هجمات الحوثي ضد إسرائيل وانعكاسها على اليمن مكاسب أم تآمر؟ (تحليل)
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن لدى الحوثيين القدرة على إطلاق صواريخ تصل إلى إسرائيل، وذلك بعد أيام من اعلان جماعة الحوثي بشكل رسمي تبني إطلاق هجمات صاروخية ومسيرات مستهدفة إسرائيل.
يعد هذا الموقف من جماعة الحوثي الأول من نوعه في توسيع نطاق الصراع إلى أمد بعيد، بعد استهدافها من قبل لأهداف في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، اللتان تشاركان في تحالف عسكري لمحاربة الجماعة في اليمن منذ مارس 2015م.
يأتي هذا التوجه لدى جماعة الحوثي ليشكل حدثا محوريا ضمن التطورات الجارية في المنطقة، خاصة بعد العملية العسكرية التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر الماضي في إسرائيل، ويشير إلى العديد من الدلالات، ويثير العديد من الأسئلة، عن مألات هذا التدخل، وانعكاسه على اليمن، والجماعة، والوضع في المنطقة.
لماذا تأخر التبني الرسمي؟
بالنسبة لجماعة الحوثي فإعلانها هذا التدخل المباشر يكتنفه الغموض، فهي لم تعلن عن تبنيها للهجمات منذ أول رشقة وجهتها، بل جاء إعلانها بعد مرور ما يقارب خمسة أيام من إعلان البحرية الأمريكية اعتراض مسيرات في البحر الأحمر، ولم تحدد وجهتها بالضبط، أو الجهة التي تقف خلفها، ولكنها رجحت أن تكون قادمة من الحوثيين، ومتجهة نحو إسرائيل.
ثم ردد الإعلام الإسرائيلي ذات الحديث عندما أعلن تمكنه من التصدي لمسيرات، ولم يجزم بأنها كانت قادمة من اليمن، وتوالى الأمر مع إعلان مصر سقوط مقذوفات على أرضها، وكذلك حديث تقارير صحفية عن تصدي السعودية واعتراضها هجمات في سمائها، وحدث كل ذلك ولم تعلن جماعة الحوثي عن هجمات صاروخية أطلقتها.
لكنها سارعت لاحقا على لسان الناطق بلسان الجيش التابع لها العميد يحيى سريع لإعلان تبني الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل بشكل رسمي، معترفة أنها من يقف وراء الهجمات السابقة، ومتوعدة بشن المزيد منها، مبررة ذلك بالرد على ما تتعرض له مدينة غزة الفلسطينية من قصف وحشي من قبل إسرائيل.
تعتبر جماعة الحوثي هذا التدخل إسهاما منها في نصرة المقاومة الفلسطينية، وسعت من خلاله للترويج عن نفسها أكثر، وتمثل ذلك بخطاب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي الذي تصنع منه الجماعة رمزا لمرجعيتها الدينية، وصاحب القرار الأول حين أبدى في خطاب له يوم العاشر من أكتوبر الماضي استعداد الجماعة للمشاركة بالقصف الصاروخي والمسيرات في حال تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر مع إسرائيل في غزة.
وعقب ذلك الخطاب بأيام بدأت الجماعة هجماتها الفعلية - وفقا لإعلانها – معتبرة ذلك ترجمة لوعيد قائدها، بعد تلقيها تهديدات بعدم الهجوم، وهو ما كشف عنه عضو المجلس السياسي للجماعة محمد البخيتي في تصريحه لقناة الميادين بأن الجانب الأمريكي أرسل تهديدات للحوثيين عبر سلطنة عمان، بعدم مهاجمة إسرائيل، لكن الجماعة رفضت تلك التهديدات، وباشرت هجماتها.
