جدل المجتمع والجامعة تبادلية العلاقة
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
سادت علاقة شد وجذب بَيْنَ الجامعة والمُجتمع طوال تاريخ الجامعات في العالَم العربي، وهي علاقة تتوتَّر أحيانًا، ثمَّ تَعُودُ لطبيعتها في أحيان أخرى! إلَّا أنَّ الأهمَّ هو بقاء الجامعات العربيَّة مرتهنة بأيدي أُولي الأمْرِ.
وإذا كان الطرفان محقَّيْنِ في آمالهما أغْلَب الأحيان، فإنَّ عَلَيْنا أن نؤشِّرَ نقاطًا معيَّنة تستأهل الرصد والتحليل، وربَّما كان أهمُّ هذه النقاط، هو أنَّ على المُجتمع هنا، أو في المغرب العربي أن لا يتوقعَ الكثير من الجامعات العربيَّة، نظرًا لأنَّ هذه الجامعات لا تتمتع بتراث عريق وتاريخ طويل، مقارنة بالجامعات في الدوَل الغربيَّة المتقدِّمة: مؤسَّساتنا الأكاديميَّة حديثة العهد (إذا ما استثنينا) المؤسَّسات القديمة الَّتي يَعُودُ تاريخها إلى القرون الوسطى (من نوع الجامعة المستنصريَّة ببغداد/العصر العباسي) أو «المدارس» الدينيَّة الَّتي تطوَّرت استجابةً لعصور كان الدِّين عَبْرَها هو التَّيقن الاجتماعي الوحيد، إذ لَمْ تكُنْ هناك حاجة ملحَّة للعلوم التطبيقيَّة والعلوم الصرفة، ناهيك عن الفروع الأخرى للمعارف الَّتي اكتسبناها ثمَّ اعتمدناها من العالَم الغربي، خصوصًا وأنَّ على المرء أن يتذكَّرَ بأنَّ الجامعات الحديثة في العالَم العربي لَمْ تكُنْ سوى واحدة من بَيْنِ (المستوردات) شأنها شأن الصحافة والطباعة والتنظيم العسكري الحديث، وذلك بعد طيِّ صفحة «السَّيف أصدق أنباءً من الكتب/في حدِّه الحدُّ بَيْنَ الجدِّ واللعبِ»!
وإذا كان الأمْرُ بهذه الحداثة تبقى الجامعات في عالَمنا العربي تحيا نوعًا من الذَّيليَّة والشعور بـ»النفعي» الَّذي طالما عكس نَفْسه في اتفاقيَّات التعاون وتبادل الخبرات والتدريب مع الجامعات الأميركيَّة والأوروبيَّة، بل وحتَّى الهنديَّة واليابانيَّة، وذلك عَبْرَ عنوان مبتكر، هو «التوأمة»!
لنلاحظ كذلك تقليعة «التوأمة» بَيْنَ بعض الجامعات المحلِّيَّة مع جامعات متقدِّمة مِثل هارفرد والسوربون وأوكسفورد، من بَيْنِ سواها، إنَّما هي شكل من أشكال المحاكاة المقنَّعة العمياء!
وإذا كانت المُجتمعات العربيَّة تطالب الجامعة بتخريج الإنسان المهذب The gentleman، فإنَّ الجامعة، من ناحية مقابلة، تطالِب هذه المُجتمعات متمثلة بالدَّولة، أي بالدَّعم المالي والاعتباري الكافي كَيْ ترقى بنَفْسِها وبكُلِّيَّاتها إلى مصاف الجامعات الغربيَّة أو الصينيَّة أو اليابانيَّة: فإذا كانت الدَّولة تريد مهندسين بمستوى المهندسين اليابانيِّين، فإنَّ عَلَيْها أن تنفقَ من الأموال ما يكفي للارتقاء بجامعاتنا إلى هذا المستوى المرموق المطلوب: فكيف تتوقع من الجامعة أن توازيَ بمستواها العلمي وأدائها الأكاديمي الجامعات اليابانيَّة، وهي في حال ترقُّ لها القلوب من بنايات قديمة «خربة» وكوادر تدريسيَّة لا فرصة لها بتحديث معارفها وتطوير مؤهلاتها؟
أ.
