البنتاغون يطوّر خيارات رد على وكلاء إيران
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
أثار تصاعد الهجمات على القواعد الأمريكية غضب مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، بسبب ما يعتبرونه استراتيجية غير متماسكة لمواجهة وكلاء إيران الذين يعتقد أنهم يتحملون المسؤولية، ويقرون بأن الضربات الجوية المحدودة التي وافق عليها الرئيس جو بايدن قد أخفقت في وقف العنف.
البنتاغون ليست لديه سوى خيارات قليلة بديلة جيدة
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن أحد المسؤولين في البنتاغون: "لا يوجد تعريف واضحاً لما نحن في صدد ردعه.
وأدى الغضب المشتعل في الشرق الأوسط بسبب الدعم الأمريكي للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، حيث قتل آلاف المدنيين الفلسطينيين في الأسابيع الستة الأخيرة، إلى زيادة القلق لدى بايدن ونوابه، من أن أي رد فعل مبالغ فيه، على الهجمات على الجنود الأمريكيين، قد يثير نزاعاً أوسع. وإلى جانب الغارات الجوية، حض مسؤولو الإدارة طهران مراراً وتكراراً خلال الشهر الماضي على كبح جماح الميليشيات التي تدعمها، محذرين من أن الولايات المتحدة لديها "الحق" في الرد "في الوقت الذي نختاره". لكن هذه التحذيرات ذهبت أدراج الرياح.
Frustration is building within the Defense Department, officials say, over the surge in Iranian proxy attacks on American military positions. https://t.co/p2nfzYdk5p
— The Washington Post (@washingtonpost) November 19, 2023
ومنذ 17 أكتوبر(تشرين الأول)، تعرضت القوات الأمريكية في العراق وسوريا لهجمات يومية تقريباً بالصواريخ ومسيّرات مفخخة، وسجل على الأقل 61 حادثاً وإصابة العديدين بجروح. وتشير البيانات التي حصلت عليها "واشنطن بوست" من البنتاغون، إلى أن الهجمات توزعت على البلدين.
ورداً على ذلك، وافق بايدن على شن ثلاث موجات من الغارات الجوية، تركزت كلها في شرق سوريا. وفي الغارة الأخيرة، في 12 أكتوبر، قال البنتاغون إنه استهدف الحرس الثوري الإيراني و"جماعات مرتبطة بإيران".
وأفاد مسؤول أمريكي أن ما يصل إلى سبعة متشددين قد قتلوا في "تقييم تقريبي" بينما يجري التحقق من النتائج.
وأفاد مسؤول دفاعي بارز بأن البنتاغون قد زود الرئيس بخيارات إضافية تتجاوز الأفعال التي تم اتخاذها حتى الآن. وأكد أيضاً أن ثمة شكوكاً متزايدة داخل وزارة الدفاع الأمريكية بجدوى المقاربة الحالية.
وفي بيان، قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، إن بايدن أكد أنه "لن يتردد في اتخاذ أي إجراء لحماية القوات الأمريكية"، وبأن الرئيس "مستعد كلياً لاتخاذ إجراءات إضافية إذا ما اقتضت الحاجة في أي لحظة لحماية شعبنا".
"Since Oct. 17, U.S. troops in Iraq and Syria have faced near-daily assault from rocket fire and one-way drones, recording at least 61 incidents and about as many injuries in that span."https://t.co/hzPggQCGsr
— Alex Thompson (@AlexThomp) November 19, 2023
ولطالما وفرت إيران الدعم لميليشيات تسعى إلى طرد الوجود العسكري في العراق وسوريا، حيث ينتشر نحو 3500 جندي لمنع عودة تنظيم داعش الإرهابي. كما تدعم طهران في لبنان حزب الله الذي يهدد قادته بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، وكذلك بالنسبة للحوثيين في اليمن. وقال البنتاغون إن الحوثيين دمروا في الأيام الأخيرة مسيّرة أمريكية من طراز ريبر كلفتها 30 مليون دولار، بينما اعترضت السفن الحربية الأمريكية في الأسابيع الأخيرة أسلحة أطلقت من اليمن في اتجاه إسرائيل.