ما دلالة التوقيت؟
من ناحية التوقيت يشير هجوم الحوثيين إلى أنه يمضي في نفس الدائرة التي تقع فيها جماعة الحوثي، وهو ما يعرف بمحور المقاومة الذي تتزعمه إيران، وتلتحق معها العديد من الفصائل الشيعية المسلحة في المنطقة، كلبنان والعراق وسوريا، والتي يخوض بعضها مناوشات متفاوتة وغامضة مع إسرائيل، كحزب الله في جنوب لبنان، أو سجلت مواقف لاتزال غير واضحة كمهاجمة فصائل عراقية أهدافا أمريكية في العراق.
ويتكشف هذا أكثر من حديث عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي مع قناة روسيا اليوم عندما تحدث عن وجود تنسيق تام، وغرفة مستمرة للتنسيق، وأن الأهداف يضعها محور المقاومة، وما يمكن أن نصل إليه أو أن نستهدفه سيتم بالتنسيق التام مع محور المقاومة بشكل عام، نحن ننطلق في تنسيق مستمر.
لذلك يأتي الهجوم الحوثي متسقا مع التحركات الإيرانية الكلية في المنطقة، رغم إعلان إيران عدم تورطها في دعم عملية طوفان الأقصى، واستبعاد الولايات المتحدة لطهران في الوقوف وراء هجمات حماس، وكذلك رغبة واشنطن في عدم توسيع نطاق الصراع في المنطقة برمتها.
لكن السؤال هنا عن تأثير هذا التدخل الحوثي في مهاجمة إسرائيل، وهل يمكنه أن يلحق أضرارا وخسائر بإسرائيل، أو يؤثر على سير المعركة هناك، وما انعكاساته على اليمن والمنطقة؟
وللإجابة على هذا السؤال يمكن العودة لتعليق الجانب الإسرائيلي على تلك الهجمات، حين وصفها بأنها تهدف للتشويش على معركته في غزة، وأن تل أبيب قادرة على الرد في الوقت الذي تريد، ولم يستبعد مهاجمة اليمن، بل اعتبرتها إسرائيل مؤشرا على فاعلية أنظمتها الدفاعية حين تمكنت من التصدي لتلك الهجمات.
غير أن الرد العملي الإسرائيلي تمثل بنشر قواته البحرية في البحر الأحمر، وبإعلان الولايات المتحدة تعزيز حضورها وقواعدها في المنطقة بشكل أكبر للتصدي لتلك الهجمات، ما يعني إن هجمات الحوثيين منحت إسرائيل وأمريكا المبرر للتواجد والانتشار في المنطقة أكثر، بينما لم يتبين أي تأثير حتى اللحظة لهجوم الحوثيين، والأضرار الناجمة عنه، وذلك يثير العديد من الأسئلة عن العلاقة بين الطرفين، وعن اتخاذ الحوثيين ذريعة لفرض واقع جديد، خاصة مع التماهي الأمريكي سابقا عن الهجمات التي اطلقها الحوثيون باتجاه الرياض، واستخدامهم الطائرات المسيرة وسيلة لابتزاز السعودية، الحليف الأكبر لأمريكا في المنطقة.
ما مكاسب الحوثيين من الهجوم؟
من الواضح أن جماعة الحوثي ترى في التدخل بمعركة غزة ومهاجمة إسرائيل فرصة فريدة لها في العديد من الجوانب، فمن ناحية تسعى لترجمة شعاراتها الأيديولوجية في العداء لإسرائيل، وكذلك اشغال الرأي العام المحلي عن أي استحقاقات داخلية، والتهرب من أي فرص للسلام مع الحكومة اليمنية، والأهم من ذلك تأكيد ارتباطها بمحور إيران، وتخفيف الضغط على فصائل إيران خاصة في لبنان.
واستفادت الجماعة في إنتاج المسيرات الخاصة بها للاستعراض حاليا، وهي مجموعة من الصواريخ التي أنتجتها مؤخرا، مستفيدة من الدعم الإيراني لها، وسبق لها اختبار مداها وتأثيرها من خلال الضربات التي وجهتها للسعودية والإمارات، ومواقع تابعة للحكومة اليمنية المناوئة لها.
