رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: رسالة من أكاديمي إماراتي إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
هذا المقال بقلم الدكتور عبدالخالق عبدالله، عضو مشروع "مفكرو الإمارات"، وكبير الزملاء في جامعة هارفرد، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
سيادة الرئيس جو بايدن
لقد ذكرت ذات مرة: "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا خلق إسرائيل". كان ذلك سنة 1986. وفي سنة 2020 قلت: "أنا أفتخر بأني صهيوني".
سيادة الرئيس جو بايدن
لقد أكمل الصراع العربي الاسرائيلي 75 عامًا تعاقب عليه 14 رئيساً أمريكياً. كانت إسرائيل خلال كل هذه الفترة الزمنية أولوية أمريكية مقدسة. حصلت إسرائيل على دعم أمريكي لم تحصل عليه العديد من الولايات الأمريكية نفسها بما فيها تخصيص 14 مليار دولار لتمويل حربها على غزة. هل لي يا سيادة الرئيس أن أسأل، لماذا هذا الإصرار لدعم حرب غير عادلة والوقوف إلى جانب الباطل؟ هل في قاموس سيادتك معنى آخر لما هي العدالة والإنسانية؟
حضرة الرئيس جو بايدن
جميع الرؤساء من قبلك قدموا الولاء والطاعة للوبي الإسرائيلي في أمريكا. همهم الحصول على الصوت والدعم المالي والإعلامي اليهودي الحاسم. لقد عرف هؤلاء أن الطريق إلى البيت الأبيض يمر عبر كسب أكبر عدد ممكن من أصوات 6 ملايين يهودي أمريكي مقابل ثمن واحد ووحيد هو الدعم السياسي والعسكري غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي. لكن لم يجرؤ أحد من هؤلاء الرؤساء، منذ الرئيس هنري ترومان سنة 1946 وحتى الرئيس دونالد ترامب أن يقول إنه صهيوني ويفتخر. من أين جئت بهذا الوله بالصهيونية؟ هل هي في جيناتك الوراثية؟ أم أنها جزء من عقيدتك البايدنية؟
سيادة الرئيس جو بايدن
انحيازك الشخصي لإسرائيل تجاوز كل ما هو معقول ومقبول، قولا وفعلا وغلوا. أنا ضد قتل حركة حماس للمدنيين يوم 7 أكتوبر. قتل المدنيين ليس مقاومة. قتل المدنيين من طرفي النزاع خط أحمر. لكن لم أسمع إدانتك الواضحة والقوية لجرائم الجيش الإسرائيلي في غزة. أنت لا تملك شجاعة إدانة جرائم إسرائيل. انحيازك الأعمى لإسرائيل أعماك عن رؤية عدالة قضية فلسطين. أخذت تبرر ما لا يجب تبريره.
سيادة الرئيس جو بايدن
لقد حولت حرب إسرائيل على غزة إلى حرب أمريكا على غزة. وأصبحت حرب بنيامين نتنياهو على غزة حرب جو بايدن على غزة. في سنوات عمرك الأخيرة، زرعت في الأذهان صورتك كرجل حرب وليس رجل سلام. أرسلت حاملات طائراتك على وجه السرعة، جهزت آلاف من جنودك للمشاركة في حرب الإبادة على غزة. وقفت دقيقة صمت على قتل 1600 اسرائيلي ولم تقف ثانية صمت واحدة للترحم على مقتل أكثر من 5 آلاف فلسطيني والعدد في تزايد مستمر. دافعت دون وجه حق عن جريمة قصف مستشفى المعمداني الذي قتل فيه 500 فلسطيني. خلال ست ساعات من زيارتك لإسرائيل قُتل 120 طفلا فلسطينيا لا علاقة لهم بحماس. لقد كنت شاهداً على مقتل 20 طفلاُ فلسطينيا في كل ساعة من ساعات تواجدك في إسرائيل. هل تود يا سيادة الرئيس أن تزايد على نتنياهو في نتنياهينيته؟ كيف سمحت له أن يجرجرك إلى حربه لتصبح يدك ملطخة بالدماء؟
سيادة الرئيس جو بايدن
كل شبر من إسرائيل هي أرض فلسطينية مسروقة، وكل مستوطنة إسرائيلية هي قرية فلسطينية محتلة. هناك شبه بين ما يمارسه المستوطن الإسرائيلي في فلسطين وما مارسه المستوطن الأوروبي عند قدومه إلى أمريكا. أجدادك ارتكبوا جرائم بحق سكان أمريكا الأصليين والمستوطن الإسرائيلي يرتكب نفس الجرائم في فلسطين. تحول المستوطن الإسرائيلي إلى وحش خارج عن السيطرة. انفلت هذا الوحش من عقاله وتمادى في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني. لماذا يا سيادة الرئيس تود أن تكون شريكًا في دعم وتمويل وتسليح "هذا الوحش"؟
