سلطنة عُمان.. نحو دولة صناعية متقدمة
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
إبراهيم بن سالم الهادي
التاريخ الذي سطَّره العمانيون قبل آلاف السنين في صناعة السفن العمانية وخاضوا من خلالها عُباب البحر إلى شمال وشرق آسيا في الهند والصين وأقاصي القارة السمراء، ولعل أبرز المسارات الطويلة التي وثقت متانة الصناعات العمانية هي وصول السفينة العمانية "سلطانة" إلى ميناء نيويورك في العام 1840 للميلاد.
تاريخ لو وضعناه نبراسًا منذ ذلك الوقت وانطلقنا به لبناء دولتنا صناعيًا؛ لأصبحا اليوم في مصاف الدول المتقدمة في الصناعات؛ بل قد نتفوق في صناعات عُمانية فريدة. وحرب غزة الأخيرة قدمت لنا العديد من العبر؛ حيث كشفت النقاب عن ضعف الاقتصاد العربي؛ كونها مستوردة لا صناعية ما جعلها خاضعة للدول الصناعية.
نسينا التاريخ وتركناه، فبقينا نستورد كل شيء من الإبرة إلى السفينة، التي كُنّا نصنعها ذات يوم، أصبحت اقتصادات الدول العربية مستسلمة للغرب في الحصول على ما تحتاجه من منتجات، بينما نرى القتل والتدمير في أشقائنا ونحن عاجزين، فيما نخشى اليوم المشؤوم الذي يأتي من مبدأ "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، حتى المقاطعة التي تعد أضعف الإيمان أصبحت صعبة؛ كوننا نستورد الغذاء والكساء والتقنية وكل شيء من الغرب والشرق!
وصولنا إلى هذه المرحلة من الضعف الاقتصادي يوجب علينا الخروج منه واسترداد قوتنا بالرجوع إلى تاريخنا لنستمد منه حقيقتنا؛ فنعود إلى الصناعة من جديد، وما أسهلها اليوم أمام امتلاكنا الطاقة الأساسية بأنواعها من خام النفط والغاز والهيدروجين والمعادن والتكنولوجيا وسهولة التواصل مع الحضارات والدول الصناعية الكبرى. علينا أن نُشكِّل لجنة تجمع المفكرين العباقرة والمخططين الاستراتيجيين لنصنع انطلاقة حقيقية نحو التغيير من دول مستوردة إلى دول صناعية مصدرة، من خلال وضع مناطق صناعية خاصة تقسم إلى تصنيفات متنوعة: خفيفة ومتوسطة وثقيلة، تصل إلى صناعة حاملات الطائرات وصناعة أشباه الموصلات والتكنولوجيا والسكك الحديدية والقطارات والمركبات الفضائية.
ليس هناك مستحيل أمام الإرادة خاصةً ونحن نواجه ضعفًا أمام الدول الصناعية التي تنهش من ثرواتنا بالكيفية التي تريدها، علينا أن نشحذ الهمم ونضع استراتيجية وهدفا ووقتا زمنيا مع استقطاب أو إشراك الدول الصناعية الصديقة كالصين وأمريكا وألمانيا وبريطانيا واليابان وروسيا والهند وكوريا وإيران، وغيرها من الدول الصناعية الأخرى.
لسنا في مواجهة أحد وإنما نريد أن نؤسس لأنفسنا ونعيد مجدنا، لأننا في وضع نبيع فيه برميل النفط الخام بمئة دولار وتصنع منه الدول الصناعية أدوات خفيفة تبيعها لنا بمليون دولار، ألا يكفينا مثل هذا الدرس؟ ألا يحرك فينا الرغبة لنتدارك هدر ثرواتنا التي نبيعها بأبخس الأثمان؟!
