متى تسقط إسرائيل؟
إسرائيل في طريقها إلى الزوال، والسؤال ليس: هل؟ بل متى؟
هل أثبتت معركة "طوفان الأقصى" وامتداداتها أن إسرائيل باتت تقترب بسرعة أكثر من نهايتها ككيان؟
يتوقع من الآن أن يكثر المهاجرون اليهود من إسرائيل وليس إليها وزيادة الميول المتشددة في صفوف العرب والمسلمين للتعامل معها.
على إسرائيل أن تكون جاهزة عسكرياً ومتفوقةً على جيرانها ومحافظةً على المبادرة.
وإذا دخلت الحرب فإنها يجب أن تنتصر لأن الخسارة تعني الانقراض.
سيخرج شباب عرب وفلسطينيون يجسرون فجوات السلاح والتكنولوجيا والعلم والدعاية والإعلام. ولم يبق لإسرائيل إلا مصير واحد قصر الزمان أم طال.
منذ 1967 وما صاحب المرحلة من توحش عادت إسرائيل لسنينها الأولى دولة تبحث لها عن عقيدة لضمان وجودها، وطوفان الأقصى أرجعها إلى "عود على بدء".
معركة "طوفان الأقصى" اكسبت قضية فلسطين زخماً واهتماماً أبطل جهود إسرائيل لتصفيتها. وسيتصدع موقف داعميها مماا يزيد عزلة إسرائيل ويكشف تزويرهم للتاريخ.
بحسب عقيدة بن غوريون، تواجه إسرائيل تحدياً وجودياً لذلك عليها تعزيز استمراريتها وبقاءها بالاستعداد للحروب ونقل المعارك من الأرض تحت سيطرتها إلى أراضي العدو.
* * *
خلال الفترة من 1302 وحتى عام 1920، أو ما يساوي 618 عاماً، خاضت الإمبراطورية العثمانية أكثر من 250 معركة كبرى، تحقق لها النصر في معظمها حتى منتصف القرن السابع عشر، ثم بعد ذلك كانت النتائج مختلفة، حتى أدت إلى سقوط الإمبراطورية.
وبالمقابل، عقدت الإمبراطورية أكثر من 70 معاهدة بين السنوات 1403 وحتى عام 1920. ولو رسمنا منحنى لتاريخ الإمبراطورية لرأينا أنه يكاد يكون على شكل جرس مقلوب، حين بدأت الإمبراطورية بعهد عثمان، وإن أجمع المؤرخون أن بداية الدولة كانت في عهد أورخان الغازي وانتهاء بمحمد خان السادس.
لكننا نرى أنه بعد 1529 حين حاصرت جيوش السلطان سليمان القانوني مدينة فيينا عاصمة إمبراطورية الهابسبيرغ فإننا نرى أن مقابل كل معركة أساسية حاسمة أثناء الصعود معاهدة مقابلها عند الهبوط.
ونرى كذلك أن المعاهدات تكثر عدداً عند الهبوط وتتقلص المسافات الزمنية بينها، بينما تزداد المعارك والانتصارات على منحنى الصعود.
ومن الطريف مثلاً أن التاريخ يحدثنا أن أول ثلاث معاهدات هامة وقعتها الإمبراطورية العثمانية لم تكن مع غرماء حرب، بل مع شركاء غُنم، وهذه المعاهدات هي غاليبولي، وسليمبريا ومعاهدة السلام العثمانية البندقية في الأعوام 1403، 1411 وَ1413 على التوالي.
وخلال هذه الفترة 1402- 1413، كانت الإمبراطورية في حالة انقطاع عن الحكم وحروب بين الأخوة على العرش خاصة بعد هزيمة معركة أنقره عام 1403 والتي خسر فيها بايزيد الصاعقة أمام جيوش المغولي تيمور لنك أو (تيمور الأعرج)، وكانت هذه المعاهدات مع البندقية ذات محتوى سياسي وتجاري.
وأتذكر أنني كتبت بحثاً في هذا الموضوع لما كنت طالباً بالجامعة الأميركية بالقاهرة في ستينيات القرن الماضي. وقد استمعت لاحقاً إلى محاضرة ألقاها الباحث المعروف الدكتور هشام شرابي أحد أعمدة الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأحد المقربين من رئيس الحزب جورج سعادة.
