توماس فريدمان: إسرائيل من حرب الأيام الستة إلى حرب الجبهات الست
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
يقول الكاتب الأميركي البارز توماس فريدمان، إذا كان أمر إسرائيل يهمك، فلا بد أن تشعر بالقلق أكثر من أي وقت مضى منذ 1967. ففي ذلك العام انتصرت إسرائيل على جيوش 3 دول عربية؛ هي: مصر وسوريا والأردن، فيما بات يُعرف بحرب الأيام الستة.
واليوم -يضيف فريدمان في مقال بعموده الأسبوعي في صحيفة "نيويورك تايمز"- تخوض إسرائيل "حرب الجبهات الست".
ويقصد فريدمان بحرب الجبهات الست بأنها حرب تواجه فيها إسرائيل أطرافا لا تنتمي لدول بعينها، ودولا قومية، وشبكات اجتماعية، وحركات "أيديولوجية"، ومجتمعات الضفة الغربية وفصائل سياسية إسرائيلية. ويصف هذه الحرب بأنها "الأكثر تعقيدا التي غطيتها على الإطلاق".
لكن هناك شيء واحد واضح وضوح الشمس بالنسبة للكاتب الأميركي، وهو أن إسرائيل لا يمكنها أن تكسب حرب الجبهات الست وحدها، إلا إذا نجحت هي والولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي، حسب قوله.
ويعرب عن أسفه من وجود حكومة ائتلافية في إسرائيل يترأسها بنيامين نتنياهو "الذي لا يستطيع ولن يستطيع إبداء العزم اللازم لدعم مثل هذا التحالف الدولي".
ويتمثل هذا العزم -برأي فريدمان- في إعلان نهاية توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وإصلاح علاقات إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، بحيث تصبح شريكا فلسطينيا شرعيا ذا مصداقية، وقادرا على حكم قطاع غزة في حقبة ما بعد حركة حماس وإقرار حل أوسع للصراع يؤسس لدولتين، بما في ذلك الضفة الغربية.
جبهات خفية
ووفقا للكاتب، فإن الجبهات الست تبدو خفية، إلا أن من السهل تحديدها. فحركة حماس لديها ترسانة من الأسلحة صنعتها بنفسها ونشرتها واستخدمتها في شن هجوم بحري على إسرائيل يوم الثلاثاء، وأطلقت الأربعاء صواريخ بعيدة المدى باتجاه مدينة إيلات الساحلية. أما إسرائيل -التي تولى زمام الحكم فيها ائتلاف مكون من "يهود متطرفين، ويهود عنصريين"- فبدأت بالتصرف بطرق ساعدت بالفعل في تعزيز الجبهات المناهضة لها.
أما ثانية تلك الجبهات فهي تلك التي تواجه فيها إسرائيل إيران ووكلاءها الآخرين؛ وهم: حزب الله في لبنان وسوريا، والميليشيات الإسلامية في سوريا والعراق، وجماعة الحوثي في اليمن.
ويعني فريدمان بالجبهة الثالثة عالم الشبكات الاجتماعية وغيرها من المنشورات الرقمية، التي تدندن حول من هو الطيب ومن هو الشرير.
والجبهة الرابعة هي الصراع الفكري الفلسفي بين الحركة التقدمية العالمية وإسرائيل، كما يراها كاتب المقال، معربا عن اعتقاده بأن بعض عناصر تلك الحركة فقدت توجهها الأخلاقي في هذه القضية. وضرب مثالا على ذلك بالمظاهرات العديدة التي شهدتها الجامعات الأميركية التي تلوم إسرائيل، وترى أن حماس منخرطة في "نضال مشروع ضد الاستعمار".
وخامسة الجبهات مسرحها داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، حيث يهاجم المستوطنون اليهود المتطرفون الفلسطينيين، ويعيقون -من ثم- التعاون الأمني بين المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، والسلطة الوطنية الفلسطينية.
جبهة داخلية
أما الجبهة السادسة فهي داخل إسرائيل نفسها، ومعظمها بين مواطنيها اليهود. وقد توارت تلك الجبهة عن المشهد في الوقت الحالي، لكنها تكمن تحت السطح مباشرة. إنه الصدام الذي تحركه إستراتيجية نتنياهو السياسية الدائمة في الداخل والقائمة على نظرية فرّق تَسُد، على حد تعبير المقال الذي يؤكد كاتبه أن رئيس الوزراء الحالي بنى حياته السياسية بأكملها على تأليب فصائل المجتمع الإسرائيلي ضد بعضها بعضا، مما أدى إلى تآكل نوع الوحدة المجتمعية الضرورية لكسب الحرب.
