«الفلسطينية حامية نارنا ونضالنا وحارسة دارنا وبقائنا الدائم»، بتلك الكلمات يتغنى الفلسطينيون بالدور البطولى للمرأة التى حرصت على اعتلاء أطلال المنازل المهدمة بقطاع غزة برفقة أبنائها وأحفادها، تزرع فى نفوسهم القوة والثقة بالعودة إلى ديارهم وتعميرها بعد تدميرها، وهو ما عاشته عائلة أبوحجازى، فى مخيم جباليا شمال مدينة غزة، حيث جلست المسنة التسعينية «رضا زقوت» فوق كرسى بلاستيكى، كان هو آخر ما تبقى من منزلها الواسع وحديقته المليئة بالأشجار والطيور، توجه كلماتها لأبنائها وزوجاتهم فى محاولة لتثبيتهم.

محمد غفران، 60 عاماً، ابن السيدة التسعينية، يقول لـ«الوطن»: «منزل والدتى تم قصفه وسمعنا الصوت لأنى أسكن قربها بنحو شارعين وتوجهت أنا وزوجتى وإخوتى السبعة فرأينا الدمار الذى حل بالمنزل إثر استهدافه بصاروخين.. لم يكن لدينا أمل أن تكون والدتى على قيد الحياة، ولكن كانت المفاجأة عندما دخلنا للبحث عنها فوجدناها تتكئ على عكازها وتزيل الحجارة من أمام الباب الرئيسى للمنزل وأحضرت الكرسى وجلست تقرأ القرآن فى هدوء تام».

على الرغم من إلحاح الأبناء على والدتهم لترك المنزل المدمَّر ومغادرته إلى جهة أكثر أمناً، فإنها ظلت متمسكة بالبقاء على أطلاله: «أمى ترى أنّ البقاء فى المنزل هو أحد أسلحة المقاومة ضد الاحتلال، وبالتالى حملنا حالنا وذهبنا للإقامة معها.. أمى ربتنا على أن كل ما نخسره بسبب الاحتلال هو فداء للوطن وفداء للمقاومة وللقدس وغزة، وأقل ما يمكن أن يخسره الفرد هو البيت والحجارة».

«نجوى»: اتخذت قراراً بعدم مغادرة بيتى إلا شهيدة

مشهد آخر يسطر بطولات الفلسطينيات وتمسكهن بحقهن فى البقاء ومقاومة المحتل، حيث تقول نجوى العرجانى، 65 عاماً، من سكان حى الزيتون جنوب القطاع، إنها على الرغم من المخاطر التى تحيط بمكان سكنها بسبب القصف المتواصل، اتخذت قراراً بعدم مغادرة منزلها إلا شهيدة، كما سنت الجدة الستينية عادات لأحفادها الذين يقطنون معها فى البناية المكونة من 4 طوابق بالجلوس حولها عند اشتداد القصف وسماع أصوات الصواريخ التى تتساقط من السماء وسط خوف يسكن القلوب، حيث تجلس «نجوى»، ممسكة بمصحفها تتلو آيات من القرآن الكريم بصوت مرتفع وينصت إليها الأطفال والكبار: «صرنا على هذا الحال أكثر من شهر، وأغلب سكان حارتنا نزحوا للمستشفيات والمخيمات بس أنا رفضت أترك دارى، إذا ما فينا نحمل سلاح ضد المحتل فلازم نتمسك ببيوتنا ونوعّى الأطفال ونفهّمهم إن هذا الأمر أيضاً نضال ضد المحتل».لم تتوقف محطات نضال الفلسطينيات عند التمسك بمنازلهن ورفض النزوح منها فى وقت الحرب، ليمتد الأمر إلى أبعد من ذلك.

«منال»: الفلسطينيات جسّدن بنضالهن أروع ملاحم الصمود

تقول منال عنّاد، 50 عاماً، والتى ترجع أصولها إلى مخيم الشاطئ المنكوب غرب مدينة غزة، وتقيم حالياً فى أحد مخيمات اللجوء التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، بمدينة خان يونس جنوب القطاع، إنها نشأت فى منزل عُرف عنه النضال ومقاومة الاحتلال، إذ إنّ والدتها الحاجة صفاء الرشراش، 80 عاماً، كانت من المناضلات، لافتة إلى أنّ والدتها كانت تدعم المقاومة بكل ما أوتيت من مال: «كان بيتنا محطة للقاء شباب المقاومة، وهذا الأمر منتشر بين الفلسطينيين، ليس فقط فى غزة بل فى كل شبر محتل من الوطن لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى، ورغم الحرب سنظل هنا ولن نرحل وسندحر المحتل».