فلنفكر قليلاً ونجتمع مع الدول الصناعية ونفتح معها مجالات استثمارية في سلطنة عمان تقوم على الصناعات بمختلف أنواعها، فنحن نملك المساحات الشاسعة الفضاء والموقع الاستراتيجي الذي يسيل له لعاب العالم والطاقة كالنفط الخام والغاز والهيدروجين والشمس والبر والبحر والمعادن والطاقات البشرية وغيرها، لا نشترط عليهم تعقيدات بيروقراطية ونقمع مع ذلك أصحاب المصالح الذين يقفون دائمًا عائقاً أمام التقدم وخدمة الوطن، ونضع الحوكمة أساسا في الخطة الصناعية، فلا يمكن أن نخرج من ضعفنا إلا بالصناعة وتعزيز مفهوم التاريخ الصناعي العملاق في نفوس النشء واليافعين، وجعله حاضرا أمام الأجيال الحالية في مناهجهم الدراسية بإصدار كتاب الصناعة من الصف الأول إلى آخر فصل بالجامعات مع تعزيز الوعي بالتاريخ المشّرف للأجيال لينهلوا منه الفخر والاعتزاز وليكون حافزًا لهم لإطلاق العنان لطاقاتهم ومواهبهم في الصناعات الوطنية.
لتكن هذه المبادرة من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وتعرضها كفكرة ناضجة أمام مجلس عُمان وتُشكَّل من أجلها على الفور لجنة تنفيذية ذات صلاحيات تُزيح العراقيل والمعرقلين، ولننطلق لوضع حجر الأساس على أرض صناعية بمساحة مليار متر مربع في أرض التاريخ والحضارة سلطنة عمان، من أجل أن نمضي قدمًا نحو آفاق دولة صناعية عملاقة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الطاولة المستديرة لمنظمة التجارة العالمية تبرز مكانة سلطنة عمان في دعم النظام التجاري متعدد الأطراف
العُمانية: أكدت اجتماعات الطاولة المستديرة الثالثة عشرة لمنظمة التجارة العالمية في ختام جلساتها، على دور سلطنة عُمان في نجاح مسيرة المنظمة، والدعم الفني المقدم في انضمام عدد من الدول للمنظمة.
وجاء الاجتماع في مسقط مؤكدا الحضور المتنامي للمنطقة العربية في المشهد الاقتصادي العالمي عبر مناقشة أبرز القضايا المرتبطة بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، باعتبارها من أبرز الفعاليات الدولية التي تسلط الضوء على التحديات والفرص المرتبطة بالاندماج في النظام التجاري متعدد الأطراف.
وأكد عدد من المسؤولين والمختصين أهمية المنظمة في تعزيز اقتصاديات الدول الأعضاء وتوفير بيئة جاذبة للتجارة والاستثمارات، مع استعراض نجاح تجربة سلطنة عُمان في مسيرة المنظمة خلال الأعوام الـ25 الماضية، ودورها الفاعل في التنسيق الفني والدعم المتواصل بين دول الأعضاء ما يسهم في دفع عجلة بيئة الاستثمارات.
وأشاروا إلى أن استضافة سلطنة عُمان لهذا الحدث الدولي تأتي في إطار دعمها المتواصل لجهود التعاون الدولي، وترسيخ مكانتها كونها منصة رئيسية للحوار الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي. مع تعزيز الشراكات الدولية، وإبراز أهمية التكامل الاقتصادي العربي، وتحفيز الاستثمار، في ظل الحاجة المتزايدة إلى آليات تجارية عادلة وشاملة، تعكس تطلعات الشعوب نحو نمو مستدام وشراكة متوازنة.
وأوضح سعادة الدكتور صالح بن سعيد مسن وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والاستثمار أن أهمية اجتماعات الطاولة المستديرة الثالثة عشرة لمنظمة التجارة العالمية تكمن في دعم الحوار البنّاء والتعاون ضمن النظام التجاري متعدد الأطراف، وكونها منصة لتبادل الآراء والتجارب بين الدول الأعضاء في المنظمة خاصة أن سلطنة عُمان عملت خلال السنوات الماضية على تحديث منظومتها التشريعية وبيئة الأعمال بما يتوافق مع معايير منظمة التجارة العالمية، ولم تكتفِ بالانضمام إلى المنظمة، بل كانت من الدول الفاعلة التي أسهمت في تطوير العمل داخل المنظمة، وقدمت الدعم الفني للعديد من الدول، خصوصًا الدول العربية، في مساعيها للانضمام.