وحدّد فريدمان رأيه بشأن ما ينبغي لإسرائيل فعله قائلا، "هذا نزاع إقليمي بين كيانين يطالبان بالأرض نفسها ويجب تقسيمها بالتساوي قدر الإمكان بينهما. ومثل هذه التسوية تشكّل حجر الزاوية لأي نجاح لإسرائيل ضد حماس، لذا، إذا كنت مع حلّ الدولتين، فأنت صديقي، وإذا كنت ضد حل الدولتين، فأنت لست بصديقي"، على حد تعبيره.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كيف يعزّز فشل إسرائيل العسكري في غزة من مكاسب حماس الاستراتيجية والدولية؟
قال المحامي والضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، موريس هيرش، إنّ: "الاحتلال لا يُخفي وأوساطه الأمنية والعسكرية أن استمرار الحرب على غزة طيلة هذه المدة دون القضاء على حماس، يشكّل خيبة أمل كبيرة، رغم ما يتم تكراره من مزاعم دعائية فارغة".
وعبر مقال، نشره معهد القدس للشؤون الأمنية والخارجية، أوضح هيرش، أنّ: "الحركة تمتلك لاستراتيجية متعددة الطبقات، وصلت أخيرا إلى تشويه سمعة جيش الاحتلال الإسرائيلي على الساحة الدولية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على سلطتها في غزة، مع تأمين موارد إعادة الإعمار الدولية".
وتابع المقال الذي ترجمته "عربي21" بالقول: "رغم أهداف الاحتلال المُتمثّلة بتفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس، فإن الضغوط الدولية أجبرته على السماح لها بمواصلة وظائفها الحكومية، لتوزيع المساعدات الإنسانية، وإبقاء الأسرى في غزة تأمين وجودي لها".
وأبرز: "لن يتم إطلاق سراحهم بالكامل إلا من خلال المفاوضات وحدها، التي أسفرت حتى الآن عن إطلاق سراح أسراها الكبار، وعددهم 2144 مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى".
"عندما نفذت حماس هجوم الطوفان كان لها عدة أهداف، تحققت كلها تقريباً، أهمها قتل أكبر عدد من الجنود والمستوطنين، وأسرهم، واستخدامهم أوراق مساومة لضمان إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، ومثّل قتل عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة، مناسبة لتشويه سمعة الاحتلال، وإدانته في الساحة الدولية، وإعادة إشعال النقاش العالمي حول الدولة الفلسطينية، واعتراف العالم بها" استرسل المقال ذاته.
وتابع: "في نهاية المطاف، سعت الحركة للبقاء على قيد الحياة بعد الحرب، والحفاظ على مكانتها الحاكمة في المجتمع الفلسطيني، والتمتع بثمار الجهود الدولية الحتمية لإعادة بناء غزة".
وأشار إلى أنه: "منذ البداية، أدركت حماس أنها لا تستطيع مجاراة القوة العسكرية للاحتلال، وأدركت جيداً أن ردّه سيكون ساحقاً، لكنها عملت على تحويل هذا الردّ العنيف إلى أصل استراتيجي يمكن استخدامه ضده، عبر الاستعانة بحلفائها وأصدقائها حول العالم، أولهم الأمم المتحدة ومؤسساتها في غزة، وبدأت بإصدار قرار تلو الآخر لإدانة الاحتلال..".
وأوضح أنّ: "الحليف الثاني للحركة هو المحور الإيراني لمساعدتها في التصدّي للعدوان الاسرائيلي، حيث انضم حزب الله والحوثيون بسرعة لمهاجمة الاحتلال، وأطلق الحزب أكثر من عشرة آلاف صاروخ وقذيفة وطائرة بدون طيار، ما تسبّب بأضرار واسعة النطاق، وإجلاء أكثر من 140 ألف مستوطن، وجمع الحوثيون بين الهجمات المباشرة على الاحتلال، وتعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فيما هاجمت إيران، دولة الاحتلال بمئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار".
وأضاف: "الحليف الثالث لحماس هي مجموعات إسلامية، منتشرة في مختلف أنحاء العالم، حيث نجحت الحركة بحشد الدعم الشعبي، وملايين المتظاهرين ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومهاجمته، والضغط على حكوماتهم لفرض عقوبات عليه".
وأكد أنّ: "الحركة شوّهت سمعة الاحتلال، وانضمت إليها هيئات الأمم المتحدة، بما فيها الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان وسلسلة من: المقررين الخاصين، ومحكمة العدل الدولية، وصولا لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب آنذاك، يوآف غالانت، بوصفهم مجرمي حرب".
وأردف: "فرضت العديد من حكومات العالم، بما فيها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وبريطانيا، وكندا، وهولندا، وأستراليا، ودول أخرى، حظراً كاملاً أو جزئياً على تصدير الأسلحة أو المكونات للاستخدام العسكري للاحتلال".
ولفت أنّ: "هدفا آخر من أهداف حماس في طريقه للتحقق من خلال تزايد عدد الدول المعترفة بفلسطين، بلغ عددها تسعة، وهي: أرمينيا، سلوفينيا، أيرلندا، النرويج، إسبانيا، جزر البهاما، ترينيداد، وتوباغو، جامايكا وبربادوس، مع احتمال انضمام فرنسا وبريطانيا لها".
وختم بالقول إنّه: "إذا استمرت الأحداث في مسارها الحالي، فلا شك أن حماس ستنتصر في الحرب، وتحقّق كل أهدافها من الهجوم، وسيكون هذا بمثابة كارثة بالنسبة للاحتلال".