ماذا عن تداعيات الهجمات الحوثية على اليمن؟
أدت تلك الهجمات إلى تصدير اسم اليمن إلى واجهة التناول الإعلامي الدولي مجددا، وفيما لايزال الرد الإسرائيلي والأمريكي غير واضحا بشأنها، لكن سياق الأحداث يشير إلى أن ردة الفعل ستكون مرهونة بحجم الضرر الذي تحدثه تلك الهجمات، التي لاتزال بعيدة من أي تأثير حتى اللحظة.
وفي حال أحدثت أضرارا وخسائر مادية أو بشرية، فإن من المتوقع أن يكون هناك ردا هجوميا من الجنب الإسرائيلي على أهداف تابعة لجماعة الحوثي داخل اليمن، الذي لايزال يدفع فاتورة الحرب التي فجرتها الجماعة، وخاضتها مع السعودية منذ تسع سنوات، وهو ما سيؤدي إلى عزل الجماعة، أو لن يكون بدون أي تأثير، جراء الغارات التي شنت من قبل السعودية سابقا، واستهدفت البنى التحتية، والمعسكرات.
غير أن من الوارد أيضا اضطرار واشنطن لإعادة تصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية، وهو ما نقلته قناة فوكس نيوز الأمريكية عن السيناتور ستيف داينز، المنتمي للحزب الجمهوري عن ولاية مونت، والذي قال إنه قدم مشروع قانون يسعى إلى إعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، بعد مهاجمتها إسرائيل، معتبرا ذلك رسالة إيران وحماية لحلفاء واشنطن.
وبالطبع سيؤدي الانخراط الحوثي المباشر في الحرب مع إسرائيل إلى جمود مفاوضات السلام التي كانت الأمم المتحدة والجانب الأمريكي قد قطع شوطا كبيرا في مسارها، وكذلك توقف وتعثر انفتاح الجماعة مع السعودية، ولقائها وزير الدفاع السعودي في سبتمبر الماضي، كمقدمة لوضع حل شامل في اليمن.
ما تأثير هذا التدخل على المنطقة؟
بالتأكيد فإن دخول الحوثيين هذه المعركة سيولد العديد من التأثيرات على المنطقة برمتها، خاصة تجاه السعودية، التي ستجد تقاربها مع الحوثيين يعود لنقطة الصفر، وستجد نفسها تحت التهديد المباشر من قبل الحوثيين، خصوصا مع موقفها البارد تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة، والتماهي مع إسرائيل، وعدم وجود موقف واضح معها، وربما أيضا تؤدي تلك التهديدات لعزل الموقف السعودي نفسه، في حال سلمنا جدلا أن جماعة الحوثي ومن خلفها إيران يعملون في نسق واحد مع إسرائيل.
ينطبق الوضع ذاته على دولة الإمارات، فقد نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هناك قلق إماراتي من استهداف جماعة الحوثي لهم من جديد، على خلفية مواقف الإمارات المؤيدة لإسرائيل، بل إن هذا التصعيد الحوثي يمثل قلقا واسعا في المنطقة، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين أردنيين قولهم أنهم يشعرون بالقلق من توسع خطر الحوثيون في اليمن.
أين الحكومة اليمنية؟
منذ إعلان جماعة الحوثي تبنيها رسميا الهجمات ضد إسرائيل وتوعدها بالمزيد، لم يصدر عن الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي أي تعليق على خطوات الحوثيين، رغم إن الجماعة تقدم نفسها للعالم بأنها تفعل كل هذا باسم اليمن والجيش اليمني والجمهورية اليمنية، وهو ما يجعل اسمها حاضرا أكثر رغم عدم الاعتراف الدولي بها.