وتابعت: «كان هناك العديد من الفلسطينيات المقاومات فى كل حارة ومخيم، وفى شبابى كنت أساند المقاومين برفقة بنات جيراننا، حيث كنا نراقب الشوارع، وأحياناً نساهم فى مساعدتهم للتخفى من خلال إعطاء شباب المقاومة زينا كى يرتدوه للتخفى عن أعين جنود الاحتلال، كما كنا نقود حملات كبيرة لرشق جنود الاحتلال بالحجارة، بالإضافة إلى توفير الإسعافات الأولية للشباب باستخدام البصل والعطور لإبطال مفعول القنابل المسيلة للدموع، ورغم اللحظات العصيبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى فإن روح النضال والثأر تبثها الأمهات فى قلوب أبنائهن حتى تحرير الأرض بأكملها».

وقالت منال العبادلة، نائب رئيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فى مصر، إنّ الفلسطينيات جسّدن بنضالهن ودمائهن الطاهرة أروع ملاحم الصمود والتحدى والتضحية والفداء، حيث قدمن أرواحهن قرباناً للحرية والاستقلال، وتابعت فى تصريحها لـ«الوطن»: «أنجبت الفلسطينيات أبطالاً دفعنهم إلى ساحات المجد والخلود منتصرين أو شهداء لأجل تراب فلسطين».

وسلطت «العبادلة» الضوء على دور المرأة الفلسطينية فى الأحداث الجارية، والتى اندلعت قبل أكثر من شهر منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة قائلة: «لا نستطيع أن ننكر دور الفلسطينيات اللاتى شاركن بكل ما يستطعن، فمنهن طبيبة تداوى الجرحى أو متطوعة تساعد فى إعانة المتضررين من القصف»، مشيرة إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلى، رغم اعتدائه ووحشيته التى انتهجها على مدار عقود طويلة، لم يتمكن من صد عزيمة المرأة الفلسطينية: «السيدات لا يخفن القتل والاعتقال، وستظل هناك بطولات وقصص صمود لنساء وفتيات ضحين بأنفسهن وخلدن أسماءهن فى تاريخ الوطن».

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أيقونة المقاومة رمز النضال دور المرأة الفلسطينية غزة

إقرأ أيضاً:

ياسر أبو شباب.. معتقل سابق بغزة متهم بالعمالة لإسرائيل

ياسر أبو شباب فلسطيني ولد عام 1993 في رفح جنوب قطاع غزة، ينتمي إلى قبيلة الترابين، كان معتقلا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بتهم جنائية، وأُطلق سراحه عقب قصف إسرائيل مقرات الأجهزة الأمنية. برز اسمه بعد استهداف كتائب عز الدين القسام قوة من "المستعربين" شرق رفح، تبين أن معها مجموعة من العملاء المجندين لصالح الاحتلال ويتبعون مباشرة لما وصفته المقاومة بـ"عصابة ياسر أبو شباب".

المولد والنشأة

ولد ياسر أبو شباب يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 1993، في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. تتحدر عائلته من قبيلة الترابين، إحدى كبريات القبائل العربية جنوب فلسطين، وتعود أصولها إلى قبيلة قريش، استقرت هذه القبيلة في فلسطين ومصر والأردن عقب الفتوحات الإسلامية، ويتركز أبناؤها بكثافة في قطاع غزة.

قبل عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان ياسر أبو شباب معتقلا لدى الأجهزة الأمنية في غزة بتهم جنائية، لكن أُطلق سراحه بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي المقرات الأمنية.

متهم بالعمالة لإسرائيل

برز اسم ياسر أبو شباب في المشهد الأمني بعد بث كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- في 30 مايو/أيار 2025، مشاهد توثّق استهدافها قوة من "المستعربين" التابعين لجيش الاحتلال الإسرائيلي شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

وأظهرت المقاطع المصورة تحرّك عناصر القوة قرب الحدود الشرقية، واقتحامها عددا من منازل الفلسطينيين، قبل أن يفجّر مقاتلو القسام أحد المنازل المفخخة أثناء وجود القوة بداخله، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من أفرادها.

وعقب العملية، كشف مصدر أمني في المقاومة الفلسطينية لقناة الجزيرة، أن القوة المستهدفة كانت مجموعة من العملاء المجنّدين لصالح الاحتلال، وممن أوكلت إليهم مهام تمشيط المناطق الحدودية، ورصد تحركات المقاومة، إضافة إلى نهب المساعدات الإنسانية.