وفي المحاضرة الاقتصادية التاريخية شرح لنا شرابي النموذج الذي بنيت عليه إسرائيل. وهو الدخول في حرب لاحتلال أرض، ومن ثم تجذب مزيداً من المهاجرين اليهود، وتأتي بعد ذلك المساعدات ما يساعدها على هضم الأرض، واستثمارها لجلب مهاجرين جدد، ومن ثم جذب المزيد من الأموال والمساعدات، ومن ثم شراء السلاح وتطويره استعداداً لحروب جديدة.
وحتى لو لم تفضِ إلى احتلال مزيد من الأرض. ولكن ادعاء النصر فيها يجلب المزيد من المساعدات. وهذا ينسجم إلى حد كبير مع ما يسمى بعقيدة بن غوريون (Ben Gorion’s Doctrine).
وبحسب هذه العقيدة الأمنية، فإن بن غوريون كان يرى أن إسرائيل تواجه تحدياً وجودياً، ولذلك عليها أن تعزز استمراريتها وبقاءها بالاستعداد للحروب، ونقل المعارك من أرض الكيان الواقعة تحت سيطرته إلى أراضي العدو.
ولذلك، فإن على إسرائيل أن تكون جاهزة عسكرياً ومتفوقةً على جيرانها ومحافظةً على المبادرة. وإذا دخلت الحرب فإنها يجب أن تنتصر لأن الخسارة تعني الانقراض.
والانتصار إذا تحقق يمكنها من تحييد بعض الدول العربية القوية حولها عن الصراع. وقد خص بن غوريون مصر بهذا الأمر، وجعله واحداً من أهم أهداف الدولة.
ومع أن الإمبراطورية العثمانية اتبعت نفس المنهج في بناء الجيش وتطويره، وعززت إمكاناته بالسلاح، إلا أن أهدافها كانت مختلفة. فهي لم ترد حكم الأقليات وتركت للدول التي افتتحتها حرية الحكم الذاتي.
وقد طور العثمانيون فكرة الجيش الانكشاري (أو السرايا الجديدة) إشارة لما يسمى اليوم بالقوات الخاصة. وطوروا استخدام الأسلحة، وسخروا أحدث الوسائل مثل القذائف البارودية (Cannon balls) بعدما علموا أن ملح البارود المتفجر والذي اكتشفه الصينيون قد حاول الصفويون في إيران استخدامه على يد اثنين من الإنكليز، وكذلك تمكنوا بالعبقرية التكنولوجية من تجاوز السلاسل الضحمة في مضيق الدردنيل عند محاصرتهم واحتلالهم لإسطنبول عام 1453.
وإسرائيل بالمقابل أدركت أن الحفاظ على تفوقها يتطلب مهارات عالية في سلاح الجو، والاتصالات، واستخدام الذكاء الاصطناعي للتجسس والمراقبة. واستخدمت الدعاية وتشويه صورة الآخر لكي تعوّض النقص الهائل في تعداد اليهود مقابل العرب بتحشيد قوى الغرب، وخلق تلك الصلة بين اليهودية والمسيحية الصهيونية.
العثمانيون بالمقابل، شكلوا الجيش الإنكشاري من أبناء المسيحيين الذين كانوا يشكلون نسبة عالية من السكان. وقد كنت أعتقد أن العائلات المسيحية التي يُختار أبناؤها لكي يلتحقوا بالجيش الانكشاري غاضبون وحانقون على ذلك. ولكن وجدت أن اختيار أبنائهم لهذا الجيش بالذات ليكونوا في صحبة السلطان العثماني شكل مصدر فخر واعتزاز لهذه الأسر.
وبسبب أنهم مسلمون وأن نَسلَ العثمانيين من قبائل في آسيا الوسطى، فقد استطاعوا تحشيد أعداد كبيرة لنصرتهم. وقد تعلمنا من التاريخ أن الحروب طويلة الأمد تكسب في نهاية المطاف من الدول الأكثر سكاناً.
وهذا هو الأمر الديمغرافي الأكبر على نتائج الحروب، فقد تتغلب التكنولوجيا العسكرية والتفوق فيها، ولكن الحروب الطويلة تمكن المغلوب والأكثر سكاناً من استثمار الوقت للبحث عن وسائل لتحييد أثر التفوق التكنولوجي في الحروب، ومن ثم الانقضاض على خصمهم وإنهاء سيطرته وهيمنته، أو طرده كلية من الأراضي التي احتلها.
لقد جرب اليهود عبر التاريخ تأسيس دولة لهم. ولكن هذه الدول لم تدم طويلاً. ولعل إسرائيل هي أطول هذه الدويلات عمراً. فهم وإن تفوقوا ودعمتهم الظروف، فإن الغرور الذي يصيبهم يعمي أعينهم عن الحقيقة أن العداء الذي تخلقه مع جيرانك سينقلب عليك في نهاية المطاف.