وقالت كريستين أبي زيد مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في شهادة أمام نواب أمريكيين الأربعاء، إنه رغم تواصل الهجمات على القوات الأمريكية، فإن إيران ووكلاءها "يحاولون السير على خيط رفيع في المنطقة". وأضافت أن هذا يبدو جهداً منسقاً لتفادي "أفعال مبالغ فيها من الممكن أن تجعلهم في مواجهة نزاع مباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة بينما يواصلون فرض تكاليف باهظة من خلال دعم الهجمات المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل".
وفي تصريحاتهم العلنية، سعى المسؤولون في وزارة الدفاع إلى التقليل من شأن الهجمات في العراق وسوريا، واصفين إياها بأنها غير دقيقة وتسببت بضرر طفيف للبنى التحتية الأمريكية. وأكدوا أن كل الجنود الذين أصيبوا قد عادوا إلى الخدمة، مشيرين إلى ارتجاجات في الدماغ وأضرار جانبية "ثانوية"، وفق بيانات البنتاغون.
لكن الهجمات مستمرة في التصاعد، مما يثير القلق بأن احتمال حصول خسائر في الأرواح، يبدو مسألة وقت فقط.
وقال عضو لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ السناتور الجمهوري كيفن كرامر في مقابلة: "لا أرى أي ردع...إنهم يواصلون إطلاق النار وينتظرون منا الرد. لكننا لا نفعل، وهكذا فإنهم يواصلون إطلاق النار. وفي النهاية، فإن واحدة من هذه المسيّرات، أو أحد هذه الصواريخ، سيقتل أحد الأمريكيين". وأضاف: "أنا لا أقترح أن نبدأ حرباً شاملة ضد طهران...لكنني أعتقد أن موقفنا يتعين أن يكون أكثر نشاطاً من مجرد الدفاع فقط، لأنه في يوم من الأيام قد لا نصيب إحدى هذه المسيّرات".
ويقر مسؤول دفاعي بأن البنتاغون ليست لديه سوى خيارات قليلة جيدة بديلة من الإجراءات التي اتخذت حتى الآن، والتي تتضمن إلى الضربات الجوية الانتقامية المحدودة وتعزيز أسلحة الدفاع الجوي، نشر حاملتي طائرات بالقرب من إسرائيل وإيران. ومن شأن توجيه ضربات في العراق، على سبيل المثال، أن يؤدي إلى تفاقم المشاعر المعادية للولايات المتحدة هناك، حيث تنتشر القوات الأميركية بناء على دعوة من الحكومة في بغداد. كما أن الضربات المباشرة على إيران ستكون بمثابة تصعيد هائل.
ويؤكد مسؤول أمريكي أن البنتاغون يواصل تطوير خيارات الرد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل فی العراق
إقرأ أيضاً:
إنترسبت: ترامب عيّن نفسه قاضيا وهيئة محلفين وجلادا لقتل المدنيين في الكاريبي
نشر موقع "الإنترسبت" حوارًا أجرته المذيعة جيسيكا واشنطن مع المحامي دان كوفاليك، والصحفي نيك تورس، وغريغ ليسلي المدير التنفيذي لعيادة التعديل الأول في جامعة ولاية أريزونا، تناولت فيه قضية الضربات العسكرية الأمريكية على قوارب في الكاريبي والمحيط الهادئ والتي أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين.
وناقش الحوار أيضًا القيود الجديدة التي فرضتها وزارة الحرب الأمريكية على الصحفيين، والتي تُلزمهم بالتوقيع على تعهد من 17 صفحة يحد من قدرتهم على تغطية أنشطة البنتاغون ويقصرها على المعلومات المصرح بها رسميًا؛ حيث حذر الصحفي نيك تورس من أن الرئيس ترامب "عيّن نفسه قاضيًا ومنفذًا للأحكام"، مشيرًا إلى امتلاكه قائمة سرية بالجماعات التي يعتبرها في حالة حرب مع أمريكا ويمنح نفسه الحق في استهداف أفرادها.
أما ليسلي فقد أعرب عن قلقه من محاولات الإدارة تقويض حرية الصحافة، مؤكّدًا أن اشتراط التزام الصحفيين بعدم نشر معلومات غير مصرح بها يعني عمليًا إنهاء مفهوم الصحافة الحرة، وهو ما وصفه بأنه تطور خطير يهدد جوهر الديمقراطية الأمريكية.
