته أن العرب لا يزالون قلب العالم الإسلامي رمزيا رغم كون ذلك يحصل رغما عن أنوفهموأما العلة السالبة لأهمية النخب العربية والتي ليس للنخب العربية فيها يد كذلك فأمرها بين حتى للغافلين والمغفلين: إنها علة سعي أمريكا للاستحواذ على الوطن العربي لما فيه ولموقعه فضلا عن وجود إسرائيل. فإسرائيل وأمريكا لا تحاربان الأمة الإسلامية لأنها تعتبر النخب العربية الحالية تحديا فكريا أو علميا أو تقينا كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى النخب الأوروبية والصينية واليابانية والهندية. إنما التحدي علته أن العرب لا يزالون قلب العالم الإسلامي رمزيا رغم كون ذلك يحصل رغما عن أنوفهم (عروبة القرآن والسنة والتراث الديني الإسلامي) وماديا (كون الوطن العربي يوجد في ملتقى القارات الثلاث التي أبدعت كل الحضارات وكون محرك الحضارة المادي أو الطاقة جلها والرمزي أو المشاعر كلها توجد فيه). ولعل ما قوى أثر هذين الإطارين الخاصين بالنخب العربية في حدود دورها في الثقافة الإسلامية فضلا عن هاتين العلتين ظاهرتان كونيتان لا مرد لهما ظاهرتان تمثلان في الوقت نفسه علامة منزلة الوطن العربي السلبية والايجابية في التاريخ الكوني:

1 ـ فأما المنزلة السلبية فيمكن استنتاجها من الحقيقة التاريخية التي بدأت بعد تكون الدولة الإسلامية. فكل القوى التي سعت إلى تأسيس نظام طغياني عالمي حاربت المسلمين عامة والعرب خاصة لأنها اعتبرتهم عائقا أمام مشروعها. ذلك أن تمكين الإسلام العرب والمسلمين من تحقيق دار الإسلام حيث هي الآن جعلهم رقما ضروريا في المعادلة التاريخية الكونية بحكم كونهم رقما ضروريا في ما يستمد من المكان وثرواته  المادية والزمان وثرواته الروحية أي من معين  مقومات الوجود البشري فضلا عن تعريف القرآن المسلمين بكونهم الشاهدين على العالمين وعدم  اعترافه بالتفاضل بين الشعوب إلا بالتقوى (الحجرات 13) واعتبارهم أخوة (النساء 1) تحريرا للبشرية من العرقيات والطائفيات والطبقات وحتى الجنسيات لأنها من الآيات وليست من السلبيان.

2 ـ وأما المنزلة الإيجابية فيمكن استنتاجها من حقيقة تاريخية مناظرة للحقيقة التاريخية الأولى. فكل محاولات التحرر العالمية من الطغيان العالمي القادم من الغرب بدأت باستئناف العرب دورهم في تكوين قاعدة الصحوة الإسلامية المادية والروحية ( بدءا بالقضاء على بقايا الاستعمار البيزنطي المسيحي في ملتقى القارات الثلاث منطلقا لتكوين دار الإسلام الحالية وختما بالحرب مع أمريكا وتوسطا بكل ما  حصل بين الحروب الصليبية وحروب التحرر من الاستعمار ). ذلك أن تحقيق رسالة الإسلام التحريرية يشترط أمرين يتألف منهما معنى الشهادة على العالمين بالجهاد من أجل:

1 ـ التصدي لإفساد الطبيعة (استغلال الطبيعة استغلالا فاحشا) وإفساد الثقافة (استغلال الثقافية استغلالا فاحشا).

 2 ـ والتصدي للظلم والعدوان (حماية المستضعفين اقتصاديا) وللعنصرية والمفاضلة بين الشعوب في الأرض (حماية التعدد السلالي والثقافي).

وبذلك فإن بحثنا سيتألف من ثلاثة فصول متعددة الفقرات:

1 ـ أولها يمهد لمسألتي البحث فيعالج مقدمات التأسيس النظري لدراسة آليات تكون النخب عامة والنجومية خاصة تخصيصا بالنخب العربية في اللحظة الراهنة مع التركيز على دواعيها وأزوفها.

2 ـ والثاني يعالج آليات النجومية في أولى النخبتين المقصودتين بالذات في المحاولة أعني النخبة الوجودية (معاني الحياة وقيمتها) مع التركيز على توضيح نظرية مجالات القيم الخمس: مجال القيم الذوقية (الفنون الجميلة) ومجال القيم الرزقية (الاقتصاد) ومجال القيم النظرية (العلوم وتطبيقاتها) ومجال القيم العملية (السياسة والقانون وتطبيقاهما) ومجال القيم الوجودية (الفلسفة والدين).

3 ـ والثالث يعالج آليات النجومية في ثانية النخبتين المقصودتين بالذات في المحاولة أعني النخبة الذوقية مع التركيز على استخراج بذرات نظرية الفن الإسلامية من حيث إن الفن هو البعد الرمزي من الفعل التاريخي الشامل بأبعاده القيمية الخمسة التي سنشير إليها  في الفصل الثاني من هذا البحث.

مقالات مشابهة

  • عولمة النجومية وفصام النخب العربية.. دور القيم الذوقية والوجودية
  • بن دردف: ليبيا مهددة بدفع تعويضات حال إدانة “المريمي” في قضية لوكربي
  • ابن سلمان يدعو المجتمع الدولي إلى انهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 
  • أمام قمّة «القيم الأولمبية 365».. هند بنت حمد: استضافة قطر للأولمبياد نقطة تحوّل تاريخية
  • إستهداف سيارة على طريق كفردونين - الشهابية
  • محمد بن سلمان يطالب المجتمع الدولي بإنهاء العدوان الإسرائيلي على فلسطين
  • ولي عهد السعودية: على المجتمع الدولي إنهاء عدوان إسرائيل على فلسطين
  • ولي العهد السعودي: على المجتمع الدولي إنهاء عدوان إسرائيل على فلسطين
  • على طريق هذه البلدة اللبنانية... حادث سير مروّع وسقوط إصابات!
  • مطار القاهرة الدولي يشارك المسافرين فرحتهم بعيد الأضحى المبارك