وهناك مؤرخون إسرائيليون ومنهم بيني موريس الذي يعطي اليهود حق التطهير العرقي للبقاء، لكنه لا يتوقع استمرار إسرائيل، بل ويبشر لها بنهاية تراجيدية فاجعة.
أما المؤرخ الجديد الآخر الذي يتوقع نهاية إسرائيل فهو "آفي شلايم" صاحب كتاب الحائط الحديدي The Iron Wall وكتاب "أسد الأردن" The Lion of Jordan فقد قال في مقابلة له مع قناة الجزيرة إن إسرائيل تحولت بعد عام 1967 إلى دولة وحشية، وأصبح العيش فيها غير آمن لليهود.
وهنالك آخرون. ولكل واحد من هؤلاء روايته. ولا أريد الخوض هنا في الدراسات لبعض الباحثين المتميزين من العرب، ولا في التنبؤات القائمة على الكتب السماوية.
لكن السؤال: هل أثبتت معركة "طوفان الأقصى" وامتداداتها أن إسرائيل باتت تقترب بسرعة أكثر من نهايتها ككيان؟ وقد يبدو السؤال في ظل ما نراه من وحشية وبربرية ونية واضحة للتطهير العرقي في غزة أن هذا السؤال يبدو ضرباً من الخيال وهروباً من الواقع"، ولكنني أرى غير ذلك.
وبغض النظر عن نتائج هذه المعركة في غزة، وليست الحرب كما يدعي نتنياهو وزمرته، إلا أنها قد دقت عدداً من الأسافين التي تضع "عقيدة بن غوريون" الأمنية في مأزق حرج تجعلها فاقدة لكثير من مكوناتها، ويظهر من الدلائل التاريخية أن إسرائيل قد وصلت إلى ذروتها، وأن ليس أمامها إلا التراجع.
إسرائيل لم تكسب معارك بشكل يؤدي إلى توسعها منذ عام 1973، وحتى تلك المعركة التي يروج البعض أنها كانت مسرحية مرتبة جعلت إسرائيل تتنازل عن مكتسباتها الجغرافية في سيناء وطابا نتيجة لمعاهدة كامب ديفيد عام 1979.
وإسرائيل انسحبت بعد معاهدة وادي عربة عام 1994 من أراضٍ محددة من الأردن، ولبنان، وأخيراً من قطاع غزة التي تمنى إسحق رابين يوماً أن تغرق في البحر ليخلص من همّها.
وقد قامت إسرائيل قانونياً بضم القدس الشرقية وكذلك حديثاً هضبة الجولان. ووضعت القانون الوطني القومي لليهود عام 2018، مبيحاً لها التوسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية.
ولكن رغم كل ما يلقاه الأهل من تدمير في غزة فإنهم صابرون مثابرون. وكذلك أهل الضفة الغربية وأهل القدس. وقد فشلت كل جهود إسرائيل حتى في ظل حكومات المتدينين والعنصريين منهم برئاسة نتنياهو من تقليل السكان أو الديمغرافيا الفلسطينية هناك.
ومن الواضح أن معركة " طوفان الأقصى" قد اكسبت القضية الفلسطينية زخماً واهتماماً أضاع كل الجهود الإسرائيلية للتمويه على وجودها وأهميتها. وسوف يحصل تصدع في مواقف الدول المساندة لها. وهذا سوف يزيد من عزلة إسرائيل، ويكشف تزويرهم للتاريخ وادعاءهم الديمقراطية.
إذن فمنذ عام 1967، وما صاحب هذه الفترة من توحش عادت إسرائيل إلى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي دولة تبحث لها عن عقيدة لضمان وجودها، وكأن طوفان الأقصى قد أرجعها إلى "عود على بدء".
فالتوقع من الآن فصاعداً أن يكثر المهاجرون اليهود من إسرائيل وليس إليها. ومن المتوقع أيضاً زيادة الميول المتشددة في صفوف العرب والمسلمين للتعامل معها. وسيخرج شباب عرب وفلسطينيون يجسرون كل فجوات السلاح والتكنولوجيا والعلم والدعاية والإعلام. ولم يبق أمام إسرائيل إلا مصير واحد قصر الزمان عليه أم طال.
إسرائيل في طريقها إلى الزوال، والسؤال ليس: هل؟ بل متى؟!