حضرة الرئيس بايدن
يقال إن هناك حربا عادلة وأخرى غير عادلة. درست ذلك في مادة الفكر السياسي بجامعة جورج تاون في واشنطن، حيث أنجزت شهادة الدكتوراه. أمريكا خاضت حروبا غير عادلة عديدة منذ استقلالها في 4 يوليو 1776، كان آخرها حرب العراق سنة 2003 حيث دفعت ثمناً باهظاً. فاتورة تلك الحرب بلغت 2 تريليون دولار، وقتل 4431 جنديا أمريكيا وربع مليون عراقي. الحرب على غزة هي أيضا حرب غير عادلة. فهي حرب غير متكافئة، والجيش الإسرائيلي يستخدم فائض العنف ضد المدنيين، ويدمر مدارس و20 مستشفى و31 مسجدا وكنيسة، ويفرض عقوبات جماعية ضد 2,3 مليون نسمة من سكان غزة. متى ستدرك يا سيادة الرئيس المحترم، أن للطفل الفلسطيني الحق في حياة آمنة وحرة وكريمة كبقية أطفال العالم، وأن للشعب الفلسطيني حق في دولة مستقلة كبقية شعوب العالم؟
حضرة الرئيس جو بايدن
ما لم يحصل الشعب العربي في فلسطين على حق تقرير مصيره لن يتحقق الأمن والاستقرار في منطقة عانت أكثر من غيرها من عدم الاستقرار. كل ما هو مطلوب سلام عادل وفق الشرعية الدولية. أنت تعلم أن هذا يمكن تحقيقه بجرة قلم منك خلال ساعات إذا قامت أمريكا بلجم إسرائيل. هل هذا بكثير في نظرك؟
الرئيس جو بايدن
هذه ثاني رسالة من أكاديمي إماراتي موجهة لسيادتك. كانت الرسالة الأولى خلال زيارتك للمنطقة قبل نحو سنة، تدعوك للتعامل مع بروز خليج عربي جديد واثق من نفسه ومستقبله؟ أما هذه الرسالة فهي رسالة تذكير بأبسط القيم والمبادئ والحقوق، وهي أيضاً رسالة تنبيه أن مصالح أمريكا في المنطقة في خطر وأن الحرب على غزة ستكون مدمرة وباهظة أكثر مما تتوقع.
أمريكاإسرائيلحماسغزةنشر الاثنين، 23 أكتوبر / تشرين الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: حماس غزة سیادة الرئیس غیر عادلة على غزة أکثر من
إقرأ أيضاً:
النائب سليمان السعود يكتب: القضية الفلسطينية في عهد الملك عبدالله الثاني… ثبات الموقف وصدق الانتماء في ذكرى الجلوس الملكي
صراحة نيوز ـ في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، تحولت القضية الفلسطينية من مجرد بند دائم في الخطاب السياسي الأردني إلى محور فاعل في كل تحرك دبلوماسي، وإلى مبدأ راسخ لا يخضع للمساومة أو التراجع. فمنذ اليوم الأول لتسلمه سلطاته الدستورية، حمل جلالته هذه القضية على عاتقه كأمانة تاريخية وإرث هاشمي، مؤمنًا أن فلسطين ليست فقط جغرافيا محتلة، بل قضية حق وعدالة وكرامة إنسانية. لقد أثبت الملك عبدالله الثاني، عبر مواقفه وتحركاته، أن الأردن ليس مراقبًا على خط الأزمة، بل طرفًا حاسمًا في الدفاع عن هوية الأرض والإنسان والمقدسات، بل صوتًا لا يغيب عن أي منبر دولي حين تُذكر فلسطين.
في كل خطبه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان جلالته يضع فلسطين في قلب الخطاب، لا كتقليد سياسي، بل كموقف أخلاقي وإنساني ودولي. كان صوته في تلك المحافل، بليغًا صريحًا، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته الأخلاقية، ويفضح ازدواجية المعايير حين يُترك شعب أعزل يواجه الاحتلال وحده، بينما تخرس كثير من الدول أمام الظلم والتعدي. وفي لحظات الصمت الإقليمي والدولي، ظل الأردن، بقيادة جلالته، يصدح باسم فلسطين، ويمنح قضيتها نبضًا جديدًا في وعي العالم.