ويقتضي الأمر هنا أن يكون هناك توضيحا من جانب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا حتى لا يختلط الأمر، لكن من الواضح أن الحكومة وجدت نفسها في موقف محرج، فهي لا تستطيع رفض ما يفعله الحوثيون، إذ سيعتبر ذلك موقفا مساندا لإسرائيل، وسيحرجها بشكل كبير، في الداخل والخارج.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: طوفان الأقصى صواريخ الحوثي هجوم الحوثي على إسرائيل مسيرات الحوثي الحکومة الیمنیة جماعة الحوثی تلک الهجمات فی المنطقة هذا التدخل مع إسرائیل العدید من على الیمن من قبل وهو ما
إقرأ أيضاً:
هآرتس: لماذا لا تستطيع أمريكا وإسرائيل هزيمة الحوثيين في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
"الجغرافيا، الخبرة، والعقلية: أصبح الحوثيون قوة يصعب إيقافها، رغم الغارات الجوية المتكررة التي تشنها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. حتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة من غير المرجح أن يدفع إلى نزع سلاحهم".. بهذه العبارات بدأت صحيفة "هارتس" العبرية تحليلها عن الضربات الجوية التي تنفذها كلا من واشنطن وتل أبيب ضد جماعة الحوثي في اليمن.
تقول الصحيفة في تقرير لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول بقليل، عندما بدأ الحوثيون في اليمن إطلاق الصواريخ على إسرائيل دعماً لغزة، سخر منهم الكثيرون واصفين إياهم بوكلاء حربيين ساذجين لإيران. لكن بعد أكثر من عام ونصف، لم يعد أحد يعتبرهم مجرد عرض جانبي.
وأضافت "على عكس الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، واصل الحوثيون إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وتعطيل الحياة اليومية، والحد بشكل كبير من حركة الطيران الأجنبية في مطار بن غوريون مع تعهدهم بحصار إسرائيل. والأهم من ذلك، أنهم ما زالوا غير راضين عن الغارات الجوية الإسرائيلية".
تقول إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في الشؤون اليمنية والباحثة المشاركة في كل من منتدى التفكير الإقليمي ومركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب، إن الجمهور بدأ يدرك قدرة الحوثيين على الصمود. لكن خبراء مثلها درسوا منذ فترة طويلة قدرة الجماعة الاستثنائية على البقاء والتكيف. فما الذي يُمكّن قوة متمردة صغيرة نسبيًا، ذات دعم شعبي محدود داخل اليمن، من تحمل الاضطرابات الإقليمية، ومقاومة القوى العسكرية الكبرى - وتصعيد هجماتها على إسرائيل؟
وفقًا لإليزابيث كيندال، المتخصصة في الشؤون اليمنية ورئيسة كلية جيرتون بجامعة كامبريدج، يتمتع الحوثيون "بثلاث مزايا رئيسية: الجغرافيا، والخبرة، والعقلية". فمعاقلهم في شمال اليمن الجبلي، وخاصة محافظة صعدة، مهد الحركة، توفر لهم حماية طبيعية ومكانًا للاختباء للقيادة والأسلحة. وتقول كيندال: "يكفي النظر إلى خريطة اليمن لإدراك أنهم يسيطرون على مناطق يصعب الوصول إليها".
وإضافةً إلى ذلك، تشير كيندال إلى أن الحوثيين "لديهم خبرة تزيد عن عقدين في خوض حروب متقطعة ضد بعضٍ من أكثر جيوش المنطقة تسليحًا، وقد صمدوا في وجه عشرات الآلاف من الغارات الجوية التي شنها عليهم التحالف بقيادة السعودية".
وتصف الحوثيين بأنهم "يتحملون الخسائر، ولا يكترثون بأعدائهم، وقد شهدوا الانسحاب الأمريكي المشين من العراق وأفغانستان، ويؤمنون إيمانًا راسخًا بأن الله في صفهم".
وتشير إلى أن هذه العقلية الحربية نفسها "تُروّج لها آلة دعائية متطورة وناجحة، تشمل كل شيء من البث التلفزيوني والبث المكثف على وسائل التواصل الاجتماعي إلى معسكرات تلقين الأطفال".