*د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل طوفان الأقصى العدوان الإسرائيلي على غزة الذكاء الاصطناعي الدعاية الإسرائيلية نهاية إسرائيل طوفان الأقصى أن إسرائیل بن غوریون أکثر من ومن ثم لها عن
إقرأ أيضاً:
ما المنشآت الإيرانية الحيوية التي استهدفتها إسرائيل؟ وما أهميتها؟
شنت إسرائيل، ليلة السبت 14 يونيو/حزيران 2025، هجمات جوية استهدفت منشآت طاقة إيرانية رئيسية، منها حقل "بارس الجنوبي" للغاز، أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، ومستودعات وقود ومصافي نفط في طهران. وأدى القصف إلى اندلاع حرائق وتعليق جزئي للإنتاج، ما أثار مخاوف من اضطرابات في إمدادات الطاقة العالمية.
وبدأ التصعيد العسكري يوم الجمعة، بهجمات إسرائيلية على مواقع عسكرية ونووية داخل إيران، واغتيال عدد من القادة والعلماء، ما دفع طهران للرد بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على مدن إسرائيلية. وأسفرت المواجهات عن مقتل عشرات الأشخاص في إيران، منهم 20 طفلا على الأقل، و10 قتلى في إسرائيل، إضافة إلى أكثر من 800 مصاب من الجانبين.
وتنذر هذه التطورات بتصعيد إقليمي واسع، وسط تحذيرات من تأثيرات خطِرة على أسواق النفط العالمية، في ظل تهديدات متبادلة بمزيد من الضربات. وتبقى منشآت الطاقة الإيرانية هدفا إستراتيجيا في هذا الصراع، لما لها من أهمية في استقرار سوق الطاقة العالمي.
ما المنشآت الرئيسية التي استهدفتها الهجمات الإسرائيلية؟تحتل إيران المرتبة الثانية في العالم من حيث احتياطات الغاز الطبيعي المثبتة، والمرتبة الثالثة في احتياطات النفط الخام، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، وبُنيتها التحتية للطاقة كانت دائما هدفا محتملا لإسرائيل.
إعلانقبل التصعيد الأخير في صراعهم، كانت إسرائيل قد تجنبت إلى حد كبير استهداف المنشآت الإيرانية للطاقة، نظرا لضغوط حلفائها، منهم الولايات المتحدة، بسبب المخاطر التي قد تنجم عن أي هجوم من هذا النوع على أسعار النفط والغاز العالمية.
لكن الأمور قد تغيرت الآن. فقد حذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، يوم الجمعة من أنه إذا ردّت إيران على هجماتها، فإن "طهران ستحترق".
وفي وقت متأخر من السبت، نشبت حرائق كبيرة في طرفي العاصمة الإيرانية: في مستودع الوقود والغاز "شهران" شمال غرب طهران، وفي إحدى أكبر مصافي النفط الإيرانية في "الري" جنوب المدينة.
بينما نفت شبكة الأخبار الطلابية الإيرانية لاحقا، استهداف إسرائيل مصفاة "الري"، وزعمت أنها كانت لا تزال تعمل، إلا أنها اعترفت بأن خزان وقود خارج المصفاة قد اشتعل. ولم تفسر الشبكة ما الذي أشعل الحريق.
لكن وزارة النفط الإيرانية أكدت، أن إسرائيل استهدفت مستودع "شهران"، حيث لا تزال فرق الإطفاء تحاول السيطرة على الحريق.
كما استهدفت الهجمات الجوية الإسرائيلية حقل "بارس الجنوبي" قبالة سواحل محافظة بوشهر جنوب إيران. ويُعد حقل الغاز الأكبر في العالم مصدر ثلثي إنتاج إيران من الغاز، الذي يُستهلك محليا.
وقد أسفرت الضربات عن أضرار كبيرة وحرائق في منشأة معالجة الغاز الطبيعي في المرحلة 14، وأوقفت منصة الإنتاج البحرية التي تنتج 12 مليون متر مكعب يوميا، وفقا لوكالة تسنيم الإخبارية شبه الرسمية.
وفي هجوم إسرائيلي منفصل، اندلعت النيران في مصنع غاز "فجر جم"، وهو واحد من أكبر منشآت المعالجة الإيرانية، أيضا في محافظة بوشهر، التي تعالج الوقود من حقل "بارس الجنوبي". وأكدت وزارة النفط الإيرانية، أن المنشأة تعرضت للهجوم.