القدس، بعين الملك، ليست مجرد عاصمة عربية محتلة، بل عنوان للوصاية الهاشمية وللثوابت التاريخية، ورمز لمعركة السيادة والكرامة. لم يقبل الملك عبدالله في يوم من الأيام بأي مساومة على وضع المدينة المقدسة، ورفض بشدة كل محاولات فرض الأمر الواقع فيها، سواء عبر تهويدها أو تغيير معالمها أو استهداف المسجد الأقصى المبارك. كان واضحًا، حاسمًا، لا يتردد حين يقول: “القدس خط أحمر”. وكانت تحركاته لا تقتصر على الخطاب، بل تمتد إلى الفعل، من دعم مباشر لدائرة أوقاف القدس، إلى مواقف سياسية شرسة ترفض القرارات الأحادية مثل نقل السفارة الأمريكية، وتدين الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
لم تغب غزة عن وجدان الملك، ولا عن بوصلته السياسية. ففي كل عدوان تتعرض له، كان الموقف الأردني متقدمًا، يرفض الاحتلال، ويدين القتل والتدمير، ويوجه بإرسال المساعدات الطبية والغذائية على الفور، ويطالب بحماية المدنيين، ويذكّر العالم أن استمرار هذا الاحتلال هو وقود دائم لعدم الاستقرار والتطرف. كان الملك يتحدث بلغة الحقوق، لا العواطف، ويخاطب ضمير الإنسانية، لا مصالح الساسة، رافعًا راية القانون الدولي فوق كل اعتبارات المصالح الضيقة.
ولم تكن القضية الفلسطينية، في فلسفة جلالته، ذريعة للمناورة الداخلية أو الخارجية، بل كانت جزءًا من منظومة الأمن القومي الأردني، وجزءًا لا يتجزأ من هوية الدولة الأردنية نفسها. كان يؤكد في كل مناسبة، أن لا وطن بديل، ولا حل على حساب الأردن، وأن حقوق اللاجئين لا تسقط بالتقادم، ولا تلغى بمؤتمرات ولا بصفقات. لقد وضع جلالته سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية القضية، ورفض كل مشاريع التوطين والتنازل، مؤمنًا أن فلسطين يجب أن تُعاد إلى أهلها، لا أن تُباع على طاولة المساومات.
وعبر شبكة واسعة من العلاقات الدولية، استطاع الملك أن يُبقي على زخم القضية الفلسطينية، رغم محاولات طمسها أو تهميشها، بل وفرضها على جداول الأعمال السياسية والقمم العالمية، في وقت انشغل فيه كثيرون بملفات أخرى. كان حاضرًا في واشنطن، وفي بروكسل، وفي موسكو، وفي كل عواصم القرار، لا يسعى لمكاسب سياسية آنية، بل يناضل من أجل عدالة تاريخية يجب أن تتحقق. فكان بذلك المدافع الأصدق عن صوت الشعب الفلسطيني، ورافع رايته حين خذله الآخرون.
إن المتابع لمسيرة جلالة الملك عبدالله الثاني يجد أنه لم يغيّر بوصلته يومًا، ولم يتردد في الانحياز إلى الحق، حتى حين كان ذلك مكلفًا سياسيًا. ولعل ثبات الموقف الأردني، رغم الضغوط والتحديات، هو شهادة حيّة على أن هذه القيادة ترى في فلسطين قضية الأمة، لا ورقة تفاوض. لقد قاد الملك المعركة السياسية والدبلوماسية من أجل فلسطين بكل حكمة وصلابة، وجعل من الأردن ركيزة مركزية في الدفاع عن القدس، وعن الحق الفلسطيني، وعن مستقبل المنطقة بأسرها، الذي لن يكون آمنًا أو مستقرًا ما لم تكن فيه فلسطين حرّة وعاصمتها القدس الشرقية.
في ظل كل ما سبق، فإن عهد جلالة الملك عبدالله الثاني هو عهد الحفاظ على جوهر القضية الفلسطينية، وتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني في وجدان العالم، وتحصين الأردن من أية مشاريع مشبوهة. هو عهد الوضوح في زمن الضباب، وعهد الصوت العالي في زمن الصمت، وعهد الوفاء لقضية لم ولن تغيب عن نبض القيادة الهاشمية وعن ضمير الدولة الأردنية.