وقالت جيسيكا واشنطن، في هذا الحوار الذي ترجمته ""عربي21"، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في أيلول/ سبتمبر الماضي أن إدارته أمرت بتنفيذ ضربة عسكرية ضد قارب في البحر الكاريبي، زاعمًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن القارب كان ينقل مخدرات لصالح عصابة فنزويلية.
ومنذ ذلك الحين، توسعت الضربات الأمريكية لتشمل المحيط الهادئ، حيث وثّق موقع "ذي انترسبت" 22 ضربة حتى أوائل كانون الأول/ ديسمبر، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 87 شخصًا، وقد اعتبر أعضاء في الكونغرس من الحزبين هذه العمليات "عمليات قتل خارج نطاق القانون" تستهدف مدنيين لا يشكلون تهديدًا وشيكًا للولايات المتحدة، فيما لم تقدّم الإدارة أي أدلة علنية تثبت أن هذه القوارب كانت تحمل مخدرات أو مرتبطة بكارتلات أُدرجت على قائمة "الإرهاب المرتبط بالمخدرات".
من بين الضحايا الكولومبي أليخاندرو كارّانزا ميدينا، الذي تقول عائلته إنه كان يمارس الصيد عندما استُهدف قاربه في 15 أيلول/ سبتمبر، وقد رفع محاميه دانيال كوفاليك شكوى أمام لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، متهمًا الولايات المتحدة بانتهاك الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والحق في المحاكمة العادلة، مطالبًا بتعويض لعائلة الضحية ووقف هذه الضربات.
وأوضح كوفاليك أن اختيار اللجنة جاء لأنها الجهة الأنسب لمساءلة الولايات المتحدة، كونها طرفًا في الإعلان الأمريكي الموقع عام 1948 في بوغوتا، وأضاف أن اللجوء إلى المحاكم الأمريكية صعب بسبب الحصانة السيادية، لكن اللجنة قادرة على تجاوز هذه العقبة، مشددًا على أن الهدف هو إثبات عدم قانونية هذه العمليات والمساهمة في إنهائها، وأكد أنه لا يستبعد رفع دعوى قضائية مستقبلًا.
وعن تفاصيل القضية، قال كوفاليك إن ميدينا كان أبًا لأربعة أطفال، ينتمي إلى جمعية الصيادين في سانتا مارتا، وإن قاربه تعرض لما وصفته واشنطن بـ"ضربة حركية"، أي قصف مباشر أدى إلى تدميره بالكامل. وأوضح أن اللجنة ستبدأ تحقيقًا يشمل استجواب الأطراف المعنية وطلب رد رسمي من الولايات المتحدة.
وبسؤاله عن تعيينه أيضًا من قبل الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو للدفاع ضد العقوبات الأمريكية المفروضة على الأخير - حيث تتهم إدارة ترامب بيترو بالضلوع في تجارة المخدرات - نفى كوفاليك هذه الاتهامات، مؤكدًا أنه يعرف بيترو منذ عشرين عامًا، وأن الأخير كرّس مسيرته السياسية لمحاربة الكارتلات، سواء عبر تدمير مختبرات المخدرات أو برامج استبدال المحاصيل، حيث شجع المزارعين على التحول من زراعة الكوكا - المادة الخام للكوكايين - إلى محاصيل غذائية مشروعة.
قائمة عقوبات أمريكية بدوافع سياسية
مضيفًا أن بيترو صادَر أموالًا ضخمة من شبكات المخدرات وتبرع بها لغزة، مشددًا على أن إدراجه في قائمة العقوبات الأمريكية جاء بدوافع سياسية، بسبب مواقفه المؤيدة لفلسطين ومعارضته لضربات القوارب والتدخل في فنزويلا.
وأثار بيترو أيضًا نقاشًا واسعًا حين تحدث عن إمكانية تشريع الكوكايين، وهو ما علّق عليه كوفاليك بالقول إن هناك بالفعل نقاشًا عالميًا حول تشريع جميع أنواع المخدرات، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة نفسها باتت تسمح باستخدام الماريجوانا في معظم الولايات. واستشهد بدراسة أجرتها مؤسسة "راند" قبل سنوات خلصت إلى أن معالجة الإدمان داخل المجتمع أكثر فعالية بعشرين مرة من محاولة القضاء على المخدرات عند مصدرها في دول مثل كولومبيا.