إعلان

وأشار المصدر إلى أن هذه المجموعة تتبع مباشرة لما وصفه بـ"عصابة ياسر أبو شباب"، التي تعمل بتنسيق ميداني مع قوات الاحتلال داخل مدينة رفح.

تشكيل قوة مشبوهة

شكّل ياسر أبو شباب قوة خاصة في مدينة رفح، الواقعة تحت السيطرة الكاملة للقوات الإسرائيلية، بزعم تأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى بعض مناطق قطاع غزة، وذلك قبل أن تُغلق إسرائيل المعابر بشكل كامل وتمنع تدفّق المساعدات إلى القطاع.

ووفقا لتقديرات إعلامية فلسطينية، يتراوح عدد عناصر هذه القوة بين 100 و300 عنصر، ينتشرون في مواقع لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مواقع الجيش الإسرائيلي، ويتحركون بأسلحتهم تحت رقابة إسرائيلية مباشرة.

ويتمركز أبو شباب وقوته شرق رفح، قرب معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الوحيد الذي يسمح الاحتلال بمرور المساعدات منه إلى غزة. كما تتموضع قوة ثانية تابعة لأبو شباب غرب رفح، قرب نقطة توزيع المساعدات ضمن ما عُرف بالآلية الأميركية الإسرائيلية لتوزيع الإغاثة الإنسانية.

في بداياتها، أطلقت هذه المجموعة على نفسها اسم "جهاز مكافحة الإرهاب"، قبل أن تظهر لاحقا في 10 مايو/أيار 2025 تحت مسمى "القوات الشعبية".

وقد ورد اسم ياسر أبو شباب في مذكرة داخلية صادرة عن الأمم المتحدة، أشارت إليها صحيفة واشنطن بوست الأميركية، باعتباره يقود الجهة الرئيسية المسؤولة عن تنفيذ عمليات نهب ممنهجة وعلى نطاق واسع للمساعدات الإنسانية الواردة إلى القطاع.

براءة قبلية

سعى ياسر أبو شباب إلى استغلال انتمائه القبلي لتأمين غطاء اجتماعي لأنشطته، إلا أن محاولاته باءت بالفشل بعد أن أعلن وجهاء قبيلته براءتهم منه قطعا، مؤكدين أن القبيلة التي قدّمت العديد من أبنائها شهداء في صفوف المقاومة الفلسطينية لا يمكن أن تحتضن من يعتدي على حقوق الناس أو يتعاون مع الاحتلال.

في مساء الجمعة 30 مايو/أيار 2025، أعلنت عائلة "أبو شباب" في قطاع غزة براءتها الكاملة من نجلها ياسر أبو شباب، بعد تأكد تورطه في أنشطة أمنية خطِرة تخدم الاحتلال الإسرائيلي.

إعلان

وأوضح بيان العائلة، الصادر عن وجهائها، أنها كانت قد دعمت ياسر بناء على ادعائه العمل في تأمين المساعدات الإنسانية، لكن معلومات موثوقة كشفت انخراطه في ممارسات مشبوهة، وبعد مواجهته، حاول تبرئة نفسه بعرض مقاطع مصورة، إلا أن تسجيلات موثقة من المقاومة أظهرت تورطه مع تشكيلات "المستعربين" وتقديم دعم مباشر للاحتلال.

وأكد البيان تبرؤ العائلة من ياسر وكل من يعاونه، متوعدة بملاحقته ومحاسبته، ومعتبرة "دمه مهدورا" ما لم يسلّم نفسه ويعلن توبته.

مقالات مشابهة

  • ابو زيد: المقاومة تستعيد زمام المبادرة وتُربك الاحتلال ميدانيًا وسياسيًا
  • غزة واليمن ومعادلات حزيران
  • جيش الاحتلال: تحققنا من خلو المبنى قبل مقتل 4 جنود في خانيونس
  • كيف قضت المقاومة على قوة نخبة إسرائيلية في كمين خان يونس؟
  • عمليات نوعية لمجاهدي المقاومة الفلسطينية تكبّد العدو خسائر في الأرواح والعتاد
  • أمن المقاومة يحذر من “المرتزقة” شرق “رفح” ويدعو المواطنين لليقظة
  • الدويري: هذا سبب نجاعة عمليات المقاومة وارتفاع وتيرتها شمالي غزة
  • “الأحرار الفلسطينية”: واهم من يظن أن المقاومة في غزة انتهت
  • ياسر أبو شباب.. معتقل سابق بغزة متهم بالعمالة لإسرائيل
  • حماس تحذر من استمرار عمليات التعذيب والتنكيل بحق الأسرى على يد الاحتلال