وتضيف لوفتون أنه من المستحيل المبالغة في تقدير البعد الديني والأيديولوجي لصراع الحوثيين. وتقول: "هؤلاء أناس مدفوعون بشعور عميق بالعدالة". في جوهرها، تستمد الجماعة شرعيتها من المذهب الشيعي الزيدي، وهو فرع من المذهب الشيعي الزيدي، وهو فرع يدعو تاريخيًا إلى اتخاذ إجراءات ضد الحكام الظالمين - سواء كانوا قوى غير مسلمة أو أنظمة إسلامية فاسدة.
كما أن الحوثيين يستمدون ثقتهم من دولة الإمامة الشرعية، التي حكمت أجزاءً من البلاد لما يقرب من ألف عام. "إنهم يتحدثون عن ذلك الماضي المجيد، عن الكيان الديني الزيدي بقيادة إمام، والذي استمر بشكل متقطع حتى عام 1962"، توضح لوفتون. إن الإشارة إلى هذا التراث تمنح الحركة شرعية ومكانة تاريخية بين اليمنيين، مما يعزز صورتهم كمدافعين عن مصالح الزيدية والسيادة الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، تصف لوفتون كيف يتلاعب الحوثيون بمهارة بما تسميه "ترسانة من الهويات".
أحيانًا، يتحدثون عن قضايا تتعلق باقتلاع السكان الزيديين وكيف أضرّ بهم مشروع الدولة. وفي أحيان أخرى، ينتقدون تبعية النظام للولايات المتحدة، وهي ادعاءات تلقى صدى لدى اليمنيين السنة. أحيانًا يتحدثون عن التحالف مع إيران بنبرة، وفقًا للوفتون، "أكثر شيعية - لا تقتصر على الشيعة الزيدية، وهي طائفة صغيرة نسبيًا". وتوضح أن هذا الإطار الأوسع "يفتح الباب أمام علاقات مع لبنان والعراق، وبالطبع، يعزز تحالفهم مع إيران".
ثم تضيف لوفتون: "وسّع الحوثيون روايتهم أكثر بضم غزة إلى الصورة". أصبحت إسرائيل رمزًا آخر في هويتهم المصطنعة: يُصوَّر الصراع ضد إسرائيل، التي يعتبرونها "وكيلًا للولايات المتحدة"، كجزء من معركة أوسع ضد الاستعمار الغربي.
ومع ذلك، فإن مرونتهم الاستراتيجية واستخدامهم العملي لسياسات الهوية لا يعكسان سيطرة واسعة النطاق داخل اليمن، أو حتى شعبية واسعة. تقول لوفتون: "نميل إلى نسيان أن الحوثيين أقلية. إنهم يُحدثون ضجة كبيرة ويتسببون في أضرار جسيمة، لكنهم يظلون أقلية".
يهدف هذا الخطاب الهوياتي الأناني، المدعوم بجهاز دعائي قوي، في المقام الأول إلى تحقيق مكاسب سياسية داخل اليمن، بالإضافة إلى استغلال النفوذ الإقليمي ضد قوى مثل المملكة العربية السعودية وإيران تقول لوفتون: "هناك استخدام ذكي ومعقد للغاية لجميع هذه الهويات وهذه المجموعة الشاملة من الأدوات، وكل منها مُصمم خصيصًا لجمهور مختلف".
حل يمني داخلي؟
كان أحد أسباب توقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في النهاية عن العمليات الهجومية في اليمن هو التكلفة الباهظة - التي قُدرت بحوالي مليار دولار في الشهر الأول وحده، وفقًا لمسؤولي دفاع أمريكيين نقلاً عن شبكة CNN. الغارات الجوية الإسرائيلية في اليمن باهظة التكلفة أيضًا. فبدون حاملات الطائرات المتمركزة في الخليج، تنطوي كل عملية إسرائيلية على مهام بعيدة المدى تتطلب وقودًا ودعمًا جويًا ولوجستيًا وذخائر، بتكلفة ملايين الشواقل لكل غارة.