بدوره قال سعادة الشيخ خليفة بن علي الحارثي وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية: إن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يمثل محطة استراتيجية تفتح آفاقًا واسعة للنمو والاستثمار، وتعزز القدرة التنافسية مؤكدًا أهمية إيجاد بيئة تجارية تتسم بمزيد من الشفافية والعدالة، وتمكّن الدول النامية والناشئة من المشاركة الفاعلة في الأسواق العالمية وتعزيز الشراكات الدولية.
وقال سعادة بنكج كيمجي مستشار التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة الخارجية والتعاون الدولي: أن البيئة الاستثمارية في سلطنة عُمان قد شهدت تضاعفًا ملحوظًا خلال الأعوام الـ 25 الماضية منذ الانضمام إلى المنظمة؛ حيث تجاوز حجم الاستثمارات حاليًّا 30 مليار دولار. كما تنوّعت الاستثمارات لتشمل قطاعات متعددة مثل: الغذاء، والخدمات اللوجستية، والنفط والغاز، إضافة إلى مجالات أخرى تسهم في جذب الاستثمارات من مختلف دول العالم.
من جانبها أكدت هيلدا بنت علي الهنائي الأمين العام للغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة بجنيف على الدور الحيوي الذي تضطلع به سلطنة عُمان في إطار منظمة التجارة العالمية، مشيرة إلى أن انضمام سلطنة عُمان للمنظمة مثّل خطوة استراتيجية أسهمت في دعم نظام التجارة متعدد الأطراف، وتعزيز بيئة استثمارية جاذبة قائمة على الشفافية والانفتاح.
من جانبه تطرق فيصل بن علي الهنائي نائب رئيس بعثة سلطنة عُمان لدى منظمة التجارة العالمية إلى أهمية اجتماعات الطاولة المستديرة بوصفها منصة سنوية رفيعة المستوى تجمع ممثلي الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية والدول الساعية للانضمام، مشيرًا إلى مبادرة سلطنة عُمان في تعزيز التعاون العربي والدولي تحت مظلة المنظمة، وترسيخ مكانتها كمركز للحوار الاقتصادي والدبلوماسية التجارية على المستويين الإقليمي والدولي خاصة وأن سلطنة عُمان تُعد من الدول الفاعلة في منظمة التجارة العالمية؛ حيث تلتزم بتعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف وتحرص على دعم جهود الشفافية والانفتاح الاقتصادي الهادفة إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز الشراكات التجارية والاستثمارية مع مختلف دول العالم.
وأشاد سعادة يان دونغ نائب وزير التجارة بجمهورية الصين الشعبية بالدور البارز الذي تضطلع به سلطنة عُمان في منظمة التجارة العالمية، مشيرًا إلى أن انعقاد الجلسة في مسقط بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لانضمام سلطنة عُمان إلى المنظمة يمثل فرصة فريدة لمناقشة سبل تسريع انضمام الدول الأخرى إلى المنظمة، وتعزيز استفادتها من النظام التجاري متعدد الأطراف.
وأشار إلى أن بلاده ستستمر في تنفيذ اتفاقيات مثل "تسهيل الاستثمار من أجل التنمية" و"التجارة الإلكترونية"، ومواءمة سياساتها مع القواعد الاقتصادية والتجارية الدولية الرفيعة المستوى، من أجل تقديم فرص تنموية جديدة ومشاركة عوائد النمو مع مختلف الدول.
من جانبه أشاد سعادة السفير شيانغتشن جانع نائب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية بدور سلطنة عُمان الفاعل في المنظمة، مؤكدًا أن الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عامًا على انضمام سلطنة عُمان هو مناسبة مهمة لاستعراض الإنجازات واستشراف المستقبل ، وموضحا بأنه سيتم خلال هذا الحدث مقارنة الرؤى الاقتصادية للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وتنفيذ دراسة عربية مشتركة لتسليط الضوء على أفضل الممارسات في عمليات الانضمام المكتملة والجارية، بالإضافة إلى استعراض خرائط طريق قد تجذب أعضاء جددًا قبيل انعقاد المؤتمر الوزاري المقبل في الكاميرون.