شبهات وردود بالجامع الأزهر: لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون وعي
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
عقدَ الجامع الأزهر أمس الثلاثاء، حلقة جديدة من ملتقى شبهات وردود، والتي جاءت بعنوان "الوعي وأثره في بناء المجتمعات"، وحاضر في هذا الملتقى د. محمد أبو زيد الأمير، نائب رئيس جامعة الأزهر السابق، و د. جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة، ود. حسني التلاوي، أستاذ البلاغة والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة ووكيل الكلية السابق، وأدار الحوار د.
محمد عبد المجيد الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر.
وقال الدكتور محمد أبو زيد الأمير: إنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم أو ينهض دون وجود وعي بين أفراده، وعليه فالمنطلق الأساسي لتقدم الشعوب هو الوعي بين أفراده، فالوعي يقصد به السلوك والتصرف المبني على قناعة وثقافة حقيقية أصيلة، ولذا فالوعي يجعل الأمة تكون على دراية بما يُحاك تجاهها، فلابد من نشر الوعي بين أفراد الأسرة ومن ثم بين أفراد المجتمع كله.
وشدد د. الأمير، على أن أساس الوعي هو بناء الشخصية، فالمجتمع الذي يُبنى على وعي صحيح هو الذي يتأتى معه النهوض بالأوطان، وعماد رفعة الأوطان تكون بالعلم، وعليه يجب استقاء العلم من منبعه الأصيل، فعندما دخل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد في الكوفة ووجد رجلا يفتي في المسجد، فسأله أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال الرجل لا، فسأله أتحفظ القرآن الكريم؟ فقال الرجل لا، فسأله سيدنا علي ماذا تعرف عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: القليل، فمنعه الإمام علي رضي الله عنه من التصدر للكلام بين الناس، لأنه يجب على من يقوم بتوعية الناس بمبادئ دينهم أن يكون على علم ودراية حقيقية بكل ما يتعلق بهذه الأمور، وكما ورد عن السلف الصالح: المجترئ على الفتوى كالمجترئ على النار برجله.
من جانبه، أكد د. جميل تعيلب، أن موضوع الوعي وأثره في بناء المجتمعات هو من الموضوعات العصرية، والتي فهمناها وعملنا بها، ونستطيع أن نحل مشاكل مجتمعنا المسلم بل والمجتمعات غير المسلمة، موضحا أن الله سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح عباده فقد قال الله تعالى " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"، وأن الحق سبحانه وتعالي بيّن لنا الأمور التي يجب على الإنسان أن يراعيها.
ولفت د. تعيلب، إلى أنه إذا نظر نا إلى الديانات السماوية وإلى المذاهب الفكرية وإلى الفلسفات جميعاً نجد أنها ما جاءت إلا لبيان الوعي المجتمعي ومعرفة ما يدور من حولنا، فالفلسفة تدور حول ثلاث محاور رئيسة (الله - الإنسان- العالم) ، وبين أن النبي دعا إلى وعي المجتمعات وأن الحق سبحانه وتعالى قال عن نبيه: (هوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)، فتقدم الأمم والشعوب يقاس بما تمتلكه من الوعي بأمور دينهم ومجتمعهم.
وبيّن وكيل كلية أصول الدين، عددا من صور الوعي والتي من أهمها الوعي العَقَدي، إذ إن العقيدة هي أساس كل شيء وأن دعوات الأنبياء عليهم السلام جميعاً ما جاءت إلا لإثبات العقيدة الصحيحة، وبين فضيلته أن النبي طيلة حياته كان يعمل على تنمية الوعي العقدي عند الناس، كما تناول فضيلته وعي الناس في وجود الإنسان على الأرض وأن الله سبحانه وتعالي جعل الناس على الأرض لإعمارها قال تعالي "وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها " ، ثم تناول فضيلته الوعي الأخلاقي وأن الله سبحانه وتعالى حين أخبر عن نبيه قال"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وتحدث النبي ﷺ عن نفسه فقال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وأنه لابد من توعية الوعي الأخلاقي لدى الناس ، وبين فضيلته الوعي بسماحة الدين الإسلامي وأن النبي ﷺ "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق" يعني بذلك عدم التَّكَلُّف، وأن نؤدي ما شرع الله من دون تكلف، وبذلك يوصينا النبي ﷺ بالرفق في كل مناحي الحياة.