وأضاف كوفاليك أن المشكلة لا تكمن في المخدرات بحد ذاتها، بل في الظروف الاجتماعية التي تدفع الأفراد إلى البحث عن التسكين المستمر، مشيرًا إلى أن البرامج الاجتماعية التي يمكن أن تخفف من هذه الحاجة يجري تقليصها. وأكد أن تشريع المخدرات سيسمح بتنظيمها بشكل أفضل وفرض ضرائب على بيعها، ما يوفر موارد مالية يمكن استخدامها لمعالجة الإدمان ودعم البرامج الاجتماعية.
وبالعودة إلى ميدينا، الضحية الكولومبي الذي قُتل في ضربة أمريكية على قاربه، شدد كوفاليك على أن جميع من قُتلوا في هذه العمليات أبرياء، مشيرًا إلى أن الأصل في القانون أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته، ولم يُثبت أن أيًا من هؤلاء الأشخاص كان مذنبًا أمام محكمة، ولم تُوجه لهم حتى تهم رسمية من الولايات المتحدة.
وأضاف أنه حتى لو تمت محاكمة هؤلاء وإدانتهم، فإنهم لن يُعاقبوا بالإعدام لأن الاتجار بالمخدرات ليس جريمة تستوجب عقوبة الإعدام. وخلص إلى أن هذه الضربات غير قانونية ولا مبرر لها، مؤكدًا أن ما تقوم به الولايات المتحدة يفتقر لأي أساس شرعي.
في سياق آخر، كشف الصحفي نيك تورس، كبير مراسلي موقع "الإنترسبت"، أن الجيش الأمريكي شن هجومًا إضافيًا في أيلول/ سبتمبر الماضي استهدف ناجين من ضربة سابقة على قارب في البحر الكاريبي. ووفقًا لتقرير تورس، فقد ظل الناجون متشبثين بحطام القارب لنحو 45 دقيقة قبل أن يتم قتلهم.
وأثارت هذه الضربات صدمة بين المشرعين من الحزبين، حيث عبّر السيناتور الجمهوري راند بول عن استيائه خلال مقابلة مع قناة فوكس بيزنس، مؤكدًا أنه لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن قُتل أشخاص خارج القتال. حتى في حالة وجود حرب، وهو أمر يرفضه الكثيرون، فإن مجموعة من الأشخاص غير المسلحين يُزعم أنهم ينقلون المخدرات لا يمكن اعتبارهم "حالة حرب".
وبدأت إدارة ترامب في التمهيد لغزو محتمل لفنزويلا دون موافقة الكونغرس أو تقديم أدلة على مزاعمها منذ أن أطلقت حملتها ضد ما تسميه "الناركو-إرهابيين" قبالة سواحل أمريكا اللاتينية، وقد طالب أعضاء الكونغرس الإدارة بالكشف عن تسجيلات غير معدلة للضربات، ملوحين بحجب ربع ميزانية سفر وزير الدفاع بيت هيغسِث إذا لم يتم الاستجابة.
وفي ظل هذه السرية والاتهامات بارتكاب جرائم حرب، استبدل البنتاغون فريقه الصحفي المخضرم بمجموعة من المؤثرين اليمينيين مثل لورا لومر وجيمس أوكيف ومات غايتس، الذين يزعمون تغطية أنشطة الجيش لكنهم متهمون بالعمل كذراع دعائية أكثر من كونهم صحافة مستقلة، ولمناقشة هذه التطورات، استضافت جيسيكا الصحفي نيك تورس وغريغ ليسلي، المدير التنفيذي لمركز التعديل الأول في كلية القانون بجامعة ولاية أريزونا.
وبسؤاله عن الضربة الأولى وأهمية الضربة الثانية ضد الناجين، قال نيك تورس إن الهجوم وقع في الكاريبي في 2 أيلول/ سبتمبر، حيث استهدفت الولايات المتحدة ما وصفته بـ"إرهابيي المخدرات". وقد تم تدمير القارب بصاروخ أمريكي ولم يبقَ سوى جزء من هيكله، وكان هناك ناجيان جلسا على الحطام نحو 45 دقيقة تحت المراقبة، قبل أن يُستهدفا بصاروخ ثانٍ أودى بحياتهما، ثم أُطلقت صواريخ إضافية لإغراق ما تبقى.