لماذا تُعدّ هذه المنشآت مهمة؟
يُعد مستودع النفط "شهران" واحدا من أضخم وأهم مراكز تخزين وتوزيع الوقود في طهران. وللمستودع دور حيوي في ضمان استمرارية إمدادات الوقود إلى جميع أنحاء المدينة. حيث تبلغ سعة تخزينه ما يقارب 260 مليون لتر عبر 11 خزانا، مما يجعله أحد الأعمدة الأساسية في شبكة الوقود الحضري في العاصمة. وهو مسؤول عن توزيع البنزين، والديزل، ووقود الطائرات إلى عدة محطات في شمال طهران.
إعلانأما مصفاة طهران، التي تقع إلى الجنوب من طهران في منطقة " الري"، والتي تديرها شركة طهران لتكرير النفط المملوكة للدولة، فهي واحدة من أقدم مصافي البلاد، ولديها قدرة تكرير تقارب 225 ألف برميل يوميا. ويحذر الخبراء من أن أي تعطيل لهذه المنشأة، سواء بسبب الهجمات أو أي سبب آخر، قد يؤدي إلى توتر في اللوجستيات الخاصة بالوقود وأزمة شديدة في منطقة "الري" الأكثر كثافة سكانية والأهم اقتصاديا في إيران.
إلى الجنوب، يحتوي حقل الغاز "بارس الجنوبي" في الخليج على نحو 1260 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاسترداد، مما يمثل ما يقرب من 20% من الاحتياطات العالمية المعروفة. ويُنتج هذا الحقل الجزء الأكبر من الغاز الذي تستهلكه السوق المحلية، وتعطيله سيؤثر على القدرة الإنتاجية للكهرباء والعديد من الصناعات الحيوية في البلاد.
وفي الوقت نفسه، يُهدد الهجوم على مصفاة غاز "فجر جم" في محافظة بوشهر أيضا بتعطيل إمدادات الكهرباء والوقود المحلية في إيران، خاصة للمحافظات الجنوبية والوسطى، التي تواجه ضغوطا هائلة فعلا. وتكاد تكلف انقطاعات الكهرباء الاقتصاد نحو 250 مليون دولار يوميا، وفقا لتقديرات الحكومة.
الأسواق العالمية غير مستقرةفي ظل التوترات المتصاعدة في الأسواق العالمية، أشار مسؤولون إيرانيون إلى أنهم يدرسون إمكانية إغلاق مضيق هرمز وسط تصاعد النزاع مع إسرائيل، وهي خطوة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط ارتفاعا حادا.
ويُعد مضيق هرمز المدخل البحري الوحيد إلى الخليج، ويشكل خطرا إستراتيجيا على الاقتصاد العالمي، حيث يمر من خلاله نحو 20% من استهلاك النفط العالمي. ويُعد هذا المضيق الذي يفصل إيران عن عُمان والإمارات شريانا حيويا للتجارة العالمية في الطاقة. ووفقا لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإنه يُعتبر "أهم نقطة عبور نفطية في العالم"، ويعكس هذا الوصف دور المضيق الحيوي في تأمين إمدادات الطاقة للعديد من الدول الكبرى.
إعلانوقد أدت الهجمات الإسرائيلية يوم الجمعة، التي تجنبت استهداف منشآت النفط والغاز الإيرانية في اليوم الأول من القتال، إلى رفع أسعار النفط بنسبة 9% قبل أن تهدأ قليلا. ويتوقع المحللون أن ترتفع الأسعار ارتفاعا حادا عندما تُفتح أسواق النفط مجددا يوم الاثنين.
وقال آلان إير، الزميل الدبلوماسي البارز في معهد الشرق الأوسط، لشبكة الجزيرة، إن إسرائيل تحاول دفع الولايات المتحدة للمشاركة في هجماتها على إيران. وقال: "في النهاية، السيناريو الأفضل لإسرائيل هو تشجيع، إن لم يكن تغيير النظام الإيراني، فعلى الأقل الإطاحة به".
وأضاف إير في تحليله أن إيران، بالرغم من ردود أفعالها العسكرية القوية، تواجه تحديات كبيرة في هذا النزاع، حيث قال: "خيارات إيران محدودة جدا؛ فعليها الرد عسكريا لحفظ ماء الوجه داخليا، لكن من غير المحتمل أن تستطيع إيران إلحاق ضرر كافٍ بإسرائيل داخليا أو الضغط بما فيه الكفاية لوقف القصف".
ووفقا لإير فإن "إيران ليس لديها العديد من الحلفاء في المجتمع الدولي وحتى لو كان لديها، فقد أظهرت إسرائيل أنها غير مستعدة للاستماع إلى الرأي الدولي"، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويجعلها أكثر خطورة في الساحة السياسية والدبلوماسية العالمية.