باريس- بعد مقتل الفتى نائل برصاص الشرطة الثلاثاء الماضي في منطقة نانتير بضواحي باريس اشتعلت شوارع المدن الفرنسية احتجاجا على عنف الشرطة الذي لطالما شكل أزمة اجتماعية وسياسية تصعب معالجتها حتى الآن.

وبعد أن شهدت البلاد ليلة هادئة نسبيا أمس الأحد عقب نشر الحكومة 45 ألف عنصر أمن للسيطرة على الأوضاع المتوترة بيد من حديد يبدو أن المواجهة اليوم انتقلت إلى مستوى آخر يغلب عليه طابع التحدي والعنصرية الخفية والمعلنة.

وبدأت النقاشات المحتدمة على القنوات الفرنسية ومنصات التواصل تطفو إلى السطح بعد أن تجاوز صندوق التبرعات الذي يدعم عائلة الشرطي فلوريان (قاتل الفتى) مليون يورو.

وبعد يومين فقط من وفاة نائل البالغ من العمر 17 عاما أطلق جان ميسيها المتحدث السابق باسم حملة اليميني المتطرف إريك زمور صندوق تبرعات عبر الإنترنت لدعم عائلة الشرطي، معتبرا أنه "قام بعمله ويدفع اليوم ثمنا باهظا".

وتحت عنوان "دعم عائلة شرطي نانتير" استطاع هذا الصندوق جمع أكثر من مليون يورو في أقل من أسبوع، حيث تبرع أكثر من 50 ألف شخص بمبالغ تتراوح بين 5 و3 آلاف يورو، الأمر الذي أثار حفيظة وغضب نشطاء على مواقع التواصل، خاصة الأحزاب اليسارية.

وفي ما يبدو أنها مواجهة سياسية بين الأحزاب لم يقتصر تأييد هذا الصندوق على اليمين المتطرف فقط، فعلى سبيل المثال أعلن رئيس الحزب الجمهوري إريك سيوتي تأييده الصريح للتبرعات لصالح أسرة الشرطي.


فارق شاسع

وبينما ترتفع أرقام التبرعات التي أطلقها ميسيها في كل ثانية حظي الصندوق المخصص لوالدة نائل بمبلغ يتجاوز 220 ألف يورو بقليل، وهو أقل مما حصلت عليه عائلة الشرطي حتى الآن بنحو 5 مرات.

ويفسر رئيس منظمة عدالة وحقوق بلا حدود فرانسوا دي روش هذا الفارق الشاسع بالقول "إن العنصري الذي يكره سكان الأحياء الفقيرة يملك المال أكثر من الذي تعرض للعنصرية، بمن في ذلك كبار السن والمنتمون للجبهة الوطنية، ونرى ذلك جليا من خلال مقابلاتهم على القنوات الفرنسية".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف دي روش أن أسبابا أخرى تشرح ما يحدث، من بينها مشاركة العرب أو المسلمين الضعيفة في التصويت أثناء الانتخابات لاختيار من يدافعون عن حقوقهم ومطالبهم، فضلا عن خوفهم من متابعة الحكومة لهم إذا أرسلوا المال إلى أسرة الضحية.

واستبعد أن تكون أعمال الشغب التي عصفت بالبلاد في الأيام الماضية أدت إلى وجود مساعدات مالية قليلة لوالدة نائل، معتبرا أن "الفرنسيين من أصول مهاجرة أو من يتعاطفون مع أسرة الضحية لا يملكون الثقافة السياسية الكافية وغير واعين بتداعيات أو خطورة الوضع الحالي"، بحسب وصفه.

في المقابل، لا يكترث اليميني المتطرف بذلك، ويرسل المساعدات المالية بدون خوف، وهذا أمر خاطئ وخطير، وفق اعتقاد المتحدث.

وحذر دي روش من تداعيات القضية بقوله "نحن أمام مواجهة بين الغني والفقير، بين القوي والضعيف، بين من يؤمن بأفكاره ومستعد للموت لأجلها وبين من يخاف فعل ذلك، وهنا أستذكر مقولة: الخوف لا يجنبك المخاطر".


مخاوف من أعمال العنف

وفي مقابلة تلفزيونية صرح وزير العدل الفرنسي إريك دوبون موريتي بأن صندوق الدعم لأسرة الشرطي "لا يسير في اتجاه التهدئة"، متسائلا عما إذا كان هناك استغلال وراء هذه القضية، خاصة أن من أطلقها هو سياسي يتبنى أفكار اليمين المتطرف.

وفي السياق ذاته، اعتبر نائب حزب النهضة إريك بوثوريل أن ميسيها ينفخ في الجمر بمبادرته، مضيفا أنه بتصرفه سيوّلد أعمال الشغب.

من جانبها، قارنت النائبة في حزب "فرنسا الأبية" ماتيلد بانو بين صندوق التبرعات الذي كان مخصصا لمساعدة عضو السترات الصفراء كريستوف ديتينجر، والذي تم إغلاقه بعد أقل من 48 ساعة وبين تبرعات بمئات الآلاف من اليوروهات لدعم ضابط الشرطة المسؤول عن مقتل نائل "دون أي رد فعل من الحكومة".

وفي تغريدة عبر حسابها على تويتر أضافت بانو أن "قتل شاب من شمال أفريقيا في فرنسا أصبح أمرا مربحا"، مطالبة بإغلاق الصندوق على الفور.