تقول لوفتون: "إن استخدام إسرائيل للطائرات المقاتلة بدلاً من الصواريخ أو الطائرات المسيرة يجعل هذه العمليات أكثر تكلفة بكثير". وتضيف أن الغارات الجوية الإسرائيلية تخدم غرضًا نفسيًا أيضًا: "إنها تهدف إلى إثبات قدرتنا على الوصول فعليًا إلى الحوثيين مرارًا وتكرارًا. وفي هذا الصدد، لدينا ميزة واضحة"، خاصة وأن الحوثيين لا يمتلكون قوة جوية خاصة بهم.
وفقًا للوفتون، لاحظت وسائل الإعلام العربية بالفعل نمطًا متبعًا: إطلاق الصواريخ الحوثية يتبعه ردود إسرائيلية تستهدف نفس المواقع التي تم استهدافها في الجولات السابقة.
مع ذلك، يقول كيندال، مشيرًا إلى المسافة الجغرافية الشاسعة بين إسرائيل واليمن: "من الصعب تصور كيف يمكن لإسرائيل أن تنجح في هزيمة الحوثيين، في حين فشلت جيوش أخرى ذات تمويل جيد، مثل السعودية والولايات المتحدة، واضطرت إلى التراجع إلى أسلوب عقد الصفقات".
ويضيف لوفتون أن الضربات على ميناء الحديدة اليمني - شريان الحياة التجاري الرئيسي للبلاد - من غير المرجح أن تُجبر الحوثيين على الاستسلام. ونظرًا لأهمية الميناء للسكان المدنيين، فمن المرجح أن تكون أي حملة لإغلاقه محدودة النطاق والمدة.
في ظاهر الأمر، يبدو إغلاق الميناء بمثابة "تكرار لما حدث". في أعقاب الهجمات الأمريكية واسعة النطاق على اليمن في مارس/آذار، أفاد زفي باريل من صحيفة هآرتس أن الحوثيين "تكيفوا، مستخدمين قوارب الصيد لسحب ناقلات نفط بدائية الصنع إلى البحر، وتفريغ النفط من السفن الراسية، وسحبه إلى الشاطئ...".
ومع أن إنهاء الحرب في غزة لا يزال أحد المطالب الرئيسية للحوثيين، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان الانسحاب الإسرائيلي كافيًا لوقف حملتهم. ويحذر لوفتون من أن الجماعة تُمهّد الطريق بالفعل لمواصلة مهاجمة أولئك الذين يسعون إلى التطبيع مع إسرائيل - مثل المملكة العربية السعودية - وقد تُواصل العمليات العسكرية حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي. إضافةً إلى ذلك، فإن اتفاق وقف إطلاق النار بين الحوثيين والولايات المتحدة قد يُعزز روايتهم كمدافعين عن الفلسطينيين. ويقول لوفتون، وهو يردد صدى رسائل الحوثيين بشأن الاتفاق مع الولايات المتحدة: "لم نطلب أي شيء؛ بل كان الأميركيون هم من لجأوا إلى العمانيين وقالوا: ساعدونا". ويضيف: "منذ البداية، قالوا إن حربهم مع إسرائيل لا تعني أميركا".
يُحذّر كلٌّ من لوفتون وكيندال من أن التكتيك المُفضّل لدى إسرائيل - الاغتيالات المُستهدفة للقادة العسكريين - سيفشل على الأرجح في اليمن. لا يقتصر الأمر على أن الجغرافيا تُصعّب مثل هذه المهام بشكل كبير، بل إن الهيكل التنظيمي للحوثيين "أكثر لامركزية... وحدات صغيرة تعمل بشكل مُستقلّ إلى حدّ ما على الأرض"، كما تُوضّح لوفتون.