وأشار تورس إلى أن هذه الضربة المزدوجة تكشف تسترًا من البنتاغون، إذ حاول إخفاء الأمر ولم يعترف به عند السؤال، رغم أن "الإنترسبت" كان أول من كشفه. وأفاد أن وزارة الحرب تعتبر الجيش الأمريكي في "نزاع مسلح غير دولي" مع أكثر من عشرين عصابة، لكن الضرب المزدوجة لقتل ناجين عزل يُعدّ غير قانوني وفق القانون الدولي، حيث يُعتبر الغرقى والجرحى "خارج القتال" ويجب معاملتهم كمحميين. إن قتل أشخاص متشبثين بحطام هو بمثابة إعدام فوري لأناس جرحى وعاجزين.
87 عملية قتل خارج القانون
وأوضح تروس أن الأسوأ في الأمر هو أن الولايات المتحدة أبقت الناجين تحت المراقبة لمدة 45 دقيقة قبل أن تنفذ إعدامهم. ولا تختلف هذه الضربة، رغم بشاعتها، كثيرًا عن باقي الهجمات على قوارب المخدرات، إذ شنّت واشنطن حتى الآن 22 هجومًا في الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي أسفروا عن مقتل 87 شخصًا.
وأشار خبراء في قوانين الحرب، بينهم محامون سابقون في البنتاغون ووزارة الخارجية، إلى أن هذه الحالات تُعدّ 87 عملية قتل خارج القانون، أو بعبارة أخرى 87 جريمة قتل، وليست جرائم حرب، لأن ما تدّعيه الإدارة الأمريكية من وجود نزاع مسلح غير صحيح. إن ما يجري هو عمليات قتل ينفذها الرئيس والجيش، وهذا هو جوهر القضية.
وبسؤاله عما إذا قدّمت الإدارة الأمريكية أو البنتاغون أدلة تثبت أن القتلى كانوا مهرّبي مخدرات، أوضح نيك تورس أنه لم يتم عرض أي دليل على الرأي العام. وذكّر بواقعة استهداف مركب شبه غاطس نجا منها شخصان، حيث لم يُعدموا ولم يُحاكموا، بل أُعيدوا إلى بلدانهم بعد تدمير القارب، ما يكشف غياب أدلة كافية للملاحقة القضائية.
وأشار تورس إلى أن ما تملكه واشنطن عند استهداف هذه القوارب هو معلومات استخباراتية متقدمة، سواء عبر الإشارات أو المخبرين، لكنها لا تصلح لإقامة قضية أمام القضاء. حتى لو كان بعض الركاب مهرّبين، فهذه ليست جرائم تستوجب الإعدام، إذ إن العقوبة القصوى قد تكون السجن لثماني أو عشر سنوات.
وأفاد تورس أن الأكثر إثارة للسخرية هو الأساس القانوني الذي استندت إليه وزارة العدل في تقرير سري، والذي يختلف عن تصريحات ترامب والبنتاغون. فالتقرير يعتبر أن الأشخاص على متن القوارب مجرد "أضرار جانبية"، بينما الهدف العسكري المشروع هو شحنة المخدرات نفسها، بزعم أنها تموّل الكارتيلات التي يُقال إن واشنطن في حرب معها، وهذا التبرير ليس سوى بناء قانوني زائف قائم على وهم؛ بحسب تورس.
وبسؤاله عن سبب أهمية شرعية هذه الضربات بالنسبة للأمريكيين، أكد نيك تورس أن الأمر يثير قلقًا بالغًا، لأن الرئيس ترامب نصب نفسه قاضيًا وهيئة محلفين ومنفّذًا للأحكام. فهو يحتفظ بقائمة سرية لجماعات إرهابية يعتبرها في حالة حرب مع أمريكا، ويمنح نفسه حق قتل من يصفهم بأنهم أعضاء فيها. ولا يقتصر الأمر على الجماعات الأجنبية، إذ أصدر ترامب في خريف هذا العام مذكرة رئاسية للأمن القومي (إن إس بي إم-7) تتضمن إعداد قائمة سرية بجماعات إرهابية محلية.