وفي السياق ذاته، أوضح د. حسني التلاوي، أن من دعائم بناء الوعي بين أفراد المجتمع والوعي بين الأمم والوعي بشكل عام، تطبيق ما جاء في ديننا الحنيف فقد أمر الله سبحانه نبيه بقوله: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"، فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم؛ فالعفو ما عفي من أخلاقهم وسمحت به وأن الْعَفْوَ: أي: الميسورَ مِن أخلاقِ النَّاسِ، والعفوُ يُطلق على ضدِّ الجهدِ، فكلُّ شيءٍ متيسرٍ، لا مجهودَ فيه يسمَّى عفوًا، وأصلُ العفوِ: القصدُ لتناولِ الشّيءِ، مؤكدا أن الفرق بين التغابي والتغافل فإنك حين تتغافل: تظهر أنك لم تر ولم تسمع وحين تتغابى: تظهر أنك لم تفهم، التغافل وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور، والتغابي ليس غباءً، بل هو فن تصنع الغباء بذكاء، قال أبو تمام: لَيسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَومِهِ ** لَكِنَّ سَيِّدَ قَومِهِ المُتَغابي
من جانبه، أكد الدكتور محمد عبدالمجيد، الباحث بوحدة العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر الشريف، أن الوعي يعد ركيزة من ركائز تقدم أي مجتمع وتطوره، بل له دورٌ كبيرٌ ورئيسيٌّ في استقرار المجتمع والنهوض به ، وذلك بالرفع من شأن أفراده، ليس هذا فحسب بل يشكل الوعي خطوة مهمة في تطوير الذات، وخُلق الإنسان المبدع المثقف المتفهم ، فلا شك أن قضية بناء الوعي هي القضية الفارقة في المرحلة الحالية، ويجب أن نحمل على عاتقنا معركة بناء الوعى الصحيح من أجل تطهير المجتمع المصري من الأفكار الدخيلة التي استخدمت سلاح بث الشائعات والأكاذيب وترويجها لقتل روح الأمل في قلوب الشعب المصري ، ولا شك أن التنمية والاستقرار هما الأمل المنشود لكافة دول العالم.
وبين أنه إذا نظرنا إلى تطوير الوعي نجد أنه يبدأ من الذات أولاً وذلك من خلال مراقبة الإنسان لنفسه ومراقبة أفكاره ومشاعره وسلوكه وثقافته، موضحا أن الناظر في القرآن المجيد والسنة العطرة المباركة والسيرة النبوية وأحداث التاريخ الإسلامي والإنساني يرى تعدد صور البناء للوعي الإسلامي الوعي بقيمة الأخلاق والسلوك ، والوعي بحقيقة التدين والالتزام بالدين والوعي بقيمة الوطن والانتماء الحقيقي له الوعي بقيمة الوحدة في حياة الأمة، وذلك من خلال إدراك حقيقة الاعتصام الذي أمرنا الله به وأنه سبيل عصمة الأمة من نار الفرقة في الدنيا ومن نار العقوبة في الآخرة، وكذلك إدراك الوعي بخطورة النزاع وأنه يؤدي للفشل المحتوم وذهاب القوة
وبيَّن فضيلته أنه إذا تحققنا بهذا الوعي في جوانب الفكر والسلوك والحياة فإننا سنصل إلى برِّ الأمان -بإذن الله- في الدينا والآخرة، وسنحفظ لأنفسنا وأوطاننا الكرامة والعزّة والرّخاء.
يذكر أن ملتقى شبهات وردود يعقد كل ثلاثاء بالجامع الأزهر الشريف، برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، وإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المنعم فؤاد المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، والدكتور هاني عودة مدير الجامع الأزهر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجامع الازهر بالجامع الأزهر الله سبحانه الوعی بین وأن ال
إقرأ أيضاً:
انتبه .. حالة واحدة لا يكون الابتلاء سببا في رفع درجات العبد
الابتلاء دائما ما يكون سببا في رفع الدرجات وزيادة حسناته وهذا صحيح في أغلب الأحوال، لكن الشريعة بيّنت أن هناك حالة واحدة يأتي الابتلاء على الإنسان دون أن يُكتب له أجر أو تُرفع له درجة.. وفي هذا التقرير نوضح هذه الحالة، ونتأمل كيف يمكن أن يكون البلاء سببًا في البُعد عن الله.
حالة واحدة لا يكون الابتلاء سببا في رفع درجات العبدوفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد مهنا، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الابتلاء ليس دائمًا سببًا للترقي، بل يعتمد على كيفية استقبال الإنسان له.
وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر، في تصريحات تلفزيونية: "يقال أن العبد يترقى بالابتلاء، ولكن فى الواقع ليس كل ابتلاء يؤدى إلى الترقى، بل قد يؤدى إلى السقوط أو الضياع إذا لم يتم التعامل معه بالشكل الصحيح".
وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر، أنه من المهم أن نفهم أن الابتلاء قد يرفع الإنسان أو يخفضه، حسب رد فعله تجاهه، كما ورد فى الحديث الشريف، فإن أشد الناس ابتلاء هم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، لكن ليس المهم فى الابتلاء ذاته، بل فى كيفية تعامل الإنسان معه، فالإيمان بالابتلاء يتطلب الصبر والرضا، وإذا استسلم العبد لله فى حال الابتلاء، فإنه يرتقى روحيًا.
وأضاف: "الله أعلم بما هو خير لنا، وإذا نظرنا إلى الابتلاء كفرصة للتقرب إلى الله، فإننا نرتقى ونحقق التوازن الروحى الذى يرضى الله سبحانه وتعالى".
أمينة الإفتاء: مستحضرات التجميل ليست عذرًا شرعيًا يبيح التيمم
هل ملامسة عورة الطفل أثناء تغيير ملابسه ينقض الوضوء؟.. الإفتاء تجيب
هل يجوز إلقاء بقايا الطعام في القمامة؟.. الإفتاء تجيب
المفتي يبحث مع رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة الارتقاء بخدمات دار الافتاء
كيفية الأذان والإقامة عند الجمع بين الصلاتين.. دار الإفتاء تجيب
هل الحر الشديد من علامات غضب الله؟.. الإفتاء تحسم الجدل
وأضاف: "الابتلاء لا يغيّر القدر، لكن الرضا والصبر يغيرانك أنت.. والجزاء على حسب الموقف"، مشيرًا إلى أن من رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط، محذرًا من التذمر المستمر والجزع، فالصبر وإن كان مرًّا في طعمه إلا أن عاقبته أحلى من العسل.
وأكد أن الرضا هو السبيل الأصيل للتعامل مع الأقدار، داعيًا كل من يمر بابتلاء أن يتذكر أن "القدر واقع لا محالة، فاختر طريق الرضا وابشر بالفرج"، مستشهدا بقول الله تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"، موضحًا أن الجزاء الإلهي للصابرين ثلاثي الأبعاد: "صلوات من ربهم، ورحمة، وهدى".
هل الابتلاء يدل على محبة الله؟من جانبه، قال الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، إن الابتلاء في حياة الإنسان ليس نقمة، بل هو أول دليل على محبة الله لعبده، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه"، مؤكدًا أن هذه اللحظات من البلاء تكشف للإنسان معادن نفسه، وتجعله يعيد النظر في علاقته بالله واحتياجاته الحقيقية.
وأوضح خلال تصريحات تلفزيونية، أن الابتلاء يفتح للعبد بابًا من الفهم والتسليم، ويكشف له من يحبونه بصدق، كما يبرز له جوانب من قوته الداخلية لم يكن يدركها، مبينًا أن "الابتلاء حب كبير من ربنا، لا يشعر به إلا من تعلقت روحه بالله وكان له رصيد إيماني قوي".
وأضاف: "الابتلاء لا يغيّر القدر، لكن الرضا والصبر يغيرانك أنت.. والجزاء على حسب الموقف"، مشيرًا إلى أن من رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط، محذرًا من التذمر المستمر والجزع، فالصبر وإن كان مرًّا في طعمه إلا أن عاقبته أحلى من العسل.
وأكد الدكتور أسامة أن الرضا هو السبيل الأصيل للتعامل مع الأقدار، داعيًا كل من يمر بابتلاء أن يتذكر أن "القدر واقع لا محالة، فاختر طريق الرضا وابشر بالفرج"، مستشهدا بقول الله تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون"، موضحًا أن الجزاء الإلهي للصابرين ثلاثي الأبعاد: "صلوات من ربهم، ورحمة، وهدى".
وتابع: "كل من مر بابتلاء سيكتشف لاحقًا أن في قلب كل محنة منحة عظيمة، وأن بعد الصبر فرجًا كبيرًا، لأن الله لا يبتلي إلا من أحب، ولا يترك قلبًا لجأ إليه دون أن يهديه ويواسيه".