وتُشير إلى أن الاغتيالات السابقة التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لم تُؤثّر سلبًا على المدى الطويل. "سيكون من الصعب القضاء على هذه الظاهرة... ويعود ذلك جزئيًا إلى استيلائهم على مؤسسات البلاد وبنائهم لوجودهم بشكل مُمنهج لأكثر من عقد من الزمان". وتُضيف كيندال أن خطر وقوع خسائر "ظرفية" في صفوف المدنيين "قد يأتي بنتائج عكسية ويُولّد تعاطفًا أوسع مع الحوثيين".
ومن المُحتمل، إذًا، أن يكون السبيل الوحيد المُجدي لإقناع الحوثيين بإلقاء أسلحتهم يكمن في حلٍّ يمني داخلي - حلٍّ يُنهي الحرب الأهلية في البلاد نفسها. وفقًا للوفتون، من المرجح أن يسعى الحوثيون إلى تحويل وضعهم الحالي إلى مكاسب سياسية داخلية و"تطبيع السلطة السياسية". لذا، فإن أي حل يجب ألا يقتصر على معالجة توزيع السلطة فحسب، بل أيضًا مسائل أكثر حساسية، مثل الوصول إلى البحر.
يقول لوفتون: "سيجد الحوثيون صعوبة في التخلي عن موقعهم القيادي وموطئ قدمهم الاستراتيجي في البحر الأحمر وباب المندب. وهنا قد يحتاجون إلى ابتكار أساليب جديدة للحفاظ على تلك السيطرة".
على الرغم من إنجازاتهم الحالية، يقول لوفتون: "قد تصبح لحظة تألق الحوثيين نقطة ضعفهم". قد تواجه الجماعة قريبًا معضلات معقدة، لا سيما فيما يتعلق بـ"كيفية التصرف في اليوم التالي لانسحاب إسرائيل من غزة".
يتفق كيندال مع هذا الرأي، مشيرًا إلى أنه "من غير المرجح أن يوقف الحوثيون هجماتهم. لديهم أسبابهم الخاصة لمواصلة عدوانهم على إسرائيل، سواءً بوجود إيران أو بدونها. محليًا، يُصب هذا في مصلحة قاعدتهم الشعبية. إقليميًا، يُصوّرهم كأبطال فلسطين. دوليًا، يُولّد لهم اهتمامًا إعلاميًا واسعًا".
من جانبها، من غير المرجح أيضًا أن تُوقف إسرائيل ضرباتها العسكرية. قد يتطلب كسر ما يبدو وكأنه حلقة عنف مسدودة نهجًا مختلفًا - ربما نهجًا مستنيرًا بالماضي. ومع ذلك، كما يقول لوفتون، "لا يمكن للتاريخ أن يُعطينا إجابة، مع أنه غالبًا ما يُخبرنا ما لم يُجدِ نفعًا".
هل الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة ضد الحوثيين عديمة الجدوى تمامًا؟ يُجيب لوفتون: "نعم ولا". "من ناحية، تُلحق الغارات أضرارًا، وهذا له قيمة تراكمية. من ناحية أخرى، فإن الاضطراب الذي تُسببه قصير الأمد، وقد يُعزز دافع الحوثيين للرد على إسرائيل".
عسكريًا، من المُشكك أن هذه الغارات وحدها ستُحقق الهدف. يُوضح لوفتون: "يجب أن تُدعم هذه الغارات بجهود مُستمرة وواسعة النطاق للحد من تهريب الأسلحة إلى الحوثيين بحرًا وبرًا". ولا يقل أهمية عن ذلك دعم قوات المعارضة داخل اليمن، لأن هذه في جوهرها حرب أهلية داخلية".
وفي النهاية، تستنتج أن "هذا الصراع لن يُحل بالوسائل العسكرية وحدها. يجب أن يُعرض على معارضي الحوثيين تسوية سياسية يمكنهم قبولها، تسوية تشجعهم على التحرك بنشاط ضد الحوثيين".