القتل بلا إدانة أصبح أمرًا عاديًا
وأفاد تورس أن هذا يثير سؤالاً خطيراً: ما الذي يمنع رئيسًا خارجًا عن القانون من قتل أشخاص داخل الولايات المتحدة يصفهم بأنهم "إرهابيون محليون"؟ وأوضح أن الضربات على القوارب، التي قتلت أشخاصًا لم يُدانوا بأي جريمة، إذا أصبحت أمرًا عاديًا، فلن يكون هناك ما يردع الرئيس عن تنفيذ مثل هذه الهجمات داخل أمريكا نفسها.
وبسؤاله عن استبدال البنتاغون لصحافته التقليدية بمجموعة من المؤثرين اليمينيين، أوضح غريغ ليسلي أن ذلك يجعل كشف الحقيقة أكثر صعوبة، رغم أنه سلوك يتكرر لدى إدارات مختلفة بدرجات متفاوتة، إذ تسعى جميعها للسيطرة على المعلومات لتحقيق مكاسب قصيرة المدى، لكنه غالبًا ما يرتد عليها لأن الناس يدركون متى يُحجب عنهم الحقائق.
وأشار ليسلي إلى أن ما يحدث الآن في البنتاغون، حيث يتولى الهواة مهمة التغطية الإعلامية، ليس حلًا مقبولًا، بل يمثل إنكارًا صارخًا وغير دستوري للحقوق. إنهم يستبعدون الصحفيين من تغطية البنتاغون لأنهم يرفضون توقيع تعهدات تحد من ما يمكنهم نشره، معتبرًا أن هذا أسلوب غير لائق إطلاقًا لإدارة شؤون الحكومة.
وبسؤاله عمّا إذا كان لوجود الصحفيين داخل البنتاغون أهمية، أشار ليسلي إلى أن الأمر ضروري، ليس في البنتاغون فقط بل في وكالات أخرى أيضًا، حيث تمتلك الحكومة الأمريكية مجموعة مذهلة من الخبراء في كل موضوع وأشخاص مطلعين على القضايا الحساسة. إن القنوات الرسمية لا تكشف القصة كاملة دائمًا، إذ هناك من يسعى لتقييد تدفق المعلومات، بينما الوجود داخل المبنى يتيح الوصول إلى الأشخاص خلف الكواليس والحصول على معلومات أدق حول كيفية عمل الحكومة. ولا يجب أن تكتفي الصحافة بالمؤتمرات الصحفية، بل عليها البحث عن الحقائق، وهو ما يصبح أكثر فاعلية عندما تكون داخل المؤسسة نفسها.
وأضاف تروس إلى أنه لا يحب فكرة تخصيص مكاتب للصحفيين داخل البنتاغون، لكنه يؤمن بحقهم في الوصول إلى هذه المنشأة العسكرية وغيرها، مشيرًا إلى أن بعض المراسلين الرئيسيين قد يكونون قريبين أكثر من اللازم من مصادر البنتاغون وينقلون رواياته دون تدقيق، لكنهم في المقابل يحصلون على معلومات وتسريبات يصعب على الصحفيين المستقلين الوصول إليها.
ويرى تروس أن هناك طرقًا أفضل لتعاون الصحفيين داخل المبنى وخارجه لتبادل المعلومات، حتى وإن تعذّر استخدام بعضها أحيانًا، موضحًا أن وجود الصحفيين داخل البنتاغون يمنحهم فرصًا للحصول على أخبار حصرية لا يستطيع الصحفيون الخارجيون الوصول إليها، كما يساعد على بناء علاقات وثقة مع المصادر.
وبسؤاله عن تفاصيل التعهّد الذي طُلب من وسائل الإعلام توقيعه لدخول البنتاغون، أشار ليسلي إلى أن الوثيقة كانت ضخمة ومعقدة، لكن جوهرها أنها تمنع الصحفيين من نشر أي معلومة لم تُعتمد رسميًا من مسؤولي البنتاغون، مضيفًا أن التعهّد ينص على أن الصحفي يكون في "مخالفة للقانون" إذا نشر معلومات حصل عليها من مصدر لم يُصرّح بها رسميًا، وهو ما وصفه بأنه أمر فاضح وغير مقبول.