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الأزهر: الإباحية مصيبة .. وأخطرها اختبار صدقك مع الخالق أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ
قال الأزهر الشريف، إن الإباحية مصيبة، لكن المصيبة الأكبر هي أنَّ قلبك لم يَعُد يراها كذلك.
وحذر الأزهر أن أخطر ما في الإباحية أنَّها تشبع غرائزك بالحرام بما يجعلك تنسى الحلال، تبهت نفسك، وتسرق شيئًا من حيائك، وتنغص عليك حياتك دون أن تشعر، بل تأخذ منك إيمانك.
واستشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ» [أخرجه البخاري]، فإيمانك لا يُنتزع مرة واحدة، بل على جرعات، من نظرةٍ محرَّمةٍ أو معصية متكرِّرة، حتى تصبح فارغًا، تبدأ برفضها، تم تقبلها، تم تبرِّر لنفسك مشاهدتها، ثم لا ترى أنها حرام أو خطأ.
وأشار الى أن مشاهدة الإباحية ليست إثمًا فحسب؛ بل هي اختبار لصدق إيمانك، وخوفك من الله، اختبار يظهر إيمانك الحقيقي عندما تغفل عنك عيون الخلق، وتتوارى تحت جنح الخلوات.
{أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ} [العلق: 14] هي آية واحدة، لكنَّها كافية ليرتجفَ قلبك، إذا أغلقت الأبواب، وظننت أن لا أحد يراك، تمعَّن في قول سيدنا رسول الله ﷺ: «العَيْنُ زِناها النَّظَرُ» [متفق عليه]
وقل: يا رب، أنا لا أزعم النقاء أو الطهارة، ولا أدَّعي القوة، ولكن قلبي يخافك ويحبك ويخشاك، فاللهم بغِّض إليَّ هذا الإثم، واقطع عني سُبُله، وسدَّ عني أبوابه، وأبدلني خيرًا منه.
واعلم أنَّك لست بلا حيلة وهذا بعض ما يُعينك:
1- إن لم تشغل نفسَك بالحق شغلتك بالباطل، املأ وقتك بشيء نافع تُحبُّه، فوقت تسلل المعصية إليك هو وقت فراغك.
2- احذف التطبيقات، واقطع الطرق المؤدية، قبل أن تقع في الهاوية.
3- آنس وحدتك، الجلوس الطويل دون أنيس صالح كصديق أو كتاب، باب واسع للزَّلَل، فلا تترك نفسَك في مهبِّ الشهوة.
4- غيِّر مكانك إذا شعرت بالضعف، وانتقل لنشاط ذهني أو بدني، فأحيانًا النجاة في مجرد حركة، قال ﷺ: "احِفظِ الله يحفظْكَ..." وأنت… لا تحفظ نظرَك، ولا وقتَك، ولا حياءَك، ولا خلواتك، ثم تسأل: لماذا لست محفوظًا من القلق، والفراغ، والضياع؟، قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء: 108].
وتابع الأزهر متسائلاً: “غريبٌ هو الإنسان إذا كنت تستحيي من مخلوق لا يراك، فكيف لا تستحيي من خالقٍ لا تغيب عنه طرفة عين؟"..
اللهم هب شباب المسلمين حياءً لا يبهت، وخشية تقف بينهم وبين المعصية، وارزقهم قلوبًا إذا اختلت خافت، وإذا اجترأت ثابت، وإذا ضَعُفت آبت، وإذا أذنبت تابت وعادَت.
اللهم يسِّر لهم سُبُل العفاف والزواج، واكفهم بحلالِكَ عن حرامك، وأغنهم بفضلك عمَّا سواك.