تبرعات العار

وتعالت الأصوات المطالبة بإغلاق هذا الصندوق، خاصة مجموعة "عمالقة النوم في فرنسا" (SLEEPING GIANTS FRANCE)، وهي منصة تحارب ضد تمويل خطاب الكراهية، والتي طالبت الموقع الإلكتروني بالتحقق من شروط استخدام المبادرة التي أطلقها اليميني ميسيها، والتأكد من أن المبالغ المحصلة لن تستخدم لدفع الرسوم القانونية لضابط الشرطة.

وعلى ضوء ذلك أصدرت إدارة موقع التبرعات الإلكتروني بيانا اليوم الاثنين أكدت فيه أن "منصة التجميع لن يتم حظرها لأنها تتوافق مع شروط الاستخدام الخاصة بنا، لأن الأموال سترسل مباشرة إلى العائلة المعنية".

وأضاف البيان أنه "لن يُسمح بتحويل الأموال لغرض تمويل الدفاع عن جريمة عنيفة أو صفحات تحرض على الكراهية".

وفي مقابلة على قناة "آر إم سي" (RMC) استنكرت الكاتبة والأستاذة باربرا لوفيبر هذا الكم الهائل من التبرعات، قائلة إن "من يساهم في الصندوق يبصق على ذكرى نائل بإبداء ملاحظات عنصرية صريحة، يا له من عار!".

من جانبه، طالب السكرتير الأول للحزب الاشتراكي أوليفييه فور بإغلاق صندوق التبرعات الذي وصفه بالعار.

والعار هو أيضا الوصف الذي استخدمه دي روش الذي اعتبر حملة التبرعات للضابط غير قانونية، مضيفا "لو تبرع فرنسي واحد فقط لصالح من اقترفوا أحداث 11 سبتمبر/أيلول لألقي به في السجن لمدة لا تقل عن 20 عاما".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکثر من

إقرأ أيضاً:

مدبولي لـ صدى البلد: برنامج صندوق النقد لا يحمل المواطنين أعباءً جديدة

رد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء على سؤال “صدى البلد” بشأن المراجعة الخامسة للبرنامج الاقتصادي لمصر مع صندوق النقد الدوليّ، وما إذا كانت ستحمل أعباء على المواطنين.

وأوضح رئيس مجلس الوزراء أن هذا البرنامج ـ وكما أكد صندوق النقد نفسه ـ هو برنامج إصلاح اقتصادي لمصر، وأن الحكومة المصرية أعدته وتقوم بتنفيذه، وأن دور الصندوق يقتصر على مساعدة مصر على تنفيذ برنامجها وتحقيق مستهدفاته لضمان نجاحه في الإصلاحات المطلوبة، لافتا إلى أن ما يثار أيضا على أسعار البترول قد تم توضيحه من قبل بأنه يخضع لبرنامج الدولة الذى سبق إعداده، ولا يخضع لأي شروط من قبل الصندوق، بل الأمر يتعلق فقط بمدى تحقيق المستهدفات التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق وفقا لبرنامج الحكومة نفسه.

وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أنه فيما يتعلق بوجود بعثة الصندوق في مصر فهذا لا يعني انتهاء المراجعة، بل يكون هناك بعض النقاط التي تناقشها البعثة مع مسئولي الصندوق، ويتم مراجعتها مرة أخرى عن طريق تقنية الفيديو كونفرانس مع الحكومة، ثم يتم عرض الأمر على مجلس إدارة الصندوق وفقا لجدول أعماله، موضحا أن الموضوع لا يتعلق بفرض أعباء جديدة على الدولة أو المواطنين، فالبرنامج كما هو، والإجراءات التي تعهدت بها الحكومة المصرية كما هي، ولا يوجد أي تغيير أو شروط جديدة.

وأضاف رئيس الوزراء: صندوق النقد الدوليّ لا يفرض على الدولة شيئًا ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، ووجوده في مصر مثل مؤسسات دولية أخرى يكون بمثابة شهادة ثقة في الاقتصاد المصري ومناخ الاستثمار، وتحسن الأجواء القائمة، وهو ما ينعكس في حركة تدفق الاستثمارات الأجنبية داخل الدولة، موضحًا أن وجود هذه النوعية من المؤسسات الدولية  التي تصدر تقارير إيجابية عن مصر يدعو للثقة لدى المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري.

طباعة شارك صندوق النقد برنامج الإصلاح الاقتصادي مصر الاستثمار الاستثمارات الأجنبية مجلس الوزراء

مقالات مشابهة

  • صندوق النقد الدولي: مصر تحرز تقدمًا ملحوظًا في برنامج الإصلاح الاقتصادي
  • صندوق الإمارات للنمو يعلن أولى استثماراته في ترميم هيلث كير هولدينغ ال تي دي
  • مدبولي لـ صدى البلد: برنامج صندوق النقد لا يحمل المواطنين أعباءً جديدة
  • مدبولي: برنامج الإصلاح الاقتصادي مصري خالص.. وصندوق النقد لا يفرض شروطًا على مصر
  • «صندوق الإمارات للنمو» يعلن عن أول استثماراته في «ترميم هيلث كير هولدينغ إل تي دي»
  • مدبولي: صندوق النقد لا يفرض شروطًا على مصر
  • مدبولي: صندوق النقد الدولي لا يفرض شروطًا على مصر
  •  بقيمة تجاوزت 12 مليار ريال.. 217 مليون عملية نقاط بيع في المملكة في أسبوع
  • 217 مليون عملية نقاط بيع في المملكة بقيمة تجاوزت 12 مليار ريال في أسبوع
  • الاتحاد الأوروبي يقرض مصر 4 مليارات يورو.. اشترط من أجل صرفها