وتابع ليسلي أن ذلك لا يقتصر على منع الصحفيين من التواصل مع مصادر خارجية، بل يفرض عليهم الالتزام حصرًا بالمعلومات الرسمية المصرّح بها، مؤكدًا أن هذا يتعارض تمامًا مع جوهر العمل الصحفي وطبيعته.
وبسؤاله عن خطورة السابقة التي يرسخها استبدال صحافة البنتاغون، أوضح غريغ ليسلي أن القضية الجوهرية هي: من يملك حق تغطية أخبار الحكومة؟ هل يقتصر الأمر على المعلومات التي توافق الحكومة على نشرها، أم على الصحفيين الذين يعملون لصالح الشعب الأمريكي ويحاسبون المسؤولين ويكشفون الحقائق؟ مؤكدًا على أن هذا الحق يتعرض للتقويض عندما تدّعي الإدارة أنها تستطيع فرض رقابة كاملة على أي معلومة لا ترغب في نشرها، وهو ما يتعارض مع التقاليد الأمريكية الراسخة في حرية الصحافة، فلا يمكن أن تكون هناك صحافة حرة إذا كانت تقوم على التعهّد بعدم نشر أي معلومة غير مصرح بها رسميًا، إن هذا النهج لم يكن قائمًا من قبل، وهو أمر مقلق أن تسعى الإدارة الحالية لجعله قاعدة جديدة.
الجيش الأمريكي ارتكب عمليات قتل وتفلت من المحاسبة
وأوضح تورس أن الجيش الأمريكي منذ تأسيس الجمهورية ارتكب عمليات قتل بحق مدنيين وتفلت من المحاسبة، بدءًا من الحروب ضد السكان الأصليين مرورًا بالفلبين مطلع القرن العشرين، ثم اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا، كما أن الإدارات الجمهورية والديمقراطية خلال العقدين الماضيين واصلت نمط القتل خارج القانون في "حروب لا تنتهي" بأفغانستان والصومال واليمن وغيرها، حيث أُخفيت تفاصيل تلك الحروب وتسترت السلطات على الضحايا المدنيين.
وتابع تورس أن التمديد الجديد لـ"الحرب على الإرهاب" الممزوجة بـ"الحرب على المخدرات" وصل إلى عتبة الداخل الأمريكي، إذ تُستخدم تصنيفات إرهابية زائفة لتبرير قتل أشخاص في الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي، وقد يحدث ذلك قريبًا داخل الولايات المتحدة نفسها. وينفذ الرئيس عمليات قتل استنادًا إلى ذرائع قانونية واهية، ما يجعل جرائم الحرب السابقة تبدو أقل فداحة بالمقارنة. لذلك، يجب على الأمريكيين المطالبة بكشف الحقائق والاعتراض على قائمة سرية للأعداء تُستخدم لتبرير الإعدامات الميدانية، بما في ذلك قائمة محلية ترفض البيت الأبيض ووزارة العدل الإفصاح عنها.
ومن جانبه، أوضح ليسلي أن الأحداث السلبية تذكّر الأمريكيين دومًا بأهمية وجود صحافة حرة، إذ أن الناس يميلون إلى اعتبارها أمرًا بديهيًا عندما تسير الأمور على ما يرام، مشيرًا إلى أن تكرار مثل هذه الممارسات، وإذا تحولت إلى سياسة رسمية، فإنه يهدد جوهر عمل الديمقراطية. ويعرقل استبعاد الصحفيين من البنتاغون بشكل مباشر قدرة الشعب الأمريكي على معرفة ما تفعله حكومته، وهو ما يجعل القضية لا تحتمل التقليل من خطورتها.
واختتمت جيسيكا واشنطن حديثها بالإشارة إلى أنه يوم الأربعاء اعترضت الولايات المتحدة ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا وصادرتها، فيما تباهى الرئيس ترامب بالعملية واصفاً الناقلة بأنها "الأكبر التي تمت مصادرتها على الإطلاق"، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل تصعيدًا لافتًا في عدوانية واشنطن تجاه فنزويلا، مع زيادة الضغط على الرئيس نيكولاس مادورو.